-->

مسار التسوية، المؤمن لا يلدغ من جحر واحد مرتين


قبل أكثر من عشر سنوات كتبت خربشة من وحي الواقع تتناول موضوع التخبط الأممي الأفريقي في البحث عن حل لإستكمال تصفية الإستعمار من بلدي، المنشور لم يتسحسنه الكثيرين حينها من المطبلين والمزمرين لما يسمى المساعي السلمية – ربما لحاجة في نفوسهم – المضحك المبكي أنهم سنوات بعد ذلك تناولوا رسميا وعلنيا ماكانوا يعيبون علي تناوله. 
إن الطريق الذي يسلكه "المنتظم الدولي" في معالجة القضية الصحراوية هو نفسه الذي ينتهجه للتعاطي مع قضايا مماثلة منها ماهو أكثر بساطة ومنها ماهو أكثر تعقيدا، وبنظرة صبيانية غير متبصرة وعديمة الخبرة يستنتج الناظر أن المسلك طويل جدا، دروبه لاتنتهي والأكثر تعاسة أنه في نهايته لايؤدي إلى شئ، هذا إذا كانت له نهاية. وفي هذا المقام سيكون من باب الإفراط والتخمة الإخبارية أن نورد قضايا بارزة أثبتت فيها الأمم المتحدة ضحالة النتائج التي توصلت إليها، وأنها في أحيان كثيرة وبسبب برودتها وهشاشتها أمام المعطيات تضاعف من تعقيدات الأمور وتزيد من مسافة بعدها عن الحل، فأشهر القضايا الدولية على الإطلاق هي القضية الفلسطينية ويمكن للأعمى أن يرى ما آلت إليه، بالإضافة إلى وجود 17 بعثة أممية حاليا عبر قارات العالم منها عشر بعثات في قارة أفريقيا (المصدر موقع الأمم المتحدة)، وسيكون ايضا مدعاة للقرف بالنسبة لنا الخوض في نتائج تلك المهمات الأممية. 
قرأت قبل أيام مقالا يتناول الموضوع للكاتب السيد حمدي يحظيه، يحاول من خلاله توجيه بوصلة جبهة البوليساريو ودعاها لعدم قبول مهمة المبعوث الشخصي، ولعلم من لايدري من القراء فالكاتب السيد حمدي عمل لسنوات في عدة مهام لصيقة بمسار التسوية، تؤهله من باب الخبرة والممارسة لأن يقول ما يراه صوابا، ومن ناحية التقييم ومحاولة التنبيه والتوجيه والمحافظة على ماتبقى من الأشلاء فإنني أؤيد ما ذهب إليه. وندعو الله أن ننجو من المزايدات والوصف بالتخوين و"الترشة"، ونرجو الله أن لا ينال مانقوله رضى من سبق وأن صدعونا بالوصاية على المشروع الوطني لدرجة الإحتكار. 
إن تناول مثل هذه المواضيع المتعلقة بمصير الشعب الصحراوي، ورغم أنه حق للجميع، كان ولا يزال مرغوبا فقط في القنوات التي تحددها الجبهة وهي الندوات والإجتماعات الرسمية والمؤتمرات وهي ظاهرة صحية لو أنها تجمع الآراء والأفكار على إختلافها وتعتصرها إذا أختلطت وتستخرج منها زبدة قابلة للإستهلاك. ولكن للاسف فهذه الفعاليات (ندوات/مؤتمرات/أيام دراسية...) طبعها في السنوات التي تلت وقف إطلاق النار طابع الإستعراض والمناسباتية والفلكلورية المقيتة والبهرجة التي لا فائدة مرجوة منها. 
قرأت قبل سنوات مقالا لصحفي أجنبي كتبه بعد زيارة للمخيمات والأراضي الصحراوية المحررة عنوانه - بتصرف – (الحل يأتي مع إراقة الدم)، وتوضح سيرته الذاتية أنه كاتب متمرس وخبير وله تجارب كثيرة مع بؤر النزاعات والحروب والتوتر عبر العالم ودراية بكيفية معالجة المنتظم الدولي لقضايا الكوكب. كلامه ليس بالشئ الجديد ولكنه إضافة إلى الكثير من الأصوات التي لم تخفت ولم تمل من النداء والصراخ بضرورة مراجعة الدرب الذي نسير فيه. 
إن القضية الصحراوية تقف في نهاية الدرب الذي سارت فيه لمدة 28 سنة دون أن تتقدم شبر واحد إلى الأمام، ولم يتحصل الشعب الصحراوي في كل تواجداته إلا على مزيد من المآسي والتعقيدات والأضرار، أما من الناحية العملية والسياسية فقد تضاعفت التراكمات ووجد العدو الفرصة سانحة لمزيد من التعنت وتغيير طبيعة الأرض ومحاولة تحوير جوهر النزاع وتوريط غيره من الدول في القارة وخارجها لتجسيد ذلك. هذا يحدث والمطبلين والمزمرين للمساعي السلمية على روؤسهم الطير، فالتبجح والتغني والمديح لتلك المساعي لم يعد ممكنا ولا ينطلي حتى على الصبيان، فهل كان فعلا إيمانهم بالموضوع من منطلق وعي أم أنه كان تدبير بليل في غفلة من الشعب الطيب الصبور المتخلق المتسامح. لو حدث الأمر مع شعوب أخرى لا تتحلى بصفات الشعب الصحراوي فسيكون الوضع مختلفا مع المتسببين في هدر الوقت والجهد، إذ تتولى الجماهير بنفسها جرهم في الشوارع والبصق عليهم هذا إذا لم تعلق أجسادهم في الساحات العامة. 
الآن وفي مفترق الطرق، نراوح حيث وقفنا عام 1991، الأمم المتحدة مقطوعة الأوصال وبلا مبعوث شخصي والحمد لله، الإتحاد الأفريقي مثقل بالطموحات التنموية المتعثرة بمطبات واقعية رغم قوة المبادئ والتمسك بالمواثيق، النظام المغربي يمارس سياسة الهروب إلى الأمام التي لاتستند إلى أي قوة أو أساس وأوضاعه هزيلة وإقتصاده متهالك وسمعته بدأت نتانتها تزكم الأنوف. نحن كما كنا عليه، أصحاب حق رهنوا أنفسهم بمساع إستهلكتهم أكثر مما نفعتهم، والجبهة في أكتوبر الماضي تعلن مراجعة إنخراطها في العملية السلمية برمتها، والمؤتمر 15 يعلن بوضوح أن لا سبيل لتحرير الصحراء الغربية إلا بالطريقة التي سلبت بها، فهل سنعتبر أم أن الإيمان لدينا ليس بالقوة الكافية ليردعنا عن إدخال أيدينا في الجحر مرة أخرى. 
حمادي البشير 
فبرائر 2020

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *