قول حق في صاحب الحق
بقلم النزيه لحسن أحمدناه
عرفت هذا الرجل منذ أكثر من عشرين سنة ، بدلته العسكرية وابتسامته توأم لا يفارقه ، نسجت علاقتي به نهاية التسعينيات المنصرمة أين كان يتابع تكوينا عاليا على مستوى قيادة الأركان بالدرك الوطني بشرشال ، أحب خلالها الدراسة والبحث العلمي وكأنه خلق لذلك ، لم أنس مذكرته الموسومة بعنوان التهريب في القانون الجزائري و التي اجتهد في تدوينها وطباعاتها وإخراجها و ربما جمعته بأحد الضباط السامين من زملائه ، قلت له ذات مرة : "بعد هذا التكوين المهم ستعود إلى الجيش" ، فرد علي قائلا :" دفء المقاتل لا يعادله سوى دفء الأم والوطن" ، هزتني العبارة وتعلقت بحب هذا الرجل وعلاقته ، فقد أيقنت أنه من الذين يقتدى بهم ، بعد تخرجه غاب عني لمدة ، وعندما التقيت به مرة أخرى سألني عن أحوالي وأهلي بالمناطق المحتلة وبجنوب المغرب ، الرجل كان لديه بعد وطني ياسادة .
عين قائدا للدرك الوطني فجمعتني به أمور من العمل حين كنت ( وكيلا للجمهورية لدى محكمة الإستئناف ) ، حين كنت أرفع الهاتف لإخطاره وفق صلاحياتي عن أمر ما يتعلق ( بقضاء النيابة العامة) يرد علي بسرعة لم أعهدها في الكثير ، وبجدية واهتمام ، كان يسألني كثيرا عن قضايا قانونية تثقيفية – رغم تواضعي في مجالها - ، ويناقشني بما جمع من رصيد وثقافة ، وكما قال عنه البعض : قاهر حزام الذل والعار المغربي ، فإنه كان يتمسك بحب واحترام عمله وكأنه القدر المحتوم الذي كتبه الله له ، ومن خلاله حاز على الإحترام والتقدير.
وجدته مرة جالسا إلى حائط يستظل به من حرارة الصيف الشديد ، فقلت له :" أنت قائد ياحضرات لماذا لا تجلس في مكان مكيف كما يفعل الآخرون " ، تبسم وقال لي : " القائد يا فضيلته في أرضه وبلده ، أما نحن فندفع ثمن الإحتلال ، بؤس وشقاء ، ولكن دون ندم "، جلست إلى جانبه وتحدثت إليه كثيرا ، كان حواره صادقا دون تصنع ولا مبالغة كان عنوانا لواقعنا الذي يتطلب الكثير من العناء والعمل ، أوصاني بالصبر وبأن أغلق أذني عن الكثير من الكلام لأنه لا يسلم من السوء .... ، لقد أحببت الرجل كمناضل من وطني وكمقاتل من حماة مجدي ومجد وطني ، وعندما سمعت باستشهاده تنهدت حتى اختنقت حنجرتي ، أذرفت دمعا وقلت نحسبك أخي الداه البندير عند الله شهيدا فلا حول ولا قوة إلا بالله .