-->

المضمون الايديولوجي لمفهوم حقوق الإنسان وتعارض وظيفته ... الإيديولوجية مع فكرنا التحرري: الجزء الثاني (مثال الأجندات الإقتصادية)


المضمون الايديولوجي لمفهوم حقوق الإنسان وتعارض وظيفته 

الإيديولوجية مع فكرنا التحرري: الجزء الثاني (مثال الأجندات الإقتصادية)
في الجزء الأول من هذا المقال،كشفنا زيف ادعاء ,شمولية مفهوم حقوق الإنسان ،وجعلنا من وظيفته الإيديولوجية ،نقطة محورية للبحث،وتيسر لنا هذا إنطلاقا من تفكير نقدي ورؤية تحررية ،لولاهما ما كان في استطاعتنا كشفه،وتتوقف كل هذه العملية على الإلتزام الصارم بمبدأ التحليل العلمي ،ولأنه لا يمكن للنشاط النظري،أن يصبح فكرا نضاليا إلا إذا التزم بالتحليل الدقيق،لواقع المشروع الوطني، في شروطه التاريخية الخاصة ،وضمن العلاقة الجدلية التي تحتم أن تكون هذه الرؤية التحررية ،أساس فكرنا الثوري وان تقوم الثورة على الفكر العلمي نفسه، وتكرار المفاهيم المعبرة عن الظلم الحقيقي الذي يمارسه الإحتلال على المجتمع.ومن هنا نكون ملزمين ليس فقط بالإبتعاد عن المفاهيم العامة ،والبديهيات المضللة،بل مدعوون إلى نقدها، ومصارعتها،لأن الصراع ،المحرك للواقع الاجتماعي لا بد أن يجد في هذا الفكر التحرري مفاهيم محددة للتعبير عنه وتوجيه قوى التحرر داخله ،لكي تلعب النظرية الثورية دورها في الصراع الفكري ،وإبراز التناقض،وليس التوافق الفكري على أسس إيديولوجية سالبة، كما يرغب بذلك الفكر الليبيرالي وعبره فكر الإحتلال لتأبيد احتلاله.
والقصد من القول ،أنه حينما يحصل التوافق،والتقاطع بين فكر الشعب المحتل،والسلطة المحتلة ،(مثلا إتفاق السلطة والمناضلين على لائحة الحقوق أو الملفات المطلبية، وطريقة الوصول إليها،والاتفاق على طريقة إجراءات شكايات التظلم.....) إنما يرمز ذلك إلى انخفاض مستوى النضال على المستويين الفكري وفي الممارسة الميدانية، تأكيدا للعلاقة الجدلية بينهما .
إن الفكر النقيض والفكر التحريفي على السواء ،ينطلقان من العبارات العامة و البداهات الغير مبرهنة ويجعل من الفردية والذاتية مركزا للتفكير ويتجاهل لتحليل العلمي للواقع الإجتماعي،لأنه ليس معنيا بكشف احكامه ،بقدر ما يهدف إلى إشاعة الغموض حوله ،وهي الوظيفة الإيديولوجية العامة للفكر المسيطر،ولا يستثنى من هذا ،مفاهيم حقوق الإنسان الليبرالية.ولنا في الأجندات الإقتصادية ،مثلا من حيث امتثاله لهذه القاعدة العامة للفكر المسيطر، ولكفاءته العالية في نهب ثروات الشعوب المحتلة والمستعمرة،وإقصاء هذه الشعوب في نفس الوقت من تنمية نفسها،وتكريس واقعها المتخلف.


إن القانون الدولي لحقوق الإنسان،كمعاهدات والتزامات دولية،وقعها المغرب،ضمن التزاماته الدولية الخاصة بأراضيه السيادية ويطبقه بشكل لا شرعي، على الأراضي المحتلة من الصحراء الغربية،هو نفسه القانون:الذي يؤطر اجندات التنمية المستدامة وبشكل عام يؤطر الحقوق السياسية والمدنية،وكذلك الحقوق الاقتصادية ،والثقافية.
وسنأخذ على سبيل المثل :اجندة الفين وثلاثين للتنمية المستدامة، الموقعة من طرف الدول المشاركة ،في مؤتمر نيويورك سنة 2015 ،وبعض الدول ،وقعتها بعد ذلك كالمغرب مثلا وقعها سنة الفين وسبعة عشر.
إن الذين صاغوا ديباجة إعلان ،أجندة الفين وثلاثين للتنمية المستدامة،تماثلوا في ديباجتها الإعلان العام للشعوب المستعمرة والغير متمتعة بالحكم الذاتي، وحقها في تقرير المصير والإستقلال،والقائل :إن الحاجة الملحة على المجتمع الدولي ،من أجل إنهاء الإستعمار في كل بقاع العالم وتحت كل اشكاله،الهمت هذا الإعلان.
ويقول إعلان الأجندة :ان الحاجة الملحة على المجتمع الدولي من أجل إنهاء المجاعة في كل ربوع العالم ،الهمت هذا الإعلان.
هذا التشابه الكلي في الإعلان عن حق الشعوب في تقرير مصيرها،والإعلان عن اجندة الفين وثلاثين للتنمية المستدامة ،يقابله تعارض كلي بين أهداف المفهومين:فإذا كان إعلان تقرير المصير قد نتج عنه إستقلال مجموعة من الشعوب وانعتاقها،فإن أجندة ألفين وثلاثين تقصي شعوب سبعة عشر إقليما على الأقل (الشعوب التي تنتظر دورها في تقرير المصير والإستقلال) من حقها في التنمية، بل عمدت هذه الأجندة إلى نهب ثرواتها،وتجويعها،والتأثير على قدرة أجيالها المستقبلية ،في ضمان اكتفائها الإقتصادي.
إن هذه الأجندة لا تفرق بين ثروات الشعوب المستعمرة ولا المستقلة،وتقصي من التنمية سبعة عشرة شعبا،تتواطأ مع الدول المستعمِرة ومع قوى الإحتلال في نهب ثروات الشعوب.
وهذه كلها اسباب،تهدينا إلى القول بأن هذه الأجندات تنتهك القانون الدولي فيما يخص مبدأ سيادة الشعوب الأصلية على أرضها،والحفاظ على وضعها القانوني المعبر عنه في القرار الأممي 2625 وسيادة الشعوب على ثرواتها ،ومصادرها الطبيعية المعبر عنها كذلك في محتوى القرار الأممي 1803 لسنة 1962.
نحن الصحراويين كباقي شعوب العالم لا نعارض الأجندات في مضمونها التنموي ولا في اهدافها البيئية،بل ما نعارضه حقا هو إقصاءنا منها كشعب وكيان:يعني نريد ان نشارك في التنمية،وتحقيق أهدافها على أرضنا بوصفنا صحراويين وليس كمغاربة لأننا بكل بساطة لسنا كذلك وباعتراف كل العالم .
إن عملية تمديد المغرب، لإتفاقياته، والتزاماته الدولية على الأراضي المحتلة من الجمهورية العربية الصحراوية إنما هو محاولة فاشلة لتطبيق القانون المغربي عليها، وزعم السيادة عليها، وهذا يعد خرقا سافرا للقانون الدولي العام وخصوصا، شقه:القانون الدولي الإنسان، الذي يؤطر حالتي الإحتلال والحرب،هذا القانون يجرم عمليات الاستيطان التي ينتهجها المغرب مند سنة 1975 لتغيير المعطيات الديمغرافية على الأرض ،ولتذويب الساكنة الأصلية صاحبة السيادة وسط جموع المستوطنين المستقدمين من المغرب بشكل يخرق قواعد القانون الدولي الإنساني.
ولو عرجنا على توقيع سبع جمعيات للمستوطنين المغاربة على بيان ،قيل أنه يتجاوب مع الدعوة التي أطلقتها ما يسمى:( حركة صحراويين من اجل السلام )،والتي حسب زعمهم تهدف إلى الرفع ،من مستوى الحقوق السياسية،والإقتصادية والثقافية وهي نفسها الحقوق المندرجة في اتفاقيات العهدين ،التي قلنا عنها سابقا، أن المغرب يطبقها على الأراضي المحتلة بشكل غير شرعي لأنها أراض غير سيادية.وهي نفس مجموع الحقوق المكونة لمفهوم حقوق الإنسان الفرد الأناني، والذي برهنا في الجزء الأول من هذا المقال،أن وظيفته الإيديولوجية تتعارض مع فكرنا التحرري باعتباره أداة لتكريس واقع الإحتلال والإستعمار،واداة للتوافق والحفاظ على جوهر الصراع بين الظالم والمظلوم،إلا أن الجديد في هذا الأمر، ليس فقط السذاجة أو الخيانة التي تعاملت بها( حركة) صحراويين من أجل السلام ،والتي تناضل في هذا الباب من أجل تطبيق القانون المغربي على الأراضي المحتلة من خلال تطبيق معاهداته والتزاماته الدولية عليها،إذن حركة (صحراويين من أجل السلام ) لم تنزلق فقط إلى السذاجة و الخيانة، ولكنها انزلقت إلى عدم الشرعية باعترافها الضمني بتطبيق القانون المغربي على الأراضي المحتلة وهو موقف لم يسبقها إليه احد من العالمين، لأنه حتى أصدقاء المغرب لا يعترفون له بتطبيق قانونه على الأراضي المحتلة التي قلنا أن مايؤطرها قانونيا هو القانون الدولي الإنساني.
تبعا لهذا الفهم والتحليل ،تنسلخ (حركة صحراويين من اجل السلام)،بإسمها النكرة ،عن اي شعار حملته او يمكن ان تحمله في المستقبل وتصبح مجرد اداة من أدوات الاحتلال المغربي التي يقصد منها تأبيد احتلاله.


ونحن هنا ،ومن خلال هذه النظرة العلمية لواقع المشروع الوطني،ومحاولة تفسير جملة من المعطيات الفكرية ،والممارسات المتغيرة باستمرار، وأهدافها المعلنة طورا والخفية أطوارا،إنما نبدي انشغالنا ،حول خطر هذا الفكر الليبيرالي الحقوقي الذي يلغي واقع الإحتلال،ويقفز على الوضع القانوني للأراضي المحتلة،ونبدي انشغالنا حول هذه الوظيفة الإيديولوجية لمفهوم حقوق الإنسان الفرد الأناني، كأداة للتوافق بين قوة الاحتلال والشعب المحتلة ارضه،بما يعني تغييب الشروط التاريخية الملحة على الثورة والتغيير،وإحلال محلها :ملفات حقوق الأفراد المنتهية دون سقف الإستقلال والتحرر،وما يشكله هذا المفهوم من خطر ،على حاضر ومستقبل المشروع الوطني،واسمى ما نؤمن به من الحقوق هو حق شعبنا في الحرية والإستقلال. 
كمثقفين صحراويين مناهضين للظلم والإحتلال تنبع دوافعنا اللازمة لفضح ،هذا السكوت عن إنتهاك القانون الدولي و التواطؤ الدولي مع الإحتلال المغربي الذي يحاول انجاز جملة من أهداف التنمية المستدامة، مثلا على أراضينا المحتلة ،والتقرير عنها كأراض مغربية، مما يشكل خرقا سافرا للوضع القانوني للصحراء الغربية ،المعبر عنه في كل قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بالموضوع،والرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية،ومحكمة العدل الأوروبية،ودراسة مركز بحوث البرلمان الألماني،والقانون التأسيسي للإتحاد الإفريقي وهلم جرا.....
من اجل القيام بهذه المهام، وهذا النضال الفكري،والدفاع عن الحقوق انطلاقا من رؤية تحررية مقاومة واضحة،لا بد من مراجعة فكرية شاملة،ستشكل في الحقيقة نقدا لأغلب ما ينشر من مقالات ،في الصحافة اليومية والمجلات والمواقع المهمة من مجموع مواقع التواصل الإجتماعي،وتتعدى كل هذا الى ردع مخططات الفكر التوسعي المسلطة ضد المشروع الوطني،ولبلوغ هذه المهمة الكفاحية،والنضال الفكري المستمر،لا بد أولا من بناء واعتماد،النسق الفكري،العلمي الوطني،القوي،وتحديد مفاهيمه،وتداولها في إنتاج فكري مستمر،وإيصال هذا الإنتاج الى القاعدة بالصورة والشكل الذي يمكنها من التجاوب معه،وإلا بقي محدودا وعديم الجدوى،ولا بد من الصبر على تداوله في نقاش وطني مفتوح ومسؤول،ومن خلاله صيانة الثوابت الوطنية،وخلق الأراء السياسية التي ترفع مستوى الوعي عند المناضلين،مما ينتج عنه خلق صيغ النضال والمقاومة وتحصين الفكر والممارسة من التحريف والانزلاق إلى مواقع الفكر النقيض.
اهدي هذه الأحرف إلى مقاتلي جيش التحرير الشعبي الصحراوي،إلى روح الشهيدين فاطمة والطاهر والمجد والخلود لكل الشهدا الميامين،وكل الوطن أو الشهادة.
بقلم حسان ميليد علي

Contact Form

Name

Email *

Message *