-->

هل نحن بحاجة إلي كيان جديد أم إلي روح جديد ؟!


قرأت يوم أمس في وسائط التواصل الإجتماعي البيان التأسيسي لحركة من سموا أنفسهم ” صحروايون من أجل السلام” و آثار استغرابي هذا البيان من كل جوانبه ، من حيث التسمية في حد ذاتها ، و من حيث المضمون و التوقيت !!!
فمن حيث التسمية ، انا لم أفهم و لا أستوعب ماذا أرادوا باختيار هذه التسمية “صحروايون من أجل السلام ” و التي يفهم منها، أو على الأقل انا حسب فهمي المتواضع، أن هناك من الصحراويين من لا يريد السلام أومن يسعى الي الحرب، و هذه في حد ذاتها تعد فكرة مغالطة و مضللة ، لأن الصحراويين خاضوا حربا ضروسا على مدى أكثر من 16 سنة فقط من أجل أن ينعموا بالعيش بسلام في أرضهم، و قد خاضوا تلك الحرب ليس حبا في الحرب و لا سعيا للمغامرة بل لأنها فرضت عليهم ووجدوا أنفسهم أمام خيار الإبادة أو الدفاع عن أنفسهم و أرضهم و عرضهم ، و كانوا لها.
ثم بعد ذلك عندما قبلنا وقف إطلاق النار سنة 1991 و قبلنا الانتظار بعد ذلك لأكثر من ربع قرن ، مع ما يعني ذلك من معاناة و خيبات و ارتدادات سلبية على كل أوجه حياتنا اليومية ، كان ذلك فقط من أجل تحقيق السلام و تجنب كل أسباب التصعيد و التوتر. و عندما أطلقنا سراح آلاف أسرى الحرب المغاربة دون مقابل ، و تعاطينا مع كل مبادرات المجتمع الدولي بكل جدية وصدق و مصداقية ، و قدمنا تنازلات لا حصر لها ، كان كل ذلك من أجل السلام ، و بعد كل هذا يأتينا اليوم من يدعون انهم يريدون السلام و يسمون أنفسهم” صحروايون من أجل السلام” ، و السؤال الذي يطرح نفسه هل لدى أصحاب” حركة السلام ” هذه وصفة سحرية لم نجربها من قبل لتحقيق السلام ؟ و إن كان الأمر كذلك ، و هو بكل تأكيد ليس كذلك ،كان الأحرى بهم التقدم بأفكارهم هذه بشكل جدي و موضوعي و عرضها للنقاش ضمن الأطر و المنابر التنظيمية المتاحة داخل الحركة – جبهة البوليساريو – و الدولة لتناولها بالنقاش و التشريح و الاستفادة منها في وضع إستراتيجية بناءة تخدم المشروع الوطني و تساهم في الدفع به إلي الإمام و تقربنا من تحقيق أهدافنا الوطنية ، هذا بدل السعي إلي خلق كيان موازي للجبهة يشتت الجهود و يشوش الأفكار و يهدد وحدتنا الوطنية بكل المقاييس. ما افهمه من مضمون هذه التسمية هو إنها دعوة إلي الاستسلام و ليس إلي السلام ، فالاحرى بنا كصحراويين ، وبعد كل ما قدمناه من أجل السلام ، والذي قبل برفض و تعنت من قبل العدو المحتل ، و بتجاهل من قبل المجتمع الدولي، الأحرى بنا أن ننشء تيار داخل الجبهة ، وليس حركة موازية ، يدعوا إلي وقف التعامل بشكل كامل مع الأمم المتحدة التي أصبحت في نظرنا تشكل جزءا من المشكلة وليست جزءا من الحل ، و تحولت مع الوقت الي وسيلة لتشريع احتلال أرضنا بشكل تدريجي و ومنهج، و العودة إلي حمل السلاح لتحرير ما تبقى من أرضنا من المحتل لأن سنوات أللا حرب و أللا سلم رسخت لدينا فكرة واحدة ، وهي أن ما اخذ بالقوة لا يسترد إلا بها. أما حركة تدعوا الي تحقيق السلام أو من أجل السلام فمن الأولى أن ينشئها المغاربة و ليس نحن، لمطالبت نظامهم بكل بالكف عن التعنت و المراوغة و العمل على تحقيق سلام دائم في المنطق من قبول استكمال تطبيق مخطط التسوية الاصلي و السماح بتنظيم استفتاء تقرير المصير و هو الحل الديمقراطي الراقي و الواقعي و القابل للتطبيق لضمان حل نهائي للنزاع.
أما من حيث المضمون، و أتحدث هنا عن البيان التأسيسي لحركة من يسمون أنفسهم ، او من اسموا انفسهم ب”صحروايون من اجل السلام ” فقد جاء كله في صياغ واحد و هو ضرب مصداقية التنظيم السياسي للصحراويين، المتمثل في الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب و التبخيس بالدولة الصحراوية ، و تجنب الإشارة إلي شيء يسيء إلي العدو من قريب أو بعيد، من خلال عدم تسمية الأشياء بمسمياتها الحقيقيه، أو من قبيل عدم ذكر من هو المعرقل الحقيقي لتحقيق السلام في المنطقة، أو الإشارة إلي كذبة مشروع الحكم الذاتي التي تقوض كل جهود السلام المبذولة، و غير ذلك من الشواهد التي تعطي انطباعا واضحا و من اول وهلة أن مضمون خطابها لا يختلف عن مضمون خطاب العدو في شيء ، بل يصب فيه بشكل مباشر ،من خلال استعمال أسلوب التحريض على البوليساريو و على الدولة والكيان الصحراويين ، ومحاولة استغلال بعض الأخطاء و التجاوزات التي حدثت في الماضي ونبش بعض الجراح التي قد تسبب فيها البعض للعب على عواطف الناس ، خاصة بعض ضعاف العقول، لضرب وحدتنا الوطنية و البعث بمكاسبنا التي دفعنا ثمنها غاليا دما و دموعا.
اما من حيث توقيت الإعلان عن إنشاء هاته الحركة أو التيار أو الفصيل أو …او….كل يسميها كما يحلو له ، فهو يبعث عن الاستغراب و الريبة، ففي الوقت الذي يعيش فيه العالم أزمة صحية ، إنسانية و اقتصادية غير مسبوقة بسبب تفشي وباء كورونا و الذي نتجت عنه تداعيات هائلة لم تستطيع الدول العظمى و لا أكبر الاقتصادات العالمية مواجهتها أو التصدي لها، و في الوقت الذي نحن فيه بأمس الحاجة الي تكاتف كل جهودنا و توحيد رؤانا و تسخير كافة إمكانياتنا في سبيل البحث من شأنه التخفيف من معاناة شعبنا، و احتواء الآثار و التداعيات السلبية الناجمة عن انتشار هذه الجائحة في ظل ظروف اللجؤ القاسية التي يعيشها شعبنا منذ عقود بسبب تعنت العدو المغربي المحتل و مماطلاته و رفضه بشكل قاطع التعاطي مع أي مقترح أو مبادرة تهدف إلي إنهاء النزاع و إحلال السلام في ربوع منطقتنا، في هذا الوقت بالذات الذي تفرض علينا فيه التحديات الداخلية و الخارجية البحث عن سبل و اساليب لتقوية تنظيمنا ، وتعزيز لحمتنا و رص صفوفنا للحفاظ على مشروعنا الوطني و و تمتين وحدتنا الوطنية التي هي ام كل مكاسبنا، يطلع علينا هؤلاء بفكرة إنشاء كيان موازي تحت مسمى مضلل و مغلوط اقل ما يمكن أن يقال عنه انه مشروع استسلام لا أكثر و لا أقل.
انا لست ضد حرية الرأي والتعبير و لست مع السكوت عن الأخطاء أو تجاهلها مهما كان مصدرها أو المتسبب فيها ، كما أنني أومن إيمانا مطلقا أن النقد البناء هو أساس البناء و التصحيح، و أن محاربة الفساد و التسيب هي مسؤولية وواجب كل واحد منا من موقعه ، وأن التغيير المنشود لا بد له من ثمن و لكن لا بد له من الوقت ايضا إذ لا يكمن أن يحدث بين عشية وضحاها، و لكن قبل كل شيء هناك دائما خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها مهما كانت الأسباب و الدوافع ، و هناك أولويات يجب أخذها في الحسبان قبل الإقدام على اية حركة أو خطوة أو القيام بأي تصرف أو اتخاذ أي قرار، كما أنه هناك دائما محددات و محاذير يجب أن نراعيها في كل تصرفاتنا ومواقفنا ، ما عدا ذلك سيكون كل ما نقوم به هو فعل ارتجالي أو تصرف عشوائي بلا محتوى موضوعي و من دون عمق استراتيجي، و بالتالي لن يأت بالنتائج المرجوة منه و لن يعدو كونه صيحة في وادي كما يقال.
كما أنه حينما يتعلق الأمر بتدبير الشأن العام أو بالمصلحة الوطنية فإنه لا مكان لشخصنة الأمور، كما أنه لا مجال للتصرف تحت طائلة ردات الفعل الظرفية التي تنطلق من اعتبارات شخصية ضيقة الأفق و الأبعاد ناجمة عن قصر النظر و محدودية التفكير و شح التحليل و الاستنباط ، و التي هي في حقيقة الأمر قد تؤدي الي اخطاء قاتلة بالنسبة الي أصحابها ، أو الي نتائج مدمرة بالنسبة لأي مشروع سياسيا كان أم اقتصاديا.
ما أقوله و ما أؤمن به هو أننا لسنا في حاجة إلي كيانات جديدة و لا الي تسميات جديدة بل نحن في حاجة ماسة الي روح جديدة بكل ما في الكلمة من معنى، روح تبث أفكار و رؤى جديدة في الحركة و الدولة، روح تتبنى خطابا جديدا يواكب تحديات المرحلة و يستجيب للتطورات الحاصلة في العالم من حولنا على كل المستويات، روح تحمل التجديد في الممارسات و الخطط و الاستراتيجيات، روح تقدم الكفاءة في كل المواقع و المناصب على ما سواها من الاعتبارات الاخرى التي جربناها طوال الحقب الماضية و اثبتت فشلها، روح تعتبر المصلحة العامة فوق كل شيء و قبل كل شيء، روح تعتبر القانون فوق الجميع و يطبق على الجميع ، روح تنبذ و تجرم وتحارب كل أنواع التفرغة مهما كانت خلفياتها أو مصدرها، و اخيرا روح ملتزمة مسؤولة فعالة و مثالية تضع المشروع الوطني فوق كل مشروع شخصي و تعتبر نجاحه من عدمه قضية حياة أو موت ، قضية بقاء أو اضمحلال للوجود الصحراوي و للكيان الصحراوي ، هذا بالفعل ما نحن بحاجة إليه، و ما عداه فهو يعد ضربا من التخبط و انسداد الأفق و العقم الفكري و الاستراتيجي فقط لا غير.
بقلم : الدكتور مولود احريطن

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *