-->

مؤتمرونا : المرتجى والمأمول


بضعة أيام تفصلنا عن إنعقاد المؤتمر الشعبي العام الخامس عشر للجبهة كإستحقاق وطني هام في مسيرة معركة مصيرية، تجاوزت طبيعتها اليوم معايير المواجهات التقليدية المعتادة، المعلن منها أو المدار خلف الستار وفي الكواليس، إلى عدة جبهات مفتوحة تستدعي كل أشكال التأهب للاحتمالات الممكنة ، وهو ما يضع الجميع أمام مسؤولياته لاستنهاض أدوات المعركة واسترجاع حقنا ، علما أن الحق لا يُهدى ، بل يُنتزع وفي النزع ، تضحية،وتحمل وحسن تخطيط وتدبير .
فالمتفق عليه بالنسبة للصحراويين والعالم أن التعنت المغربي والتهاون الدولي قد يتجه بالأمور إلى مرحلة إنعطاف حادة في المنطقة ،بحيث لا يوجد ما يؤشر على صدق نوايا الاحتلال المغربي في الوقت الراهن ، فما زال وفيا لسياسة الخداع والتهرب من إلتزماته الدولية ومتمسك بسياسة تقويض الجهد الدولي في تحدي يضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته. وعلى المقلب الأخر ، لم تستطيع حيل الاحتلال أن تمس من حق الصحراويين في تقرير المصير رغم محاولات أعوانه ، بل العكس يوميا تتعزز مكانة القضية الصحراوية على الساحة الدولية وشرعية مطالب الجبهة التي إحتكمت منذ تأسيسها لنصوص القانون الدولي وحق الشعوب في مقاومة الاحتلال،ولم تنحن عبر تاريخها الطويل ،رغم الظروف الدولية المتغيرة لرياح المتربصين بحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير والاستقلال .
وعلى الصعيد الصحراوي، تبقى الذات الوطنية : تنظيما وأداة وقاعدة مطالبة بأن تساير ما تحقق القضية الوطنية اليوم من مكاسب وصمود وفرض الوجود على الصعيد الدولي ، حتى لا يتصور للبعض أننا شعب ،قضيته تتقدم دوليا ،ونحن قادة وقاعدة نتخلف ونتقاعس . بديهي جدا ، من منظور القراءة للتجربة الوطنية ، أن تتباين الرؤية وتتعارض الاستنتاجات أحيانا ، بحكم الظرف و ما تعرضت له مسيرتنا من منحنيات يحاول العدو تحويلها لإنكسارات . ومهما تباينت الأراء التي تتأرجح بين التقييم الموضوعي تارة وجلد الذات تارة اخرى ، إلا أن هناك إجماع على حتمية وقفة عميقة مع الذات . إذا كان كفاحنا ،كفاح أجيال ،فإن عمر الجبهة التي تمثل الكل الصحراوي ، غير مرتهن بعمر أي كان منا و تعبر عن الهوية الوطنية وعن تطلعات شعبنا في الحرية والانعتاق ،وستبقى فكرا وروحا لكل وطني حر صادق ،كقائدة لكفاحنا ما دامت الأرض محتلة ، وعليه يكون الأمر مفيدا لوقفة مراجعة وتقييم لأوضاعنا بروح نقدية بناءة تعبر عن أصالة الجبهة وتجسيدها ثقافة وسلوكا و التزاما.
سابقا كانت محورية الكفاح المسلح في إستراتيجية التحرير، نقطة هامة وجوهرية في عملية التعبئة السياسية وانخراط الجماهير في مسيرة نضالية كانت عبرا ودروسا في المقاومة والعزم و الإصرار، واليوم بعد وقف إطلاق النار ، تراكمت عديد الظواهر التي تعكر صفوة المواطن الصحراوي ،وليس جميعها بفعل العوامل الخارجية ،بل لها جذور داخلية وذاتية دون نفي دور العدو في خلق بعضها عله يؤثر على المزاج الوطني 
عند هذا المنعطف، وبعيدا عن تقاذف المسؤوليات ورغم تداخل الذاتي مع الموضوعي ، فالجميع مسؤول عن هذا الواقع، حتى و إن تفاوتت درجات المسؤولية ، لا يجب أن نبقى مشدودين إلى شروط مرحلة سابقة سادت ،واقعنا اليوم يحتم علينا الإجابة على كثير من التساؤلات ذات الصلة بأفاق كفاحنا .أكيد أن وقت التغيير قد حان ،وأكيد أن لا تغيير بدون ثمن ، كيف ينبغي أن يكون التغيير؟ وبمن هم الذين ينبغي أن يكونوا الجسر الواصل إليه؟ نأمل أن نقصي مزاجنا الشخصي و إستطالاته و نعترف بالأخطاء ونتداركها خير من المكابرة والمعاندة حتى ندفع بواقعنا الداخلي من الجمود إلى الحركة . فننتظر من المؤتمر قرارات حاسمة ، لا تقتصر على إحلال أشخاص محل آخرين أو إعادة تثبيت أسماء،رغم ما عليهم من ملاحظات بمواقعهم ، ونتخلص من آفة تلك الأمراض الاجتماعية والثقافية التي تتحكم في خياراتنا ، بل يجب أن يكون محطة تؤسِس لإستراتيجية جديدة تحدد دور ووظيفة كل واحد منا في هذا الكفاح النبيل. يقينا أن إتخاذ القرارات الصائبة ، سيحدث فرقا حقيقيا ما بين المزاج الجماهيري السائد اليوم ،وما بين إعادة إحياء الحيوية للعنصر الصحراوي والعلاقة بين القائد والقاعدة وإلا فإن ما سيخرج به المؤتمر في أقصى الحدود هو تحويل القائم إلى قدر وطني راكد وبائس يُبقى المزاج الصحراوي العام تائها و فاقدا لدواعي العطاء والإلهام.
واعون أن الاحتلال لن يتردد غرس‏ ألغام لتفجير وضعنا الداخلي حتى تسهل له ولأعوانه إلباسنا القوالب التي يحاولون عبثا تفصيلها دوليا لحل القضية . العدو بجميع أجهزته وبمختلف أدواته ووسائله يحاول استهداف النفسية الصحراوية وتفتيت عضد عزيمتها وتفكيك عناصر معنوياتها وقناعتها ،وعليه ،فبقدر ما تكون العلاقة بين القاعدة و القيادة، حيّة ومتبادلة وصادقة ومؤثّرة، يكون الرأي العام محصنا ويقظا وواعيا بمخططات العدو وجاهزا لكل خيارات التحرير، ولن تؤثر أساليب الاحتلال إلا على ما تفرق وتفرد ، ولن يستطيع المس من من تجمع واتحد.
ما نستطيع أن نجزم به في الأخير أن هناك محطات وفي مفاصل تاريخية كثيرة ، خرجت فيها الجماهير الصحراوية التي أمنت منذ البداية بمعادلة الشهادة أو النصر بدافع الوطنية الصادقة ،لتبرهن أن العطاء والتضحية مازالا عند الجميع نهجا ثابتا مستمرا للانخراط في أي خيار يضمن الاستقلال الوطني التام ،فمن غير المقبول أن تغيب الرؤية السياسية والفكرية والتنظيمية عنا ، حتى لا ينعكس ذالك سلبا على القاعدة وتبقى تدور وتتخبط في فضاء داخلي سيمته الضبابية والتقاعس والمجهول . حان وقت تغيير الذهنية والنهج ، وإعطاء أولوية لإعادة هيكلة العنصر الذاتي وضمان حدوث تغير جيلي للمسار ضمانا للاستمرارية ، فلا بد أن تشعر طاقاتنا الشابة بأن لهم دور في تحمل المسؤولية ، فلا نستهين بما نملك من نخب و قدرات هي جاهزة لحمل مشعل كفاح شعب يجهر في كل لحظة وبصوت واثق يسمعه كل العالم ان لا تنازل عن حقه مهما كان الثمن ، قد نختلف حول الطريق إلى الوطن ، لكننا متفقون بالمطلق على الوصول إليه مهما كانت العقبات.
وحرب التحرير تضمنها الجماهير
بقلم لحسن بولسان

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *