غزواني بين رهانات المغرب والبوليساريو!
فور إعلان اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات النتائج المؤقتة للانتخابات الرئاسية في موريتانيا التي جرت 22 يونيو/حزيران الجاري، بادرت المملكة المغربية بإعلان تهنئتها للرئيس المنتخب محمد ولد الشيخ محمد أحمد ولد الغزواني، وسط رفض مترشحي المعارضة لهذه النتائج ودعوتهم للاحتجاج ضدها، وتقديم ثلاثة منهم طعوناً فيها للمجلس الدستوري الذي تعتبر قراراته مفصلية وغير قابلة للنقض ولا المراجعة.
تهنئة المملكة المغربية قبل بت المجلس الدستوري في الطعون الانتخابية المقدمة إليه، وقبل إعلانه النتائج النهائية التي تحدد الفائز بكرسي الرئاسة الموريتانية دستورياً، هذا بالإضافة إلى الموقف الصريح لولد الغزواني بمنع الجنسية الموريتانية عن غير مستحقيها ولو كانوا صحراويين، أو بربوشيين في أزواد بجنوب مالي، أو سنغاليين. هذه المعطيات وغيرها أوّلها بعض المهتمين بالشأن الموريتاني والمغاربي بعلاقة قوية تربط الرئيس المنتخب غزواني بالمملكة المغربية، وعلى ضوئها توقعوا مرحلة متطورة من العلاقات بين البلدين.
لم يُفهم موقف ولد الغزواني في إطاره، وهو الموقف الذي صرح به في خطاب انتخابي ألقاه بمدينة كيهيدي الموريتانية ذات الأغلبية الزنجية، والتي يتهم بعض نشطائها الحكومة الموريتانية بانتهاج سياسية ديموغرافية على حسابهم، كما اتهموها بتجنيس عدد كبير من الصحراويين ذوي الامتداد القبلي والعشائري في موريتانيا، وهو ما أراد ولد الغزواني أن يرسل من خلاله رسالة محلية واضحة لكل الموريتانيين، أن الجميع سيكونون سواسية أمام حق الحصول على الجنسية الموريتانية في حال توافرت فيهم الشروط، بعيداً عن الامتداد المشترك لكل مكون موريتاني في الدول والمناطق المجاورة.
علاقة المغرب بموريتانيا راوحت بين الأزمة والركود الجلي طيلة حكم الرئيس الحالي منتهي الولاية الثانية والأخيرة، وكادت تصل في العديد من المناسبات إلى حد القطيعة، وسط استمرار الحديث من الجانبين عن مساعٍ دبلوماسية لتطويرها وتعزيزها طيلة فترة حكم الرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز منتهي الولاية الثانية والأخيرة.
وعلى عكس المتوقع اعتقد أغلب المراقبين إبان وصول ولد عبد العزيز إلى سدة الحكم أن العلاقات المغربية الموريتانية ستشهد تطوراً نوعياً بين البلدين، استناداً إلى تلقّي ولد عبد العزيز تكويناً عسكرياً آنذاك بمدينة مكناس المغربية، وعلاقاته الاجتماعية مع المغرب، لكن الرجل خالف كل تلك التوقعات، فهل يتأثر الموقف الموريتاني تجاه القضية الصحراوية في ظل انتخاب ولد الغزواني رئيساً للبلاد؟
ولد الغزواني الرئيس المنتخب بحسب النتائج المؤقتة للجنة المستقلة للانتخابات، جنرال متقاعد، ورفيق وصديق وشريك للرئيس محمد ولد عبد العزيز في انقلابه وقراراته الداخلية والخارجية.
ويقسم الخبير في الشؤون الإفريقية إسماعيل ولد الشيخ سيديا الموقف الموريتاني من النزاع بين جبهة البوليساريو والمملكة المغربية إلى قسمين، موقف رسمي ويجسد الحياد الإيجابي، وهو الموقف الذي بدأ يتشكل مع وزير الخارجية الموريتاني الحالي إسماعيل ولد الشيخ أحمد الذي عمل سابقاً في الأمم المتحدة لمدة ثمانية وعشرين عاماً، وله دور كبير في إعادة المفاوضات بين الطرفين المغربي وجبهة البوليساريو، قبل أن يستقيل أو يقال المبعوث الأممي، الرئيس الألماني الأسبق هورست كولر.
وقال خبير الشؤون الإفريقية إن موريتانيا لديها مشكلة عويصة، فهي تعتبر أن النزاع حول القضية الصحراوية يشمل تداخلاً إثنياً وعرقياً وإنتروبولوجياً وألسنياً مع النسيج الحساني الموريتاني، لأن كل قبائل الصحراء الغربية لها امتدادات موريتانية، وأي شرارة في المنطقة سلبية كانت أو إيجابية، سلمية كانت أو حربية، سيكون لها تأثير على الداخل الموريتاني بشكل عميق.
ويعتبر الأستاذ الجامعي الدكتور أحمد إنداري الباحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية، أن الموقف الموريتاني تجاه النزاع بين جبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر والمملكة المغربية لن يتغير بشكل كبير بعد انتخاب محمد ولد الغزواني، لأنه كان ممن يبلورون الموقف الموريتاني الحالي من قضية النزاع في الصحراء الغربية.
واعتبر ولد إنداري أن موقف الحياد الإيجابي الذي تتخذه موريتانيا منذ عام 1979 كان ثابتاً على مستواه الرسمي، على الرغم من أن لكل نظام حكم موريتانيا رؤيته لهذا الحياد وميوله لأحد طرفي النزاع في إطار مناورة سياسية أو توتر آني.
ويعتقد الباحث في العلاقات الدولية أحمد ولد أنداري أن الموقف الموريتاني ليس قابلاً للتغيير، لأنه موقف مبني على رهانات جيوستراتيجية، وأن ما يهم الموريتانيين هو حل يرضي جميع أطراف النزاع، مضيفاً أن ولد الغزواني سيتخذ موقف الرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز نفسه، الذي بدوره اتخذ مواقف الرؤساء الذين سبقوه منذ خروج موريتانيا من الساقية الحمراء وإعلان الحياد.
ويعتبر الوزير والسفير السابق الشيخ أحمد ولد الزحاف الناطق الرسمي باسم المترشح محمد ولد الغزواني قبل انتخابه رئيساً للبلاد، أن الرئيس المنتخب لن يعمل على تغيير موقف الحياد الذي تتبناه الدولة الموريتانية، معتقداً أن ولد الغزواني سيعمل على حل يرضي جميع أطراف النزاع، بما يضمن استقرار المنطقة وأمنها.
بالمحصلة، يكاد جل الموريتانيين المهتمين بالشأن المغاربي يجمعون على احتفاظ موريتانيا بموقفها الرسمي الحيادي تجاه النزاع بين المملكة المغربية وجبهة البوليساريو على إقليم الصحراء، وهو الموقف الجيوسياسي لاستقرار موريتانيا التي ستتأثر تأثراً داخلياً عميقاً بأي حل لا يرضي كل الأطراف المتنازعة، وأي تغيير لموقف الحياد الذي تتبناه موريتانيا سيعني أزمة سياسية وصراعاً مع أحد الأطراف، وهو ما يعني استنزافاً للدولة الموريتانية التي لا تزال تعمل على حلحلة رزمانة من المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية داخلياً.
المصدر: TRT عربي