فساد الملك خوان كارلوس : بين أخبار الصحافة وأحكام القضاء !
لا شك في أن الفساد صفة من صفات الملوك وكل الطغاة في الأرض ، فما من مرة يجتمع فيها حب السلطة والجاه ونزوة السيطرة وإملاءات السياسة في شخص ، إلا وأصبحت الأخلاق على كف عفريت جائر ، يناور أتباعه بالشعارات الكاذبة ، ويجعلهم يطيعونه في بداية المطاف طاعة عمياء ، ففي الممالك يستشري الإستبداد شيئا فشيئا ، ويخدع الإنسان بالوعود الزائفة ، ويضيق هامش حريته دون أن يعلم ، وتنعدم قيمته مع مرور الوقت ، وبالتالي ينتشر الفساد ويستفحل الظلم وتغيب العدالة دون سابق إنذار ، ويصبح الواقع خاضعا للسمع والطاعة ، حتى وإن كانت في تجلياته المظلمة مصالح جمة للراعي أكثر منها للرعية .
وكمثال على ما سبق نجد اليوم ملك اسبانيا خوان كارلوس ، الذي بني تاريخه منذ البداية على حب السلطة ، وعلى مناورات السياسة وصفقات الفساد المالي والأخلاقي المختلفة ، ولعل ذلك ما هو وارد فى مسيرته المليئة بالشبهات وبشتى أنواع الغش والتآمر في هذا الصدد ، وما تلوكه الصحافة اليوم عنه ، ويردده القاصي والداني ، وتتحدث عنه العديد من الوثائق السرية المسربة من هنا وهناك يكفي لإثبات تورطه في العديد من قضايا الظلم والفساد التي كان يخفيها عن الشعب الإسباني بشعارات زائفة وأعمال لا ترق إلى حقيقة الواقع .
فمؤخرا رفعت وكالة الاستخبارات الأمريكية السرية عن وثائق تؤكد كيف كان خوان كارلوس يخضع لإملاءات واشنطن ، وكيف جرى التنسيق بينه وبين الحسن الثاني في ما يخص الصحراء الغربية ، حدث كل هذا عندما كان وليا للعهد تراوده الرغبة الملحة للتربع على العرش في إسبانيا بأي ثمن .
وتبرز الوثائق التي نشرتها بعض الصحف الإسبانية كيف تخوفت الولايات المتحدة من التطورات الجيوسياسية في جنوب أوروبا آنذاك ، بعدما انهارت بعض الدكتاتوريات العسكرية مثل البرتغال واليونان وكان الواقع يوحي بانهيار نظام الجنرال فرانسيسكو فرانكو، وظهور الديمقراطية في إسبانيا، ما يعني أن البنتاغون قد يفقد شبه الجزيرة الإيبيرية كمعبر وقاعدة للطائرات والسفن الحربية التي تتحه نحو الشرق الأوسط ، سواء لدعم إسرائيل أو لأجل التموقع ضمن الحرب الباردة حينها.
وبهذا الخصوص تبنت الاستخبارات الأمريكية مخططا احترازيا يرمي إلى ضرورة انتزاع الصحراء الغربية من إسبانيا وتحويلها إلى منطقة للمصالح الأمريكية ، لا سيما العسكرية منها، وتبرز الوثيقة أن مضمون الصفقة كان هو تخلي الأمير خوان كارلوس وقتها ، عن الصحراء الغربية بمجرد وفاة الدكتاتور فرانسيسكو فرانكو ، مقابل دعم واشنطن له ليصبح ملكا لإسبانيا ، ومنذ ذلك الوقت تحول خوان كارلوس إلى أداة طيعة في يد الولايات المتحدة الأمريكية ، لكن ظهور وثيقة بهذا الشأن ، أثبت بما لا يدع مجالا للشك أن خوان كارلوس كان خائنا للمصالح الإسبانية ولحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير ، لا سيما وأنه زار الصحراء الغربية التي كانت تعد المقاطعة رقم 53 في التشكيل الإداري لإسبانيا قبل إنسحاب إسبانيا منها ، وهو ما يجري التنكر له حاليا ، خاصة بعد قرار المحكمة الإسبانية العليا الأخير ، الذي يحرم الصحراويين المدرجين في الإحصاء الإسباني لسنة 1974 من الحصول على الجنسية الإسبانية ، ولعل قرار المحكمة الإسبانية العليا هذا ، كان يهدف إلى التستر على إحدى فضائح خوان كارلوس التي كانت طي الكتمان ، وظلت الحكومات الإسبانية تتبرأ بموجبها من أية مسؤولية تاريخية تربطها بالصحراء الغربية .
لكن التاريخ لا يرحم ، فبعد أن بدأت أولى أحلام خوان كارلوس تتحقق بتحوله إلى الحاكم الفعلي لإسبانيا بالنيابة في نوفمبر 1975 بعد مرض الجنرال فرانسيسكو فرانكو، بدأ تنفيذ مخططه المبيت بخصوص الصحراء الغربية والقاضي بالتنسيق مع الملك الراحل الحسن الثاني حول المسيرة الخضراء بدعم من الولايات المتحدة وفرنسا، وحدث ذلك في 6 نوفمبر 1975، وتلاه الاتفاق الثلاثي بعد أسابيع بين إسبانيا والمغرب وموريتانيا ، قبل أن تتطور الأوضاع إلى حرب رفعت جبهة البوليساريو لواءها ضد المتآمرين على حق الشعب الصحراوي في الكينونة والوجود .
بعد وفاة الديكتاتور فرانكو ، أصبح خوان كارلوس ملكا لإسبانيا عام 1975 ، وظلت فضائح الفساد تلاحقه وأسرته ، وفي عام 2011 أشارت المزاعم التي تناقلها الإعلام الاسباني ، إلى أن زوج ابنة ملك اسبانيا وشريكه انذاك رجل الأعمال دييغو توريس استغل معهد "نوز" غير الهادف للربح ، في تنظيم مناسبات ومؤتمرات لصالح الحكومتين الإقليميتين في "فالنسيا" و "جزرالبليار" مقابل أسعار مبالغ فيها.
وبحسب وكالة "رويترز"، فتحت المحكمة العليا الإسبانية تحقيقا في تورط خوان كارلوس في عقد للسكك الحديدية عالية السرعة بالمملكة العربية السعودية ، وذكرت تقارير صحفية إسبانية حصوله على 100 مليون دولار من الملك السعودي الراحل ، كما تم فتح تحقيق في سبتمبر 2018 بعد نشر سجلات عشيقة خوان كارلوس السابقة، كورينا ساين فيتجنشتاين، التي زعمت فيها أن الملك تلقى عمولة لإبرام عقد قيمته 6.7 مليار يورو لتشييد قطار فائق السرعة يربط بين مدينتي مكة المكرمة والمدينة المنورة مع تحالف إسباني.
هذا وكشف موقع “أوكي دياريو” الإسباني أن الملك خوان كارلوس قد حصل على قطع أرضية بمحاذاة مراكش السياحية كهدية من ملك المغرب محمد السادس، وورد ذلك في تسجيلات سرية نشرها الموقع، تعود لمفتش الشرطة المعتقل حاليا، خوسي فياريخو، وصديقة الملك الألمانية كورينا التي صرخت قائلة: “إنهم يفعلون أشياء خطيرة للغاية، لقد تم منح الملك أراض تعود أصلا لملك المغرب، هو يريد مني أن اشتريها لإعادتها إليه لاحقا .
وهكذا ظلت الفضائح وملفات الفساد تتكشف شيئا فشيئا ، وتلاحق الملك خوان كارلوس ، خاصة بعد أن أصبح مجردا من الحصانة منذ 2014 ، تاريخ تنازله لهذه الأسباب عن العرش لابنه الأمير فيلبي ، الذي أصبح الملك الحالي لإسبانيا .
وإنطلاقا من هذه الوقائع تناسلت أسئلة كثيرة مضمونها :
- هل سينجو خوان كارلوس من أحكام القضاء إذا ما ثبتت عليه قضايا الفساد السياسية ، المالية والأخلاقية التي إقترفها قبل وبعد تربعه على عرش المملكة الإسبانية ؟ هذا إذا علمنا أن سانتشيث رئيس الحكومة الإسبانية الحالية كان قد صرح في وقت سابق على حد قوله :
"هناك إعلام لن يغض الطرف، وقضاء يتحرك حيال الأمر، والقصر ينأى بنفسه".
والمعنى هنا واضح وضوح الشمس ، ولكن هل هو مجرد تصريح فقط ، أم أن العدالة ستأخذ مجراها بالفعل ؟ وإلى أي مدى ستصل هذه العدالة في ما يخص ما جناه الملك خوان كارلوس في حق الشعب الصحراوي وأرضه ، التي تربع على الملكية في إسبانيا ، بفضل إدراجها في صفقة مشؤومة مع واشنطن ؟
وهل ستعمد جبهة البوليساريو إلى مقاضاة خوان كارلوس على عبثه بأرض الساقية الحمراء ووادي الذهب ، وبأحلام شعبها في تقرير المصير والإستقلال؟
كل ما نتمناه ألا تكون العدالة مجزأة وألا تخضع لمعيار الكيل بمكيالين .
بقلم : محمد حسنة الطالب