رحيل احد القادة الابرار والطلائع الافذاذ، الشهيد البطل الداه البندير
مع التسليم بقضاء الله وقدره كان الخبر كوقع الصاعقة على الجميع، فجيعة من عيار ثقيل، أن يرحل قائد ميداني من طينة "الداه البندير"، الذي كان صنو نفسه، سبيكة متفردة، شب وشاب في معترك الوغى، وحباه المولى بميزات وخصال قل مثيلها في الصبر والرفق والتواضع والانضباط، تواضع لله واحترم الانسان،حاز السبق في كل مهمة وتكليف، وملك ناصية الاختصاص ،كون الاف المتدربين وزودهم -بفضل الله ومعية الافذاذ- بالخبرات والمهارات الضرورية في ميدان اختصاصه، والتي هي صمام امان الحروب البرية، خاض الوغى بشجاعة اسطورية قل نظيرها، وذاكرة الرفاق لا زالت حبلى بمواقف البسالة ومشاهد الاستهزاء بالموت واحتقار العدو التي جسدها عند الاقتحام وفتح الثغرات، كان بحق من رجالات (الحزم والعزم والادلاج في السحر)، خبر تضاريس الارض التي عاش حلم تحريرها، والتي جال جنباتها مجاهدا جسورا، متدثرا كفن المجازفة والأقدام، ليحتضنه اديمها الغالي وتضمه تربتها الطاهرة مساء يوم حزين ،و كأني بالشاعر محمد مهدي الجواهري( في رائعه عن دمشق ) ناب عنه في مخاطبة هذه الأرض التي أحبها وقدس حماها وقدم روحه قربانا لها : شَمَمْتُ تُرْبَكِ لا زُلْفى ولا مَلَقا
وسِرْتُ قَصْدَكِ لا خِبّاً، ولا مَذِقا
وما وَجَدْتُ إلى لُقْياكِ مُنْعَطَفاً
إلاّ إليكِ،ولا أَلْفَيْتُ مُفْتَرَقا
يا جِلَّقَ الشَّامِ والأَعْوامُ تَجْمَعُ لي
سَبْعاً وسَبْعينَ ما الْتاما ولا افْتَرَقا
إنّا لَنَخْنُقُ في الأَضْلاعِ غُرْبَتَنا
وإنْ تَنَزَّتْ على أَحْداقِنا حُرَقاَّ
دِمَشْقُ عِشْتُكِ رَيْعاناً، وخافِقَةً
ولِمَّةً، والعُيونَ السُّودَ، والأَرَقا
وها أَنا، ويَدي جِلْدٌ، وسالِفَتي
ثَلْجٌ، ووَجْهيَ عَظْمٌ كادَ أو عُرِقا
وأنتِ لم تَبْرَحي في النَّفْسِ عالِقَةً
دَمي ولَحْمِيَ والأنْفاسَ، والرَّمَقا
فَخْراً دِمَشْقُ تَقاسَمْنا مُراهَقَةً
واليومَ نَقْتَسِمُ الآلامَ والرَّهَقا
دِمَشْقُ صَبراً على البَلْوى فَكَمْ صُهِرَتْ
سَبائِكُ الذّهَبِ الغالي فما احْتَرَقا. تغمد المولى روح الشهيد البطل "الداه البندير خطاري برهاه" الطاهرة بواسع رحمته والهم اهله ورفاقه جميل الصبر والسلوان وانا لله وانا اليه راجعون.
محمد فاظل سلامة اجدود