-->

إلى الشهداء في ثراهم.. رمزا لكل المناضلين..








بقلم محمد عالي البشير
وحدها الشمس تغيب.. تتلاشى هيكلا.. ترحل تاركة وراءها ظلال المخيم.. يخيّم عليه شيء من حزن السنين.. وأملنا أن نوقد الشموع التي أطفأها الدهر..
البداية دوما صعبة وأصعب ما فيها أنها لابد منها.. سأكتب عن اللاشيء إن جاز التعبير.. سأكتب عن رحلة يندثر فيها التاريخ رويدا.. رحلة تموت فيها الكلمات وتْطوى فيها صحائف الحاضر.. فهكذا وببساطة يندثر تاريخنا النضالي وحاضرنا وحتى مستقبلنا بوفاة رجال حملوا على عاتقهم الدفاع عنا.. هكذا يتلاشى لأننا لم نستطع أن ندوّن بطولاتنا وأمجادنا شفهيا وكتابيا بعد أن باتت “الفرديات” نزيلة صدور الراحلين..
نحن بسذاجتنا التي لا نُدركها نصنع أفخاخا للوطن.. نغتال التاريخ المعاصر في مشهد يحتاج وبصورة آنية للتدارك والتصويب.. صدّقوني إن ما ضاع مع هؤلاء لن نستطيع سبر أغواره ولو حاولنا جاهدين.. فعشرات السنين التي تُعطي دور البطولة لفرد واحد على خشبة المسرح لن تستطيع أن تقنعه ذات يوم بتمثيل دور ثانوي.. الوثائق مفيدة في معرفة ما يدور حولنا.. اللقاءات.. الآراء.. الحاضر.. الأمل.. نحتاج لرجال يتقمصون الدور نفسه والبطولة نفسها لنشنق الفردية في قراراتنا وتوجهاتنا.. وهي الركيزة الحقيقية التي يعتمد عليها البحث عن الحقيقة.. لقد رحل شهداؤنا ودَفنوا معهم منجما غنيا بالكنوز وثروة من المعلومات لا تقدر بثمن.. وبقينا نلوك أصابعنا ندما.. ونحن اليوم نقف مدهوشين أمام المصاب.. لا أتحدث عن التاريخ، فسيأتي يوم نبحث عنه فلا نجده.. ولكنني أكتب عن الحاضر.. فكم من معلومة ضاعت في هاتف أحدهم.. وكم من موقف تاه في جهاز محمول مغلق بكلمة مرور معقدة.. أليست هذه مناجم تبخّرت فطواها ليل الانفرادية..
وجب علينا أن نجعل مع كل رجل رصين، ومع كل مكافح جيشا من المثقفين والثِّقات الذين يستطيعون مواصلة الدرب، كي يتعلّموا ويُعلّمون غيرهم.. فأنا أخشى عليك – يا بلدي الطيّب – أن يُصبح الشهيد الذي يحمل تاريخ الوطن، مجرد خبر حزين تتناقله قصاصات ورق على موائد وكالات الأنباء.. نحتاج لكل واحد من هؤلاء كي يدوّن ويكتب ويلقي محاضراته، لتبقى الفكرة مُتوارثة من جيلٍ لجيل.. يؤرّخ فيها وينقل من خلالها تجاربه وخبراته.. إن سلبية “الفردية” التي تتصلّب في عقول قادتنا وعدم نشر ما تراكم داخلها من معلومات، خلال خمسين عاما إلا قليلا، قد يتسلّل من ثقوبها تاريخُنا المقاوم، ويلبس الكثيرون دور البطولة فيه.. فلنبدأ قبل رحيل الجميع.. وكما يُقال فلا حاضر حيٌ ولا ماضٍ ميّت.. إنّ الفردية في مناصبنا ستجرفنا معها، فيأتي يوم نبحث فيه عن أنفسنا بين أصابعنا،

Contact Form

Name

Email *

Message *