كيف ينظر المسلمون لفيروس كورونا ؟ - رسالة للمسلم وغير المسلم -
الحمد لله الإله الحق المبين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد الرسول الأمين ، وبعد ،
✍️ فقد أحاط بالمسلمين ما أحاط بغيرهم من خطر هذا الفيروس الجديد كورونا ( COVID-19 ) ولأنّ عقيدة المسلمين تختلف عن غيرهم ، فإنهم يتعاملون مع مثل هذه الأحداث بأمور تميِّزهم عمن سواهم ، فمن ذلك :
🌿 إيمانهم العميق بالقضاء والقدر ، وأنّ ما شاء اللهُ كان وما لم يشأ لم يكن ، قال سبحانه :
" مَا أَصَابَ مِن مُصِيبَةٍ في الأَرضِ وَلا فِي أَنفُسِكُم إِلاَّ في كِتَابٍ مِن قَبلِ أَن نَبرَأَهَا إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ " (سورة الحديد -22) فالمسلون لديهم هذه العقيدة الراسخة ، وهي أنّ كل شيء في الكون قد قضاه الله قبل أن يخلق الكونَ والبشر ، وهذه العقيدة تجعلهم مطمئنين ، يستقبلون هذه الأقضية بصدور منشرحة ، فعقيدتهم الراسخة بأنّ لهذا الكون إلهًا خالقًا مدبرًا ، تجعلهم يعيشون بطمأنينة وانشراح ، بخلاف غيرهم ممَّن لا يؤمن بهذه العقيدة ، فتجده يتضجر وينقم على الطبيعة - بزعمه الباطل - وهذا هو الفرق الجوهري بين المسلم وغير المسلم ، ولذا كان من آثار هذه العقيدة الراسخة في نفوس المسلمين قلة الانتحار عندهم بخلاف غيرهم ، ممّن قد أفنى الانتحار كثيرًا منهم لأنهم لا يؤمنون بهذه العقيدة .
🌿 من عقيدة المسلم انفراد اللهُ بتدبير أمر الكون ، قال سبحانه : " إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضَ في سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ " يونس/3 . والآيات في هذا المعنى كثيرة .
فهذا الكون يسير بأمر الله ، الذي يدبِّر أمره ويصرفه كيف شاء ، ويقضي على العباد فيه بما شاء .
ولا يمكن لكون يسير بهذا الانتظام إلا وله مدبّر ، فإذا كانت الطائرةُ - مثلاً - لا بد لها من صانع ومدبِّر ومراقب ، فكيف بكون يسير بهذا الانتظام ؟! ألا يكونُ له مدبِّر !؟ وانظر كيف كان النَّاس يعيشون في سلامة وعافية واطمئنان ، وفجأة تتبدَّل الأحوال ، وتضطرب الدول ، وينهار الاقتصاد ، فالذي قضى هذا هو اللهُ ولا معقّب لحكمه ، وله الحكمة البالغة في ذلك ، وله حِكم كلها خير ، وهذا يوضحه ما يلي :
🌿 من عقيدة المسلم أنَّ كلَّ قضاء يقضيه الله فهو خير للعباد .
أرأيت المريض كيف يتألم ويتوجع ويئن ، ومع ذلك ففي عقيدتنا أنّه يُؤجر في الآخرة ، وفي المرض خيرات له في الدنيا ، فمرضه يحمله على ألا يظلم غيره خوفًا من عواقب الظلم ، ويحمله على أن يعطف على غيره ، ويحمله - أيضًا - على أن يعتني بصحته ويحتاط لأمره ، وبهذا يكون المرض سببًا لدفع مرض أكبر .
أرأيت أنَّ المرض ليس شرًّا محضًا ، بل فيه خيرات كثيرة ؟ وهكذا ننظر نحن المسلمين لهذا المرض وغيره ، إذ نرى أنَّ فيه خيرًا كثيرًا ، فكم كان سببًا في الاهتمام بالنظافة ، وأخذ الاحتياطات التي تنجّي من أدواء أكبر منها بإذن الله ، وكم كان سببًا في عودة صادقة لله ، وبُعدٍ عن ظلم العباد ، ومراجعة جادةٍ للنفوس .
🌿 في ظل هذا الحدث يبقى (الملحد في حيرة واضطراب) فهو في عقيدته لا يؤمن إلا بموجود مشاهَد ، فكيف أصبح - اليوم - مؤمنًا بهذا الفيروس وهو لا يشاهده ؟ الجواب : أنّه رأى آثاره ، وأيقن بأثره ، وأخبره من لا يشك بصدقه .
فيُقال له : هذا الكون بهذه الآثار وهذا الإتقان وهذا الانتظام ، ألا يدل على وجود إلهٍ خالقٍ مدبِّرٍ له !؟ فإن أنكر اضطرب رأيه بين عدم إيمانه بربٍّ غير مشاهد ، وإيمانه وصدقه بهذا الفيروس غير المشاهد .
(واضطراب القول دليل على فساده)
فندعوه اليوم للإيمان بالله ، وقد دلّ عليه كونه وأثره ، ودعاه ما يشعر به هو من حاجة لإله لأن يؤمن بالله ربِّ العالمين .
🌿 ممّا افترضه الله علينا نحن المسلمين الوضوء والصلاة في كل يوم وليلة خمس مرات ، وهي خط دفاع أوَّل ضد هذا المرض ، وسبب للوقاية منه ومن غيره ، وهذا من محاسن شريعتنا الغرَّاء ، والطهارة والصلاة إضافة لمنافعها الدنيونة ، ففيها من الراحة والطمأنينة ما يجعل المرء مرتاحًا وسعيدًا في دنياه .
🌿 وممَّا علمتنا إياه شريعتنا ألا يُخالط المريضُ الأصحاء ، وأن يتوقى الصحيحُ المريضَ ، ويبتعد عنه ، هكذا علّمنا نبينا هذه الوقاية قبل ألف وأربع مئة وأربعين سنة .
يقول ﷺ :
" لا يُورِدُ مُمْرِضٌ علَى مُصِحٍّ " رواه مسلم .
ويقول :
" فِرَّ مِنَ المَجْذُومِ فِرَارَكَ مِنَ الأَسَد " رواه أحمد .
أرأيتم كيف اعتنى الإسلام بأتباعه وحرص على صحتهم وسلامتهم في دنياهم ، وعلى أن يعيشوا فيها بكمال وصحة وعافية ، فليس هو دين كهنوتٍ ، ولكنه منهج حياة كامل شامل .
🌿 عند هذه الأحداث يزيد المسلمون صلتهم بربهم فليجؤون إليه بأن يكشف عنهم هذا الضر ، والمرء بفطرته يحتاج لإله يركن إليه ، ويُنزل به حاجته ، ويلجأ إليه عند الملمات ، لا يُنكر هذا إلا مُكابر ، وإذا نظرنا إلى النصارى فإنَّهم يسألون بشرًا مثلهم ليس له من صفات الربوبية شيء إلا ما افتراه قساوستهم بالباطل ، وإذا نظرنا للوثنيين فإنّهم يسألون جمادات أو حيوانات أو أصنامًا يصنعونها بأيديهم ، ولو رجعوا إلى البحث عن الحق بصدق ، وحكّموا عقولهم وأنصفوا لأيقنوا بسفاهة هذا المسلك ، فلذا كانت عقيدة المسلم هي أصح العقائد ، وهي الصواب المحض الذي لا مرية فيه لكمال إلههم ، وعظيم خلْقه ، ودلالة آثاره ، فهم يؤمنون بقدرة ربهم الخالق القادر المدبِّر لأمر الخلْق ، فلذا يأملون منه جلب كل نفع وخير ، ودفع كل شر وضر .
فعلى العاقل الناصح لنفسه أن ينظر لهذا الأمر بعين الإنصاف حتى ينجو من الهلكة .
كتبه /
عادل بن عبدالعزيز المحلاوي
١٤٤١/٧/١٩ هجري