-->

ترجمة جديدة لكتاب الملك المفترس



وكالة الانباء المستقلة بين يدي قرائها الكرام هذه الوثيقة الرقمية التي تعتبر ترجمة جماعية من الفرنسية للعربية لكتاب الملك المستحوذ الذي كتبه الصحفيان الفرنسيان كاثرين غراسيي و إريك لوران والذي نزل للمكتبات الفرنسية يوم فاتح مارس 2112،عن دار النشر لوسوي Le seuil والممنوع في المغرب في صيغته الورقية. إنها ثمرة عمل جماعي انخرط فيه مواطنون مغاربة لنشره على شبكة اإنترنت والشبكات ااجتماعية، بغية تعميم الفائدة والمساهمة في نشر الوعي الذي كان دوما وسيظل أقوى ساح ضد الظلم وااستبداد والفساد بجميع أنواعه.
عنوان الملك المفترس قد يبدو للوهلة اأولى مستفزا إلى درجة التحامل أو مبالغة إعامية لجذب القارئ! لكنك عندما تفرغ من قراءة الكتاب تقتنع بأن العنوان ليس مبالغة وا تحاما، بل هو الحقيقة الصادمة لواقع المغرب، والترجمة الصادقة لهيمنة الملك محمد السادس على خيرات البلد، لذا يغدو مصطلح المفترس مناسبا، علما أن بعض الحيوانات تترفع عن اافتراس عندما تشبع.
مقدمة الترجمة
هذه الوثيقة الرقمية ترجمة جماعية من الفرنسية للعربية لكتاب Le roi prédateur الذي كتبه الصحفيان الفرنسيان كاثرين غراسيي Catherine Graciet و إريك لوران Eric Laurent والذي نزل للمكتبات الفرنسية يوم فاتح مارس 2112 ،عن دار النشر لوسوي Le seuil والممنوع في المغرب في صيغته الورقية. إنها ثمرة عمل جماعي انخرط فيه مواطنون مغاربة لنشره على شبكة الإنترنت والشبكات الاجتماعية، بغية تعميم الفائدة والمساهمة في نشر الوعي الذي كان دوما وسيظل أقوى سلاح ضد الظلم والاستبداد والفساد بجميع أنواعه.../...


عنوان الملك المفترس قد يبدو للوهلة الأولى مستفزا إلى درجة التحامل أو مبالغة إعلامية لجذب القارئ! لكنك عندما تفرغ من قراءة الكتاب تقتنع بأن العنوان ليس مبالغة ولا تحاملا، بل هو الحقيقة الصادمة لواقع المغرب، والترجمة الصادقة لهيمنة الملك محمد السادس على خيرات البلد، لذا يغدو مصطلح المفترس مناسبا، علما أن بعض الحيوانات تترفع عن الافتراس عندما تشبع.


لقد بدأ محمد السادس مشواره ملكا للفقراء، في دعاية رسمية اجتهدت في إظهار صورة الملك الإنسان الزاهد في البروتوكول والمال. بعد 12 سنة من الحكم تحول إلى مفترس! الكتاب يرصد هذا التحول من الملكية الاجتماعية حيث الملك الشاب يوزع قفة رمضان أو"الحريرة الملكية"، إلى ملك بيزنيس مان يهيمن على الأخضر ويترك اليابس للآخرين.


لقد تحول من ملك للفقراء إلى ملك على الفقراء، وتحول المواطن إلى زبون من زبائن الشركات الملكية التي لم تترك قطاعا اقتصاديا إلا واقتحمته عنوة! مع التفنن في سن قوانين بالمقاس تصب في مصلحة تنمية الثروة الملكية. ولأن المهمة قذرة! فقد كان لا بد أن يتصدى لها أشخاص لهم مواصفات القذارة والجشع والتكالب على جمع المال وتكديسه باسم الملك وللملك وبالملك. في نفس الوقت، وبينما تتضخم ثروة الملك، تتراجع تصنيفات المغرب في المؤشرات الدولية:


· لقد تخلف سنة 2111 مقارنة مع 2111 من الصف 135 إلى 138.
· في حرية الصحافة ومن 116 إلى 119 في مؤشر الديمقراطية ومن 114 إلى 131 في سلم التنمية البشرية.
لقد برز اسم منير الماجيدي الذي ورد في الكتاب أكثر من مئة مرة، فقد حَدَّد أو حُدِّد له مهمة تمليك اقتصاد المغرب وتفويته للملك والسهر على تضخيم الثروة الملكية إلى درجة الجنون و بكل الأساليب! لا يبالي أن يمتلك أمير المؤمنين أكبر متاجر للخمر، ولا يتورع أن يشتري له أسهما في الكازينوهات بالداخل كالذي كان بمنتجع مازاكان السياحي قرب مدينة الجديدة، قبل أن يتخلص منها بعد أن كتبت في الموضوع أسبوعية لوجورنال الموؤدة، أو بالخارج حيث نشرت إحدى الدوريات الاقتصادية الأجنبية خبر خسارة الملك لملايين الدولارات في كازينوهات بجزيرة ماكاو أقصى جنوب شرق آسيا. كما استحوذ الرجل باسم الملك على ميادين الثقافة والرياضة لأجل تحويلها إلى أرقام و صفقات.
لعل القارئ يلامس أيضا هذا الجشع وهذا الإرهاب المالي عندما يفرض الملك ميزانية القصر على البرلمان القديم والجديد، من دون نقاش حول المبالغ المقدسة، ثم بعد ذلك يتعامل القصر مع شركات تابعة للأخطبوط الملكي من أجل تمويل رغبات القصور التي تستنزف 7 مليون درهم يوميا من المال العام والحرص على ضخ أموال من صندوق المقاصة للشركات الملكية، ناهيك عن إعفاء بعضها من الضرائب مثل تجميد الضريبة على الأنشطة الفلاحية، أو سن قانون للضرائب يصب أولا في مصلحة الشركات الملكية المحظوظة، ويبلغ الافتراس مداه عندما يصبح التلاعب بسوق البورصة سبيلا للاغتناء وإثراء الأصدقاء والرفاق.


إن قيمة الكتاب تكمن في أنه شهادة بالأرقام على حجم فساد المؤسسة الملكية واستبدادها المالي، شهادة معززة بالأمثلة الملموسة فلا تترك للقارئ أدنى فرصة للتشكيك في مصداقية المؤلفين، ينضاف إليها شهادات المحيط القريب من مطبخ الأحداث، بعضها تسربت خلسة للرأي العام، وبعضها ملأ الجرائد ولا يزال، ومنها ما انتقلت فضائحه للقضاء في الخارج، وبعضها الأخر اقتفاها المؤلفان، بعدما ضجر المقربون من المخزن من تصرفات الماجيدي وفريقه.


أضف لذلك خبرة إريك لوران الذي دخل القصر الملكي من أوسع أبوابه حينما كتب مذكرات الملك الحسن الثاني مما أتاح له فرصة الرصد من الداخل، ولمسة الصحفية والمحققة البارعة كاثرين غراسيي التي عملت في أسبوعية لوجورنال المتخصصة في النبش في تداخل المال والسياسة مما جعلها في مرمى نيران الماجيدي، فلم يرف له جفن إلا والأسبوعية مغلقة الأبواب. علاوة على خبرة غراسيي في تناول الزواج غير الشرعي بين
الحكم المستبد والمال العام المنهوب، حيث سبق لها و أن فجرت قنبلة في كتاب "حاكمة قرطاج" المشترك مع الصحفي نيكولا بو، والذي تناول الهيمنة الطرابلسية لعائلة زوجة الرئيس التونسي المخلوع.


إن فريق الترجمة يتقدم بالشكر الخالص إلى كل منهما على الشهادة الموضوعية التي تكشف حجم الخرق وهول الفساد، كما يعتذر لهما على ترجمة الكتاب دون إذن منهما أو من دار النشر لوسوي، ولكن ما من سبيل آخر لكي يستطيع القارئ المغربي - والعربي عموما- الاطلاع على الوثيقة بعدما كان من الصعب جدا ولوج الكتاب وتداوله داخل المكتبات المغربية.


علاوة على وجود مئات الآلاف من المغاربة المبحرين على الشبكة العنكبوتية من شأنه كسر الموانع.


وفي الأخير نترك للقارئ أن يتأمل هذه المعطيات ويتساءل هل هذه المنظومة قابلة للإصلاح من الداخل كما يزعم الزاعمون؟...


فريق الترجمة يتمنى قراءة ممتعة للجميع.
11 مايو 2112




******
مقدمة الكتاب
يصف كتابنا هذا افتراسا ملكيا. منذ توليه العرش في عام 1999 ، أحكم محمد السادس سيطرته التعسفية على الاقتصاد المغربي ضمن استراتيجية الاستحواذ التي يطبعها الفساد المستشري بين المقربين منه . يواصل النظام الملكي في المغرب، ونحن في عام 2112 ، فرض الصمت والسرية على تصرفاته، وهذا جعل تحقيقنا محفوفا بالصعوبات . على مدى عدة أشهر، التقينا أكثر من أربعين شاهدا على التراب المغربي ولكن أيضا في الخارج، توخياً للحذر . ولتجنب التسريبات، لم نكشف في بعض الأحيان لمخاطَبينا إلا جزء اً من مشروعنا. ينقسم الذين وافقوا على الحديث إلى ثلاث فئات: رجال من الدائرة الأولى المحيطة بالملك أو من المقربين من القصر، باستطاعتهم وصف آليات اشتغاله وعاداته ومؤامراته؛ ثم الخبراء الذين لهم الكفاءة اللازمة لفك طلاسم التصرفات والقرارات الملكية في ميادين مثل الزراعة والشؤون المالية وغيرها؛ وأخير اً السياسيون الذين يعرفون بعض المواضيع الحساسة التي أردنا تناولها . لقد وافقوا على الحديث، لكنهم اشترطوا ضمان عدم الكشف عن هويتهم وتغيير بعض التفاصيل التي يمكن أن تؤدي إلى التعرف عليهم، عدا خمسة منهم قبلوا ذكر أسمائهم.
لقد أسست الملكية في المغرب لدى النخب المسيِّرة لمفهوم "ثقافة الطاعة والانصياع" وأضافت إليها ثقافة الخوف: عندما يصيب الغضب الملكي أحدا فإنه يدمره اجتماعيا ً وماليا ومهنيا ً.
نود أن نشكر كل من ساعدنا وهم واعون أن التجاوزات الملكية التي قمنا بوصفها تستحق الكشف . إنهم يعرفون مشاعرنا الصادقة إزاء المغرب وشعبه. لقد عمل كلانا كصحفيين في هذا البلد. عملت كاثرين جراسيي ضمن هيئة تحرير صحيفة لوجورنال الأسبوعية المعارضة البارزة، والتي أغلقتها السلطات فيما بعد، فأمضت سنة بالمغرب في الدار البيضاء. لقد مكنتها هذه الإقامة أن تتعرف على كواليس السياسة والاقتصاد في المملكة، والاحتكاك بالجهات الفاعلة.
أما إريك لوران فقد أتيحت له الفرصة في عدة مناسبات ليلتقي الحسن الثاني رأسا لرأس في قصوره المختلفة، وذلك لإنجاز كتاب من الحوارات معه تحت عنوان "ذاكرة ملك"، وقد نشر هذا الكتاب في عام 1993 . هذه التجربة كانت فرصة استثنائية سمحت له بالرصد الدقيق لعادات القصر وتصرفات أهل البلاط . تظل المؤسسة الملكية السلطة الوحيدة في المغرب. إنها ماضية في تعزيز سيطرتها حيث استطاعت على مدى عقود أن تحول الحياة العامة والمؤسسات إلى مسرح ظل فقط. إن تعسفات الملك يحميها جدار صمت رهيب قررنا تكسيره بهذا الكتاب. لقد قمنا بتفكيك آليات هذا النظام دون إغفال العوامل النفسية الداخلية التي جعلت هذا الذي يُلقب "ملك الفقراء" يتحول في الحقيقة إلى "ملك مفترس ."
03
الفصل الثاني
ملكية تعيش على نفقة رعاياها

حسب إحصائيات البنك الدولي لسنة 2119 ، يبلغ الدخل السنوي الفردي في المغرب 4951 دولارا ، أي نصف دخل التونسيين والجزائريين، في حين أن هذا البلد الفقير (المغرب) المحكوم من دولة ضعيفة هو معين لا ينضب لتلبية رغبات الملك ونزواته. لقد منح لنفسه الهيمنة على اقتصاد البلاد مما يسمح له بمراكمة ثروة شخصية هائلة، ناهيك عن كون ميزانية الدولة المتواضعة أصلا تتكلف بكل مصاريفه. القاعدة الأولى:  العاهل وعائلته لا يدفعون أي ضريبة.  القاعدة الثانية :  الغموض والصمت ضروريان فيما يخص تحمل الدولة أعباء مصاريف الملك وعائلته، إذ لا يمكن أن يثار حولها أي نقاش.../...

الدستور الأول الذي أعده الحسن الثاني سنة 1962 يذكر بأنه (للملك قائمة مدنية)، خمسون سنة بعد ذلك حافظ الدستور المعد من طرف محمد السادس على نفس العبارات المصقولة في الفصل 45 . إنه موضوع حساس بالنسبة لأعضاء البرلمان حيث أن كل الفرق السياسية تصوت على ميزانية القصر كل سنة دون نقاش، وبالإجماع. لمزيد من الشرح لهذه السلبية الغير عادية، قال أحد النواب لجريدة تيل كيل المغربية العدد 156 و 157 : "عموما،  عندما نكون بصدد نقاش قانون المالية لا نتجرأ حتى بالنطق بعبارة ميزانية القصر"

هكذا يتلقى محمد السادس راتبا شهريا قدره 41.111 دولار، راتب ملكي بكل ما للكلمة من معنى فهو يساوي ضِعف راتب الرئيس الأمريكي و الرئيس الفرنسي.

إن المصاريف والرواتب الملكية تبلغ 2.5 مليون أورو سنويا وتشمل الرواتب المدفوعة إلى أخ الملك وأخواته إضافة إلى بعض الأمراء الأقربين. لا يعرف أحد كيف يتم توزيعها. مع العلم أن كل أفراد العائلة الملكية يتوفرون على قوائمهم المدنية الخاصة مقابل نشاطاتهم الرسمية رغم تواضع هذه الأخيرة.

إن كرم دافع الضرائب المغربي لا يتوقف عند هذا الحد، بل إنه يمول بدوره السخاء الملكي، وذلك تحت قائمة "مخصصات السيادة"  والتي تبلغ 311 مليون درهم أي 31 مليون أورو تخصص من ميزانية الدولة للملك كي يعيد توزيعها على من يشاء في شكل هبات ومنح. مبلغ ضخم لا يمكن مراقبة استعمالاته بأي حال من الأحوال لكونه معلق اً بالإرادة الملكية فقط.

لكن المعروف أنه في عهد الحسن الثاني كان يستعمل لتمويل صندوق أسود من أجل شراء ولاء بعض الشخصيات السياسية المغربية والأجنبية ومكافأة بعض الفرنسيين "أصدقاء المغرب"، منهم صحفيون وأكاديميون وأطباء ومحامون...

كل سنة كان هؤلاء "الضيوف" يتوصلون ببطاقات دعوة من القصر للمشاركة في عيد العرش إضافة الى تذاكر الطائرات ذهابا وإيابا في الدرجة الأولى. في ساحة القصر حيث تتجمع كل الهيئات الرسمية يشكل هؤلاء الفرنسيون فئة خاصة، يزينون ملابسهم بالنياشين وتبدو عليهم علامات الرضا، ينتظرون دورهم من أجل الانحناء للملك وتقبيل يده.

ومع ذلك فهذه الشرذمة لا يعوزها الغرور ولا الحذر، تتشبث بامتيازاتها ولكنها تتردد في الدفاع عن الملك. عندما يتعرض للانتقاد يغمرهم الحرج ويفضلون الصمت. الوحيد الذي كان يدافع بشجاعة عن ملك المغرب هو الصحفي جاك شانسيل (Jacques Chancel) . على النقيض من ذلك، فإن موريس درويون (Maurice Druon) الكاتب الدائم للأكاديمية الفرنسية، الذي كان مسرورا بلقائه مع الملك، ولكنه كان يلتزم الصمت والحيطة.


اثنا عشر قصرا ملكيا
تنتشر القصور الملكية في أنحاء البلاد وعددها 12 ، إضافة إلى ما يزيد عن 31 إقامة يعمل فيها أزيد من 1211 شخص كلهم على نفقة الخزينة العمومية بما مقداره مليون دولار يوميا. من بين هذه القصورلا يتردد محمد السادس كما كان الحال بالنسبة لأبيه سوى على ثلاثة منها أو أربعة، كما أن هناك عددا من هذه القصور لم يقم بزيارتها قط ولكن تتم صيانتها بنفس الدقة والاهتمام: البستانيون والخدم والطباخون يعملون وكأن الملك سيباغتهم في أية لحظة، حتى وإن كان معروفا أنه مقيم في نفس الفترة في قصر آخر أو في سفر من أسفاره الطويلة إلى الخارج.

العاملون المستخدمون من قبل القصر يكلفون ميزانية الدولة حوالي 71 مليون دولار سنويا. بنية هرمية تبدأ من أبسط خادم في القصر حتى أعلى الجهاز المشكل من الديوان الملكي (311 موظف مداوم) والسكرتارية الخاصة بالملك والديوان العسكري والمكتبة والمدرسة الملكية والمصحات، ناهيك عن صيانة ضريح محمد الخامس حيث دفن جده ووالده .

حظيرة السيارات من جهتها تستفيد من ميزانية قدرها 6 ملايين أورو تخصص لتجديد الأسطول ولكن أيضا لصيانة السيارات الفاخرة التي يملكها العاهل.

في عهد الحسن الثاني كان الزائر يفاجئ عندما يشاهد كثرة السيارات من قبيل رولس رويس وكاديلاك و بيتنلي والعديد من الموديلات الفاخرة وهي مركونة بعناية في مرآب القصر الملكي. خلَفه محمد السادس لم يتردد في استعمال طائرة عسكرية مغربية من صنف هيركوليس من أجل نقل سيارته (Aston Martin DB7) إلى إنجلترا حيث مقر الشركة المصنِّعة من أجل إصلاحها في أقصر الأجال. يعتبر الملك أيضا زبونا مميزا لشركة فيراري (Ferrari) التي اشترى منها العديد من الموديلات.

أهواء الملك في اللباس من جهتها تكلف ميزانية الدولة 2 مليون أورو كل سنة. إذا كان والده يستمتع بتغيير ملابسه ثلاث مرات يوميا مساهما بذلك في صناعة ثروة الخياط الباريسي سمالتو (Smalto) ، فمحمد السادس من جهته مولع بالأثواب النادرة حيث قام بحياكة معطف من و بر اللاما لدى خياط من لندن بفاتورة بلغت 35.111 جنيه استرليني، كما تخصص ميزانية مليون دولار لرعاية حيوانات القصر.

تكلفة أخرى خصصها قانون المالية تتعلق بتنقلات الملك ورجال بلاطه خارج المملكة حيث أفردت سنة 2118 ميزانية قدرها 381 مليون درهما 38 مليون أورو. رغم أن الملك له العديد من الطائرات فإنه غالبا ما يحجز طائرات الخطوط الملكية المغربية من أجل سفره مع مرافقيه وأمتعته وأثاثه الخاص. البوينغ الملكي 4 يتوفر على معدات الترف الفاخرة ويضم غرفة للنوم وقاعة للاجتماعات وأجهزة رياضية وأجهزة للموسيقى من آخر صيحة.

في سنة 2116 كانت ساعة واحدة من الطيران لطائرة (Boeing 747) تابعة للخطوط الملكية المغربية تكلف 18.111 دولار، والملك غالبا ما يكون مرفوقا ب 251 إلى 311 شخص يركبون طائرة بوينغ 747 وطائرتي بوينغ 411-737 إضافة الى ثلاث طائرات هيركوليس (Hercule C-130) لنقل الأمتعة والأثاث. إذا استغرقت الرحلة ثلاثة أسابيع وبمعدل 61 ساعة طيران أسبوعيا، تناهز الفاتورة 3 ملايين دولار بالإضافة إلى فاتورة يومية قدرها 1.8 مليون دولار لمصاريف إقامة الوفد.

من 24 نوفمبر الى 7 ديسمبر 2114 قام محمد السادس مرفوقا بوفد من 311 شخص بزيارة إلى المكسيك والبرازيل والبيرو والأرجنتين 5 . خلال هذه الرحلة أقام لمدة ثلاثة أسابيع هو والوفد المرافق له بمنتجع سياحي بجمهورية الدومينيكان كأنه الفردوس. زياراته الرسمية تتبعها غالبا عطل مطولة. في باريس ينزل في إحدى إقاماته الخاصة أو في فندق (Crillon) بساحة الكونكورد، أما في نيويورك فيختار إقامة فاخرة بمحاذاة حديقة سنطرال بارك.


الدولة تنفق على الملك بسخاء
كي نفهم إلى أي حد أصبحت الدولة المغربية بقرة حلوبا للملكية علينا أن نعود خمسة وثلاثين سنة إلى الوراء في سنوات الثمانينيات.

عند اعتلائه العرش سنة 1961 ، كان الحسن الثاني لا يملك سوى أربعة قصور قابلة فعلا للإقامة: قصر الدار البيضاء الذي رمم وتمت توسعته وقصرالرباط وقصر إفران في الأطلس المتوسط، إضافة إلى الإقامة الملكية دار السلام بنواحي الرباط. ونظرا لاهتمامه براحته وترفه الشخصي بدأ الحسن الثاني في بناء قصر في الشمال في مرتفعات طنجة تحديدا، لكن لم يزره إلا نادرا جدا، ثم قصر آخر في جنوب المملكة بمدينة أكادير، القصر الذي أقام به 24 ساعة فقط خلال 38 سنة من الحكم، والكلفة الإجمالية هي 161 مليون دولار.

في عهده اشتغل ثلاثة آلاف عامل تقليدي على تجديد قصر مراكش وتوسيع قصر فاس الهائل أصلا، ثم على إعادة تنظيم وتزيين قصري مكناس وتطوان. قصر ثان سيتم بنائه أيضا في أكادير هو الآخر سيكون تردده عليه نادرا. ثم قصر آخر في مدينة أرفود. في الصخيرات على جانب البحر قام الحسن الثاني بتشييد قصر صيفي تحيط به حدائق وارفة، وعلى بعد 41 كيلومترعن الرباط قام بإنشاء ضيعة ملكية ضخمة مخصصة للخيل، حيث يمتلك عددا من الخيول العربية الأصيلة الرائعة قام بشرائها من جميع أنحاء العالم، أو تسلمها هدية من الملك السعودي أو من الشيخ زايد الذي كان يترأس دولة الإمارات العربية المتحدة.

الحسن الثاني كان قد أوكل كل هذه الأشغال الى المهندس المعماري الفرنسي أندري باكارد (André Paccard) الذي اغتنى على يده قبل أن تسوء علاقتهما.

لكن تلك الأهواء المعمارية كانت لها كلفة ضخمة لم تكن للحسن الثاني أي رغبة في تحملها مما جعله في بداية سنوات الثمانينات (وهنا بيت القصيد) يقرر إنشاء وزارة جديدة ستظل مستقلة تماما عن الحكومة سماها وزارة القصور الملكية والتشريفات والأوسمة وأسندها الى أحد خدامه الأوفياء هو الجنرال مولاي حفيظ العلوي، حيث ستظل القصور في ملكية الملك لكن إدارتها ستسند إلى هذه الوزارة الوهمية أما تمويلها فهو من خزينة الدولة.

ولتوفير المزيد من الامتيازات للقصر قام الجنرال مولاي حفيظ العلوي بابتكار استراتيجية جديدة تقضي بجعل خدم وموظفي القصر موزعين على مختلف الوزارات من حيث الراتب كما تم نقل العديد من أطر وزارة المالية والضباط السامين للعمل في القصر.

بمبادرة من عبد الفتاح فرج الكاتب الخاص للملك، سيتجرأ الحكم الملكي على زيادة امتيازاته، وهو الذي تنفق عليه الدولة بلا حدود. هو رجل مهذب غير مزعج و مطلع على كل الأسرار المالية للملك. يُقال إنه كان كثير الولع بالخمور وكان يسكن بالرباط في فيلا رائعة تتوفر على مسبح هوليوودي والذي لم يستعمله إطلاقا، لكنه وضع بجانبه ثلاجتين ضخمتين مليئتين بقارورات الشامبانيا الفاخرة.

فكرة عبد الفتاح فرج كانت بسيطة: بما أن أموال دافع الضرائب تنفق على الملك فلم لا اغتنام الفرصة من أجل تحقيق المزيد من الامتيازات للملك على حساب الدولة، لكن ما لم يكن يدركه هو أنه بفعله هذا كان كمن يلعب بالنار: هذا الاستراتيجية المستعملة على مستوى القصور الملكية حينها هي نفسها التي سينتهجها محمد السادس عشرين سنة بعد ذلك لكن على مستوى المغرب بأكمله لأن ولي العهد كان له الوقت الكافي لمراقبة ومتابعة مزايا النظام بكل سهولة وبساطة.

عبد الفتاح فرج كان يدير الهولدينغ الملكي المسمى(Siger) ، فأصبحت فروع هذه المجموعة الاقتصادية هي الممون الحصري للقصور والإقامات الملكية، كانت ولا تزال شركة (Primarios) المزود الوحيد فيما يخص الأثاث والتزيين، إضافة الى أن كل المواد الغذائية المستهلكة في القصر تأتي من شركات الملك ومزارعه التي تقدر رسميا ب 12.000 ألف هكتار من أجود أراضي المغرب، ويحتمل أن المساحة في الواقع تفوق الرقم الرسمي بعشر مرات (120.000). على كل حال فهي تشمل أجود مزارع المملكة، التي توجه منتجاتها أساسا للتصدير على حساب غيرها من المنتجات المغربية.

كل هذه الطلبات التي يرغب فيها القصر يشتريها بأسعار مرتفعة وتدفع الدولة ثمنها من خلال وزارة القصور الملكية والتشريفات والأوسمة .

تظل الزراعة في عام 2000 إحدى الدعامات الرئيسية للاقتصاد في البلاد، وهي خاضعة لتقلبات الطقس ولذلك فتأثيرها السياسي بالغ الأهمية حيث قال الحسن الثاني يوما: "إذا كان عليّ أن أختار بين نشرة أحوال الطقس وتقرير صادرعن الشرطة، فإنني أفضل الأولى لأنها قد تكون متبوعة بتوترات". في الواقع، كان يولي نفس الاهتمام للاثنين على حد سواء.

على سبيل المثال، لقد قرر يوما مغادرة قصر إفران في سفوح الأطلس والعودة إلى الرباط بالسيارة. كان موكبه الطويل يمتد على هذه المسالك الجبلية كأنه عرض مستفز لأصناف النعيم والترف. بعد بضع عشرات من الكيلومترات قرر الحسن الثاني أن ينزل من سيارة رولز رويس (Rolls-Royce) ويركب سيارة كادياك (Cadillac) فتوقف كل الموكب بسياراته الأربعين أمام مجموعة من الفلاحين الفقراء المشدوهين، فانزعج كاتب الملك وقال: "صاحب الجلالة أحبَّ السفر بدون إثارة الانتباه، لست أعرف من الذي أخبر السكان بمرورنا". هذه بلاد الكذب بلا حدود.

يعرف كل أفراد الحاشية أن الملك لا يطيق أن يجد نفسه وحيدا ولا يكون محاطا ببعض الرعية حوله، ولذلك يصدر الأمر لعمال الأقاليم وعناصر السلطة لتحشد المواطنين على عجل وتصففهم في التجمعات السكنية ينتظرون الساعات الطوال حتى يمر أمامهم الموكب بسرعة البرق. جميع المساهمين في هذه المسرحية تجرعوا يوما شيئا من الغضب الملكي وتقلبات مزاجه التي قد تعصف بمستقبلهم، لأن الملك يميز بنظرة سريعة حجم الحشود ومنها يستنتج حجم الجهود المبذولة من رجال السلطة . فالمساعد الذي أعطي الأمر يخشى غضب الملك والموظفون المحليون المكلفون بالتنفيذ يدركون أن مسارهم المهني قد يتوقف فجأة .


قطرات المطر كأنها سبائك الذهب
خلال هذه الرحلة بين إفران والرباط تتكرر نفس الطقوس في كل قرية أو مدينة يمر منها الموكب الملكي حيث يتوقف الموكب في الضاحية وتنتشر قوات الأمن فيغادرالملك سيارته التي يقودها ليمتطي سيارة مرسيدس 511 مكشوفة حيث يكون واقفا في جزئها الخلفي و يحيِّي الحشود المتراصة أثناء عبوره .

في ذلك اليوم، ما كاد الملك يفتح ذراعيه للتعبير عن الحب والإخلاص المتبادل مع "رعاياه الأوفياء" حتى بدأ المطر يهطل بسرعة وغزارة.

توقف الموكب مباشرة بعد مغادرة القرية، فانتقل الحسن الثاني وقد تبلل وجهه بالمطر إلى سيارة كبيرة كأنها منزل متحرك حيث كان ينتظره خمسة من أفراد حاشيته حاملين الفوطات في أيديهم وهم يتساءلون في قلق: من سعيد الحظ الذي سيختار الملك فوطته؟ أمسَكَ الملك واحدة دون انتباه وجلس على أريكة مريحة من الجلد رسِمت عليها رموز المملكة وبدأ يمسح وجهه. سأله أحدهم بتواضع مفرط والفوطة في يديه:

- صاحب الجلالة، لقد بللكم المطر كثيرا ...

فأجابه الملك بابتسامة عريضة:

- لا أبدا. ليست قطرات المطر التي تسقط الآن بل هي في الحقيقة سبائك الذهب. هطول المطر يبشر بموسم حصاد جيد وهذا يعني السلم الاجتماعي،  فلنفرح به...

المزارع والضيعات الملكية تستفيد من السقي بعناية وبالتالي لا تخضع لتقلبات الطقس، ولكن الحسن الثاني كان قد مرر قانونا عبر البرلمان واحتفظ به خلفُه، يعفي من الضرائب جميع المزارعين، ومن ثم المزارع الملكية. هذا الإجراء الذي قد يبدو نبيلا لا يعني في واقع الأمر أغلبية الفلاحين في المغرب لأنهم لا يمارسون إلا اقتصاد الكفاف، ولكنه يسمح لضيعات الملك أن تجني أرباحا دون أن تؤدي الضرائب للدولة . هذا التصرف الملكي المزاجي، الذي نعطي عنه فقط بعض اللمحات، لازال مستمرا اليوم في بلد حيث الحد الأدنى للأجور الرسمي هو 211 أورو شهريا، بل قد يكون في الواقع أقل من ذلك على الرغم من احتجاج النقابات .

أنجزالمهندس المغربي أحمد ابن الصديق مقارنة سريعة انطلاقا من الأرقام الرسمية (لوزارة المالية). في سنة 2119 بلغ الناتج المحلي الإجمالي المغربي 91 مليار دولار، والفرنسي 2751 مليار دولار. وعلى الرغم من هذه الفجوة الهائلة بلغ إجمالي ميزانية القصر الملكي التي تنفقها الدولة المغربية 228 مليون أورو، بينما بلغت ميزانية الرئاسة الفرنسية - قصرالإليزي- 112.6 مليون أورو. إذن فالمبلغ الموضوع تحت تصرف رئيس الجمهورية الفرنسية يساوي نصف مبلغ محمد السادس. إن هذه المقاربة لافتة للانتباه في حد ذاتها ولكن عندما نقسم الرقمين على الناتج القومي الإجمالي لكل من البلدين نرى أن الملكية بالمغرب تكلف 61 مرة أكثر مما تكلفه الرئاسة الفرنسية لميزانية الدولة .

هناك مقارنة أخرى تكشف أن المستقبل في هذه البلاد يحيط به القلق. وفقا للأمم المتحدة 51% من السكان يقل عمرهم عن 25 سنة. ورغم ذلك فلو راكمنا ميزانيات أربعة وزارات - التجهيز والنقل، والشبيبة والرياضة، والثقافة، والسكنى والتعمير- سنحصل على مبلغ 2.26 مليار درهم (226 مليون أورو) أي أقل من ميزانية القصر الملكي وحده والتي تبلغ حوالي 2.5 مليار درهم (251 مليون أورو).

خلال السنوات الأولى من حكم محمد السادس شكل الحرمان والفقر والتخلف المزمن الذي تتخبط فيه عدة مناطق من البلاد حقلا متميزا للتحركات الملكية.

ولأجل شرح المغزى من كثرة التنقل، كان محمد السادس يستشهد بوالده الذي كانت تعجبه العبارات الرنانة من قبيل "عروش الملوك العلويين توجد فوق صهوات جيادهم". في العصر الحاضر تحولت الخيل بقدرة قادر إلى مواكب ملكية ضخمة تتحرك ضمن ماكينة لوجيستية معقدة وباهظة الكلفة لكي يقضي الملك لحظات قصيرة في الميدان. لأجل زيارة إلى مستشفى أو افتتاح مدرسة أو مركب للسكن الاجتماعي (يشيده غالبا منعشون عقاريون يحصلون على امتيازات من الملك ويدفعون مبالغ محترمة إلى حاشيته).

كثيراً ما تكون التحضيرات متسرعة وسطحية.

أولاً يجب العناية بالديكور: السلطات المحلية تعيد طلاء واجهات المنازل وتصلح الأرصفة المعطوبة وتأتي بالزهورللحدائق ويصيح السكان:"عاش الملك" و هم يقولون في أنفسهم " بفضله هو نحصل على ما تعجز الحكومة  عن تقديمه لنا." وبطبيعة الحال يجهل الشعب أن الدولة تتحمل تكلفة كل التنقلات الملكية.

في عام 2008 ، من ضمن 1.9 مليار درهم (191 مليون أورو) التي استأثر بها، تم إنفاق 381 مليون درهم (38 مليون أورو) على تنقلات الملك داخل البلد وفي الخارج. عندما يقررالمكوث لبضعة أيام في منطقة ما ينتقل إليها الآلاف من عناصر الشرطة والدرك لتأمينها. وإذا لم يوجد هناك قصرملكي تتم مصادرة المساكن الراقية هناك لضمان إقامة الملك وحاشيته من مستشارين ووزراء ومتملقين. ثم تتحرك مواكب السيارات من القصر الملكي في الرباط أو مراكش حاملة الأثاث والأطباق والطباخين والمطابخ والخدم. في بعض الأحيان يتكلف الممون المعروف رحال بتحضير الأطعمة. في جميع الإقامات التي يقطنها محمد السادس يوجد نظام تكييف. الهواء يُبقى مستوى الحرارة مستقرا عند 15 درجة.

إن هذا الإحسان الملكي الظاهر إن لم نقل المزيف يبقى ذا آثاراً محدودة: المحيط الملكي والسلطة المحلية يجتهدان للحصول أولا وقبل كل شيئ على الرضى الملكى ولو استدعى الأمر اللجوء للغش. على سبيل المثال لقد دشن الملك في الجنوب مستشفى جديداً بمعدات طبية حديثة، و بعد التدشين فورا أغلِق المستشفى لأن المعدات الطبية كانت مستأجرة فقط للمناسبة... هكذا يقوم محمد السادس بإبراز جانبه الإنساني الرحيم بأقل كلفة، بينما الثروة الملكية لا تساهم في التخفيف من معاناة الفقراء. هذه الأسفار المكلفة عبر المملكة والتي تتحمل الحكومة نفقتها تترك آثارا سلبية عند العامة البسطاء الذين يشكلون الدعامة الأساسية للملكية. هؤلاء لا يدركون أن الملك يعيش على حساب تلك الأميرة الذابلة الملامح التي تسمى الدولة ويتوهمون أن انعدام الكفاءة والفساد لدى الطبقة السياسية والمنتخبين، وهذا واقع فعلا، قدر مقدور وأن الأمل الوحيد هو النظام الملكي، حتى لو طال انتظار منافعه الملموسة وحسناته. وهكذا وطبقاً لخبراء البنك الدولي، فقد تطور المغرب خلال السنوات الأخيرة من عهد الحسن الثاني الذي اكتمل في عام 1999 أحسن مما تطور خلال 12 عاماً من حكم محمد السادس، حيث الهوة بين الأغنياء والفقراء ما فتئت تتفاقم.
11
"نـــزوات الملــــــك"
يعطي الملك في المغرب المثال لغيره، لكنه في نفس الآن مثال سيئ ونموذج للاغتناء غير المحدود على حساب بلاده، والذي يهدد باختلال توازن الملكية بدورها. رسميا، يعتبر  شخص الملك مقدسا ولا يسمح لأي كان بانتقاده. هذا قرار سبق أن اتخذه الملك الحسن الثاني الذي حرص على التمتع بامتيازات لا حصر لها دون أن يلتزم في المقابل بواجبات واضحة وصارمة أيضا إزاء شعبه. من الوجهة النظرية يمكن عزل الملك. كان الحسن الثاني يعترف بهذا ضمنيا: " لقد رأينا حالات تم فيها فسخ رابطة البيعة عندما اعتبر السكان أن الملك لم يقم بواجبه كاملا لحماية الدين أو تخلى عن أجزاء من التراب الوطني".../...
في الواقع، لقد كان الملك يدرك أنه يستطيع تناول هذه الفرضية لأنها تبقى دون أثر يذكر لأنه لا تتوفر أي مؤسسة تملك الحق في الجزم بكون الملك قد أخفق في مهمته ولا توجد أية مسطرة تضبط إقالته.
أما البيعة التي أسس مراسيمها الحسن الثاني فهي تمثل أداة لممارسة السلطة والنفوذ وتثبيت
الشرعية.
لقد أدرك خليفته أن الحفاظ على رباط البيعة هذا يضمن له الإفلات من العقاب.
رغم ذلك فإنها صورة متدنية تلك التي يمنحها الملك اليوم لشباب بلاده.
قد يعتقد كثير من الانتهازيين أن الطريق السريع نحو الثراء والامتيازات هو الدوران في فلك الملكية، ولكن بالنسبة لعموم الشعب - نصف الشباب المغاربة بلا عمل - فإن تجاوزات القصر وبلاطه الملكي تثير الكثير من الغضب والإحباط.
السعي وراء الرشوة
فساد بلا حدود من جهة وقبضة أمنية قوية أحكمها الحسن الثاني لزرع الخوف في النفوس من جهة أخرى هما العنصران الرئيسيان اللذان يضمنان استمرارية المخزن.
لكن حجم التجاوزات أصبح يضعفه بل يؤدي به للانهيار ولو بعد حين.
هل كان إذن خطاب محمد السادس يوم 10 أكتوبر 2008 في افتتاح السنة البرلمانية الجديدة يهدف إلى ربح الوقت ؟
لقد كان هذا الخطاب كله متمحورا حول ضرورة مكافحة الفساد.
يشرح الملك أن الحكامة لا تنحصر فقط في الحقل المؤسساتي والقانوني أو المجال السياسي بل أيضا في المجال الاقتصادي (...) و يضيف أن التخليق الشامل واجب لتعزيز دولة الحق والقانون في مجال الأعمال التجارية. لذا فمن اللازم تقوية الآليات الضرورية لضمان المنافسة المفتوحة والحفاظ على حرية السوق ومقاومة جميع أشكال الاحتكار ومقاومة اقتصاد الريع و أيضا منع جميع الممارسات الإجرامية.
خطاب غريب لأن كل كلماته ... تكذبها أفعاله.
استُقبِل هذا التحول بقلق من طرف سفارة الولايات المتحدة، الحليف الغربي الحقيقي الوحيد للمغرب، بجانب فرنسا. بينما يغمض الدبلوماسيون الفرنسيون في المملكة أعينهم ويفضلون الرقابة الذاتية، أسرع نظراؤهم الأمريكيون بإبلاغ واشنطن.
في ديسمبر 2009 أرسلت القنصلية الأميركية في الدار البيضاء برقية سرية سوف يكشف عنها ويكيلكس فيما بعد. تشير هذه الوثيقة بإسهاب إلى الفساد الملكي في قطاع العقارات وتذكر أن المؤسسات مثل أونا التابعة للأسرة الملكية، والتي تشرف على العديد من المشاريع الهامة، تمارس بانتظام الضغط على المنعشين العقاريين لكي تحصل أونا على امتيازات تفضيلية.

ثم يضيف أن "المؤسسات الرئيسية وإجراءات الدولة المغربية تُستغَل من طرف القصر لأجل الضغط والسعي وراء الرشوة في قطاع العقارات".

وفقا لما ذكرته مصادر القنصلية "القرارات الاستثمارية الرئيسية يتخذها ثلاثة رجال في المملكة: فؤاد علي الهمة، الوزير المنتدب السابق في الداخلية (آنذاك كان يدير حزب الأصالة والمعاصرة)، ومنير الماجيدي، مدير الكتابة الخاصة بالملك، والملك نفسه.

وهكذا فإن كل مناقشة مع شخص آخر هي مضيعة للوقت.

خلافا للاعتقاد السائد فقد استفحل الفساد في قطاع العقارات في عهد محمد السادس".

البرقية الدبلوماسية تتناول أيضا النفوذ والمصالح التجارية للملك وبعض مستشاريه في تقريبا كل المشاريع العقارية ذات الأهمية.

هناك سفير أمريكي سابق لدى المغرب، حافظ على ارتباط وثيق بالقصر، واشتكى للدبلوماسيين في بلده من الجشع المبالغ فيه لأقارب محمد السادس والملك نفسه، وعبرعن اعتقاده أن "هذه الظاهرة تقوض بشكل خطير إجراءات الحكامة الرشيدة التي تجتهد الحكومة المغربية لتعزيزها".


بين الحسن الثاني إلى محمد السادس: تفاقم الفساد..
 يرسم دبلوماسيون أمريكيون لوحة شديدة القسوة عن الفساد المستشري لدرجة تنزع أي مصداقية عن الخطاب المناهض للفساد الذي ألقاه الملك في العام السابق.

لا شك أن بعض الممارسات الفاسدة كانت موجودة على زمن الحسن الثاني، إلا أنه وتحت حكم محمد السادس، أصبحت هذه الممارسات عملاً ممنهجاً.

قطاع العقارات هو الجزء الأكثر وضوحا في الافتراس الملكي. ربما لأن الرأي العام المغربي يعلم جيداً هوامش الربح التي يحققها هذا القطاع والتي تتجاوزعموماً نسبة % 31.

أرباح ضخمة مضمونة لأعضاء القصر وللمنعشين العقاريين الذين يدورون في فلكهم.

يمنح هذا القطاع أيضاً آفاق جذابة.

أحد المقربين من هذه العمليات يعلق ساخر اً : "إن ما نستطيع فعله مع مجموعة الضحى، نفعله أيضا مع صندوق الإيداع والتدبير".

صندوق الإيداع والتدبير هذا الذي يسيطر عليه الملك، لديه بالفعل فرع عقاري يدعى الشركة العامة العقارية (CGI).

أطلق هذا الفرع في عام 2007 اكتتاباً على 20% من رأس ماله في البورصة. امتدت فترة الاكتتاب من 23 يوليو إلى 27 منه.

المستثمر الصغير الذين يصبح بكل سذاجة مالكاً للأسهم يجهل أن نظام البورصة في الواقع مشوَّ ه تماما.

في المغرب، وكما رأينا، لا يعتبر الاستفراد بالمعلومة لتوظيفها في البورصة جريمة يعاقب
عليها القانون، ولكن بالأحرى امتيازا لا يفوز به مرة أخرى إلا المقربون من الملك.

في حالتنا هذه، سارعت عدد من الشركات الأجنبية المستقرة في البلدان التي تعتبر ملاذات ضريبية إلى شراء كميات كبيرة من الأسهم قبل الناس العاديين. هذا هو استغلال النفوذ في أبشع صوره: من يملكون السلطة يطلعون على الخبايا ويملكون القدرة على شراء الأسهم قبل الباقين، محققين بذلك ربحاً فوريا.

حصل الاكتتاب على أسهم الشركة العامة العقارية في البورصة سنةً بعد الاكتتاب على أسهم الضحى. أدرَّ الاكتتاب على أسهم CGI ما يقرب من 3.5 مليار درهم (351 مليون أورو) وهو المبلغ الذي يجعل من عملية الاكتتاب هذه ثاني أكبر عملية في المغرب بعد اتصالات المغرب. تضاعف سعر السهم خمس مرات في أقل من شهرين.

أشرف رجلا القصر الماجيدي وبوهمو في المقدمة على تفاصيل العملية وقدما تقريراً عنها للملك.

بما أن الفساد ظاهرة قابلة للاتساع، فقد سمحت هذه العملية أيضا، بنقل هذه المعلومات الحساسة إلى بعض المقربين من الذين كان النظام يرغب في "مكافأتهم أو توريطهم" على حد تعبير أحد المطلعين على الملف.

أبدت إحدى المؤسسات المالية التي كانت تظن نفسها في منأى من العقاب في هذا الملف نهما  مبالغاً فيه. مجموعة آبلاين (Upline)، التي أنشئت في عام 1992 ، ضمت منذ بداية عقد الألفين مساهماً جديدا بنسبة 40% من رأسمالها، يدعى حمد عبد الله راشد آل شمسي.

هذا المواطن الإماراتي، الذي لا يعرفه أحد، وبحسب مصادر حسنة الإطلاع ليس إلا واجهة وحامل أسهم بالنيابة عن عضو في العائلة المالكة.

خلال عملية الاكتتاب في الشركة العامة العقارية، استعمل مسيِّرو آبلاين الأموال المودعة من قبل بعض الزبناء لتنفيذ عمليات شراء الأسهم لصالح شركات مقيمة في ملاذات ضريبية يملكها رجل إنجليزي.

تعهد هذا الأخير بإعادة بيع الأسهم مع هامش ربح مقرر سلفا. أدرت هذه العملية على آبلاين
ربحاً لا يقل عن 241 مليون درهم (24 مليون أورو)، ولكنها جذبت انتباه مجلس القيم المنقولة (CDVM) ، شرطي السوق. جهاز معروف بتسامحه الشديد مع هذا النوع من التجاوزات.

بالرغم من ذلك، حُكم على آبلاين بأداء غرامة مالية قدرها 10 مليون درهم (1 مليون أورو)، مما أدى على ما يبدو، إلى إغضاب قريب الملك فقرر أن ينسحب خشية من أن يتم توجيه اللوم إليه.

وعليه و للخروج من المأزق فقد تم طبخ سيناريو يقضي بقيام بنك عمومي (البنك الشعبي المركزي) بشراء شركة آبلاين.

بموجب مذكرة التفاهم الموقعة بين الطرفين، تم تقييم مجموعة آبلاين بنحو 751 مليون درهم، ونص الاتفاق على أنه بموجب المرحلة الأولى من التقارب بين المؤسستين سيتم شراء نسبة ال 41 % التي يملكها المساهم الإماراتي المزيف الذي يحمل على الأرجح حصة الأسهم التابعة لقريب الملك.

قدم تقرير منظمة التعاون والتنمية، الصادر في يونيو 2011 ، في الرباط، بحضور وزير الشؤون الاقتصادية المغربي حصيلة حادة من الإخفاقات في مجال الإدارة الاقتصادية .

أكد التقرير خصوصا على الفساد وغياب الشفافية، فضلا عن أوجه القصور الكثيرة في النظام القضائي. أكد التقرير أيضاً على تطور مثير للقلق بشكل خاص: يتطور التدبير السياسي في الاتجاه الإيجابي ببطء، أما التدبير الاقتصادي فيتراجع بسرعة تحت تأثير ضربات القصر العنيفة.


ثروة ملكية غامضة
لا تخلو العلاقة بين الملك وأخيه وأخواته من مشاكل. مولاي رشيد يسافر كثيرا للخارج واثنان من أخواته يقيمان غالبا في باريس.

لقد تحول ولي العهد من أخ لطيف ومحبوب إلى شخص له مزاج صعب وقليل المرونة ولو مع أسرته.

حسب رواية ابن عمه مولاي هشام الذي أصبحت علاقته مع الملك متوترة، فقد تعرض محمد السادس للإهانات عدة مرات من طرف أبيه فنتج عن ذلك حالة نفسية تبالغ اليوم في الحرص على ممارسة كل صلاحياتها. كما أن إرادة التحكم الشامل في الاقتصاد سببها نفس
المنطق.

إنها رغبة جامحة في الانتقام تلك التي كانت وراء أزمة كبيرة.

في ظل هذا النظام حيث كل ما يم ت بصلة إلى الأسرة الملكية يظل تحت الكتمان، يوجد سر محفوظ : 12 سنة بعد وفاة الحسن الثاني، يبدو أن جزءا من ميراثه لا زال مُصادرا من طرف محمد السادس، لم يتسلم و الإخوة سوى نصيبهم من الإقامات والأراضي والعقارات بينما احتفظ الملك ببقية الممتلكات ذات القيمة الضخمة.

إنه تصرف محير ولكنه يعكس مجددا نوعية العلاقة العجيبة بين الرجل والمال من جهة وبينه وبين أبيه المتوفى من جهة أخرى.

بعد 12 سنة من الحكم يظل محمد السادس شخصية تستعصي على الفهم.

يبدو كأنه يشبع نهمه عبر فرض رغبته على أعضاء أسرته.

في يوم من الأيام المشرقة وبينما كان يسير على شاطئ البحر في شمال المغرب، التقى محمد السادس بالصدفة ابن عمه مولاي هشام الذي لم يكلمه منذ 10 سنين، فأشار إليه بحركة غير لائقة.

يُحكى أيضا أن والي بنك المغرب حاول جاهدا مساعدة أخت الملك الأميرة لالة مريم للحصول على تغطية صحية من فرنسا نظرا للصعوبات – المالية - التي كانت تعيشها. لا شك أنها صعوبات نسبية.

في هذه الأثناء يواصل الملك إشباع نزواته. يقوم بجمع السيارات الفاخرة وأيضا اللوحات الفنية، والرجل الذي ينسق عملية الاقتناء من الأروقة العالمية هو حتما منير الماجيدي. أما المسؤول عن المشتريات فهو حسن المنصوري المقرب من حسن بوهمو والذي كان أحد مؤسسي شركة أبلاين المالية Upline وكذلك المجلة الأسبوعية المعارضة لوجورنال Le Journal hebdomadaire .

حسن المنصوري يوجد اليوم على رأس الشركة الملكية بريماريوس Primarios المكلفة بتأثيث وتزيين القصور الملكية على حساب خزينة الدولة المغربية، وهو يسعى في هدوء لإرضاء أذواق الملك.

يُبدي محمد السادس شغفا خاصا بأعمال الفنان التشكيلي مارك شاكال Marc Chagall رغم أنه يعبر عن عالم مناقض تماما لمحيط محمد السادس: لوحاته ذات طابع ساذج تصور غالبا الحياة اليومية للطائفة  اليهودية في روسيا التي ولد فيها أواخر القرن 19.

ثروة الملك الخاصة محاطة بالكثير من الغموض إلى درجة أن التخمينات حول حجمها صارت دون حد.

خلال تسعينيات القرن الماضي قدر المعارض مومن الديوري حجمها ب 10 مليار فرنك فرنسي مودعة في عشرين بنكاً بفرنسا وسويسرا والولايات المتحدة الأمريكية.

في يناير 2000 أي بُعيد اعتلاء محمد السادس عرش المملكة، قام الشيخ ياسين مرشد جماعة العدل والإحسان بنصح الملك الجديد بالتكفيرعن جرائم أبيه بإرجاع ثروة هذا الأخير إلى خزينة الدولة لتخفيف الدين الخارجي للبلاد، فأمر الملك بمنع نشر رسالة الزعيم الإسلامي العجوز.


هل تريد مزيدا من العجائن يا صاحب الجلالة ؟
كتب العديد من الأطراف الفاعلة في حقل السياسة عن موضوع العزلة التي يعيشها من يمارس السلطة، ولقد كان الحسن الثاني يعترف ببساطة أن "الملك ليس له أصدقاء"، بيد أنه لا يُعدم متزلفين من حوله.

من اللافت للنظر اليوم كون العاهل المغربي يتحرك ضمن دائرتين اثنتين من الأشخاص لا تتواصل إحداهما مع الأخرى أبدا.

الأولى تتكون بالإضافة لرفقاء سهراته ولهوه، من زملائه السابقين في المدرسة الملكية وقد أصبحوا كما رأينا من قبل هم أقرب معاونيه.

نادراً ما يلتقي الملك أعضاء الحكومة ولكنه يلتقي تقريبا كل يوم هذا الشلة ممن يدينون له بكل شيء.

هم ينفذون أوامره ويرضخون لإرضاء نزواته ويتحملون غضبه ويتجرعون شتائمه. إنهم يتقبلون الإذلال والإهانة أمام الملأ بعدما تخلوا عن كرامتهم مقابل عائدات مادية مريحة.

الملك يُرعبهم فيتحولون بدورهم إلى مُرهبين للذين يشتغلون تحت إمرتهم .

إن القرب من الملك في حظيرة القصر لا يكفي للانتماء إلى الدائرة الأولى المحظوظة، والتي تضم بعض أبناء عمومته وأفرادا آخرين ذوي مسارات مدهشة.

هناك مثلا حالة عبد المولى رتيب، بائع متجول سابق في أسواق باريس ومدن فرنسية أخرى. كان أبوه عامل مناجم وقد نشأ في مدينة بيتون الفرنسية Béthune واليوم له شركة للنسيج بالمغرب تصدر 70% من إنتاجها إلى أوروبا و 30% إلى الولايات المتحدة، وتشغل ثمانية آلاف من العمال والموظفين.

لقد تطورت بين وريث عرش المغرب والمقاول الذي عاش الحرمان في صغره علاقة تفاهم وثيق غير متوقع.

قلة من الناس يعرفون أنه صديق حميم للملك، وهذه القلة من الأفراد تجهل أسباب هذه الصداقة.

محمد السادس يدعوه إلى سهرات قصره كما يدعوه إلى أماكن عطلته.

خلال فصل الصيف، يطيب للملك أن يستقر في الشمال قرب تطوان حيث ترسو سفينته الشراعية.

لقد تشرف باستقبال الملك إياه على متنها حيث رافقه مع أسرته لزيارة أجنحتها بما في ذلك غرفة النوم، وهذا امتياز نادر، حتى أن رتيب قال مزهوا لأصدقائه: "أنا الوحيد الذي زرت غرفة نوم الملك" وهنا ارتكب خطأ حيث أن الملك علم بذلك فغضب عيله، أو هكذا يُحكى .

ثمة شخص آخر يدعى سعد العلج، يدعى بانتظام الى مقر إقامة الملك، ويعرف بشكل غير مباشر ما يجري في كواليس القصر.

كان عمه هو المهرج المفضل لدى الحسن الثاني، بعد أن شغل نفس "الوظيفة" عند الملك فهد عاهل المملكة العربية السعودية.

سعيد العلج عُرف عليه أنه رجل أعمال يحصد كل ما وجده في طريقه، يتربع على رأس الهولدينغ "سنام Sanam" ويسير مجموعة من الشركات الناشطة في ميدان الصناعة الغذائية والعديد من الفروع التي اشتراها من مجموعة "أونا".

كانت آخرها شركة "لامونيكاسك ماروك la Monégasque Maroc" للتصبير، التي كانت تابعة بنسبة 100% لـ"أونا"، والتي مكنته من احتلال المرتبة الأولى عالميا في تصبير سمك الأنشوفة Anchois .

لم يكن هذا الامتياز الوحيد الذي حظي به سعيد العلج، فقد استفاد أيضا من تفويت قطع أرضية بأسعار زهيدة، وبدأت مجموعته الاستثمار في ميدان العقار، ولكن هذه المرة وحسب ما قيل بمعية شريك، ليس سوى فؤاد عالي الهمة المستشار السياسي للملك، تحت اسم مستعار.

من الواضح أن القرب من الملك يوفر المنافع للذين ينتفعون منها، إنهم يحظون بنوع من الامتياز فعلا لكن في بحر من الكآبة والنكد. هكذا يصف رجل أعمال مغربي بؤس هؤلاء القوم.

وسط هذا الاستنزاف الملكي الممنهج لاقتصاد البلاد، حيث تم حشر رجال الأعمال في دائرة ضيقة جدا، أقصى طموحهم تهريب الأموال إلى الخارج واقتناء الشقق في باريس والسعي للحصول على جوازات سفر فرنسية أو كندية أو أمريكية"، ثم يضيف متأسفا: "إن المغرب هو البلد الوحيد الذي يحلم فيه الفقراء بالرحيل.. والأغنياء أيضا ".

رجل الأعمال سعيد العلج هذا شغوف بالسينما، ولذلك أنشأ استوديوهات للتصوير في مدينة ورززات فحصل في عام 2005 على وسام من الملك الذي يبدو منبهرا بعالم الفرجة والشو- بيز.

لقد حل مرة ضيفا للعشاء عند المغني الشهير جوني هاليداي johnny Hallyday في منزله بباريس، فذهب مرتديا سروال الجينز وحذاء رعاة البقر.

عن هذا اللقاء الفريد بين نجم الروك الفرنسي وملك المغرب، يرسم أحد الحضور لوحة طريفة: "في منتصف العشاء خاطب جوني الملكَ قائلا: "هذه أمسية عشاء جميلة، ولكن مع الأسف أنا مضطر أن أخاطبكم بلقب صاحب الجلالة! ".. فأجاب الملك وهو الحريص أشد الحرص على الألقاب: "حتى عائلتي تناديني يا صاحب الجلالة، لكن أنت يا جوني أسمح لك أن تخاطبني بصيغة المفرد المبسطة" ( بمعنى tu بدل vous).

بضع دقائق بعد ذلك، سأل المغني الملكَ مستعملا صيغة المفرد: " هل تريد جلالتك مزيدا من العجائن؟"..

Tu veux encore des pâtes, Majesté ?

نعم هذا من حقي !

قد يكون من امتيازات الملوك أنهم يتصرفون حسب مزاجهم وأهوائهم.

هكذا كان يتصرف الحسن الثاني وكذلك يفعل ابنه.

محمد السادس يجد المتعة في أمسية مع المغني جوني هاليداي أو نجم من نجوم الفن أكثر من لقاء على انفراد مع جاك شيراك.

اعتقد الرئيس الفرنسي شيراك الذي كان قريبا جدا من الحسن الثاني، أنه سيلعب دور الأب البديل للملك الجديد، وهذا خطأ نفسي أولا .

لقد كانت نصائح جاك شيراك تزعج محمد السادس وربما تغضبه، كما أن سوء التفاهم يتفاقم بسبب الفارق في السن. ورغم ذلك فقد كان شيراك يغض الطرف عن أخطاء الملك ويصبر على تجاوزاته، ويعامله باحترام فائق بينما الشركات الفرنسية في المغرب تعاني من سوء المعاملة.

لم يفاتحه ولو مرة واحدة في هذه الشكاوى ولكن الملك كان يعامل رئيس الجمهورية الفرنسية تماما كما يعامل تلك الشركات، أي بقلة الاحترام.

القصة التالية تعكس ذلك بصفة مدهشة وتبرز الخطأ النفسي الثاني الذي ارتكبه شيراك.

خلال أحد لقاءاتهما أسدى شيراك بعض النصح حول الحكامة الاقتصادية السليمة، وقال فجأة: "أعرف يا جلالة الملك خبيرا اقتصاديا فذا بإمكانه إعطائكم مشورة نفيسة، وهو ميشيل كامديسو Michel Camdessus ، المدير السابق لصندوق النقد الدولي. هل تريدون أن يأتي للقائكم؟"..

 حرك الملك رأسه دون الإفصاح عن قبوله بل ربما في إشارة لقرب إنهاء الاجتماع.

اتصل شيراك على الفور بكامديسو فقدم إلى طنجة حيث كان يقيم الملك ومكث في الفندق ينتظر استدعاء من القصر لكن دون جدوى.

طبعا لم يكن الملك يجهل زيارته بعد أن تم إبلاغه بها ولكنه فضل تجاهل الأمر.

مسكين كامدسو ومسكين شيراك. كل محاولة للنصيحة ولو كانت وراءها نية حسنة يكون مصيرها الاحتقار.


أزمة في مراكش
كان النجاح في ضبط الفرنسيين بالنسبة للملك والمقربين منه بداية عهد جديد، يمكن أن نلخصه بعبارة :"بعيدا عن الأنظار... سنعيش سعداء".

أقل مساس بهذا المبدأ كان يقابل بعقاب شديد. هذا ما حدث مع "بريماريوس"، هذه الشركة التي يمتلكها الملك والتي تتكلف بتأثيث وتزيين القصور ويسيرها حسن المنصوري رجل اللوحات الفنية الملكية.
"بريماريوس" رفعت دعوى قضائية ضد المجلة الشهرية "إكونومي أي أونتربريز" أو "إقتصاد و مقاولات" لأن هذه الأخيرة لمحت إلى أن "بريماريوس" قد ضخَّمت الفواتير الخاصة بنفقات تجديد أثاث "المامونية"، أحد أجمل الفنادق الفخمة في مراكش.
رغم أن أكبر المساهمين في المامونية هو "المكتب الوطني للسكك الحديدية" ، فإن هذا المكان الجميل يعتبر منذ مدة الجناح غير الرسمي للدبلوماسية المغربية.
لائحة الشخصيات الفرنسية التي جاءت إليه طويلة وطويلة جدا وتضم أسماء من عالم السياسة والصحافة من كل الاتجاهات والتيارات حيث يحلون ضيوفا على القصر الملكي فيكون مقامهم كله نعيما وترفاً.
على كل حال فلو صدقت ألسنة السوء فهذا هو المكان المثالي لشراء الذمم بطريقة غاية في اللطف.
مهما يكن فإن محمد السادس سار على نهج أبيه في الاهتمام عن قرب بحسن سير الأمور هناك وخاصة ما يتعلق بالديكور والأثاث الداخلي.
بعد أن قضى 13 سنة كمدير للمامونية، غادر "روبير برجي" منصبه سنة 2006 أو على الأصح طُلب منه أن يحزم حقائبه بسرعة بعدما تجرأ وناقش بعض تفاصيل الديكور التي رغب فيها محمد السادس.
وهكذا فمجرد التشكيك في نزاهة "بريماريوس" أثار غضب الملك.
وبما أن الجميع يعلم أن القضاء المغربي يُضرب به المثل في كل جوانبه وخاصة استقلاله
فالدعوى المرفوعة انتهت بالحكم على الصحيفة بتعويض "بريماريوس" بمبلغ قدره 5.9 مليون درهم.
هذا المبلغ الخيالي طبعا يفوق بكثير القدرة المالية للمجلة مما قد يضطرها للإغلاق .
نضيف بضع كلمات عن مراكش.. إن فنادق المدينة أو على الأقل الفنادق تلك التي يتحكم فيها الملك محمد السادس تصبح في بعض الأحيان مصدر قلق بالنسبة له.
إضافة لقصة فندق المامونية المحزنة، هناك فندق رويال منصور Royal Mansour الذي يوجد أيضا في ملكيته، وقد اجتاحته منذ فترة قريبة رياح القلق. ذلك أن "ملك الفقراء" هو من وضع بنفسه تخطيط وتصور هذه المؤسسة الفندقية والتي يصل ثمن أفضل أجنحتها إلى
13.000 أورو لليلة الواحدة (130.000 درهم).
مكان فخم جدا لا تحلم % 99 من ساكنة العالم بوضع أقدامها فيه.
إلا أن الملك أثناء تشييده وتجهيزه أولى اهتمامه لأدق التفاصيل ولأصغر قطعة ديكور أوأثاث وترك شؤون المملكة في المقام الثاني.
الفندق يستقبل العائلات المالكة الخليجية خاصة السعودية والإماراتية.
فضاء مستلهم من الأحلام هيئ خصيصا لزبائنه المتميزين جدا.
استمر الأمر كذلك إلى غاية اليوم الذي انفجرت فيه الفضيحة، لا بل وتكررت.
اكتشف أمراء بذهول أن مبالغ مالية مهمة وحليا ومجوهرات ذات قيمة عالية سرقت منهم.
نعم هناك لص يصول ويجول في "روايال منصور" ويتجرأ على تكرار جريمته في فندق الملك.
اشتكى الأمراء للملك فجُن جنونه وأمر بفتح تحقيق فوري.
لعدة أسابيع تم استجواب 500 عامل وعاملة في المكان ثم بدأ التدقيق في مطابقة شهاداتهم مع جداول عملهم، كما اندمج بعض عناصر الشرطة مع العاملين ثم كُتمت الفضيحة.
تطلب الأمر أكثر من شهرين لتحديد السارق المفترض أو هكذا يزعمون في القصر على الأقل، لأن إدارة روايال منصور تلتزم الصمت حول الموضوع.
بالمناسبة، لا الملحقة الصحفية للفندق المكلفة بفرنسا "كلير جاكوبان" أجابت عن أسئلتنا ولا نظيرتها المغربية "سارة الصايل".
في غياب التفاصيل عن هوية اللص تظل دوافع السرقة لغزا غامضا ...
متاجر الملك تنتهك القانون
قطاع التجارة العصرية أوالمتاجر الكبرى، خاضع كما رأينا لتحكم أونا.
حسب الدراسة التي قام بها في صيف 2000 مكتب "المسناوي مزارس Cabinet Masnaoui Mazars  بطلب من مجلس المنافسة، يسجل هذا القطاع رقم معاملات يصل إلى 2 مليار دولار، ونموا سنويا قدره % 9.
إنه إذن مجال مربح اقتصاديا وفي نفس الوقت خفيف التقنين، الشيء الذي لم يفت القصر.
في الواقع علامتا مرجان Marjane وأسيما Acima اللتان تنتميان للهولدينغ الملكي تتحكمان في % 64 من سوق المتاجر الكبرى، متقدمين بشدة عن منافسهما "لابيل في Label Vie " التي لا يتجاوز نصيبها من السوق % 28.
يعتمد توسع شبكة مرجان على الشطط الملكي أكثر منه على الحيوية الاقتصادية.
عندما فسخت أونا الارتباط مع أوشان Auchan الفرنسية في غشت 2117 ، أعلنت نيتها فتح متجرأسيما إضافي كل شهر، وسوق ممتاز مرجان إضافي كل فصل.
هذا النمو السريع يعتمد في إنجازه حسب مصدر قريب من الملف على سلسلة أوامر بسيطة.
في كل مرة تقوم الشركة بشراء البقعة الأرضية بثمن بخس من الدولة بل هناك من يقول إن أونا تسرق البقع من الدولة.
من جهة أخرى مرجان وأسيما لا تجد غضاضة في خرق تعاليم الإسلام لأن هذه المتاجر تبيع الخمر، الشيء الذي يتعارض مع قوانين البلاد، يقال أن بيع الخمور يشكل ثلث رقم المعاملات...
تتعامل السلطات المغربية بكرم بالغ مع المجموعة الاقتصادية الملكية وبقسوة مع منافسيها.
مثلا متاجر كارفور Carrefour تم إبعادها إلى مدينة سلا الأكثر شعبية من الرباط.
في مارس 2011 قام محمد السادس بزيارة رسمية إلى الغابون للقاء صديقه الكبير الرئيس علي بانغو. العلاقات بين قائدي البلدين وطيدة وتعتبر علاقات صداقة، وتعود إلى عهد الحسن الثاني وعمر بانغو. هذا الأخير مفترس كبير آخر وهو اليوم بين يدي ربه، كان قد نجح في تحقيق إنجاز كبير جدا: بعد أكثر من أربعة عقود قضاها في الحكم استطاع أن يجعل من بلد غني بالنفط وقليل السكان بلدا متخلفا بشكل لا يصدق.
 لكن لا مال البترول ولا قصوره الفخمة في كل أرجاء العالم منعت القائد الإفريقي من أن يكون مبهورا بالوضعية الملكية والترف والأبهة التي كان يعيش فيها الحسن الثاني.
كان يأتي باستمرار للمغرب للإقامة من أجل اللقاء بالملك الذي من جانبه يبدو أنه كان يعامله كابن عم آت من البادية.
وريث العرش المغربي ووريث الجمهورية البترولية تحررا من سلطة أبوية
ضاغطة جدا وتفاهما بإتقان ما يهمهم بالدرجة الأولى: التجارة والأعمال.
مناجم الذهب تتسبب في عطش السكان
في مايو 2011 ، وشهرين بعد الزيارة التي قام بها الملك للغابون، وقَّعت الدولة الغابونية اتفاقية مع الشركة المغربية مناجم Managem لكي تبدأ هذه الأخيرة في استغلال منجم الذهب في منطقة باكودو.
"مناجم" شركة تابعة لمجموعة أونا وهو ما يفسر المعاملة المتميزة التي تحظى بها في الغابون.
منجم باكودو يختزن ما يناهز 1.700.000 طن من الذهب، والاستخراج الذي انطلق في يوليوز 2011 ينتج سنويا 500.000 طن من المعدن الخام.
ووفقا لبيان رسمي، يندرج هذا المشروع تماما في صميم مخطط – الغابون الصناعي - الذي يعتمد عليه الرئيس بونغو لتطوير مشروعه المجتمعي "الغابون المنطلِق Le Gabon émergent".
منذ أكثر من أربعين عاماً وهذه "الانطلاقة" الاقتصادية للغابون المسكين الذي يتعرض للنهب من طرف حكامه، تراوح مكانها.
في المقابل يواصل المغرب إطلاق المشاريع هناك.
شركة "مناجم" سوف تبدأ استغلال منجم آخر للذهب في منطقة إيكيلي بينما المكتب الشريف للفوسفاط OCP يخطط لاستغلال الموارد الغابونية في المستقبل القريب.
لكي نفهم الازدهار الحالي لشركة "مناجم" ينبغي العودة لنشاطها الرئيسي الذي مارَسَته على مدى عقود وهو استغلال المعادن المغربية لفائدة السلطة الملكية، علما أن قطاع المعادن لم يشكل يوما رافعة من روافع التنمية في البلد .
أكبر منجم تستغله "مناجم" في المغرب هو منجم عقا الواقع على بعد 280 كلم جنوب أكادير. حصلت مناجم على رخصة الاستغلال سنة 1996 وابتدأت العمل هناك عام 2000 مستفيدة من مساعدة فرنسا، وهذه فضيحة.
-         لماذا ؟
رسميا أخرج المنجم المنطقة من العزلة بفضل شبكة من الطرق والكهرباء والمياه والاتصلات
الواقع مختلف قليلا. بل هو قاتم شيئا ما...
 لأجل استخراج غبار الذهب يجب استعمال مئات الأطنان من المياه وظفت لها مناجم الكثير من الآبار التي يفوق عمقها 1000 متر وهذا يستنزف الفرشة المائية الباطنية.
عواقب هذا الوضع مأساوية لأن التصحر يكتسح المكان.
يتظاهر السكان هناك من حين لآخر أمام مكتب "مناجم" مطالبين بالماء الشروب وإنقاذ قطعانهم وواحاتهم ولكن لا يعبأ بهم أحد.
من الغريب أن هذه المنطقة المحرومة لا تحظى بزيارة الملك .
معظم المناجم كانت تنتمي في الماضي لشركة SMI العمومية التي جرت خوصصتها في عام 1996 . وبطبيعة الحال اشترتها "مناجم" ولكن لم يبدأ الاستغلال بوتيرة مفرطة إلا سنة 2000 مع قدوم محمد السادس وفريقه للسلطة.
-         فهل هذه صدفة؟
على سبيل المثال، أدى الاستغلال المحموم لمنجم إيميضار قرب مدينة تنغير إلى مظاهرات في سبتمبر 2011 عبَّر خلالها العمال عن غضبهم بإغلاق صمام الأنبوب المائي الذي يزود المعمل. ذلك أن هذه المياه تُنتزع انتزاعا من سكان المنطقة بينما ارتفع رقم معاملات مناجم ليبلغ في العام الماضي 654 مليون درهم.
اتصلوا حالاً ب"بوينغ"
الأرض في المغرب رمز للقوة . في هذا البلد العريق في الزراعة، تكتسي الأرض قيمة عالية وهي الوسيلة المثلى للتعبيرعن التعسف والسلطة المطلقة للملك، وعن كرمه أيضاً.
 فالملك هو الذي يهيمن ويصادر، ولكنه أيضا يوزع المكافأة ليضمن الولاء.
الأرض بالنسبة للملك وسيلة للتحكم و لإظهار أنه يبقى فوق القانون، إلى جانب استخدامه أيضا لمؤسسات القطاع العام.
في عام 2008 ، نشب نزاع بين شركة Développement CDG أحد فروع CDG صندوق الإيداع والتدبير وعائلة ثرية في الشمال تدعى الرزيني، يقول آل الرزيني أن الدولة انتزعت ملكيتهم على أرض بمساحة 124 هكتاراً كانوا يملكون حق استغلالها منذ عام 1992 .
 ندد آل الرزيني بالشطط في استعمال السلطة منعَ تسجيل أرضهم وسمح بالتالي بالمصادرة.
تقع الهكتارات موضوع النزاع في منطقة المضيق حيث يقضي الملك عطلاته الصيفية منذ اعتلائه العرش، وسيتم استخدامها لبناء مجمع سياحي، يدعى خليج تمودا Tamuda Bay ، وفندق يدعى ريتز كارلتون Ritz Carlton ، . مجمع فاخر، من المنتظر أن يفتح أبوابه في أواخر 2013.
وسوف يكون مجهزاً بملعب للكولف من تصميم البطل السابق جاك نيكلوس.
كل ذلك نزوة مفاجئة للملك.
سيتم تمويل هذا المجمع جزئياً من المال العام، لكن هل سيتم تعويض أصحاب الأرض المصادرة ؟
هناك نزوة ملكية أخرى: للتغطية على الروائح الكريهة، تم تجهيز إقامة محمد السادس بجانب المضيق برشاشات تنفث باستمرار رائحة زهر البرتقال في جميع أنحاء الإقامة.
هذا الشغف الخاص للحسن الثاني ولابنه من بعده، بقطاع العقارات والبناء أدى إلى أن يتجرأ بعض المنتقدين.
يؤكد المعارض مومن الديوري أن الحسن الثاني كان يملك حصة % 15 من مجموعة Bouygues بويج، وأن هذا "السر" ظل محفوظاً بعناية.
أثناء تحقيقنا حاولنا العثور على دليل ملموس لهذا الاستثمار. عبثا. ملك المغرب لم يكن يوماً أحد المساهمين في مجموعة البناء الفرنسية، ولكن من الواضح أنه بصفته زبوناً فوق العادة كان بإمكانه التعويل على خدمة "ما بعد البيع" من طرف مدراء مجموعة البناء هذه.
في أواخر التسعينيات، حين قرر الحسن الثاني أن يتحدث في التلفزيون الفرنسي، كان واقفا في إحدى غرف القصر في الرباط، يحيط به بعض المستشارين بهيئات تتصنع الاحترام، التفت فجأة إلى مستشاره الإعلامي، أندريه أزولاي، وسأله باستعجال :
- في أي وقت سيبث التلفزيون حواري ؟
- ربما يا صاحب الجلالة بعد نشرة الأخبار على القناة الثانية.
- كم مدة اللقاء؟
- حوالي 15 إلى 21 دقيقة.
- والخيار الثاني؟
.7/ - على القناة الأولى، في برنامج 7
الملك يبدو منزعج اً ...
- آه إنها السيدة آن سان كلير قادمة.
- نعم يا صاحب الجلالة.
- وكم تبلغ مدة البرنامج؟
- ساعة!
- موافق، اتصلوا حالاً ببوينغ .

بعد ذلك بخمسة عشر يوما، تمت برمجة اللقاء بالرغم من تردد الصحفية آن سنكلير، وحلَّ مارتن بويج، باتريك لولاي وإتيان موجوت على متن طائرة بوينغ خاصة هبطت في مطار الرباط لحضور تسجيل البرنامج.

نشرت جريدة "الباييس" الاسبانية مقتطفات من كتاب "الملك المستحوذ" وهو من إنجاز الصحافي المخضرم إريك لوران الذي كان صديقا للملك الراحل الحسن الثاني، وحاوره في كتاب "ذاكرة ملك"، و الصحفية كاثرين غراسييه، مؤلفة كتاب "حاكمة قرطاج" الذي كشفت فيه عن فساد الأسرة الحاكمة في عهد الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بنعلي.
الكتاب الذي يقع في 216 صفحة، يحمل عنوانا مستفزا هو "الملك المستحوذ" ويتحدث عن زواج السلطة والمال في المغرب داخل الأسرة الملكية. وفيما يلي تلخيص بتصرف لأهم ما جاء في مقال "الباييس.../...".
رعايا وزبناء
يقف الكتاب عند الارتفاع السريع في ثروة الملك محمد السادس ليصبح، في عام 2008، سابع أغنى ملك في العالم متجاوزا بثروته أمراء قطر والكويت. ويقول مؤلفا الكتاب أن سر ارتفاع ثروة الملك هو أنه حول رعاياه إلى "زبناء" لمنتوجات شركاته التي تحتكر أغلب الخدمات الأساسية. وهو ما جعل مجلة "فوربس" المتخصصة في تتبع ثروات أغنياء العالم تقدر ثروة الملك محمد السادس بنحو 2.5 مليار دولار.
ومن المفارقات التي يقف عندها الكتاب هو أنه في عام 2009، وبالرغم من الأزمة المالية القوية التي ضربت أقوى الاقتصاديات في العالم، نجح محمد السادس في زيادة ثروته التي تضاعفت خلال خمس سنوات، وبالتالي النجاة من الأزمة الخانقة التي حطمت اقتصاديات دول متقدمة اقتصاديا على المغرب!
ويورد الكتاب أن تقرير التنمية البشرية الذي يعده برنامج الأمم المتحدة للتنمية، والذي يغطي الفترة 2007-2008، صنف المغرب في المرتبة الـ 126 من بين 177 دولة. وحسب نفس التقرير فقد بلغ معدل الفقر في البلاد نسبة 18.1٪. والأسوأ من ذلك، يقول مؤلفا الكتاب، هو أن أكثر من خمسة ملايين مغربي يعيشون بأقل من 10 دراهم في اليوم، والحد الأدنى للأجور القانوني لا يتجاوز 55 درهم في اليوم الواحد.
الكتاب يقول بأن تقديرات مجلة "فوربس" للثروة الملكية، تبقى متواضعة لأنها تفوق في الواقع ذلك بكثير. كما يضيف بأن المجلة تصمت عن كيفية مراكمة تلك الثروة، ويربط الكتاب بين زيادتها وارتفاع أسعار الفوسفات، الذي يعتبر المغرب من رواد مصدري منتجاته في العالم، دون أن يقدم المؤلفان أي دليل موضوعي على هذا الربط.
زواج غير شرعي
الكتاب يصف الملك بأنه يعتبر "المصرفي الأول" في المغرب، و "المؤمن الأول"، و"المزارع الأول"، والمتحكم في صناعة المواد الغذائية وتجارة التجزئة والطاقة.
ويقم الكتاب مقارنة بين عهدي الملك محمد السادس وعهد والده. ويقول مؤلفاه أن الملك الراحل الحسن الثاني كان منتبها جدا لعدم تداخل السلطة والمال، وبأنه كان يشعر بالقلق من انخراط أفراد من العائلة الملكية في مجال المال والأعمال ابتداء من نفسه. في حين يرى المؤلفان أن الملك الحالي يبدو منصرفا أكثر لتنمية ثروته الشخصية.
ويلاحظ الكتاب أن هذا الزواج غير الشرعي بين "المال" و"السلطة" هو الذي أدى إلى تحرك الشارع في العالم العربي، وهو التحرك الذي لم يسلم منه حتى الشارع المغربي عندما حمل المتظاهرون في المدن المغربية شعارات تطالب برحيل اثنين من أصدقاء الملك هما محمد منير الماجدي، السكرتير الخاص للملك وفؤاد علي الهمة، صديقه ومستشاره، باعتبارهما وجهان للفساد في مجال المال والسياسة في مغرب محمد السادس.
الكتاب يقيم مقارنة سريعة بين الوضع في المغرب، والوضع في دول مجاورة شهدت ثورات انقلبت فيها الشعوب على حكامها بسبب تلك الأوضاع. ففي عام 2009، يورد الكتاب، أن متوسط دخل الفرد السنوي في المغرب كان في حدود 4950 دولار (نحو 4 ملايين سنتيم)، وهو نصف متوسط دخل المواطن التونسي أوالجزائري.
تكاليف القصور الملكية
وبالنسبة لمؤلفا الكتاب فإن الملك لا يستحوذ فقط على أهم الاستثمارات في قطاعات متنوعة من اقتصاد المغرب، وإنما يحظى أيضا بميزانية خاصة تقتطع من ميزانية الدولة العامة تتمثل في "ميزانية القصر" التي لا تخضع للمناقشة داخل البرلمان، ومن هذه الميزانية يصرف للملك راتب شهري قدره الكتاب بنحو 40000 دولا أمريكي ( نحو 35 مليون سنتيم)، وهو ما يجعل راتب ملك المغرب يفوق راتب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، وراتب الرئيس الفرنسي مرتين !
أكثر من ذلك، يقول مؤلفا الكتاب، فإن المعاشات التقاعدية والأجور الحقيقية، التي تبلغ سنويا 2.5 مليون يورو (مليارين ونصف من السنتيمات)، تصرف لأفراد من الأسرة الملكية، بالإضافة إلى التعويضات التي تدفعها لهم الدولة المغربية، مقابل أنشطتهم الرسمية.
تضاف إلى هذه المصاريف، حسب نفس الكتاب، تكاليف القصور الملكية التي قدرها المؤلفان بـ 12 قصرا منتشرا في جميع أنحاء البلاد، والتي تضاف إليها 30 من الإقامات الملكية، يعمل بها أكثر من 1200 شخص، تدفع لهم أجورهم من الخزينة العامة للدولة. وقدر الكاتبان مصاريف صيانة هذه القصور والإقامات بنحو مليون دولار يوميا. وذلك بالرغم من أن الملك لايستغل سوى ثلاثة أو أربعة من هذه القصور التي لم يزر أغلبها منذ توليه الملك قبل 12 سنة !ومع ذلك فإن كل القصور تحظى برعاية يقظة بكامل أطقمها من عمال نظافة وطباخين جاهزين في كل لحظة كما لو أن الملك سيحضر في أي وقت، على الرغم من أنه يكون من المعروف أن الملك في تلك اللحظة في الطرف الآخر من البلاد أو في سفر إلى الخارج.
وبحسب المعلومات الواردة في الكتاب فإن الموظفين العاملين في القصر الملكي، يكلفون كل سنة نحو 70 مليون دولار من ميزانية الدولة. ويتكون هذا الطاقم من الخدم الأكثر تواضعا وصولا إلى موظفي الديوان الملكي (300 من الموظفين الدائمين). أما حظيرة سيارات القصر فتكلف، بحسب الكتاب، ميزانية ستة ملايين يورو مخصصة لتجديد المركبات التجارية، وصيانة السيارات الفاخرة التابعة للسيادة، من سيارات رولز رويس، كاديلاك، بنتلي والنماذج الفاخرة الأخرى التى يتم صونها بعناية في المرءاب الملكي. ويورد الكتاب خبر الطائرة العسكرية التي حملت سيارة ملكية إلى مقر الشركة المصنعة لها في انكلترا من أجل صيانتها، وهو الخبر الذي تداولته الصحافة البريطانية في حينه عام 2009
معطف بـ 35 ألف جنيه استرليني
المؤلفان، يوردان تكلفة ميزانية الملابس التي يقولان إنها تصرف من ميزانية الدولة: اثنان مليون يورو سنويا. ويتحدثان عن تكلفة معطف من الصوف لمصمم بلندن كلف 35 ألف جنيه إسترليني. بالإضافة إلى ميزانية تغذية ورعاية حيوانات أليفة تعيش بالقصر، وتكلف ميزانية الدولة مليون دولار شهريا.
الكتاب يقدر مصاريف سفريات الملك وحاشيته إلى الخارج برسم عام 2008، بنحو 38 مليون درهم مغربي. ويتحدث الكاتبان عن طائرة البوينغ الملكية المجهزة بغرفة للنوم، ومكتبا خاصا، وقاعات للاجتماع وأخرى تضم معدات للياقة البدنية(...)، وفي كل رحلة ملكية رسمية، يقول المؤلفان، يصاحب الملك ما بين 250 و 300 شخص، وترافق الطائرة الملكية طائرتان من طراز بوينج 737- 400، و3 طائرات من نوع هرقل C-130 تحمل الأثاث والأمتعة، وذلك في الرحلات التي قد تستغرق ثلاثة أسابيع. وقدر الكتاب تكاليف هذه الرحلات أسبوعيا بأكثر من ثلاثة ملايين دولار. وأشارا إلى أن الرحلات الرسمية للملك غالبا ما تمتد لتتحول إلى اجازات.
أما تكاليف تحركات الملك في الداخل فلا تقل تكلفة عما تكلفة سفرياته نحو الخارج، وهنا يورد المؤلفات أن مصاريف تحركات الملك في الداخل تكون جد مكلفة وتشمل مصاريف تأمين المدينة التي يتوجه إليها الملك من قبل قوات الشرطة والدرك والآلاف من الرجال لحراسة المنطقة. وإذا كانت المنطقة لا تتوفر على قصر أو إقامة ملكية، فيتم تخصيص مساكن فخمة لإقامة حاشية الملك ومرافقيه من المستشارين والوزراء ورجاله، وتقوم قوافل من الرباط أو مراكش بنقل الأثاث، والأطباق، والمطابخ والطهاة وغيرهم من الموظفين. ويضيف المؤلفان أن الغرض من هذه الرحلات يكون أحيانا من أجل تدشين مستشفى صغير، سرعان ما تغلق أبوابه وتعرض معداته الطبية للتأجير بعد مغادرة الملك للمنطقة، كما حصل في إحدى مدن الجنوب المغربي، حسب ما أورده المؤلفان.
مؤامرات المحيط الملكي
المحيط الملكي، لايخلو من تآمر، حسب نفس الكتاب، بين أقرب مساعدي الملك وكلهم من أصدقاء دراسته وطفولته، ويورد الكتاب الصراع الخفي بين هؤلاء، خاصة بين محمد رشدي الشرايبي، وفؤاد عالي الهمة، وكلاهما يتحدران من أسر فقيرة، درسا مع الملك في المدرسة المولوية، وأصبحا يتنافسان، بآساليب ملتوية وأحيانا لاتخلو من العنف والتآمر، على حد تعبير المؤلفين، من أجل إثبات قربهما من الملك. ويقول المؤلفان بأن الهمة نجح في الفترة الأخيرة من حسم الأمر لحسابه كأقرب صديق للملك.
ويكشف الكاتب أن الهمة نحج أيضا في إقصاء منافس قوي له هو المستشار محمد المعتصم، الذي لعب دورا في إخماد "الربيع المغربي" عام 2011، ويزعم الكاتبان أن الهمة وشى بمنافسه للملك بأنه تهجم على حزبه "الأصالة والمعاصرة"، وذلك من خلال التنصت على مكالمة هاتفية للمستشار الملكي الذي عهد إليه الملك بالتنسيق بين الأحزاب السياسية واللجنة الملكية التي كلفها بإعداد الدستور الجديد صيف عام 2011.
ويقول المؤلفان أن الهمة مدين في تفوقه على منافسه إلى معلمه إدريس البصري، وزير الداخلية القوي في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، والذي علم الهمة كيف يكون مولعا بتجميع المعلومات السرية عن منافسيه. وبالإضافة إلى الهمة ، يورد المؤلفان إسم محمد منير الماجدي، السكرتير الخاص للملك، والذي يقولان بأنه لا يحظى بشعبية مثل الهمة، وبالإضافة إلى سمعة السيئة، فهو رجل لا ضمير له، كما يصفه الكتاب.
ويخلص الكاتبان إلى تسجيل ملاحظة أن أصدقاء طفولة ودراسة الملك ظلوا يحتكرون المناصب المهمة داخل مؤسسة محمد السادس، ما عدا تلك العسكرية.

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *