-->

تقرير الأمين العام للأمم المتحدة: أحشفا وسوء كيلة؟!


يُتداول المثل العربي القائل «أحشفاً وسوء كيلة» بلغة الوجع والخيبة، وقصة هذا المثل: أن رجلاً ابتاع من رجل تمرا، فأعطاه حشفاً وهو «التمر الرديء» الذي ليس له نوى لشدة رداءته، ثم أساء له في الكيل والوزن، فقال له: أحشفاً وسوء كيلة؟!
وهذا هو حال الأمم المتحدة مع قضية الصحراء الغربية، بل مع معظم القضايا التي تحاول حلها إن لم يكن وراء تلك القضية عضو دائم في مجلس الأمن، فمنذ تسلمها لملف الصحراء الغربية من منظمة الوحدة الأفريقية (الإتحاد الأفريقي حاليا) وهي تبيعنا كلمات رنانة لا تسمن ولاتغني من جوع، بل إن كلماتها وتقاريرها الحشفاء لم تحقق سوى منع الشعب الصحراوي من العودة إلى إستخدام الحقوق المشروعة بما فيها الكفاح المسلح لإفتكاك حقه في تقرير المصير. بل الأدهى أنها ومن خلال مفرداتها حاولت ولا تزال تمييع النصوص الأصلية التي تسلمتها من المنظمة الأفريقية، ونجحت بفضل الضغوط الإستعمارية الفرنسية في الإنحراف بمخطط التسوية الأصلي وتوجيهه لأن يكون دوامة مائعة من المصطلحات التي يكررها على مسامعنا الأمين العام كل سنة بمنتهى الركاكة والسخافة وإنعدام الضمير.
ولم يخرج التقرير الحالي للأمين العام الذي صدر في أواخر سبتمبر 2020 عن النغمة والمعزوفة الرعناء التي دأبت عليها المنظمة من خلال أمينها العام الحالي ومن سبقوه والتي ترمي إلى العبث بحقنا في تقرير المصير وتعويمه في عبارات طارئة صعبة الهضم من مثل ( حل سياسي توافقي/ الواقعية السياسية/ حل متفق عليه....) ففي حالة الصحراء الغربية ماكان يجب على المنظمة أن تحيد أبدا عن الإستفتاء كحل لتطبيق الحق في تقرير المصير التي بني عليها مشروع التسوية الأفريقي الأممي والذي دعمته وتبنته كل القرارات الصادرة عن مختلف الجهات القضائية والسياسية المعنية.
من المثير للغبن والغضب أن تقرأ الكثير من الظلم والتجني في هذا التقرير التافه، وكلما تعمقت في كلماته يتبين لك أن السيد الأمين العام الذي يوصف بالأسوأ بين أقرانه بخصوص إنحيازه الفاضح للإستعمار المغربي في قضية الصحراء الغربية يتعمد الميل إلى محاباة المملكة المغربية ووصف كل ماله علاقة بتصرفاتها بأنه إما مبرر وإما لا يعتبر مؤثرا على عمل البعثة الأممية الفاشلة في مأموريتها - ولن تنجح بمثل هكذا تعاطي من طرف الشعب الصحراوي-، وعندما يتناول تقريره ما سماه هو (الممارسات شرق الجدار) يتفنن في النعوت الشيطانية والتوصيفات المخيفة لكي يُظهر الشعب الصحراوي وممثله جبهة البوليساريو كأنهما غول ظالم هو المتسبب في كل الصداع الذي تعانيه المنظمة وبعثتها. ولعله يكفي من الإهانة والمذلة أن يصبح الشعب الصحراوي يُعنف ويُهان لأنه تصرف أو قام بأي أنشطة في ترابه المحرر.
وكمثال ساطع على ماسبق يكفي أن تتصفح التقرير المسخرة وطريقة معالجته لقضايا حقوق الإنسان في الجزء المحتل من الصحراء الغربية أين يحول المحتل المغربي إلى ملاك ويقر بإستمرار تحسن أداء المملكة في المجال وكأن سحل النساء وتعنيف المسنين والأطفال والتضييق الصارخ وغيرها من الخروقات التي ترتكب جهارا نهارا أمام أعين بعثته لا تكفي للإدانة أو لنكن صريحين لأنها مرتكبة من طرف المملكة المغربية، وطبعا عندما يتناول الموضوع ذاته في ما سماه هو (شرق الجدار) ينعتنا ويصورنا وكأننا النازية في زمانها رغم تواجد منظمات دولية وازنة تقيم الوضع وتقرر عنه بلغة متزنة ومنصفة.
لا أرغب في إيراد أمثلة من التقرير لأنه كما قال المثل العربي عبارة عن صفحات عديدة من الكلمات الحشفاء الخاوية وكثرتها أثقلت الميزان من الرتابة والركاكة، وأُفضل القول أن - العتب علينا- كما يقول اهل المشرق لأننا سمحنا بتراكم الزمن دون تنفيذ المنظمة لتعدها بتنظيم الإسستفتاء الموعود، ثم أكثر من ذلك تراخينا مع اللغة التي تستخدمها في تقاريرها على مدار 30 سنة الماضية.
إن التقرير بذاته ليس مهما بل المهم هو التوصية التي ستصدر عن مجلس الأمن بالأمم المتحدة حيث تتربع فرنسا وتستحوذ على كل ماله علاقة بقضيتنا، وكما هو معروف ومؤكد فإذا كان الأساس ركيكا فالبناء ركيك، ولن تخرج هذه التوصية عن سابقتها بترديد نفس العبارات الفارغة المتجنية على حقنا (حل سياسي، توافقي/واقعية سياسية ....) وتتجاهل أن الحل الأصلي واضح وجلي وهو ما أُسست عليه أصلا البعثة الأممية في الصحراء الغربية وهو تنظيم إستفتاء يمكن الشعب الصحراوي من تقرير مستقبله، لأنها (التوصية) مؤسسة على هذا التقرير مع تصرف من أصابع فرنسا النتنة الظالمة المنحازة للمحتل المغربي.
أخيرا لا زلت أستغرب إستمرار الشعب الصحراوي في المطالبة بالتعجيل بتعيين مبعوث شخصي للقضية، لأنه في نظري لن يكون هو الآخر لا أفضل تأثيرا ولا أوفر حظا من سابقيه، وفي أحسن الحالات سيتعب لسنوات في البحث عن ذلك الحل التوافقي الذي لا يمكن أبدا أن يوجد بين شعب خاضع للإحتلال والقوة الإستعمارية التي تحتله فمتى كان التوافق ممكنا بين الماء والنار؟؟؟ ولماذا نلوك كلمة المفاوضات وكأننا لا نعرف العدو الذي فاوضناه وتنكر لتعهداته؟؟ أليست 30 سنة من الخواء كافية لنفهم أن الحل ليس بين أديدي منظمة أممية فاشلة ليس فقط في قضية الصحراء الغربية بل في جميع القضايا التي كُلفت بمعالجتها.
حمادي البشير

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *