-->

الخنجر السادس ..!


كنت قد حصرت فيما مضى على الأقل خمسة خناجر مسمومة في ظهر الجزائر من المخزن المغربي عبر تاريخها الحديث منذ الغدر بالأمير عبد القادر سنة 47 الى التفجير الانتحاري بمراكش سنة 94. وأضيف لها اليوم الخنجر السادس الأكثر سما وغدرا من الجار المغربي الذي يتجرد شيئا فشيئا من كل أخلاق الجيرة.

تعسا للجمل الذي ينسى حدبته في كل مرة، ويحاول العبث بيده في الفتنة بين أبناء الوطن الواحد وشركاء الماضي والحاضر والمستقبل ويسعى للوقيعة بين الإخوة في العائلة الواحدة، مثلما حاول سنة 63 إستغلال خلافات المجاهدين في حرب الرمال لكن تلك الحماقة كانت سببا في توحيد الصفوف وإعادة اللحمة للجسد الواحد. إن اللعب على وتر الفتنة بين الجزائريين دائما ما يكون سببا في استفاقتهم ووحدتهم، وكذلك سيفعلون مع موقف المخزن الان من الوحدة الترابية للجزائر، سيجد المخزن أحرار الأمازيغ في وجهه قبل غيرهم، ليس لأننا على وفاق في كل شيء بل لأننا ربما على خلاف في كل شيء الا في وحدة التراب الوطني المسقي بدماء الشهداء .. وكل من يعبث بيده في هذه المساحة مؤكد أنه سيدفع الثمن لأنه لا يفهم أن الموت أهون على الجزائريين من الإنقسام.

************


لهذا يكره الجزائريون المخزن 

خمسة خناجر في الظهر ..!


● سنة 1847 إضطر الأمير عبد القادر وتحت ضغط وضربات الجيش الفرنسي أن ينسحب مع جزء من جيشه نحو الأراضي المغربية مستنجدا بسلطان المغرب عبد الرحمان بن هاشم، وقال له بالحرف أن سقوط الجزائر يعني سقوط المغرب طالبا منه المدد عددا وعدة، إلا أن سلطان المغرب فعل ما لم يكن في حسبان الأمير، لقد تمنع في البداية بحجة إنشغاله بإخماد بعض التمردات القروية، لكنه ذهب وباع الأمير وعقد إتفاقا مع الجيش الفرنسي وأحكم حصاره عليه من كل الجهات حتى وجد الأمير نفسه بين فكي رحى عدو يزحف نحوه بجيش جرار وشقيق مغربي طعنه في ظهره وسلمه لقمة سائغة لعدوه، رغم أن الأمير كان حافظا للود مع المغرب حتى أنه في بداية مبايعته رفض تلقيبه بأمير المؤمنين إحتراما لمقام السلطان الذي كان يفضل أن يدعى بذلك. لكن أمير المؤمنين السلطان عبد الرحمان بن هاشم لم يجد حرجا في بيع الأمير وجيشه لفرنسا من خلال حصار محكم اضطر الأمير الى الاستسلام حفاظا على جيشه من مذبحة حقيقية كان سلطان المغرب سيكون طرفا أساسيا فيها، وقد فاوض الأمير على حياة جنوده وقبائله وأنصاره ضامنا لهم العودة إلى قبائلهم وعشائرهم سالمين، بينما اختار هو الإسكندرية أو عكة مهاجرا بطعنة خنجر في ظهره من شقيق استجار به فسلمه لعدوه.


●سنة 1956 وفي الساعة الرّابعة من مساء يوم 22 أكتوبر، إعترضت مقاتلات حربية فرنسية ، طائرة “DC3” التابعة لشركة “الأطلس للطيران” المغربية، فوق أجواء جزر البليار الإسبانية، كانت متوجهة إلى تونس، على متنها قادة الثورة الجزائرية الخمس الذين كانوا يتجهون للمشاركة في القمة المغاربية. الطائرة كان على متنها الزعماء الخمس”قياديي الثورة الجزائرية بالخارج،  أحمد بن بلة، محمد بوضياف، محمد خيضر، حسين آيت أحمد، و مصطفى الأشرف ــ كاتب صحفي مرافقا لقادة الثورة، إضافة إلى إعلاميين فرنسيين و أمريكي، كانوا متجهين لتغطية القمة المغاربية، وعائلة مريض مغربي تم نقله للعلاج في تونس. وإن كان أغلب المؤرخين يبرؤون الملك محمد الخامس إلا أنهم يتهمون ابنه ولي العهد آنذاك الأمير الحسن الثاني الذي أشرف على الرحلة من الرباط بأنه هو من سلم القادة الخمس لفرنسا وهي الخيانة التي تحدث عنها كل المؤرخين وأغلب مجاهدي ثورة التحرير وعلى رأسهم الرئيس الراحل أحمد بن بلة ووثقها الإعلامي المصري حسنين هيكل جازما بتورط الأمير الحسن الثاني في تعقيد وعرقلة الثورة الجزائرية ومنع قيام دولة ناصرية على حدوده كما يعتقد هيكل.

لقد كانت هذه أول قرصنة جوية في التاريخ وعملية إرهابية مكتملة الأركان، حيث تم إلقاء القبض على “الزعماء الخمس”، و إقتيادهم بالأغلال ، وسط هتاف القوات الخاصة الفرنسية “إنتصرنا إنتصرنا.. إنتصرنا إنتصرنا”، “الثورة إنتهت..الثورة إنتهت..”،حينها حاول “بن بلة” المقاومة، لكن رفاقه نصحوه بالكف عن ذلك لأن الأمر محسوم، أما “آيت أحمد” فصاح في وجه ممثل الحاكم العام “روبرت لاكوست” “أطلقوا علينا النار ..يا جبناء”. وظل هذا الخنجر ينخر أجساد القادة الخمس ويؤلمهم كلما جاء الحديث عن المغرب عزاؤهم الوحيد أن الشعب المغربي الشقيق هو الشعب الأول الذي تظاهر في الشارع للتنديد بهذا الاختطاف.


●سنة 1963 بالضبط شهر أكتوبر لم يكن قد مر على إستقلال الجزائر أكثر من عام واحد .. الجراح لا تزال تنزف والأخوة الأعداء يتقاتلون على إقتسام السلطة والعديد من الميليشيات المسلحة أعلنت تمردها على الجيش في الجزائر، في هذه الأثناء الكارثية يستغل المخزن المغربي الفرصة ويجتاح التراب الجزائري في ضواحي تيندوف وحاسي البيضاء..حينها لم يكن للجزائر لا طائرات ولا أسلحة ثقيلة متطورة فشعر الجزائريون بالحقرة من الجار الشقيق الذي كان ينتظر منه الدعم فكانت منه الخديعة، حينها صرخ الرئيس بن بلة في جيشه وشعبه صرخته المشهورة .. حقروناااااا.. التي كانت كافية لتجمع شتات الاخوة الأعداء الذين تدافعوا للدفاع عن التراب الجزائري على الحدود الغربية حتى أن جنود الافافاس المتمردين على الجيش آنذاك كانوا من بين أوائل الملتحقين بالجبهة وبدعم مصري وسوفييتي استرجع الجزائريون ترابهم وتوغلوا في التراب المغربي قبل أن يغادروه منتصرين موحدين، ولكن بطعنة خنجر مسمومة لا تزال آلامها الى اليوم.

●سنة 1978 حيث مرض الرئيس بومدين مرضه الذي توفي به، تحديدا يوم 10 ديسمبر على الساعة 7:45د  أقلعت من قاعدة القنيطرة الجوية طائرة شحن عسكرية مغربية من نوع هرقل c130 باتجاه الجزائر تحديدا منطقة كاب سيغلي التي تقع بين بجاية وازفون وبعد حوالي ساعتين و نصف من الطياران بجانب المياه الإقليمية الجزائرية اخترقت الطائرة المغربية المجال الجوي الجزائري على الساعة العاشرة و 30 د متوجهة إلى منطقة “كاب سيغلي”وبمجرد اقتراب الطائرة من المكان لاحظ قائدها “الرائد لمزوري” الإشارات الضوئية التي أشعلها خونة مجندين في العملية فحلق فوقها على ارتفاع منخفض ليلقي بحمولة الطائرة المتمثلة في كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر و المتفجرات ليقفل عائدا إلى المغرب بعد أن أنجز المهمة. هذه المهمة تدخل في إطار مخطط صهيوني فرنسي مغربي لزعزعة استقرار الجزائر مستغلين في ذلك مرض الرئيس الراحل “هواري بومدين” الذي كان طريح الفراش يعاني سكرات الموت.

هذا المخطط الشيطاني كان بإشراف الوزير الأول الفرنسي “ريمون بارانذاك” و بتخطيط “العقيد الدليمي” قائد المخابرات المغربية و تنفيذ بعض الأعوان والعملاء الذين باعوا وطنهم بثمن بخس. كانت تقتضى الخطة ان يشن الخونة هجمات مسلحة على مؤسسات و رموز الدولة باستعمال الأسلحة و المتفجرات مستغلين مرض الرئيس لزرع الفوضى وإعطاء الفرصة لقوات المخزن لاجتياح الحدود الغربية في سياق خطتها التوسعية الجهنمية لكن تفطن سكان المنطقة وحنكة جهاز المخابرات ووقفة الرجال أفشلت المخطط الجبان وبقيت أوجاع الخنجر المسموم في الظهر.

●سنة 1994 حينما كانت الجزائر تواجه الإرهاب الأعمى وتعيش عزلة دولية على كل الجبهات والحدود، وقعت أول عملية إرهابية فوق التراب المغربي، عندما استهدف مسلحون (يشتبه في كونهم فرنسيون) فندق أطلس إسني بمدينة مراكش السياحية، وهو الحادث الذي دفع بالمغرب حينها وقبل أي تحقيقات إلى اتهام الجزائر  بالضلوع وراءه بل قام المغرب ومن طرف واحد بفرض تأشيرة على الرعايا الجزائريين وهو ما ردت عليه الجزائر حينها بإجراءات أكثر راديكالية، تمثلت بإعلانها إغلاق الحدود البرية من طرف واحد بين البلدين، وهو الإغلاق الذي ما زال مستمرا إلى غاية اليوم. وصاحب ذلك انتهاكات كبيرة للمواطنين العزل من الجزائريين المقيمين في المغرب الذين أجبروا على ترك أملاكهم والفرار بجلدهم وسط ذهول من هذا النكران لبلد يعيش أزمة دموية عنيفة.

بقيت الإشارة الى أن الحديث عن جرائم المخزن عبر العقود الماضية لا يعني بالمطلق لا من قريب ولا من بعيد الشعب المغربي الشقيق الذي وقف ويقف مع شقيقه الشعب الجزائري في السراء والضراء، لأن تلك الممارسات هي التي حالت دون بناء مغرب الشعوب الذي حلم به الشهداء في بلدان المغرب العربي.

بقلم: محمد يعقوبي

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *