-->

الولايات المتحدة - المغرب: الرباط تمارس لعبة التأثير في واشنطن العاصمة


أعادت السلطات المغربية هيكلة شبكات الضغط في العاصمة الفيدرالية واشنطن، للتكيف مع القوانين الأمريكية الجديدة، ويكمن هدفها في: المرافعة عن موقفها في مسألة الصحراء الغربية وتعزيز دورها الإقليمي
وتنتشر جماعات الضغط في مقر الكابيتول هيل ( الكونغرس)، وكذلك خلف الكواليس في الجناح الغربي من البيت الأبيض
في قلب القوة الرائدة في العالم ، تعد ممارسة الضغط – أو ما يطلق عليه بلباقة “الإتصال المؤسساتي” – عمل مربح ، سواء جرى ذلك نيابة عن الشركات الكبيرة أو الحكومات الأجنبية
ويعمل المغرب، الذي يعد من بين الدول الأكثر نشاطا في هذا القطاع، كشريك لإحدى كبريات الشركات الإستشارية التي تقع بكي ستريت، الشارع الذي تتواجد فيه أكبر جماعات الضغط الهدف الرئيسي من عملية الضغط المغربي هو الدفاع عن "سيادته" الإقليمية على الصحراء الغربية وحشد الدعم من أعضاء الكونغرس والإدارة الأمريكية
عقود جماعات الضغط
تسجل قاعدة بيانات وزارة العدل الأمريكية حوالي 85 عقدًا بين شخصيات أو مؤسسات للمملكة مع شركات الضغط. بعض هده العقود أقدم من الدولة المغربية المستقلة حديثا ، ويعود تاريخ بعضها إلى عام 1947 ، والتي وقعها حزب الإستقلال نيابة عن حركة الإستقلال في شمال إفريقيا
وترد أسماء شخصيات سياسية مغربية تاريخية ، مثل علال الفاسي أو عبد الخالق توريس، من بين الموقعين على صفقات مسجلة في عام 1950 و1960.هناك أيضًا إتفاقيات بشأن منظمات على غرار الجمعية المغربية لمعرض نيويورك العالمي ( سومريكس، نيويورك)، أبرمت في عام 1964
وإثر إندلاع النزاع الإقليمي في الصحراء الغربية، إزداد إستخدام جماعات الضغط في واشنطن. فمن بين العقود الموجودة بالأرشيف، عقد وقعه أحمد رضا غديرة في عام 1978، وكانت فيه الإشارة إلى الصحراء صريحة
تعهدت مؤسسة ديجي إنترناشيونال إنك أنذاك، مقابل 300000 دولار في السنة على “مساعدة المغرب في الحصول على موافقة حكومة الولايات المتحدة على طلبات المغرب لإقتناء أسلحة من أجل الدفاع عن مصالح المغرب الإقليمية وحدوده، وحماية أراضيه من القوى الخارجية”ا
ظل هذا العقد، الذي تم توقيعه مبدئيا لمدة أربع سنوات، ساري المفعول حتى عام 1995. وطوال هذه الفترة، أبرمت المملكة عقودًا مع أكثر من 20 شركة مماثلة، وكانت مهمتها المرافعة عن قضيتها الوطنية في الولايات المتحدة تحت ستار تعزيز العلاقات السياسية و الاقتصادية بين البلدين
الدبلوماسية الموازية
بيد أنه حدث تحول كبير في بداية الألفية. ففي عام 2001، ترك إدوارد غابرييل منصبه كسفير أمريكي في الرباط. ولم تحوي حقائبه فقط الوسام العلوي الشريف، الذي منحه الملك محمد السادس، بل كذلك عقدًا لتمثيل المملكة في العاصمة الأمريكية. فقد أصبح السفير الأمريكي الذي كان معينا رسميا في الرباط، ممثلًا غير رسمي للمغرب في العاصمة واشنطن
بعد عودته ببضعة أشهر إلى ضفاف نهر البوتوماك، أسس السفير مؤسسة غابريل، التي حسب الإتفاق، حصلت على أول عقد تمثيل مع المملكة المغربية
بعد مرور سنة، أنشأ إدوارد غابرييل المركز المغربي الأمريكي للسياسة، وهي منظمة أصبحت بسرعة فائقة بمثابة جسر الدبلوماسية الموازية من الرباط إلى واشنطن
إدوارد غابريل سفير أمريكا السابق في المغرب ورئيس المركز المغربي الأمريكي للسياسة، يدير موقع المغرب يمضي قدما وصرح دبلوماسي سابق أنه “بناءً على توصية من المملكة المغربية، وقعت الإمارات العربية المتحدة هي الأخرى عقداً مع مؤسسة غابرييل لممارسة الضغط، لكنه لم يدوم أكثر من عامين”. “كان (غابريل) جد منهمك في قضايا المغرب، الذي يغذق عليه بسخاء، لدرجة أنه لا يحتاج إلى البترودولار”ا
بلغت الميزانية السنوية للمركز المغربي الأمريكي للسياسة مليوني دولار منذ تسجيله عام 2004 لدى وزارة العدل كوكيل يعمل لصالح المغرب، أغلبها مخصص لتغطية “الرسوم الإستشارية” .كما رتب غابرييل أيضًا العديد من عقود الضغط الأخرى بين المغرب وشركات أخرى. فقد وقع المركز لوحده عشرات العقود مع العديد من العلامات التجارية التابعة لكي ستريت مقابل مبلغ يقارب 2 مليون دولار سنويًا
الاعتراف بحكم الواقع
يعد توبي موفيت من بين أشهر المتعاقدين مع المركز المغربي الأمريكي للسياسة. فقد إضطلع عضو الكونغرس السابق دورًا هاما في تقديم خطة الحكم الذاتي المغربي للصحراء الغربية في عام 2007 لأعضاء الكونغرس، وكذلك الإعداد لزيارة الملك محمد السادس للولايات المتحدة في عام 2013. وهناك أيضًا عقود مع عائلة القس الراحل ويليام هربرت غراي، الذي عمل في مكتب وزير الخارجية السابق جون كيري
يوجد متعاقد اَخر مع المركز المغربي الأمريكي للسياسة وتتمثل في مؤسسة هميسفير ستراتيجيس، يقع مقرها بميامي، ويديرها لينكولن دياز بالارت عضو سابق في الكونغرس عن ولاية فلوريدا، تخلى عن مقعده لشقيقه ماريو قبل الشروع في وظيفة عملية ممارسة الضغط
إضطلع لينكولن دياز بالارت دوراً حاسماً في تبني تعديل مهم لميزانية الولايات المتحدة لعام 2014 ، تسمح بإنفاق المساعدات الأمريكية في الصحراء الغربية وهو إعتراف ، إن لم يكن بحكم القانون، فعلى الأقل بحكم الواقع، بسيادة المملكة على هذا الاقليم
مرشد جديد
كفاءة إدوارد غابرييل مكنته من الحفاظ على عقده مع المغرب، إلى حين مجئ إدارة دونالد ترامب التي شددت الخناق على قانون ممارسة الضغط. في عام 2017، وقع الرئيس الأمريكي مرسومًا يمنع موظفي الخدمة العامة السابقين من ممارسة الضغط لصالح الحكومات الأجنبية مدى الحياة
لم يعد السفير السابق، والذي راهن أيضا كل شيء على إنتخاب هيلاري كلينتون، بمقدوره تمثيل المغرب، لكن الرباط لم تتخلى عن مثل هذا الخادم المطيع. فمع أن المركز المغربي الأمريكي للسياسة لم يعد مسجلا لدى وزارة العدل، لكنه لا يزال مزدهرا. يعمل موقعه “المغرب يمضي قدما،” على إيصال رسائل ترويجية إلى الجمهور الأمريكي وصناع القرار لفائدة المغرب
تزامن الإنسحاب الإضطراري لغبرييل مع تعيين ناصر بوريطة على رأس وزارة الخارجية. وبصفته وزيرا جديدا، وقع إتفاقيات مع مرشده الجديد الذي سيتولى التعامل مع إدارة ترامب. اختياره وقع على الجمهوري جيمس كريستوفرسون الذي يدير موسسة جيبسي الإستراتيجية. وبعتبر كريستوفرسون اليد اليمنى السابق للسناتور عن ولاية تكساس تيد كروز، الذي كان قد إنضم إلى صف ترامب بعد أن كان منافسه في الإنتخابات التمهيدية
علامات الشركات التجارية الرائجة لصناعة الضغط
أودعت مؤسسة جيبسي الإستراتيجية، التي تم إنشاؤها في خريف عام 2017، إعتمادها لدى وزارة العدل الأمريكية، في نفس الوقت الذي إستهلت فيه عقدها مع المغرب، زبونها الوحيد. و كما هو الحال مع المركز المغربي الأمريكي للسياسة، بمجرد توليه المنصب، اعتمد الممثل الجديد لمصالح المملكة في واشنطن على العلامات التجارية الرائجة لصناعة الضغط
يوجد العديد من مؤسسات الضغط في شارع كي ستريت بواشنطن، مثل مؤسسة العلاقات الحكومية وممارسة الضغط ومؤسسة أرون بريدج الإستراتيجية ومجموعة قلوفربارك التي تعمل في غالب الأحيان لصالح الحكومات الإفريقية أوالعربية، كإثيوبيا وقطر والمملكة العربية السعودية والكاميرون ومصر
روجت مؤسسة العلاقات الحكومية وممارسة الضغط للمرشح السلفادوري كارلوس كاليخا منافس نجيب بوكيلي، الذي تم إنتخابه رئيسًا لدولة أمريكا الوسطى. ومع ذلك، سحب بوكيلي الذي ينحدر من أصل فلسطيني دعمه للجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية خلال زيارة قام بها وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطا في 15 يونيو إلى سان سلفادور
عدم فعالية المينورسو
منذ يناير 2018، قدمت مؤسسة جيبسي الإستراتيجية و المؤسسات الثلاثة المتعاقدة معها سويا فواتير بقيمة حوالي 75000 دولار شهريًا. هذا المبلغ يبدو معقولًا مقارنة بالمصاريف التي دفعتها دول أخرى في القارة، وأبرزها مصر حيث يبلغ عقدها الذي أبرمته مع مجموعة قلوفربارك 3 ملايين دولار كل ستة أشهر. غلوفر بارك تعمل لصالح المغرب مقابل 20 ألف دولار فقط في الشهر
وقعت الجزائر عقدًا بقيمة 30000 دولار شهريًا مع الرئيس السابق للجمعية الوطنية للبنادق المقتدرة ديفيد كين لمواجهة جهود المغرب في قضية الصحراء. يقال إن كين، وهو صديق مقرب لجون بولتون، كان وراء تصريحات مستشار الأمن القومي الأمريكية المثيرة للجدل لمؤسسة هريتدج فاونديشن حول “عدم فعالية المينورسو” (بعثة الأمم المتحدة للإستفتاء في الصحراء الغربية)ا
وقد سبق لمجموعة كارمن أن تولت ملف الجزائر( في عملية اللوبي) لمدة عشر سنوات قبل أن يضطلع كين بالمهمة
عقد مثير للجدل
لم توقع الأميرة لالة جمالة العلوي، سفيرة المغرب لدى واشنطن منذ عام 2017 ، أيًا من عقود الضغط التي وافقت عليها المملكة في السنوات الأخيرة. ففي الصفقة المبرمة بين سفارة المملكة و مؤسسة ثيرد سيركل في أبريل 2018 ، لا يظهر إسمها ولا توقيعها في الأرشيفات العامة لوزارة العدل
ومع ذلك، فإن الدبلوماسية المغربية لالة جمعة هي بالتأكيد من يقف وراء هذا العقد، الذي تبلغ قيمته 40 ألف دولار شهريًا
كشفت الواشنطن بوست أن ريتشارد سموتكين، رئيس مؤسسة ثيرد سيركل، سهل الإتصال بين السفيرة وسكوت برويت رئيس وكالة حماية البيئة الأمريكية خلال مأدبة عشاء في واشنطن أدت إلى ترتيب رحلة رسمية له إلى الرباط
لم تعلن وكالة حماية البيئة عن الرحلة إلا بعد ذلك، مما يشكل مخالفة للوائح الإدارة الأمريكية. طلب ممثلوون عن الحزب الديمقراطي رسمياً من الكونغرس توضيحات من بروت بخصوص الدور الذي لعبه صديقه عضو مجموعة الضغط سموتكين خلال الرحلة. يبدو أن العقد المبرم مع المغرب كان يهدف إلى الترويج للبلد كوجهة للعبة الغولف وتصوير الأفلام.
مقال نشرته أفريكا ربورت بتاريخ 15 نوفمبر 2019. ترجمة بلة لحبيب أبريكة
المصدر: Sahara Politics

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *