امتناع الامم المتحدة عن تعيين مبعوث جديد للنزاع بعد اكثر من عام، هل راجعت المنظمة الاممية تعاملها مع جبهة البوليساريو؟
رفعت القيادة الصحراوية شعار مراجعة التعاطي مع الامم المتحدة منذ فترة التحضير للمؤتمر الخامس عشر للجبهة الشعبية في بيان شديد اللهجة، اعاد للراي العام الوطني جزء من المعنويات التي اضاعتها السنوات العجاف في خضم التقاعس والتراجع المسجل على اكثر من صعيد والتنازلات المتكررة لارضاء المنظمة الاممية التي باتت جزء من المشكل بسبب التواطؤ المفضوح مع المحتل المغربي والانصياع لاملاءات فرنسا والقوى الكبرى التي توفر مظلة الحماية لاستمرار واقع الاحتلال والمعاناة.
خلاصة المراجعة التي توصلت اليها القيادة السياسية للجبهة بعد اكثر من ثمانية وعشرين سنة من الجري خلف سراب السلام تكمن في أن عملية الأمم المتحدة للسلام في الصحراء الغربية وصلت الى منعطف خطير ولم يعد أمام جبهة البوليساريو أي خيار سوى إعادة النظر في مشاركتها في عملية السلام برمتها وهو ما تمت ترجمته في مقررات المؤتمر الخامس عشر دون ان يجد ما يفسره على ارض الواقع، فالبعثة الاممية المشلولة لا تزال تتواجد بمقراتها بالاراضي المحررة وقرار التزام الجبهة بالانسحاب من الكركرات لا يزال ساري المفعول مع قرارات اخرى تتعلق باعمار الاراضي المحررة وخفض التحرك العسكري.
لكن في مقابل هذه المعطيات يبدو ان الامم المتحدة هي من راجعت تعاطيها مع الجبهة الشعبية في ظل امتناعها عن تعيين مبعوث جديد الى النزاع في الصحراء الغربية منذ استقالة المبعوث السابق هورست كوهلر يوم 22 ماي 2019 ومنذ ذلك الحين والمهمة الاممية تشهد حالة شغور مفتوحة على الزمن.
من المخجل ان نظل نخادع الجماهير بعد الانتكاسات المسجلة في التعاطي الاممي مع قضية تصفية الاستعمار من الصحراء الغربية والدور المخزي للبعثة الأممية لتنظيم الاستفتاء في الصحراء الغربية والتي لم تتقدم ملمترا واحدا في الاتجاه الذي استحدثت من أجله بالرغم من التنازلات الكثيرة التي قدمتها جبهة البوليساريو للحفاظ على المسار السلمي إلا ان المغرب ظل يضع العقبات وتكشف مصادر مطلعة وبعض الوثائق بخصوص التنازلات التي قدمها الطرف الصحراوي لاثبات نية قيادة جبهة البوليساريو في البحث عن حل سلمي، خاصة التنازلات في موضوع الجسم الناخب والمستوطنين المغاربة وملف الثروات الطبيعية ومستقبل العلاقة مع الدولة المغربية في حال تحقق الاستقلال وتقديم ضمانات عن عدم بناء مقرات رسمية بالاراضي المحررة وتقييد عملية الاعمار وهي تنازلات خطيرة في بعض تفاصيلها على مستقبل الشعب الصحراوي الذي قد يواجه تداعياتها على المدى البعيد.
وإذا كانت جبهة البوليساريو قد تأسست على مبدأ الخيار العسكري لا غير، إلا انها قبلت مشروع التسوية السلمي في ظروف اقليمية صعبة، وبعد مرور ثلاثة عقود على اتفاق وقف اطلاق النار تعكس معطيات اليوم ان الطرف الصحراوي لم يكن يراهن على ارادة صادقة من الطرف المغربي الذي ظل يخرق كل الاتفاقيات ويتمادى للحصول على المزيد من التنازلات وجر الطرف الصحراوي لقبول المقترح المغربي الذي يراهن على الوقت واستنزاف المزيد من الخيرات ومحاولات التاثير في صمود ومعنويات الشعب الصحراوي المكافح.
المفاوضات المتعثرة يعزوها البعض الى تخوف المغرب من الاحراج امام الامم المتحدة بسبب ضعف الطرح المغربي وغياب اوراق ضغط لدى جبهة البوليساريو بعد خسارة ورقة وقف اطلاق النار، وبعدها الكثير من الاوراق مثل الكركرات التي استطاعت في ظرف وجيز اعادة القضية الى الواجهة والاجندة الدولية.
فبعد محاولة المغرب تحوير وقائع النزاع في الصحراء الغربية من قضية إستعمار إلى قضية ثانوية تتعلق بالوضع في الكركرات ووجود المكون العسكري بعدما حاول النظام المغربي التخلص من المكون السياسي والاداري الذي يعتبر اساس عمل البعثة المكلفة بتنظيم الاستفتاء أكدت الأمم المتحدة أنها لن تنهى مهام بعثة "المينورسو" المعنية بتنظيم إستفتاء تقرير مصير الشعب الصحراوي طبقا لمخطط التسوية الأممي-الإفريقي لسنة 1991.
ومع ان الجلوس على طاولة المفاوضات بدون جدول اعمال واضح بخصوص تنظيم الاستفتاء وطرح مواضيع هامشية على غرار تدابير الثقة ومراجعة البند رقم 1 من اتفاق وقف اطلاق النار، تبقى كلها اساليب اعتمدتها الامم المتحدة مع الشعب الصحراوي منذ 1991 دون ان تتقدم مليمترا واحدا في تعهداتها في تصفية الاستعمار من اخر مستعمرة في افريقيا عبر استفتاء لتقرير المصير.
واخر هذه الانتكاسات الامتناع عن تعيين مبعوث اممي الى النزاع على الاقل لجعل القضية حاضرة ضمن الاجندة الدولية، فهل فعلا راجعت الامم المتحدة تعاطيها مع جبهة البوليساريو؟