-->

نهاية البداية ولكنها بداية النهاية.......


قد يظن البعض انه كان من الطبيعي انجاز هذه المهمة
كغيرها من الصعاب صحيح .... ولكن اقول لكل صاحب هدف سام دونك اكل الصبار ودهس بالليل والنهار وبحث جبار.
لقد كانت بالفعل سنون جميلة وطويلة نعم حصادها كان عسير ولكنها آتت اكلها بعد حين. مشوار التعليم الطبي وكغيره من العلوم لم ولن يكون يوما ما قطعة من الجبن بل لن ينصاع الا لمن يروضه جيدا لا يعترف الا لمن 
يقنعه بصلاحيته ورجح في ميزانه لانه وباقل ما يوصف صيرفي حاذق. فهنا لابد من التخلي طواعية عن مجمل الملذات النوم اللذيذ الطعام الفاخر التنزه مع الاصدقاء لا مجال للاستمتاع بلحظات سعيدة لا تنسى ولا تضيع ابدا كعطلات واعياد ومناسبات بين ظهراني العائلة والاهل والاحباب لا وقت حتى لاحتساء كاس من الشاي الاخضر الصحراوي الاصيل تتخلى حتى عن محادثة من تعودت على حديثهم امك وابوك ومن احبوك لانك يا صاح وباختصار تسير في سفينة قبطانها لا يفهم تلك المعاني ولا يقبل العذر ولا يرضى الا بوقته كاملا مستفيضا لا قسمة فيه. 


اما اذا حمى وطيس المعركة و توليت زمامها فإحساسك بالغربة واشتياقك للاهل والوطن سيكون من الماضي لانك قد اخذت ترياق الحنين منذ ان حكمت على نفسك بدخولك بستان المرضى و المستشفيات والمصحات فانت فاقد للاحساس بل لم تعد تأبه لهذه المعاني انها حقيقة مرة ولكنها ابجديات سفينة الطب. 
ستعتاد يا صاح على فترات من الانقطاع الطويل والانزواء في غرفة صامتة الجدران وانت ملقى بين اكياس من المجلدات والمراجع الثقيلة تحادث وتداعب فيها كتبك حتى ساعات من الليل المتاخرة ولربما اخذك الفضول والتلقي الى ان اكملت حتى الصباح !
ستمر عليك ايام حزينة لا تدري احيانا ما تصنع فيها فمن حين الى اخر ستتلقى صعقات مدوية وقاصمة ..فخال او اب او ام او جد او جدة او عم او جار او صديق قد فارق الدنيا ولم تستطع حتى ان تلقي عليه نظرة اخيرة قبل الوداع. 
فهناك بعيدا وعلى متن سفينة الطب سيكون من السهل عليك بعد سنين وبعد انتقائك البزة البيضاء إنتقاء اصدقاء جدد وزملاء جدد وحتى عائلة بالمعنى العام جديدة لا تكاد تصدق فعلك الوخيم ولكنها الفبائيات اللعبة ! 
ستتعود على ايامك تمر ولا وقت لك حتى لتناول وجباتك اليومية فانت على سرعة من امرك تسارع عقارب الساعة فمريض على سجل العمليات ينتظر واخر ملق على فراش في غرفة الانعاش واخر في غيبوبة واخر يصارع الم فظيع يحتاج الى مسكن واخر واخر واخر والسجل لا يتسع لانك يا صاح وافقت على الالتزام والتقيد بهكذا وتيرة مذ قبلك قبطان السفينة !

اما الضغوط والقلق فهي الشي الوحيد الذي سيرافقك كل لحظاتك وستتعلم بقدر ما انت طبيب وما تملي عليك مهنيتك واستعدادك وتحدياته ان تتعلم في خضم ذلك التعامل مع ضغطك وقلقلك وكبح جماحيهما وستحاول صنع انظمة دفاع للتخفيف من هاتين الاليتين اللتين في الحقيقة لا يعدوان نظام يستفيد منه الجسم للتاقلم والدفع بك للامام ...فجدول الامتحانات مكتظ جدا بالكاد يكون يوميا. هذا ناهيك عن ضغط المعاملات والمرضى ففي كل دقيقة عليك ان تتعامل مع شخص مختلف له شخصه احاسيسهه وخصوصيته فهناك متعلم وجاهل وصغير وشيخ كبير وامراة حامل واخرى مراهقة واخر مريض نفسيا وهلم جرا ....
لم اقصد من سردي لهذه الدروس ان اكون متشائما ابدا ولا اعطاء صورة سيئة سلبية و شيطانية لما تعني دراسة الطب وصناعة طبيب بالمقاييس الاكاديمية بقدر ما اردت ان اوجه حقيقة بذاتها و جدية التجربة ونزاهة المهنة التي تستحق ان يبذل فيها كل هذا واكثر بعيدا عن الرتابة والسخرية !
رغم كل هذا وذاك فقد كانت ايام ولحظات لهي الاجمل في مسيرتي العلمية كانت مليئة بالزخم المفيد رافقتني طيلة تلك السنين ذكريات جميلة وقصص وعبر باقية ما بقيت حيا حوادث ونوادر احيانا مع مرضى واخرى مع زملاء العمل واطباء احتضنو عملى وتدريسي قاسموني افراحي واتراحي ثقافتي وطبيعتي واجمل من ذلك كله الاستفادة والمعرفة ليس فقط فيما يعني الطب والامراض والتخصص بل وفي مجالات اخرى اظن انه كان من الصعب بل من المستحيل علي اكتسابها دون هذه الفرصة الفريدة.
التعاطي والاخذ والمد بين البشر فن بحد ذاته واختلاق العالاقات الاجتماعية ومعرفة كنهها ومعالجة الامراض الحسية من وجهة نظر اجتماعي كانت من الفاوصل في المهنة .... التغلغل داخل ثقافات الغير وفهمها ومعالجتها من اجمل الاشياء التي راودتني رغم انه لا يصدق ..... فمن الصعب على غريب وطن ان يجلس في كرسي كطبيب ليجد نفسه يعالج من له ثقافة ولغة ونمط عيش مختلف ولكن ادراكك لحقيقة الغير ثقافاتهم تاريخهم دينهم لغتهم واسلوب عيشهم يجعلك تدرك انك ناقص وان الانسان هو مخلوق في منتهى التعقيد ولا محيص من اكتساب مهارات كافية لتسعفك في تلك المواقف. 
رغم ذلك لم احس يوما اني بمفردي ولا اني اواجه تلك الصعوبات لوحدي فلطالما احاطني دفئ من لازموني وارشدوني واخذو على يدي حتى ولو لم يكونو حاضرين معي الشكر والفضل والثناء اولا للمولى عز وجل وبعد لك والدتي الكريمة وابي العزيز اخوي الكريمين على ما بذلتموه من جهد في مرافقتي في رحلتي الطويلة صبركم كرمكم وشحذكم لهمتي ....عماتي وخالاتي اعمامي واخوالي العائلة الكريمة جمعاء ...................... اصدقائي الاوفياء ..زملاء الدرب اساتذتي الفضلاء الموقرين وكل من عرفت لهم الفضل من شاطروني وعثاء السفر الطويل .. لكم مني فائق التقدير والاحترام مدين انا لكم ما حييت شكرا لكم لاعطائي فرصة علها كانت من جميل صنعكم واحسانكم وتفضلكم علي.
الدكتور: البشير سليمان لبات

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *