-->

الصراع العربي الفارسي في منطقة الخليج في وثائق بريطانية تخرج للعلن


 فضحت وثائق سرية مخططاً بريطانياً لشراء الجزر الإماراتية المحتلة وإهدائها لنظام الشاه الذي أسقط بالثورة الإيرانية عام 1979، حيث تظهر الوثائق إبلاغ حاكمي الشارقة ورأس الخيمة حينها عزم إيران احتلال الجز “طنب الكبرى، وطنب الصغرى، وأبو موسى”، إلا أنهما لم يحركا ساكناً.

وثائق سرية نشرتها بي بي سي

وحسب الوثائق البريطانية، التي تم الحصول عليها من أرشيف المملكة المتحدة، فإن الحكومة البريطانية كانت على دراية كاملة بقرار إيران احتلال الجزر بالقوة العسكرية بمجرد انتهاء الحماية البريطانية، وأنها نبهت حكام الإمارات إلى هذا بوضوح، وفق ما كشفت هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”.

وأوضحت الوثائق، أن بريطانيا درست شراء تلك الجزر الإماراتية من حاكمي الشارقة ورأس الخيمة وتأجيرها أو إهدائها للنظام الإيراني، وذلك بهدف تسوية النزاع وضمان الاستقرار في المنطقة، حيث جاء الاقتراح ضمن ثلاثة سيناريوهات لحل الأزمة بين شاه إيران محمد رضا بهلوي وإمارتي الشارقة ورأس الخيمة.

الجزر الثلاث

وتقع الجزر الثلاث شرقي الخليج، وبينما تقول الإمارات إنها جزء من أراضيها وتطالب إيران -التي تسيطر عليها منذ 1971- بإرجاعها، تؤكد طهران أن ملكيتها للجزر غير قابلة للنقاش، حيث طُرحت السيناريوهات الثلاثة في تقرير كتبه “سير ويليام لوس”، المبعوث البريطاني الخاص إلى المنطقة، بعد جولة مكوكية طويلة انتهت بلقاء شاه إيران، وفق بي بي سي.

وجاءت الجولة ضمن مساع قادها “لوس” بعد إعلان بريطانيا رسميا في شهر يناير/تشرين الثاني عام 1968 عزمها الانسحاب من المنطقة بحلول نهاية عام 1971، الذي أشار في تقريره إلى أنه في ظل المعطيات المتوفرة فإن الحلول المتاحة هي: التوصل لاتفاق أو فرض اتفاق أو خيار عدم التحرك.

وفيما يتعلق بالتوصل إلى اتفاق، فإنه شمل وسائل مختلفة منها شراء بريطانيا للجزر ثم إهدائها للشاه، أو تأجيرها لفترة طويلة لإيران، أو السيادة المشتركة بين العرب والإيرانيين عليها، أو ترتيبات أمنية مشتركة فيها.

وقال التقرير: “يمكننا أن نحاول شراء الجزر من الحاكمين المعنيين ثم نسلمها إلى إيران سواء مقابل تعويض مالي أو مجاناً، وقد يشمل ذلك بدائل منها تأجير بحق الانتفاع لفترة طويلة لمئة سنة للجزر من الحاكمين، ثم نؤجرها نحن من الباطن للشاه”.

ملايين الجنيهات ستدفع لحاكمي الشارقة ورأس الخيمة

وحسب “بي بي سي”، فإن هذا الحل يتطلب ملايين الجنيهات الإسترلينية ستدفع إلى حاكمي الشارقة ورأس الخيمة من الخزانة البريطانية، طُرح تساؤلان: هل يقبل الشاه هذا الحل؟ وكيف سيسدد المبلغ إن قبل مبدأ الشراء أو التأجير من البريطانيين؟.

وتوقع لوس رفض الشاه أن يدفع مقابل ما يعلن لشعبه صراحة أنها حقوق إيران، غير أن المبعوث البريطاني اقترح أن “تُقدّم الصفقة إلى الشاه على أنها إعادة ممتلكات مستحقة لإيران مقابل تعويض خفي تحت غطاء صفقة سلاح حالية أو عبر صفقة تجارية ما.

وتوقع لوس، بعد العرض أن يرفض حاكما إمارة الشارقة التي تتبعها جزيرة أبو موسى وإمارة رأس الخيمة التي تتبعها جزيرتا طنب الكبرى وطنب الصغرى عرض البيع أو حتى التأجير طويل الأمد، محذراً من أن تقديم العرض للحاكمين يحمل مخاطرة هي أنهما ربما يكشفان نهجنا بما ينطوي عليه من ضرر لاحق في علاقاتنا مع العرب الآخرين.

تفاصيل أكثر

ورجح لوس، وفق الوثائق، أن يرفض حاكما الشارقة ورأس الخيمة الفكرة بسبب تركيز الاهتمام في العالم العربي على هذه المسألة، فيما خلص المبعوث البريطاني إلى أن هذا الحل “غير عملي بسبب التطورات الأخيرة في موقفي حاكمي الإمارتين والشاه”.

وحسب الوثائق السرية، فلكي يكون الحل الثاني أي فرض اتفاق، فعالا، فإنه يجب أن يتضمن، وفق تقرير “لوس لجوء بريطانيا إلى نقل السيادة على الجزر إلى إيران بالقوة، وهذا يخالف موقف بريطانيا الراسخ والمستمر طوال الـ80 عاما الماضية بأن الجزر عربية”.

ونبه لوس إلى أن دراسته لهذا الخيار انتهت إلى أنه “لن يكون في مصلحة بريطانيا إهانة الرأي العربي والدولي لهذه الدرجة، فيما عبر عن اعتقاده بأن كل الوزراء البريطانيين المعنيين بهذا الملف يوافقونه الرأي.

الخيار الثالث

وحسب الوثائق، فقد بقي الخيار الثالث هو السعي إلى تسوية عبر التفاوض بين الحاكمين والشاه، وفي حالة فشل المساعي لا تتخذ بريطانيا أي خطوات استباقية لمنع إيران من الاستيلاء على الجزر بعد انتهاء الحماية البريطانية.

ووفق الوثائق، فإنه بعد دراسة هذه السيناريوهات، خلصت تلك المساعي، إلى أن بريطانيا تقر منذ عشرات السنين بسيادة الشارقة ورأس الخيمة على الجزر، لكنها وجدت، أنه لا بد من إنهاء هذه القضية التي تشكل مصدر احتكاك، ولذا استخدمت أقصى ما بوسعها بحثا عن حل بالاتفاق بين الإيرانيين والعرب.

الايرانيون اخذوا الجزر بالقوة

وانتهى الأمر، بحسب الوثائق، إلى أن الإيرانيين قرروا أخذ الجزر بالقوة، وفشلت مساعي بريطانيا لإقناع حاكمي رأس الخيمة والشارقة، كما أكد شاه إيران آنذاك أنه لن يقبل أي درجة من درجات الاعتراف بسيادة عربية على الجزر.

وفي شهر فبراير/شباط 1971، التقى الشيخ “خالد بن صقر”، نائب حاكم رأس الخيمة، مع “لوس” لبحث سبل تسوية خلاف الإمارة مع إيران بشأن جزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى.

الشاه عازم على احتلال الجزر

وأكد لوس في تقرير عن اللقاء، أنه أبلغ الشيخ بأن الشاه عازم على أن يحتل الجزر الإماراتية سواء بحل وسط يسوى النزاع أو بالقوة، وكذلك تم إبلاغ حاكم الشارقة خالد بن محمد القاسمي بالأمر.

وحسب الوثائق السرية، فقد سيطر الجيش الإيراني بالقوة على جزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى، التابعتين لإمارة رأس الخيمة، في 30 نوفمبر/تشرين ثاني عام 1971، قبل يوم واحد من إعلان بريطانيا رسميا انتهاء حمايتها للإمارات الخليجية، وبعد خمسة أيام من إعلان قيام اتحاد الإمارات العربية.

أما إمارة الشارقة، فوقعت مع نظام الشاه اتفاقية لتقاسم السيطرة على جزيرة أبو موسى التي عادت إيران، في ظل نظام الثورة الإسلامية التي أطاحت بالشاه عام 1979، وسيطرت عليها بالكامل وأقامت عليها منشآت عسكرية عام 1992، وفق الوثائق البريطانية.

أهمية استراتيجية

ورغم صغر مساحة الجزر الثلاث؛ فإن أهميتها الاستراتيجية والاقتصادية كبيرة جداً وهي سبب النزاع عليها، إذ تقع في منطقة حساسة من الخليج وتوجد بالقرب منها الممرات الآمنة للملاحة البحرية فيه، كما تشرف الجزر الثلاث على مضيق هرمز، الذي يمر عبره يوميا حوالي 40% من الإنتاج العالمي من النفط، ومن يتحكم في هذه الجزر يسيطر على حركة المرور المائي في الخليج.

وبحكم هذا الموقع الجغرافي؛ فإن الجزر الإماراتية الثلاث صالحة للاستخدام العسكري؛ ما يجعلها مركزا ملائما للرقابة العسكرية على السفن التي تعبر الخليج، فيما يمكن استخدام سواحلها كملاجئ غواصات وقواعد إنزال آمنة، لكون مياهها عميقة وتصلح لإقامة منشآت عسكرية.

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *