أنقرة تسحب قواتها من أكبر نقاطها العسكرية شمال غربي سوريا على وقع الغارات الروسية – السورية
انسحبت القوات التركية من أكبر محطة للمراقبة العسكرية لها شمال غربي سوريا، بعد انتفاء جدوى بقائها في منطقة النفوذ الروسي ومحاصرتها من قبل قوات النظام السوري حسب محللين عسكريين وسياسيين، وسط معلومات تفيد بأن انحساب الجيش التركي من نقطة المراقبة في «مورك» هو مقدمة لاستكمال الانسحاب من بقية النقاط التركية المحاصرة في منطقة خفض التصعيد والتي يبلغ عددها 14 نقطة، مقابل أن ينشئ الجيش التركي نقاطاً عسكرية جديدة له، ضمن مناطق نفوذه في ريف إدلب، بما يخدم تعزيز استراتيجية الردع في المواقع الحيوية.
مقايضة
وتزامن انسحاب القوات التركية مع موجة من الغارات الجوية، التي شنتها المقاتلات الحربية الروسية على جبل الزاوية في ريف إدلب الجنوبي. وقالت مصادر محلية إن طائرتين حربيتين نفذتا غارات عدة على أطراف بلدتي المغارة وفركيا في جبل الزاوية جنوباً، بالتزامن مع تحليق مكثف لطائرات الاستطلاع في أجواء المنطقة.
محللون اعتبروا الخطوة نتيجة مقايضة تركية – روسية غير معلنة
المرصد السوري لحقوق الانسان ذكر أن الطائرات الحربية الروسية نفذت غارتين في محيط قرية المغارة في جبل الزاوية، وسط استمرار تحليق الطيران في الأجواء، فيما قصفت قوات النظام السوري تل واسط والزيارة في سهل الغاب في ريف حماة الشمالي الغربي.
ويعتقد مراقبون أن ثمة مقايضة تركية – روسية غير معلنة، أنجزت بين الطرفين، بما يخص الملف السوري، وقضت في أحد بنودها بانسحاب القوات التركية من بعض محطات المراقبة العسكرية، بدون أن يعني ذلك بالضرورة توصل الطرفين إلى اتفاق نهائي حول مستقبل المنطقة، إذ تبقى هذه التحركات تكتيكية ولا ترقى إلى مستوى التفاهمات الاستراتيجية المرتبطة بمكاسب أو تنازلات أخرى خارج البلاد.
الباحث السياسي عبد الوهاب عاصي اعتبر أن التفاهمات المشتركة بين تركيا وروسيا، تحتوي بالأصل على عدد من نقاط الخلاف وهي (حدود الانتشار العسكري التركي – مصير حركة التجارة والنقل – عودة النازحين – مكافحة الإرهاب – العملية السياسية).
أما انسحاب النقاط العسكرية من حماة فيعني وفق رؤيته، توصل روسيا وتركيا لأرضية جديدة من التفاهمات الثنائية، لكن ليس بالضرورة أن تقود لاتفاق نهائي حول مستقبل المنطقة.
وبرأي عاصي أن المقدمات توحي بجملة من التنازلات تقدمت بها أنقرة، مقابل مكاسب لها في شرق الفرات أو غربه أي ملف المنطقة الآمنة ومنبج وتل رفعت، حيث قال المتحدث لـ»القدس العربي» «إن الانسحاب يعني البدء بحل ملف حدود الانتشار العسكري في إدلب، بدون أن يعني ذلك بلورة رؤية كاملة حوله، فتركيا تريد ضمان حدود عملية درع الربيع كمنطقة آمنة، في حين تدفع روسيا لمنطقة أمنية شمال M4».
كما أن الانسحاب يعني «تنازل تركيا عن عودة النازحين إلى مناطق مذكّرة سوتشي أو على أقل تقدير إلى الجزء الواقع في حماة، وتنازلها أيضاً عن دورها في مراقبة حركة التجارة والنقل على طريق M5 أو على القسم الأكبر منه، وتمديد وقف إطلاق النار في إدلب لـ 6 أشهر أخرى، واستمرار التنسيق في ملف مكافحة الإرهاب، بدون أن يعني ذلك الانخراط في جهود عمل مشتركة كبديل عن الجهود المستقلة التي تقوم بها تركيا».
وبطبيعة الحال، يُفترض أن تكون هناك مكاسب قد حققتها تركيا، من العملية «لكن لا يُعرف على وجه اليقين ما هي سواء شرق الفرات أو غربه أي ملف المنطقة الآمنة ومنبج وتل رفعت، هذا باستثناء ضمان استمرار وقف إطلاق النار لفترة أخرى والحفاظ على وتيرة التعاون الثنائي الوثيق على أساس البناء الاستراتيجي».
ويتداول مراقبون ونشطاء، معلومات تفيد باستعداد القوات التركية لإخلاء ثلاث نقاط مراقبة أخرى، تنتشر ضمن مناطق النفوذ الروسي في ريف حماه الشمالي وريف إدلب الشمالي، حيث تتواجد هذه النقاط في الصرمان وشير مغار ومعر حطاط بريف حماة.
نقاط تركية محاصرة
بينما تملك أنقرة نقاطاً عسكرية أخرى محاصرة وهي «الطوقان» في ريف إدلب، والعيس والراشدين وعندان وقبتان الجبل في ريف حلب، إذ انها كانت قد شيدت تنفيذاً لاتفاق سوتشي، وطوقت جميعها من قبل نظام الأسد في أعقاب العمليات العسكرية العام الماضي، بالإضافة إلى محاصرة عدد من النقاط التي وضعها الجيش التركي خارج الاتفاقية في كل من «معرحطاط ومحيط مدينة سراقب» والتي يُقدرها ناشطون بـ 5 نقاط.
ووفقاً للخبير السياسي محمد سرميني فإنه في حال اتّخذت تركيا فعلاً قراراً بإعادة انتشار نقاطها العسكرية، فإنّ ذلك قد يشمل لاحقاً بقيّة النقاط الواقعة في مناطق سيطرة النظام السوري، إذ أن عددها الكلي يبلغ 14 نقطة محاصرة.
في المقابل، يقول سرميني لـ»القدس العربي» إن تركيا قد تلجأ إلى إنشاء نقاط عسكرية جديدة في مناطق سيطرة المعارضة السورية، لا سيما ريف إدلب الجنوبي، في إطار تعزيز استراتيجية الردع القائمة على تأسيس خطوط صدّ أو دفاع والتمركّز في المواقع الحيوية.