ملخص لتدخل السجين السياسي الصحراوي السابق علي سالم ولد التامك في الندوة الفكرية عن الرئيس الشهيد محمد عبدالعزيز
قدم المدافع الصحراوي عن حقوق الانسان والسجين السياسي السابق علي سالم التامك مداخلة فكرية في الندوة التي نظمتها وكالة الانباء المستقلة عبر تقنية التحاضر عن بعد بمناسبة مرور خمس سنوات على رحيل الشهيد محمد عبد العزيز وفيما يلي ملخص تدخل عضو تجمع المدافعين الصحراويين عن حقوق الانسان علي سالم ولد التامك في الندوة الفكرية عن الرئيس الشهيد محمد عبدالعزيز :
محور علاقة الشهيد محمدعبدالعزيز بالانتفاضة.
شكرا للمشرفين على الندوة، واحيي تحية المجد والخلود شهداء ثورة 20 ماي وعلى رأسهم الشهيد الولي مصطفى السيد وابراهيم بصيري، ونفس التحية للرموز ولمقاتلي جيش التحرير الشعبي الصحراوي، وكذلك المناضلتين " سلطانة خيا و"الويعرة خيا "وعائلتهما.
مبادرة صميمية وايجابية ، وتقليد نضالي يعكس البعد الاخلاقي الذي يؤطر ثورتنا، وتدخل في اطار حفظ الذاكرة وتأصيلها، لأن شعبا بدون ذاكرة لاتاريخ له ولا مستقبل.
الرئيس الشهيد محمد عبدالعزيز لم يكتب كتبا أو يؤلف مؤلفات لأنه ببساطة لم يكن محكوما بهاجس موقعه في هذا التاريخ، وهذا يعكس درجة نكرانه لذاته، وقناعاته وافكاره جسدها على محك الافعال، لأنه لا يريد أن ينتج جملا ثورية لكي يقطع النهر كما قال احد المفكرين بل صناعة قوارب لكي نعبر بها النهر.
وفي علاقة بمحور الندوة : علاقة الشهيد بالأرض المحتلة والانتفاضة بشكل عام، فلابد من استحضار الخلفية التاريخية لهذه العلاقة ، فالشهيد نشط في الحركة الجنينية في بداية السبعينيات بالجامعات المغربية وهو طالب جامعي شعبة الطب، وساهم في صياغة التوجه العام والأفكار الأولية للأرضية التأسيسية للجبهة، كما شارك في المظاهرتين التي عرفتهما مدينة طنطان في مارس وماي سنة 1972، واعتقل كذلك رفقة الشهيد الولي مصطفى السيد ورفاقه، وقام بالانفتاح على الفئات الاجتماعية وتعبئتها وتأطيرها وتنظيمها كما هو الحال لفرع تنظيمي محوري انذاك بمدينة الزاك، شكل قناة اساسية واستثنائية في بداية ونجاح الثورة، وهذا ما تسبب في حملات الاختطاف وجرائم الاغتصاب التي باشرها الاحتلال المغربي ضد المناضلين الصحراويين بهذا المدشر انذاك...
هذا فقط ملمح من ملامح هذه العلاقة التاريخية إذا اردنا التأصيل لها، وهنا نستنج أن الشهيد محمد عبدالعزيز كان جزءا من هذه الدينماكية الكفاحية التي تطورت بالمناطق المحتلة ومناطق شمال الوطن ووفرت كل هذه الامكانيات النضالية والذاتية.
وبالرغم من محاولات اجتثات وفصل الجزء المحتل عن باقي اجزاء الجسم الوطني، وادراكا من الشهيد لطبيعة هذه المخططات التجزيئية، ولدور نضال الارض المحتلة وحركات الداخل في الثورات والقضية الفلسطسنية نموذجا، وهو ما عمل عليه الشهيد بغاية اسقاط تقسيم شطري الوطن وتوحيده .
وفي هذا الإطار حاول الشهيد الحفاظ على الحس والشعور الوطنيين من خلال تشكيل انوية التنظيمات السرية بالارض المحتلة والقيام بمجموعة من الاشكال النضالية المتنوعة على محدوديتها، واجهها الاحتلال بمجازر وفظاعات تعرفون تفاصيلها جميعكم لتدمير الفعل النضالي واستئصاله، وذلك ردا على وجود فعل ثوري قوي في مرحلة السبعينات والثمانينات من القرن الماضي .
وجاءت عملية وقف طلاق لنار والمتغيرات الجوهرية التي اثتت السياق الاقليمي والعالمي، ولتفادي تداعياته ذلك على الوضع الداخلي بعد خفوت محفز الحرب، وتفعيل البدائل المطروحة في اطار نوع من تكامل الفعل الوطني وحضور الابداع، واستطاع الشهيد التقاط هذه المؤشرات الدالة لأنه يعي دور حركية الداخل التي لها نزوع جذري نتيجة موضوعية للاحتلال والاضطهاد ، ودفع بخلق سياق ثوري قوي بالارض المحتلة وشمال الوطن سيطرت عليه صيغة الانتفاضة التي توالت في مجموعة من المدن الى أن وصلت لانتفاضة الاستقلال التي جاءت استجابة لنداء الرئيس الشهيد بمناسبة انطلاق الكفاح المسلح بتاريخ 20 ماي 2005 حيث قال : " لن نبقى مكتوفي الايادي أمام هذا الوضع ".
وبذلك شكلت الانتفاضة انعطافة تاريخية واثرت على المسار العام للقضية الوطنية، وكسرت الجغرافيا الكولونيالية وغطت جغرافيا الوطن التاريخي والمواقع الجامعية، وارتفع منسوب الوعي والشعور الوطنيين من محاميد لغزلان الى الكويرة، وجسدت وحدة نضالية على الاساسيات و الثوابت الوطنية، وهو ما فرض على العدو التراجع عن الكثير من خططه التصفوية وتبني سيناريوهات مشبوهة ، تؤكد فشل ادارة الشأن الاستعماري والتراجع عن العديد من المخططات ، وبذلك قدمت الانتفاضة الفعل الثوري سنوات ضوئية.
في ظل هذا التراكم والافاق النضالية التي تبلورت ، تفجرت معركة نضالية اخرى وهي زيارة اول مجموعة من المناضلين بالارض المحتلة لمخيمات اللاجئين الصحراويين سنة 2009 وهي فرصة لتجسير العلاقة بين الجسم الوطني الواحد، لأنه كان مقتنعا كما كان يقول في قدرة الجماهير وكونها مكمن القوة ، وأن الجماهير عندما تعتنق الافكار تتحول إلى قوة مادية ملموسة ، وهذا ما جسدته بصورة واضحة ملحمة اكديم ازيك التاريخية 2010 .
والشهيد كان قيد حياته ابا معنويا للجميع واستطاع نسج علاقات نضالية وانسانية عميقة مع المناضلات والمناضلين، ومعرفة مسار كل واحد منهم ومعاناته وتفاصيل المعتقلين السياسين وعائلات الشهداء والمختطفين بنوع من الاهتمام يتجاوز إلى حدما المقدرة الإنسانية .
كان خطاب الشهيد محمد العزيز في خطابه السياسي والثوري الوطني يحمل اجوبة واضحة ، يوجه اشارات الثقة لكل الصحراويين بغض النظرعن ميولاتهم السياسية بمن فيهم اولئك الذين لهم علاقة بالاحتلال المغربي، على أن الدولة الصحراوية هي الخلاص الوحيد لكل الصحراويين بدون استثناء، خطاب في شموليته يعكس رؤية استيعابية تستند على مقوم استراتيجي، وهو وحدة الشعب الصحراوي وتجميع القوة الذاتية الوطنية لهم، بغض النظرعن عيوبهم وانقاصهم والدفع بهم نحو حلقة الاستقلال كحلقة جوهرية في مسار التحرير والبناء، تغليبا لأولوية قصوى وهي مواجهة مشروع الاحتلال المغربي الاستئصالي لشعب قليل العدد، وتعزيز الصراع الجوهري العمودي مع النظام المغربي المحتل على حساب التناقضات الثانوية مع الصحراويين.
وكان رحمة الله عليه لايطبع ولايساكن ولا يتردد في مواجهات المنزلاقات بموقف نقدي قوي، كما وقع اثر صراع نشب بين الطلبة الصحراويين بموقع الرباط بتاريخ 10 ماي 2012 اخذ بعدا عنفيا حيث وجه رسالة نقدية للطلبة الصحراويين، ونفس الموقف خاطب به الطلبة الامازيغيين المغاربة في فبراير 2016.
الشهيد محمد عبدالعزيز جعل من الانتفاضة بالرغم من كونها صيغة جد متقدمة من الصيغ النضالية المتعددة، السقف النضالي الذي لا يجب التراجع عنه بل ضرورة تطويره، ولذلك اطلق الانتفاضة كعنوان سياسي ملازما للفعل الثوري بالارض المحتلة، وانطلاقا من ايمانه القوي بقدرة الجماهير الصحراوية بالأرض المحتلة بلعب دور طلائعي في معركة التحرير الوطنية.
وقد حاول قيد حياته كذلك التعاطي وتجسير العلاقة مع القوى المغربية بنظرة تقدمية ومنفتحة وعميقة من خلال توجيه رسالة للنخبة المغربية سنة 2005، ورسائل للمؤتمر الثاني والثالث لحزب النهج الديمقراطي المغربي المعروف بمساندته للقضية الوطنية .
الرئيس الشهيد محمد عبدالعزيز كخلاصة مركزية لم يكن رئيسا للدولة وامينا عاما للجبهة فقط، بل كان زعيما ثوريا وسياسيا بامتياز.