-->

التصنت على القمة العربية عام 1965 مقابل رأس المعارض المغربي المهدي بن بركة


يعتبر حكم الملك المغربي الحسن الثاني الحقبة الذهبية للعلاقات السرية بين المغرب والكيان الصهيوني والعمالة للموساد الذي وظف الملك في الكثير من القضايا المناقضة لتوجهات الدول العربية والاسلامية في موجهة عدوان الصهيونية، وهي العلاقات التي يشرف عليها كل من الموساد ونظيره المغربي بقيادة اثنين من المسؤولين الاستخباراتيين والعسكريين: الجنرال محمد أوفقير والعقيد أحمد الدليمي. وسيُقتل الضابطان في وقت لاحق بأمر من الملك، الذي اتهمهما بالتآمر ضده.

لقد سمح ثنائي الاستخبارات المغربي لـ “الموساد” بفتح محطة في البلاد يوجد في فيلا في العاصمة الرباط، ويديرها عملاء من ذوي الخبرة، من بينهم يوسف بورات ودوف أشدوت.

عندما استضاف المغرب القمة الثانية للجامعة العربية في عام 1965، قررت أجهزة الأمن المحلية أن ترتب التصنت السري على غرف الفنادق وقاعات المؤتمر لجميع القادة العرب، من الملوك ورؤساء ورؤساء الحكومة و رؤساء الأركان العسكرية.

وعلى الرغم من أن هذه الممارسة قد تكون معتادة نسبياً لأي أجهزة أمنية في جميع أنحاء العالم، فإن تصرفات المغرب كانت تبرهن عن عدم ثقة المغرب في بعض أشقائه في جامعة الدول العربية، وحصلت المخابرات المغربية على التشجيع من طرف وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية التي كانت على علاقة جيدة مع الملك الحسن. ولكن ما كان غير عادي حقاً هو مشاركة دولة معادية رسمياً في عملية التنصت: إنها إسرائيل. ووفقا لتقارير أجنبية، كان عملاء “الموساد” حاضرين أيضا ويساعدون نظرائهم المحليين في عملية التنصت وتبادل المعلومات.

وفقاً لهذه التقارير، ساعد المغرب عملاء “الموساد” في بلدان عربية معادية مثل مصر، التي كانت آنذاك العدو اللدود لإسرائيل. لكن الموساد سرعان ما أدرك أنه في عالم التجسس، لا توجد خدمات مجانية. وتوقع المغاربة المقابل الذي اتخذ شكلا كاد أن يهدر عقوداً من العمل لبناء التحالف السري بين إسرائيل والمغرب. كان أوفقير والدليمي قد طلبا من رئيس الموساد مئير أميت في عام 1965 اغتيال المهدي بن بركة، زعيم المعارضة المغربية الكاريزمي وكبير معارضي الملك الحسن الثاني. وتشاور أميت مع رئيس الوزراء ليفي إشكولحول هذا الطلب الفريد من نوعه: أن تصبح “الموساد” مرتزقة المغرب في عملية قتل سياسية داخلية.

رفض إشكول الطلب، لكنه سمح لـ “الموساد” بمساعدة المغاربة في تحديد مكان وجود بن بركة، وقد أخبرني رافي إيتان ، رئيس عمليات الموساد في أوروبا ، منذ عدة سنوات (توفي إيتان في عام 2019): “لقد فوجئت بمدى سهولة ذلك”.

“أخبرنا المغاربة أن بن بركة في جنيف. سألت أحد مساعدينا ووجد العنوان في دفتر هاتف محلي”. استدرج عملاء مغاربة ، بمساعدة من رجال الشرطة والأمن الفرنسيين السابقين الذين انتحلوا صفة طاقم إنتاج فيلم، بن بركة إلى مقهى “ليب” في باريس واختطفوه في وضح النهار.

وكان أقرب شركاء “الموساد” في المغرب، أوفقير والدليمي، قد استجوباه شخصياً وعذباه حتى الموت. ولم يتضح ما إذا كانوا يعتزمون قتله. أصيب الدليمي بالذعر، وهرع ليطلب من إيتان خدمة أخرى: المساعدة في التخلص من الجثة. وذكرت تقارير أجنبية أن إيتان فتح خريطة أشارت إلى المنطقة المشجرة الخضراء فى “بوا دبولون” قرب باريس وطلب منهم شراء كيس من الاسيد ولف الجثة فيها ودفنه هناك . ولم يتم انتشال جثة بن بركة أبدا لكن عملية الاغتيال تسببت في عاصفة دبلوماسية وسياسية في فرنسا والمغرب وإسرائيل. وطلب الرئيس الفرنسي شارل ديغول تفسيرات من إسرائيل وهدد بإغلاق مكتب الموساد في باريس التي كانت آنذاك مركزها الرئيسي للعمليات الأوروبية. وفي إسرائيل، أُنشئت لجنة تحقيق للإجابة على السؤال الرئيسي: من الذي أعطى الأمر بالمشاركة في المؤامرة. وأوضح رئيس الموساد أميت ورئيس الوزراء إشكول أن إسرائيل متورطة بشكل غير مباشر فقط في عملية القتل، لكن روايتهما لم يثق بها أحد …

هذا الطلب المغربي المشؤوم سوف يستمر كسابقة لكيفية رد “الموساد” عندما تطلب العديد من الأجهزة الأمنية الأخرى المساعدة للتخلص من خصومها السياسيين. منذ كارثة بن بركة بدأ الموساد يرفض دائما تلك الطلبات. وبعد عامين، حققت إسرائيل نصراً سريعاً في حرب الأيام الستة عام 1967، وكانت الهيبة الإسرائيلية في ازدياد، مما ساعد على رفع مستوى العلاقات مع المغرب. تم بيع فائض السلاح الإسرائيلي – الدبابات والمدفعية الفرنسية الصنع – للجيش المغربي. ومع ذلك، لم تمنع هذه العلاقات المتينة الملك الحسن الثاني من إرسال قواته للمساعدة في المجهود الحربي المصري السوري ضد إسرائيل في عام 1973. وردا على ذلك، أمر رئيس الموساد اسحق هوفي بوقف التعاون مع المغرب.

Contact Form

Name

Email *

Message *