-->

هل يمكن لهيبة بايدن تصحيح خطأ ترامب؟


 هل يمكن لهيبة بايدن تصحيح خطأ ترامب؟

المقال الأصل:انجليزي

 بقلم: الديش محمد صالح *

 بمجرد أن غرد الرئيس دونالد ترامب، في 10 ديسمبر الجاري، بانه وقع على "إعلان" يعترف بالاحتلال المغربي غير الشرعي للصحراء الغربية، حتى تصاعدت الإدانات داخل الولايات المتحدة وخارجها، معتبرة قرار الرئيس المنتهية ولايته مخالفًا للقانون الدولي. وحذرت كل هذه الأصوات من أن مثل هذا الموقف من شأنه أن يقوض إمكانية عودة الهدوء إلى شمال غرب إفريقيا، كما دعت الولايات المتحدة الى الوفاء بالتزاماتها تجاه تنفيذ ميثاق الأمم المتحدة والقرارات المتعلقة بحق الشعوب في تقرير المصير والاستقلال.  لقد تحدى ترامب العالم بأسره بالدوس على قيم ومبادئ الأمم المتحدة، متجاهلا التضحيات العظيمة التي تعيش في ظلها الإنسانية اليوم على هذا المستوى من التقدم وهذه الحضارة.

حماقة وسخرية

انتقدت شخصيات أمريكية بارزة من كل من الجمهوريين والديمقراطيين ، مثل إليوت إنجل، وجيمس إنهوف، وجيمس بيكر الثالث، وجون بولتون، وباتريك ليهي، وبيتي ماكولوم، وكريستوفر روس وآخرين، إعلان ترامب، داعية إلى احترام الحق المشروع لشعب الصحراء الغربية في تقرير المصير والاستقلال.

 وبينما أعربوا عن أسفهم لإعلان ترامب مقايضة حق شعب الصحراء الغربية بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، فقد حثوا على احترام عقود من الوساطة المتعددة الأطراف لفرض الشرعية الدولية.

 فقال رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب إليوت إنجل (ديمقراطي من نيويورك) "أشعر بالقلق من كون هذا الإعلان قد يقلب عملية الأمم المتحدة الموثوق بها والمدعومة دوليًا لمعالجة النزاع الإقليمي حول الصحراء الغربية".

 من جانبه، انتقد السناتور جيمس إينهوف (جمهوري عن ولاية أوكلاهوما)، رئيس لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ، بشدة صفقة ترامب من خلال اعتبار الاعتراف بادعاءات الرباط بشأن الصحراء الغربية "صادمًا ومخيبًا للآمال للغاية" مضيفا "أشعر بالحزن لأن حقوق شعب الصحراء الغربية قد تم التنازل عنها".

وشدد السناتور الأمريكي الكبير من ولاية فيرمونت، الديمقراطي باتريك ليهي، عبر توتير، على أنه "بعد خسارته في محاولة إعادة انتخابه، لا يمكن للرئيس ترامب ب" إعلانه هذا" أن ينكر القانون الدولي أو حقوق شعب الصحراء الغربية."

 كما نددت عضوة الكونجرس بيتي ماكولوم بقرار ترامب الاحادي الجانب، مؤكدة على أن "الشعب الصحراوي له حق معترف به دوليًا في تقرير المصير ويجب احترامه".

الانتقادات أيضًا جاءت من مستشار الأمن القومي السابق لترامب، جون بولتون، الذي ساهم بفعالية في الزخم الذي حققه المبعوث الشخصي للأمم المتحدة المستقيل، الرئيس هورست كوهلر، من أجل استئناف المفاوضات بين المغرب وجبهة البوليساريو، كما سبق وان شارك في جهود الأمم المتحدة حول القضية خلال التسعينيات.  وكتب بولتون على تويتر: "كان ترامب مخطئًا في التخلي عن ثلاثين عامًا من السياسة الأمريكية بشأن الصحراء الغربية، فقط من اجل تحقيق نصر سريع في السياسة الخارجية".

المبعوثان الشخصيان السابقان للأمين العام للأمم المتحدة، جيمس بيكر الثالث، وزير الخارجية الامريكي الاسبق، وكريستوفر روس، سفير الولايات المتحدة السابق في الجزائر، هما الآخران استنكرا أيضًا غباوة نكران ترامب لمبدأ تقرير المصير لشعب الصحراء الغربية.  "يجب ألا تتم الاتفاقات عن طريق مقايضة حقوق تقرير المصير لشعب الصحراء الغربية بسخرية، فالولايات المتحدة تأسست على مبدأ تقرير المصير، لكنها تراجعت عن هذا المبدأ فيما يتعلق بشعب الصحراء الغربية" يقول جيمس بيكر الثالث. وفي نفس الإطار، أكد السفير كريستوفر روس في بيان له على موقعه في الفيسبوك أن "هذا القرار أحمق وغير المدروس ويتناقض مع التزام الولايات المتحدة بمبادئ عدم الاستيلاء على الأراضي بالقوة وحق الشعوب في تقرير المصير، المنصوص عليهما في ميثاق الأمم المتحدة ".

وأكد المبعوث الشخصي، ما قبل الأخير، للأمين العام للأمم المتحدة (2009-2017)، السفير كريستوفر روس، أن "الحجة التي دأب البعض في واشنطن طرحها لعقود من الزمان بأن دولة مستقلة في الصحراء الغربية ستكون دولة صغيرة أخرى فاشلة هي حجة خاطئة". ويضيف ان "الصحراء الغربية هي بحجم بريطانيا العظمى ولديها موارد وفيرة من الفوسفات، مصايد الأسماك، المعادن النفيسة، والسياحة القائمة على ركوب الأمواج والرحلات الصحراوية.  إنها أفضل بكثير من العديد من الدول الصغيرة التي ساندت الولايات المتحدة تأسيسها ". ويؤكد على قدرة الجمهورية الصحراوية قائلاً "لقد اظهرت جبهة تحرير البوليساريو للصحراء الغربية بتشكيلها لحكومة في المنفى في مخيمات اللاجئين بالصحراء الغربية في جنوب غرب الجزائر أنها قادرة على إدارة حكومة بشكل منظم وشبه ديمقراطي".


التهور والتعدي


 أدانت حكومة الجمهورية الصحراوية وجبهة البوليساريو، بأشد العبارات، الإعلان الأحادي الجانب للرئيس الأمريكي المنتهية ولايته، دونالد ترامب، المنحاز إلى جانب الاحتلال المغربي غير الشرعي للصحراء الغربية، واصفة إياه بـ "المتهور".  وأكدا أنه "يشكل انتهاكًا صارخًا لميثاق الأمم المتحدة وقراراتها ومبادئ الشرعية الدولية".  وأضاف البيان "إن هذا يعيق جهود المجتمع الدولي لإيجاد حل سلمي للصراع بين الجمهورية الصحراوية والمملكة المغربية"، كما أنه "مساس بالاتحاد الأفريقي وانتهاك لقانونه التأسيسي وقراراته". 


 مجرد من الأثر القانوني


وقالت المتحدثة باسم رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، إيبا كالوندو، على تويتر، إن "موقف الاتحاد الأفريقي بشأن الصحراء الغربية لم يتغير، ويتماشى مع قرارات الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة ذات الصلة".

اما الجزائر، عملاق المنطقة، كان ردها واضحا في بيان صادر عن وزارة خارجيتها، حيث وصفت إعلان ترامب بانه "مجرّد من اي أثر قانوني، لأنه ينقلب على  قرارات الأمم المتحدة" .. و يضيف البيان أنه "يمكن أن يقوّض الجهود الرامية الى التهدئة من أجل تمهيد الطريق لانطلاق عملية سياسية حقيقية ". ومن جهتها اوضحت وزيرة العلاقات الدولية والتعاون في جنوب إفريقيا ، الدكتورة ناليدي باندور، بأن قرار ترامب "ليس له قوة ولا تأثير لأنه في الأساس اعتراف بعدم الشرعية".


احادي الجانب ويكسر التوافق


 ردود الفعل الدولية على اساءة ترامب لحق شعب الصحراء الغربية في تقرير المصير والاستقلال المنصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة وقراراتها، وصفته بأنه احادي الجانب وليس له تأثير على وضع الصحراء الغربية كونها اراضي لا تتمتع  بالحكم الذاتي،  ولا على عملية تصفية الاستعمار بها.  وهكذا أكد الأمين العام للأمم المتحدة السيد أنطونيو غوتيريش أن "حل قضية الصحراء الغربية لا يعتمد على اعتراف الدول فرادى ، بل يعتمد على تنفيذ قرارات مجلس الأمن، التي نحن الأوصياء عليها". كما أعرب أعضاء دائمون في مجلس الأمن مثل روسيا، المملكة المتحدة وفرنسا، إلى جانب الاتحاد الأوروبي ودول أخرى مثل ألمانيا والسويد والنرويج وكندا، عن التزامهم بميثاق الأمم المتحدة والقرارات المتعلقة بالصحراء الغربية. وفي هذا الإطار أكدت وزارة الخارجية الروسية في بيان لها انه "بموجب هذا القرار، تهدف إدارة دونالد ترامب إلى تقويض الأساس القانوني الدولي المعترف به عالميًا لتسوية مسالة الصحراء الغربية، والذي ينص على تحديد الوضع النهائي لتلك المنطقة من خلال استفتاء، هذا الموقف الجديد للولايات المتحدة يمكن أن يعرقل بشكل كبير جهود الأمم المتحدة لتعزيز خطة التسوية للصحراء الغربية وتازم العلاقات بين الأطراف المعنية مباشرة وإثارة دوامة جديدة من المواجهة المسلحة في منطقة الصحراء والساحل ".


وأكدت إسبانيا، القوة الاستعمارية السابقة للصحراء الغربية ، على لسان وزيرة خارجيتها ، أرانشا غونزاليس لايا ، أن حل مشكلة الصحراء الغربية "لا يعتمد على إرادة أي بلد أو عمل أحادي الجانب، بغض النظر عن حجمه"  وبدلا من ذلك  "فمركز الثقل هو في الأمم المتحدة".


تعزيز الشرعية الدولية


 لقد علق شعب الصحراء الغربية آماله على الولايات المتحدة الامريكية لوضع حد أكثر من خمسة وأربعين عامًا من الاحتلال غير الشرعي لوطنهم من قبل المملكة المغربية.  لقد حرم الشعب الصحراوي من التمتع باستقلاله عشية رحيل الاستعمار الاسباني، بعدما تعرض وطنه سنة 1975 لاحتلال عسكري. وعلى الرغم من ما عاناه ولازال يعانيه من جراء العواقب الوخيمة والمصاعب المترتبة عن هذا الاحتلال من نزوح، قصف، مجازر، تعذيب وسجن، لم يفقد الأمل أبدًا في استعاده حقه المشروع.  لقد تعاون بشكل كامل مع الأمم المتحدة وجميع أصحاب المصلحة الدوليين واحترم بنود وقف إطلاق النار،  كما تحمل أيضًا معاناة الانتظار لأكثر من ثلاثين عامًا على الأقل، كل هذا من اجل إتاحة له الفرصة لممارسة حقه بكل حرية في تقرير المصير.

 وعلى الرغم من مساهمة الولايات المتحدة المباشرة في الجهود الحثيثة في السعي للتوصل إلى تسوية مشرفة بين جبهة البوليساريو والمملكة المغربية، فقد اتضح في النهاية أن خطة التسوية لعام 1990 - التي اتفق عليها الطرفان - لا تزال قابلة للتطبيق باعتبارها الحل الأفضل. وقد توصل المبعوثان الشخصيان للأمين العام للأمم المتحدة، جيمس بيكر وكريستوفر روس، إلى نفس النتيجة؛  بأن استفتاء تقرير المصير وحده الذي يتوافق مع الشرعية الدولية. الحقيقة المرة هي أن المغرب عرقل الاستفتاء خوفا من خسارة نتيجته.

لفترة طويلة اخذت الولايات المتحدة نفس المسافة من طرفي النزاع ، جبهة البوليساريو والمملكة المغربية ، والتزمت بقرارات مجلس الأمن ، التي كانت تعدها باستمرار.  وكانت شبه مقتنعة بمراقبة حقوق الإنسان في الإقليم للضغط على المغرب لرفع الممارسات القمعية ضد المواطنين الصحراويين،  كما حافظت الولايات المتحدة على اتصالات منتظمة مع جبهة البوليساريو على مستويات مختلفة وكان هناك تفاهم متبادل.

 وللأسف الشديد، وبينما كان يتطلع الشعب الصحراوي لان تضغط الولايات المتحدة الأمريكية على مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لاتخاذ إجراء فوري ضد المغرب بعد انتهاكه لوقف إطلاق النار في 13 نوفمبر الماضي في الكركرات ، يتفاجأ بالرئيس دونالد ترامب يطعني مجددا في ظهره من خلال الاعتراف بضم المغرب غير الشرعي لأراضه، لقد شكل ذلك خيبة أمل كبيرة. ان متاجرة ترامب بتحقيق العدالة في الصحراء الغربية تفوت على الولايات المتحدة فرصة عظيمة لتعزيز موقفها، ليس فقط من خلال الحفاظ على الأمن والاستقرار في إفريقيا ككل، ولكن أيضًا من خلال تسهيل اندماج المنطقة.  بدلاً من ذلك ، فضل ترامب صب الزيت على النار بالوقوف إلى جانب أولئك الذين لا يترددون في حرمان الشعوب من حقهم ونهب مواردهم الطبيعية وزعزعة استقرار المنطقة بأسرها.

 يتعين على إدارة جو بايدن أن تصحح على الفور خطأ ترامب من أجل تجنب أي اختلال محتمل في النظام العالمي.  إن تطبيق الشرعية الدولية هو خارطة الطريق الصحيحة لمعالجة النزاعات، ولا سيما احترام حق الشعوب في تقرير المصير والاستقلال، كما في حالة الصحراء الغربية.  وهذا يعني أن إدارة بايدن مدعوة لوضع كل ثقلها في إزالة أي عقبات قد تعيق ممارسة حق تقرير المصير لشعب الصحراء الغربية.

 لا احد يمكنه اليوم نكران شرعية كفاح شعب الصحراء الغربية ولا الحقيقة التي لا رجعة فيها التي تم تحقيقها بفضل التضحيات الجسام التي قدمها هذا الشعب. فالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، التي أعلنتها جبهة البوليساريو تحت نيران مدفعية الجيش المغربي في عام 1976، تمتلك الان جميع مقومات الدولة الضرورية، ونجحت في تحدي جميع الصعوبات لتقديم حياة كريمة لمواطنيها. هي كذلك دولة كاملة العضوية في الاتحاد الأفريقي وإحدى المؤسسين لهذا التكتل،  وتحظى باحترام كبير بين شقيقاتها الأفريقيات.

 لقد رسمت القمة الاستثنائية الرابعة عشرة للاتحاد الأفريقي حول "إسكات البنادق في إفريقيا"، يومي 5 و 6 ديسمبر، خارطة طريق جديدة عقب اندلاع المواجهات المسلحة مرة أخرى بين الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية والمملكة المغربية مرة، بعد خرق هذه الأخيرة لاتفاق وقف إطلاق النار في الكركرات.  ودعت هذه القمة الدولتين العضوين إلى الاجتماع تحت رعاية الاتحاد الأفريقي والتوصل إلى اتفاق جديد لوقف إطلاق النار بينهما، والذي سيناقشه تفاصيله رؤساء الدول والحكومات في القمة العادية المقبلة.

 إن تطبيق الشرعية الدولية هو أفضل خارطة طريق يمكن الالتزام بها. ألم يكن من الأفضل للرئيس ترامب أن يعترف بالجمهورية الصحراوية بدلاً من التجارة بها؟  آمل أن يفعلها بايدن. 


*الديش محمد الصالح، مدير ديوان سابق للرئيس الراحل محمد عبد العزيز وسفير سابق للجمهورية الصحراوية الى جمهورية زيمبابوي.

Contact Form

Name

Email *

Message *