فقرات من كتاب جون بولتون: “الاستسلام ليس خيارا”، حول رأيه من قضية الصحراء الغربية
(ترجمة : ماء العينين لكحل)
تم نشر هذه الترجمة يوم 24 نوفمبر 2007 على موقع اتحاد الصحفيين والكتاب الصحراويين على النحو التالي:
نشر سفير الولايات المتحدة الامريكية الأسبق في الأمم المتحدة وأحد المعاونين المقربين لجيمس بيكر في ملف الصحراء الغربية، جون بولتون، مؤخرا كتابا ظهرت إحدى طبعاته يوم 06 نوفمبر الأخير عن دار النشر “ثري شولد ايديشن ” تحت عنوان “الاستسلام ليس خيارا: دفاعا عن الولايات المتحدة الامريكية من داخل الأمم المتحدة وفي الخارج”، والذي تناول فيه ملف الصحراء الغربية والموقف المبهم لبلاده من تصفية الاستعمار بآخر مستعمرة في افريقيا.
وهذه ترجمة للفقرات الواردة بالكتاب حول الصحراء الغربية:
الفصل الثاني: المنفى والعودة
الصفحة 45: كانت لي فرصة العمل مع الأمم المتحدة مابين سنة 1997 و 2001. وطلب السيد كوفي عنان من جيمس بيكر أن يصبح مبعوثه الشخصي للمساعدة في حل الصراع الطويل حول مستقبل الصحراء الغربية، المستعمرة الإسبانية السابقة الواقعة على الشواطئ الغربية لافريقيا، أين دارت حرب عصابات لحوالي 20 سنة. مهمة بيكر كانت تتمثل في العمل على تطبيق استفتاء كان مجلس الأمن قد قرر إجراءه سنة 1991 لتحديد ما إذا كانت الصحراء الغربية ستضم من طرف المغرب، الذي يمارس سيطرة فعلية على الإقليم منذ 1975، أو تستقل.
وبالرغم من نفوذ جيمس بيكر وبالرغم من الجهود الحثيثة التي بذلناها لجعل الأطراف المتنازعة تتفق على قواعد التصويت للاستفتاء، لم نتمكن من تحقيق ذلك، وهكذا ظلت قضية الصحراء الغربية معلقة إلى حين عودتي لنيويورك سنة 2005 كممثل للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة…..
الفصل السابع: الوصول الى الأمم المتحدة
صفحة: 198
خلال تقديمي لأوراق اعتمادي للسيد كوفي عنان، الأمين العام للأمم المتحدة…. وبعد أن تحدثنا طويلا حول العديد من القضايا المتعلقة بالصحراء الغربية، هذا المشكل الذي لم يحل حتى بعد مرور 15 سنة من تواجد بعثة الأمم المتحدة بالمنطقة….
الفصل التاسع: ليس بالامكان بأحسن مما كان: مجلس الأمن
صفحة: 246 – 247
……
افتتحت الحديث بالقول أن آخر مرة كنت فيها بالقاعة غير الرسمية للمشاورات كانت برفقة جيمس بيكر حين كان يعطي تقريره حول اتفاقيات هيوستون لعام 1997 حول الصحراء الغربية. وقد كان أحد أهدافي، كما قلت آنذاك، هو أن نضع نقطة النهاية لأحد أطول عمليات حفظ السلام وذلك عبر إجراء استفتاء لتقرير المصير حول مستقبل الصحراء الغربية الذي أنشئت البعثة الأممية من أجل إجراءه. وقد تعالت الضحكات بالقاعة حينها، الشيء الذي أثبت صحته، حيث أن جهود 15 سنة لا زالت تراوح مكانها بعد مغادرتي للملف 16 شهرا من ذلك اللقاء.
الفصل الثالث عشر: دارفور وضعف بعثات حفظ السلام الأممية بأفريقيا
صفحة: 367- 369
وبسبب عملي بمؤسسة بوش 41 وبعد ذلك مع جيمس بيكر حول ملف قضية الصحراء الغربية، كان لدي اهتمام خاص ورغبة في محاولة إنهاء عملية حفظ السلام الطويلة هذه، وإعطاء سكان الإقليم الإستفتاء الذي وعدوا به منذ أمد طويل.
المغرب قبل مبدئيا إجراء استفتاء، وهذا هو على كل حال ما يعنيه حرف “الراء” في اسم المينورسو، التي تعني حرفيا “البعثة الأممية من أجل إجراء استفتاء بالصحراء الغربية”، إلا أن الرباط عملت دائما على وضع العراقيل اللازمة لمنع إجراءه، مثل العراقيل الخاصة بتحديد هوية الناخبين والتسجيل. وهي مثال واضح على محدودية بعثات حفظ السلام الأممية، وهذا ما تبرهن عليه حكومة السودان حاليا بدارفور، أي أنه لا وجود لأي فرصة للنجاح إذا ما أصر أحد أطراف نزاع ما على التمسك بمواقفه باستماتة ورفض التعاون. وعلى هذا الأساس، على الأقل فيما يتعلق بعمليات الأمم المتحدة، فلكل عضو بالمنظمة نوع من الفيتو ولا يتعلق الأمر فقط بالأعضاء الدائمين بمجلس الأمن. ولهذا بالذات تتشابه الأمم المتحدة كثيرا مع عصبة الأمم التي سبقتها فيما يتعلق بالانجازات.
لقد التقيت لمرات عديدة مع الممثلين الدائمين للمغرب والجزائر، وهما ممثلا البلدين الذين يمكن القول أنهما مرتاحين للوضع الراهن بالاقليم، ولكن إنطلاقا من دوافع مختلفة. المغرب يسيطر على غالبية تراب الصحراء الغربية، وهو مرتاح للإبقاء على الأمر كما هو عليه، ويتوقع أن تتحول سيطرته الفعلية على الاقليم الى سيطرة شرعية مع الوقت، بما يعطيه امتدادا ترابيا يتماشى مع رؤيته التاريخية للحجم “الحقيقي” للمغرب وكذلك الحصول على ثروات طبيعية والحق في الثروات السمكية.
إن البديل المقدم من طرف المغرب بدل الاستفتاء هو “الحكم الذاتي” للاقليم، مما يعني بالملموس الابقاء على الاقليم تحت السيطرة المغربية. الجزائر، الداعم الأساسي لجبهة البوليساريو (الأداة السياسية والعسكرية للثورة الصحراوية، والتي يعيش آلاف من لاجئيها في مخيمات قرب ولاية تيندوف في الجنوب الشرقي الجزائري)، لا تكره أن يكون هناك تهديد بعمليات من طرف البوليساريو ضد المغرب، لكنها تجد “التهديد” أكثر فائدة من خيار عودة الحرب. وفي الحقيقة فإن التوترات غير المحلولة بين المغرب والجزئر والتي لا علاقة لها بالصحراء الغربية، كانت دائما عاملا هاما في النزاع، بالرغم من أنه لا يتم الحديث عنها.
وقد حاول السيد بيتر فان والسوم، الدبلوماسي الهولندي المتقاعد وبديل جيمس بيكر مرارا خلال سنة 2005 أن يرى إذا ما كان أي عضو في مجلس الأمن، خصوصا الولايات المتحدة، على استعداد لممارسة ضغوطات على المغرب ليحترم التزاماته باجراء استفتاء. وقد استشف فان وولسوم بأن لا أحد كان مستعدا لذلك فيما عدا الجزائر، التي سيتجاهلها المغرب طبعا حتى ولو مارست الضغط.
ولقد كانت إحدى أهم النقاط التي أثيرت خلال فترة عملي بالأمم المتحدة حين قدم فان والسوم تقريرا لمجلس الأمن في 25 ابريل 2006، شارحا أن “الشرعية الدولية” (الجدير بالذكر أن محكمة العدل الدولية كانت قد فندت مطالب المغرب السيادية على الصحراء الغربية) تتناقض مع “الواقع السياسي” (في إشارة إلى سيطرة المغرب على الجزء الأكبر من تراب الاقليم). وأكد في تقريره أن على مجلس الأمن إيجاد توافق. وبالرغم من أن عدة دول لا يمكن أن تتقبل حلا “توافقيا” يزيح “الشرعية الدولية” ليعوضها ب”الواقعية السياسية”، إلا أنني كنت سعيدا بأن أحدا ما قد صرح على الأقل بهذا الطرح الذي لا يمكن القبول به، بالرغم من أن هذا الطرح يناقض تماما الطرح الصحراوي. فيا ليت آخرين كانوا فقط على قدر استقامة فان والسوم. إذ أنه مادام قد اتضح أن المغرب ليست لديه أدنى نية للسماح باستفتاء، فلم يكن هناك جدوى من الحفاظ على بعثة الأمم المتحدة للقيام باستفتاء.
على العكس من ذلك، وهو الامر التقليدي في الأمم المتحدة، فقد بدى أن المينورسو كانت في طريقها للاستمرار للأبد، لأن لا أحد بات قادرا على معرفة ما سيفعل بها. وعليه، وانسجاما مع قناعتي المبدئية في أن على مجلس الأمن ان يحاول إيجاد حل حقيقي للمشكل، اقترحت إنهاء بعثة المينورسو وتحرير الصحراويين من اتفاق وقف إطلاق النار الذي قبلوه مقابل الوعد بإجراء استفتاء. وفي حالة ما لم يعجب المغرب ذلك، فعليه أن يتعامل بجدية مع فكرة التمكين من إجراء استفتاء. أما إن لم يقبل فعلى مجلس الأمن الاعتراف بفشله والمغادرة، أو على الأقل أن لا يصبح جزءا من المشكل بالبقاء في حالة جمود قد تستمر إلى ما لا نهاية. من جهة أخرى، فإن بعثة المينورسو قد بدت أبلغ مثال على الثمن الباهض لعمليات السلام الأممية التي لا تدفع نحو حل النزاعات، بل تطيل أمدها أو حتى تعقدها.
لقد ظل العائق الأكبر لمقاربتي، كما هي العادة، متمثلا في بيروقراطية كتابة الدولة للخارجية، انضاف اليها بشكل غير متوقع السيد إيليوت أبرهامز (Elliot Abrams) عضو مجلس الأمن القومي (الأمريكي). لقد تبنوا التحليل المغربي الذي يقول بأن استقلال الصحراء الغربية –التي اعتبر الجميع تقريبا بأن الصحراويين سيختارونه في حالة إجراء استفتاء حر وعادل ونزيه- سيتسبب في زعزعة استقرار المغرب ويسمح بسيطرة التيار الاسلامي المتطرف بالبلد على السلطة.
لقد كان ذلك هو السبب الذي جعل الإدارة (الأمريكية) ترفض مخطط بيكر الأخير سنة 2004، وهذا ما دفع جيمس بيكر للاستقالة من منصبه كمبعوث شخصي للأمين العام بعد ثماني سنوات من الجهود لمحاولة حل النزاع. وأتساءل أين ذهب دعم إدارة بوش ل”لديمقراطية” بالشرق الأوسط عموما، حيث أنه بدا واضحا بأن استقرار الأمر بالنسبة للملك محمد السادس قد غلب على الاستفتاء. وبكلمات ملموسة، فإن ذلك كان يعني أن الإدارة كانت دائما منفتحة على خطط “الحكم الذاتي” للصحراء الغربية، التي كان المغرب يعد بها في مناسبات محددة ودورية، دون أن يخرج ذلك عن نطاق الوعود لأنه لم يقدم شيئا، على الأقل إلا بعد الكثير من التماطل.
ولقد قمت بالعديد من المساعي التي لم يكتب لها النجاح، والعديد من المجهودات لإيجاد دعم للاستفتاء من جهات حكومية أمريكية أخرى. ونتيجة لعدم نجاحي في ذلك، اتفقت أنا والسيد أبرهامز أن ننظم لقاءا بكتابة الدولة للخارجية يوم 19 يونيو 2006، لنرى إن كنت وإياه قادران على التوصل الى استراتيجية مشتركة. وفي حالة اتفاقنا، كنا نعرف بأن البيروقراطية، وبسبب من عدم توفرها على بدائل، ستقبل بالنتيجة التي سنتوصل اليها.
وخلال الاجتماع، الذي حضره أكثر من 30 شخصا، شرحت وجهة نظري بأن المينورسو قد فشلت في القيام بمهمتها الأساسية بإجراء استفتاء وأنها أصبحت الآن عائقا حقيقيا للمغرب والجزائر في وجه تعامل الواحد منهما مع الآخر، وتحدثت عن حقيقة استمرار أوضاع عشرات آلاف اللاجئين الصحراويين، وبأنه بدون وجود شخص بحجم جيمس بيكر، فإن الأمم المتحدة لا دور سياسي لها لتلعبه، وبأن المغرب لن يوافق أبدا على استفتاء يطرح الاستقلال كخيار حقيقي فيه.
أبرهامز ركز بالأساس على استقرار المغرب، لكنه قال بأنه إذا أتى المغرب بخطة “حقيقية” للحكم الذاتي، فإنه سيساند مطلب إنهاء بعثة المينورسو. لكنني كنت دائما أرى الوضع بالعكس، أي أن لا المغرب ولا الجزائر سيأخذون الأمر بجدية ما لم يلمسوا قرب إنهاء بعثة المينورسو، كما أنني لم أقتنع قط بأن المغرب قادر على تحمل حكم ذاتي “حقيقي”.
وعلى كل حال فقد دفعنا البيروقراطية إلى حدود نشاطها القصوى خلال اللقاء الذي دام لساعة، وحققت تقدما على الأقل بخصوص فكرة أن إنهاء المينورسو لن يمنع من التوصل لحل بل يمكن أن يكون السبيل الوحيد للوصول إليه.
وباستثنائي أنا والسيد أبرهامز كل ممثلي بقية الدوائر البيروقراطية أرادوا الدفاع عن الوضع القائم. وهذا يعني، بالطبع، بأن المينورسو ستبقى بشكل دائم. هذا فيما يتعلق بالولايات المتحدة التي لا تستطيع أن تعرف ما تريد فعله بخصوص قضية الصحراء الغربية، فما بالك بالأمم المتحدة!
وكما هو متوقع، فقد أطلق المغرب في شهر مارس 2007 خطة “حكم ذاتي” جديدة، تستبعد الاستفتاء، وكما هو متوقع رفضها الصحراويون مرة أخرى. وبإمكان هذا الأمر أن يستمر للأبد. أما مجلس الأمن، فقد عاد ألى سباته مرة اخرى.
المصدر: موقع الصحراوي