إستقالة كوهلر : مبرراتها الحقيقية ، إنعكاساتها وآفاق التعامل معها !
يبدو أن إستقالة السيد هورست كوهلر المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة الى الصحراء الغربية ، كانت متوقعة بالنظر الى بعض الحقائق على الأرض والتي نذكر منها لا الحصر مايلي :
- الموقف الفرنسي المتصلب ، الذي ساهم في تعنت الطرف المغربي وعدم إذعانه بصورة حقيقية للتوجه الذي ينحوه كوهلر .
- عدم ٱجماع مجلس الأمن على الدعم الكافي لكوهلر وإقتصاره على بعض التصريحات التي لاتسمن ولاتغني من جوع ، وخير دليل على ذلك فشل هذا المجلس في فرض آلية لمراقبة حقوق الإنسان في الجزء المحتل من الصحراء الغربية ، وعدم إدانته الخروقات المتكررة من طرف المغرب لوقف اطلاق ، وتغاضيه عن تلفيق الأكاذيب والمغالطات التي ينتهجها المغرب والتي زادت من تعقيدات الحل .
- هورست كوهلر كان يسعى الى إشراك الاتحاد الافريقي في إيجاد حل للقضية الصحراوية وفقا لقرارات ومواثيق الشرعية الدولية ، وهي المسألة التي ظل يتنكر لها الطرف المغربي .
- ترويج المغرب لطرحه غير الواقعي والمتمثل في فرض خيار الحكم الذاتي كأساس وحيد لحل النزاع ، ورفضه للإستفتاء وتمييعه لمفهوم تقرير المصير .
- محاولة المغرب الزج بالجزائر كطرف رئيسي في النزاع ، يمكن التفاوض معه بخصوص مسألة الصحراء الغربية ، وتنكره لجبهة البوليساريو التي خاض معها عدة جولات من المفاوضات ، والغرض من هذا كله هو عرقلة مسار التسوية وإطالة أمد النزاع .
- كوهلر وأمام هذه المعطيات وغيرها مما يدور في الكواليس وجد نفسه أمام طريق مسدود لا سبيل للمرور منه ، وهو مايكون قد ناقشه مع الأمين العام للأمم المتحدة غوتيرش ، ليجد له في الأخير مبرر الحالة الصحية لقبول الإستقالة وحفظ ماء وجهيهما الإثنين ، الذين فشلا بما لا يدع مجالا للشك في فرض الشرعية الدولية على المغرب وإيجاد حل عادل ونزيه للقضية الصحراوية .
إنعكاسات هذه الإستقالة :
- قد تخلق هذه الإستقالة حالة من الإحباط بالنسبة للذين يعلقون الآمال على الأشخاص في حد ذاته ، بمعزل عن كونهم يخدمون أجندات وتوجه هيئات كبرى قائمة بحد ذاتها للنظر في القضايا الدولية وتسوية النزاعات .
- قد تكون مفاجئة أيضا بالنسبة للذين لا يقرأون الواقع على الأرض وما وراء الكواليس .
- قد تساهم هذه الإستقالة أيضا في إطالة أمد النزاع ، وإضاعة مزيدا من الوقت ، خاصة إذا ما بدأت دراسة الملف من جديد من قبل من سيعين خلفا لكوهلر ، والذي قد لايكون له من الخبرة الشئ الكافي لإحداث نقلة نوعية في إتجاه الحل .
مايجب على الصحراويين فعله :
- تريث جبهة البوليساريو وضرورة وفائها بالتزاماتها وتعهداتها تجاه مسار التسوية .
- على البوليساريو أن ترفع من سقف مطالبها ، فيما يخص فرض آلية لمراقبة حقوق الإنسان بالجزء المحتل من الصحراء الغربية ، تكون ضمن مهام بعثة المينورسو .
- عليها المطالبة بإطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين الصحراويين في سجون الاحتلال المغربي .
- المطالبة بفتح الإقليم أمام الصحافة الدولية ومنظمات حقوق الانسان للإطلاع الفعلي على ممارسات الإحتلال ومغالطاته للعدالة الدولية وللرأي العام العالمي .
- توسيع المعركة القانونية ورفع المزيد من الدعاوى القضائية أمام محكمة العدل الأوروبية وغيرها ، على أساس أن تشمل النهب الممنهج لثروات الصحراء الغربية وإنتهاكات حقوق الإنسان الصحراوي في المدن المحتلة وفي جنوب المغرب والمواقع الجامعية .
- إعتبار الإستفتاء هو السبيل الديمقراطي الوحيد ، النزيه والعادل ، الذي من شأنها تمكين الشعب الصحراوي من التعبير عن إرادته في تقرير المصير .
- الإصرار على المفاوضات المباشرة وبدون شروط مسبقة ، للتوصل الى صيغة توافقية من شأنها أن تؤدي الى الحل .
- تحديد آفاق زمنية للحل ، وذلك للحد من التلاعب ومن مناورات المحتل المغربي على عامل الوقت .
- يجب المطالبة بتنفيذ احكام البند السابع لإجبار الطرف المعرقل لمسار التسوية ، خاصة وأن مسألة الصحراء الغربية طال أمدها بسبب التعنت المغربي ، كما أنها إستنزفت أموالا طائلة لاسيما من طرف الولايات المتحدة الأمريكية دون تقدم يذكر .
وهنا يجدر بنا التذكير بالوسطاء الذين رافقوا القضية الصحراوية دون نتيجة تذكر ، وكان آخرهم الرئيس الألماني السابق السيد هورست كوهلر ، سابع المبعوثين الأممين الى الصحراء الغربية ، الذين يأت على رأسهم الدبلوماسي السويسري جوهانس مانس الذي عينه خافيير بيريز دي كوييار لشغل هذا المنصب من سنة 1990 إلى 1991 .
يليه الجنرال الباكستاني زاده يعقوب خان من 1992 الى 1994 .
ثم الدنماركي إيريك جينسن الذي عينه الأمين العام للأمم المتحدة أنذاك بطرس بطرس غالي من 1994 الى 1997.
ثم جيمس بيكر الذي شغل المنصب لأطول فترة من 1997 الى 2004 .
ليأت الدبلوماسي الهولندي بيتر فان فالسوم ، الذي عينه الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان في الفترة من 2005 الى 2008.
ثم كريستوفر روس من سنة 2009 الى غاية 2012 .
كل هؤلاء الوسطاء باءت محاولاتهم بالفشل ، وكان الثمن الذي دفعته القضية الصحراوية هو مضيعة الكثير من الوقت دون جدوى ، ولكنها أيضا كانت فترة كافية لإثبات حسن نية جبهة البوليساريو ، ومدى تعاطيها الإيجابي مع مسار التسوية الأممي ، وذلك هو الرهان الذي سيخسره الطرف المغربي بما عرف عنه من تعنت ومن مناورات وعراقيل في إتجاه الحل ، وقد تكون تلك هي نهاية المحتل المغربي إذا ما تم تقييم مسار التسوية ، وأخذت القضية الصحراوية أبعادا أخرى لا يمكن التكهن بمآلاتها ، مثل اللجوء الى البند السابع ، أو العودة الى الحرب من طرف جبهة البوليساريو بمبررات مقنعة للهيئة الأممية ولمجلس الأمن الدولي ولحلفائها والداعمين لها في مختلف انحاء العالم ، وحينذاك سيعرف المغرب - الواقع على فوهة بركان - قيمة الأمن والاستقرار ، وفداحة الظلم والعدوان .
بقلم : محمد حسنة الطالب