-->

المغرب: ميزان حرارة الرباط الدبلوماسي وارتباطه بمواقف الدول من الجمهورية الصحراوية (بقلم: محمد هلاب)


إن المتتبع للسياسات المغربية، خاصة منها العلاقات الدبلوماسية، سيجد حتماً أن المغرب لا يُقيم لهذه العلاقات أي اعتبار رغم النصوص والمواثيق التي تحددها في العلاقات الدولية، حيث يبدو أن المملكة لا تحترم من هذه العلاقات إلا ما تعتبره هي “لائقاً” وإن خالف الأعراف، وتضرب بها عرض الحائط دون خجل كلما تعلق الأمر بقضية الصحراء الغربية -حتى لا نقول الاعتراف بالجمهورية الصحراوية أو دعم حق شعبها في تقرير المصير- حتى لو تعلق الأمر برسالة شكر أو تهنئة أو تضامن مع الجمهورية الصحراوية أو جبهة البوليساريو.

وفي هذا الإطار، مَكْمَنُ البحث في نص هذا الموضوع، أقام المغرب الدنيا ولم يُقعدها بسبب رسالة تهنئة بعثها الرئيس الموريتاني، محمد الشيخ الغزواني، إلى نظيره رئيس الجمهورية الصحراوية، إبراهيم غالي، بمناسبة عيد الفطر المبارك (الأحد 24 ماي 2020)، حيث شنت وسائل الإعلام المخزنية حرباً شرسة على الجمهورية الاسلامية الموريتانية ورئيسها، وصل بها الأمر إلى حد تجريم الفعل ووصفه بـ”الموقف المعادي” للمغرب، في تصرف فج وخال من أي لياقة، وكأنها ترى أن الجمهورية الموريتانية بلدٌ فاقد للسيادة وتابع للرباط ينتظر إملاءات المغرب أو غيره لتسيير علاقاته الدولية.
بل إن بعض المنابر الاعلامية المغربية والمقربة بشكل كبير من القصر رأت في الرسالة سبباً لإفراغ مكبوتات كامنة لدى المغرب لطالما عبر عنها أكثر من مرة، هنا وهناك، حيث لم تتوانى عن إيقاظ أحلام الرباط التوسعية في ضم موريتانيا وماوراءها للإمبراطورية المغربية، التي تشكل حلم اليقظة الملازم للمخزن منذ عقود.
جهود مكثفة ونتائج مُخيبة للآمال التوسعية
وللخوض فيما تسبب فيه تبادل التهاني بين الرئيسين الموريتاني والصحراوي بمناسبة عيد الفطر، من نرفزة لدى المغرب وعلى جميع المستويات، وارتباط ماضيه بحاضره ومستقبله، يكفي فقط أن يلجأ المُهتم إلى محرك البحث “غوغل” ويبحث فيه بعبارات دالة من قبيل “المغرب يستدعي سفيره”، “المغرب يعبر عن قلقه”، “توتر المغرب”… إلخ، ليجد كما هائلاً من القصاصات الاخبارية والمقالات في مواقع ووكالات أنباء مختلفة عبر العالم، والسبب واحد، هو قضية الصحراء الغربية، والعقدة التي يسببها فقدان المغرب للسيادة على هذا البلد الذي يعتبر دولة مستقلة من قبل الاتحاد الأفريقي، في حين تعتبر أجزاؤه المحتلة إقليما مسجلا في لائحة الأمم المتحدة لتصفية الاستعمار.
ولو رجعنا قليلا إلى الوراء، وتحديدا إلى السنوات الأولى من القرن الحالي (21)، والتي ميزها التصعيد المغربي المكثف للحيلولة دون اعتراف المزيد من الدول بالجمهورية الصحراوية، لتذكرنا جميعاً القرار الذي اتخذته المملكة المغربية نهاية 2004 بالتخلي عن التزامها بمسلسل السلام الأممي الأفريقي، وهو القرار الذي دفع بلدا محوريا مثل جنوب أفريقيا للإعتراف الرسمي بالدولة الصحراوية كرد مباشر على عدم احترام المغرب وعوده للأفارقة.
وقد أدى ذلك الاعتراف آنذاك إلى إحباط ملك المغرب، الشيء الذي اعترفت به الحكومة المغربية رسميا على لسان الناطق الرسمي باسمها آنذاك وزير الاتصال، نبيل بنعبد الله، الذي خرج عقب اجتماع لمجلس الوزراء ليقول “إن الرباط تبذل جهودا لمنع حدوث خطوات أخرى مماثلة للخطوة التي قامت بها جنوب أفريقيا”.
قلقٌ واستدعاء للسفير.. ثم خضوع للأمر الواقع
وقد تسبب إعلان جنوب أفريقيا في إعراب المغرب عن استيائه واستنكاره في بيان أصدره من خلال وزارة خارجيته، اعتبر فيه قرار بريتوريا “مفاجئا ومخيبا”، أعلنت بعده الرباط عن استدعاء سفيرها للتشاور.
لكن التشاور حول ماذا؟ حول قرارٍ سيادي وحر من دولة حرة؟ أم أن المغرب لا يرى دول العالم إلا من خلال منظور طبيعته كتابع، باعتباره محمية فرنسية فاقد للشخصية والإرادة يأتمر بأوامر غيره؟ أم أنه كان يعتقد أن استنكاره واستدعاءه سفيره قد يثني من عزم بريتوريا المضي قدما في قرار اتخذته بناء على دراسة منطقية وموضوعية للموقف؟ 
وبالفعل، لم تُعِرْ جنوب أفريقيا الموقف المغربي أي اهتمام، ومضت في اعترافها بالدولة الصحراوية وإقامة علاقات دبلوماسية كاملة معها؛ وحرصاً منها على الحفاظ على ما تمليه الأعراف الدبلوماسية، وجه الرئيس الجنوب أفريقي آنذاك، تابو امبيكي، رسالة مطولة ومفصلة أوضح فيها دواعي القرار، وأعرب فيها عن أمله في أن لا يؤدي ذلك إلى خلاف مع أي كان.
وبينما كان المغرب لا يزال يتجرع هول صدمة القرار الجنوب أفريقي، نزل عليه خبر آخر صاعقاً من حيث لم يتوقع، بإعلان كينيا بدورها عن اعترافها بالجمهورية الصحراوية منتصف سنة 2005، ليعلن ردة فعله المعهودة معبرا عن خيبة أمله، وليستدعي سفيره بنيروبي للتشاور، مُعتبرا أن هذا الاعتراف -حسب قوله- “يندرج في إطار حملة مغرضة يقودها الخصم المعادي على الدوام للوحدة المغربية للمغرب”.
نفس التصرفات الصبيانية طالت دولا مثل فينزويلا وإيران، حيث جمد المغرب علاقاته معهما موالاة منه للموقف الأمريكي المعادي للبلدين، وبطبيعة الحال، كانت “التهمة” الجاهزة لاتخاذ الرباط هذا الموقف الخالي من أي احترام للعلاقات الدبلوماسية، هو أنهما يدعمان جبهة البوليساريو، التي يريد المغرب بكل جوانحه أن تغضب عليها الولايات المتحدة الأمريكية وأن تعتبرها حركة إرهابية.
وفي نفس السياق، حاول المغرب أيضا خلال السنوات الأخيرة ربط الجبهة بحزب الله اللبناني، الذي يعتبره المغرب منظمة إرهابية، فقط لأن الولايات المتحدة تعتبره كذلك.
أما العلاقة مع الجزائر فحدث ولا حرج، فلم يخل خطاب للملك المغربي، ولا المواقف المعبر عنها من قبل بعض وزرائه من توجيه الاتهامات السخيفة للجزائر، بالرغم من أن المغرب في هذه الحالة لا يجرؤ على سحب سفيره، أو تجميد العلاقات مع الجزائر، لأنه يدرك جيدا أنه لو تجرأ وفعلها، فلن يتمكن من إعادة هذه العلاقات إلى طبيعتها مرة ثانية مثلما حصل له في واقعة إغلاقه حدوده البرية معها في قرارا أحادي ودون تشاور سنة 1994، ولقد تعلم المغرب من ذلك الخطأ أن المواقف الجزائرية مبدئية وثابتة، ولا تخضع للأهواء الشخصية.
لا تنه عن خلق وتأتي مثله
الانزعاج والقلق والاستنكار الذي يُعبر عنه المغرب كلما تعلق الأمر بدعم أي دولة أو جهة للمساعي الأممية والدولية لإيجاد حل عادل للنزاع في الصحراء الغربية، يُقابله تسليم من لدنه بالأمر الواقع، بل والذهاب أبعد من ذلك، إلى الاعتراف الرسمي ومن أعلى هرم الدولة المغربية.
فماذا قال النظام للشعب المغربي حيال اعتراف حزب الاستقلال في قصاصة إخبارية بجريدته “العلم”، في عددها 8439 الصادر بتاريخ 07 أغسطس 1973، والذي اعترف فيه الحزب بجبهة البوليساريو كحركة تحرير تحت عنوان “المناضلون يقاومون الاستعمار الاسباني في الصحراء الغربية المحتلة (الصورة)؟”.
بل ماذا سيقول المغرب اليوم لشعبه، وحتى لساسته ونخبه، حيال ما أعلنه في الجريدة الرسمية للدولة المغربية في عددها الصادر بتاريخ 31 يناير 2017، والذي تضمن إعلان المملكة انضمامها للإتحاد الأفريقي، ونشر القانون التأسيسي للمنظمة القارية حسب ما تتطلبه شروط الانضمام.
ومن الأهمية بمكان أن نشير -تنويرا للرأي العام المغربي- إلى أن هذه الوثيقة (الجريدة الرسمية) تضمنت إسم الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية من ضمن الدول المؤسسة للإتحاد الأفريقي، وبالتالي، اعترافا بالجمهورية رغما عن الجميع.
وهنا، لابد من التذكير أيضا أن القانون التأسيسي للإتحاد، الذي بات ملزما للدولة المغربية، يقر، على سبيل المثال لا الحصر:
ــ احترام الحدود القائمة عند الاستقلال (أي حدود المغرب سنة 1956).
ــ تسوية الخلافات بين الدول الأعضاء في الاتحاد بوسائل مناسبة يقرها المؤتمر .
ــ منع استخدام القوة أو التهديد باستعمالها بين الدول الأعضاء في الاتحاد.
ــ حق الدول الأعضاء في طلب التدخل من الإتحاد لاستعادة السلم والأمن.
استنتــــــــــاج
إن المتتبع لطريقة تسيير المملكة المغربية علاقاتها الدبلوماسية مع الدول سيلاحظ أنها تعتمد أسلوبين مختلفين مع الدول التي تعتمد مواقف إيجابية من قضية الصحراء الغربية؛ فمن جهة، تبلع الرباط لسانها، ولا تجرؤ على أن تنبس ببنت شفة من أي موقف إيجابي تعتمده أي دولة قوية، ومحترمة، في حين أنها تقيم الدنيا ولا تقعدها متى تعلق الأمر ببعض الدول المحددة التي ربما تعتبرها الرباط دولا من الدرجة الثانية أو الثالثة، وقد يصل الموقف المغربي في بعض الحالات درجة توجيه الرسائل، وسحب السفراء، بل وتجميد العلاقات، التي لا يتم إعادتها إلا بعد تراجع البلد المعين عن مواقفه.
وبطبيعة الحال، يحق لنا كصحراويين أن نتساءل أحيانا عن بعض المواقف المتخاذلة لدول بعينها، كإسبانيا مثلا، والتي تضطر أحيانا للخضوع للرغبات المغربية، إلى حد مخز، يثير حفيظة حتى المواطنين الإسبان.
كما أننا نستغرب حقا من بعض الدول التي تتلاعب الرباط بعلاقاتها معها، بحيث تقطع هذه العلاقات أحيانا، ثم تعيدها كرة أخرى، وكأنها لعبة أطفال، وبالتأكيد أن هذه الدول تعطي بسماحها بمثل هذا التقلب في المواقف انطباعا سيئا من أنها دول تفتقر إلى الشخصية والثبات.
وبالمقابل، لا نستطيع إلا أن نرفع القبعة للدول التي تحافظ على مواقفها الثابتة، وتفرض احترامها على الجميع، حيث نلاحظ وجود سفارات المغرب والجمهورية الصحراوية في عدد كبير من الدول، دون أن تتجرأ الرباط على سحب سفرائها أو انتقاد الدول المعنية لاعترافها بالجمهورية الصحراوية، وهو ما يدفعنا للتساؤل: لماذا تستطيع هذه الدول فرض قراراتها السيادية عكس دول أخرى، تقاعست عن مواقفها من الجمهورية الصحراوية، فقط لخشيتها من الغضب المغربي؟

Contact Form

Name

Email *

Message *