-->

ثورة 20 ماي: عندما تنتصر الارادة في ان انتزاع الحق المشروع


بقلم: الديش محمد الصالح
كانت كلمات مفجر ثورة عشرين ماي الخالدة، التي نخلد هذه الايام ذكراها السادسة والاربعين، الشهيد الولي مصطفى السيد اختزلت الوصف الحقيقي للوضع القائم وقت الاعلان عن الثورة لما قال ان "الثورة في الساقية الحمراء ووادي الذهب أعلنت اعتمادا على أشياء حتمية الوقوع، وليس على أشياء كانت موجودة بالفعل". وهذا يعني ان الثورة عقدت العزم على الانتقال بالشعب الصحراوي من العدمية السياسية الى الوجود في اطار كيان وطني مستقل، وعلى مواجهة ذلك الوضع مهما كان حجم تحدياته ومهما كانت قلة الامكانيات والوسائل وانها قادرة على أحداث تغيير جذري في ذلك الواقع مهما بلغ نوع التحالفات مع المستعمر ومهما تعدد الأطماع التوسعية، ومهما وصل الشعب الصحراوي من تمزق بسبب القبلية والجهل والتخلف. ان قلة عدد الذين أعلنوا الثورة لم يكن مهما بقدرما كان الاهم هو احتضان الشعب لها، الذي هو وحده القادر على انجاحها وتحقيق أهدافها، وذلك ما اظهره بالفعل الشعب الصحراوي خلال سنوات المواجهة مع الاستعمار الاسباني وبعده مع الغزو المغربي.
كان اعلان الثورة في الساقية الحمراء ووادي الذهب سنة 1973، الذي جاء كثمرة مقاومة طويلة ومريرة، شكل منعطفا كبيرا في تاريخ الشعب الصحراوي، بحيث أسس لرؤية حضارية جديدة ليس فقط في الكفاح من أجل تحرير الوطن وانما ايضا في بناء المجتمع والدولة الصحراوية العصرية. لقد كانت سرعة التفاف الجماهيرية حول الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب فاجأت الاستعمار الاسباني، مما شجع على إعلان الكفاح المسلح يوم 20 ماي 1973 للتعجيل برحيله والتسليم بالإرادة الصحراوية. 
وإذا كانت ثورة العشرين ماي حطمت الرقم القياسي في سرعة انتشار الوعي في أوساط الجماهير، رغم الجهل والتخلف والقبلية، وأطرتها خلف ممثلها الشرعي والوحيد جبهة البوليساريو، فإن المقاتلين الصحراويين كذلك حطموا الرقم القياسي في الشجاعة والإقدام والتضحية، بحيث انهم حاربوا الجيش الاسباني الذي يدعي ربح 99 حربا وانتصروا عليه بوسائل بسيطة، وتكرر نفس الشيء خلال الحرب التي خاضوها ضد الجيشين المغربي والموريتاني (ابان حكم المخطار ولد داداه) وصلت عمق تراب البلدين، والتي توجت بانتصار المقاتلين الصحراويين، رغم أن لا مجال للمقارنة لا في العدد ولا في العتاد ولا حتى في الخبرة. وقد تحقق النصر بفضل الله وايمان المقاتلين الصحراويين بمشروعية حقهم واستعدادهم للتضحية من أجله، وهذا عاملا مفقودا لدى جنود الجيشين المغربي والموريتاني وقبلهما الجيش الإسباني. وبعد انسحاب موريتانيا من الجزء الذي كانت تحتله، واصل الجيش الصحراوي صنع الامجاد تلو الامجاد مكبدا الجيش المغربي الغازي خسائر فادحة في الأرواح والمعدات حيث أسر آلاف الجنود وضباط الصف والضباط المغاربة وغنم الكثير من العتاد الحربي، فارضا على ملك المغرب الراحل الحسن الثاني الإقرار بضعفه أمام ضربات جيش التحرير الشعبي والاعتراف بحق الشعب الصحراوي المشروع في تقرير المصير والاستقلال والقبول بوقف إطلاق النار سنة 1991 والتوقيع على خطة اممية-افريقية للتسوية تقضي بتنظيم استفتاء لتقرير المصير. 
كان صيت الانتصارات العسكرية لجيش التحرير الشعبي الصحراوي فتح أبواب كثيرة عبر العالم، بحيث اتسعت رقعة التأييد لحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير والاستقلال، وتوالت الاعترافات بالدولة الصحراوية عبر جميع القارات وتبوأت الدولة الصحراوية مكانتها في المنتظم الافريقي، لتصبح اليوم من المؤسسين التاريخيين للاتحاد الافريقي سليل منظمة الوحدة الافريقية. 
انها ثورة العشرين ماي التي استطاعت القضاء على الجهل والتخلف في فترة وجيزة، وفي غمرة الحرب ارست دعائم مؤسسات الدولة الصحراوية واسست لبناء مجتمع راقي شد انتباه العالم بتنظيمه، بأساليب كفاحه الحضارية، بمقاومته العسكرية والسلمية وبصموده وتصميمه على انتزاع حقه المشروع.
وبعد ستة وأربعون سنة، تكون ثورة العشرين ماي قد راكمت من الانجازات والمكاسب ما يجعلها قاب قوسين أو أدنى من تحقيق النصر المتمثل في تحرير الوطن والاستقلال. فالشرارة التي اطلقتها جماعة قليلة منذ ستة واربعين تحولت اليوم الى حقيقة سياسية وعسكرية فرضت التسليم بالدولة الصحراوية دوليا، قاريا وجهويا، باعتبارها عامل للاستقرار والسلام والتوازن في المنطقة . فهنيئا لشعبنا على هذه الإنجازات والمكاسب التي تحققت بفضل التضحيات الجسام التي قدمها أبناؤه وبناته، وهنيئا لمقاتلي جيش التحرير الشعبي الاشاوس والمجد والخلود للشهداء الابرار.

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *