-->

النسوية إلى أين؟

رفع الدين الاسلامي من شأن المرأة وأنقذ حياتها بعد ما كانت قبل مجيئه تدفن حية، كذلك شرّع الله لها قوانين تحميها من ذكورية الرجل وبطش المجتمع، على عكس ما تروج له النسويات العالميات اللاتي اعتبرن الإسلام متناقض وتحرير المرأة.
ورأت نسويات كثيرات أن الحجاب هو الحاجز الذي يقف أمام حرية المرأة، ويعيق حركتها في الكثير من جوانب الحياة وكأن تطورها ووصولها إلى الشأن الذي تطمح له لا يحدث إلا برؤية الآخرين لجسدها.

الحقيقة أنني لطالما اعتبرت نفسي أكثر نسوية من غيري، هي تربية تربينا عليها داخل مؤسسات الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب التي أعطت للمرأة مكانة مرموقة داخل مجتمعها، مسحت أميّتها، وادمجتها في كافة قطاعات الدولة ومؤسساتها التي بنيت من طين عجنته أيديها الناعمة، كل هذا والمرأة لم تتهاون في مسؤولياتها المنزلية، كانت تدرس وتزاول مِهنتها على قدم وساق في الوقت الذي ترضع فيه أطفالها، وتحملهم على ظهرها، كانت هناك لجان تراقب نظافة وتنظيم المرأة لخيمتها، وكانت نتيجة تلك النظافة من عدمها تكتب بالطباشير على الخيمة تحفيزًا لنساء وحتى لا تتقاعس أخريات عن ذلك، الأهم في كل هذا أن رجال الثورة لم يقفو حاجزًا أمام مشاركة نسائهم في الحياة العملية، على العكس مدوا لهنّ يد العون، دعموهن، ومن أجل الصالح العام أعابوا رفض المرأة للتعليم والعمل.
ولعل من أهم الأسباب التي أدت إلى انتشار الجبهة الشعبية بين الصحراويين في كل بقاع العالم، وقبولها عند الأمم الأخرى باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الصحراوي هو مساواتها بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات.
كل هذه الإنجازات التي عملت عليها الدولة الصحراوية ونُصرتها للمرأة باعتبارها كيان مستقل له عقل وإرادة، أخرجت لنا نساء كنّ مصدر فخرنا واعتزازنا من طبيبات، مهندسات، ومعلمات تربت على أياديهن أجيالاً عديدة، لأن في المبادئ التى أوجدتها منظمتنا التحررية التي حظيت بقبول الجميع لا مكان للتفرقة على أساس الجنس أو العرق.
لكن في الفترة الأخيرة انتشرت ثقافة دخيلة، وغريبة على المبادئ التي كافحنا من أجلها جميعًا ما يقارب نصف القرن، حيث أصبحنا نرى رجال يطالبون بزوجات بدون أحلام، يشرعون أثناء طلب يد إحداهن في إلقاء شروط هدامة تجرد المرأة من إرادتها واستقلاليتها، وتسلخها من مرتبتها التي وصلت إليها بكد وجد، أو تطمح للوصول إليها ما يجعل بعضهن يتساءلن عما إذا كنّ مستعدات فعلاً للتخلي عن أحلامهن التي حلمن بها منذ نعومة أظافرهن.
إنّ من حقوق المرأة علينا أن ننصرها، ونعمل من أجل إيجاد قانون يضمن حقوقها وحقوق أطفالها، أن نرفع الظلم عن معلقات طال أسرهن تحت مسمى القوامة التي لا يفقه معظمنا معناها الحقيقي، ومن حقهن علينا أن لا نطعن في عفتهن وشرفهن إذا أدلين بآرائهن التي تختلف عنّا، وأن نحترم تلك الاراء المختلة، من حقهن علينا أن لا نشبِّه أرذل الذكور بالنساء لأن ذلك يعد نفيًا لوجود الصلاح في النساء، وحقوق المرأة على المجتمع كثيرة بإعتبارها إنسان له قيمة مثلها مثل الرجل أمام الشرع، وفي دولة القانون...
لكن يجب أن لا ننسى نحن النساء أن لدينا واجبات وللمجتمع علينا حقوق من أهمها الحفاظ على هويته وتراثه، ولا يجب أن ننجر بدون وعي وراء مطالب مستنسخة عن النسويات الأوروبيات اللاتي يختلفنا عنا ثقافة ومعتقد، وأن نشرع في توعية شاملة تسمو بمجتمعنا عن صغائر الأمور وأتفهها، خاصة أن قيمة المرأة تكمن في فكرها وحفاظها على هويتها الصحراوية الإسلامية، وعليها أن تثقف نفسها في جميع مجالات الحياة، وتجتهد في العلم والمثابرة من أجل أن تبني نفسها وتكوِّن مكانتها الحقيقية بعيدًا عن أفكار منقولة عن ثقافات أخرى، وأن تقرأ الكتب بجميع أنواعها وإختصاصاتها، لا أن تحصر أنفسها في روايات الغرام، وكتب ذات الأفكار الهدامة، هذه هي المكانة التي ستعتمد عليها الأجيال القادمة باعتبار المرأة المدرسة الأكثر وزناً في الحياة.
بقلم: منة عبدالمنعم

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *