حين يرحل صانع بسمة وحامل فكر مسرحي ... بقلم :عبداتي لبات الرشيد
حين يرحل صانع بسمة وحامل فكر مسرحي وتعبير حضاري راقي يخلوا عالمنا من الروعة والشقف والحماسة ولا يبقى إلا الحزن والدموع في عالم يملأه التعبير السخيف والتمثيل الساذج على خشبة مسرح واقع بائس ..
" .. الأشياء التي تَبعث على الضحك ليست مُسلية دائماً ..أحياناً تتنكر خيباتُنا في هيئة نُكتة ولكي تضحك بعمق عليك أن تتعلم كيف تتعامل مع أوجاعك الخاصة وتلعب بها .. " ..
شهر سبتمبر 2018 كان لي شرف إستضافة الممثل المسرحي الرائع الشيخ السالك الذي نستحضر اليوم ذكرى رحيله، إستضفته رفقة زميله وصديقه وصديقي العزيز التيبة شگاف .. وسيكون ذلك اللقاء أخر ظهور تلفزيوني للراحل وقد بدى وكأن الرجل كان يشعر بقرب النهاية ..
رحبت بالضيفين ببوابة المؤسسة وقبل أن ندخل الى الأستوديو لتسجيل الحلقة طلب مني الراحل أن لا أكثر عليه الأسئلة لأنه يشعر بالحزن فتبادلنا النكات نحن الثلاثة ولم أكن وصديقي التيبة وقتها لنشعر أن الرجل الذي أضحك المجتمع بأكمله كان فعلا حزينا يمزقه الألم والحسرة من الداخل وقد عبر عن ذلك صراحة خلال الحلقة وقد لاحظ المشاهدون كيف كنت وصديقي التيبة نحاول التخفيف عنه بدعوة الناس الى إحترام الشيخ وزملاءه كونه يقوم بعمل عظيم في المجتمع وجب تقديره على الأقل ..
وفي الحقيقة ومنذ أن عرفت الشيخ لم ألتقيه أبدا إلا وحيدا يمشي حزينا .. كان الراحل مهموما بواقع الناس لكنه كان دائما يحاول أن يعكس تلك الهموم والهواجس في إطلالاته على جمهوره الكبير في وقت كان هو نفسه حزينا ممزقا من جراء نظرة المجتمع ومن إزدراء بعض الأفراد له ولعالمه ..
كان الشيخ قليل الكلام كثير التفكير .. كان مبدعا قادرا مقتدرا لكنه عاش في زمن غير زمنه .. عاش في زمن الرداءة والردة .. في زمن النفاق والتصفاگ .. كان الشيخ جادا ومخلصا لكنه عاش في زمن غير زمنه .. عاش في زمن الكسل .. في زمن الخيانة .. كان الشيخ إنسانا ناجحا .. لكنه عاش في زمن غير زمنه .. عاش في زمن تشجيع الفشل ورعاية الفاشلين ..
" .. أنا لا أزال على حالة واحدة، حالة واحدة فقط، وهي أن أكون كوميدياً .. فهذا يجعلني في منصب أكبر من السياسي .. " ..
على أرض الواقع وبكل تأكيد عرف الشيخ الشهرة وكان نجما معروفا وبدى كل السياسيين وأشباه السياسيين مجرد أشخاص مغمورين يعيشون في عالم من الخيال الساذج .. عاش الشيخ متواضعا بسيطا لكنه ظل يمشي وحيدا ..
عاش الشيخ شامخا حاملا هموم الناس وقبل أن يمشي قال كلمته بشجاعة و بلغة أجمل وأرقى الفنون .. ورغم معاناته وآلامه عاش الراحل متنقلا يجوب الشوارع والأزقة على رجليه الصغيرتين يمر بسلاسة وخفة دم بين عامة الناس كواحد من الناس لكنه ما رحل إلا ليترك لنا إرثا مدهشا حصله من العرق والدموع ومن هواجسه وإبداعاته .. إرثا غير مسروق ولا منهوب من البسمة الكافية لجعل لحظات عمرنا أجمل بوجوده ومن بعده رغم كل الخسائر الفادحة التي سرقت من سنواته و سنواتنا الطويلة بعيدا عن الوطن حق الإستمتاع بأيام العمر القليلة ..
" .. نعم أنا ممثل وأفتخر بكوني ممثلا .. " قالها الشيخ في تلك الحلقة وذلك الظهور التلفزيوني الأخير له وقبل أن يمشي بلا عودة قال كل كلامه بشجاعة وجرأة ثم مضى ليس كما يمضي الجبناء ومصاصي الدماء ..
العزاء دائما لعائلة ولأصدقاء وزملاء الفقيد وكل معارفه راجيا من الله أن يتغمده بواسع رحمته وعظيم مغفرته وأن يلهنا جميعا في غيابه الأبدي جميل الصبر إنه سميع مجيب ..
عبداتي لبات الرشيد