كاتب تونسي : “خلفيات تمادي المغرب في خطواته التطبيعية مع إسرائيل”.
بتاريخ : 16 يوليو 2021
لا يزال المغرب مُهَرْوِلاً في خطواته التطبيعية مع كيان الاحتلال الإسرائيلي ،يكشف على ذلك استقبال السفير المدير العام للشؤون السياسية بوزارة الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، فؤاد يزوغ، يوم الإربعاء 7يوليو2021بالرباط، المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية، ألون أوشبيز، الذي قام بزيارة رسمية إلى المغرب،ونقل رسالة باسم وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد إلى وزير خارجية المغرب، ناصر بوريطة وبها دعوة للقيام بأول زيارة رسمية على الإطلاق لوزير خارجية مغربي إلى الكيان الصهيوني .
وكانت صحيفة “الأيام” المغربية نقلت عن وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد قوله في تغريدات على “تويتر”: “إن استئناف العلاقات بين إسرائيل والمغرب تحت قيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس، هو علامة تاريخية في العلاقات بين الشعبين”.
وأكد لابيد أنَّه “يتطلع إلى تعزيز العلاقات السياسية بين إسرائيل والمغرب وبناء تعاون اقتصادي وتكنولوجي وثقافي وسياحي بين البلدين”, واعتبر وزير الخارجية الإسرائيلي أنَّ “تدشين الرحلات الجوية المباشرة بين البلدين (إسرائيل والمغرب)، والمتوقع أن يتم خلال أسابيع قليلة، سيشجع العلاقات بين الشعبين ويعزز قطاع السياحة في البلدين”.
المغرب عرَّاب التطبيع مع الكيان الصهيوني :
إنَّ إعلان التطبيع بين المغرب وإسرائيل، يقف خلفه قرابة 6 عقود من التعاون السرِّي والوثيق، في النواحي الاستخبارية والعسكرية بين دولتين لم تعترفا ببعضهما البعض من قبل, فقد نشأت العلاقة بين الكيان الصهيوني والمغرب، بفعل العدد الكبير لليهود هناك، قبل إعلان قيام الكيان الصهيوني عام 1948، حيث هاجر الكثير منهم إلى هناك، ويُعَدُّ يهود المغرب أحد أكبر مكونات المستوطنين في فلسطين المحتلة، بتعداد يصل إلى مليون، وأحفادهم اليوم يضمنون مصلحة عميقة وثابتة في ذلك البلد البعيد.
كان الملك المغربي الراحل الحسن الثاني من أكثر الحكام العرب إلحاحًا على التطبيع العربي-الصهيوني، ولذلك عمل النظام المغربي على إقناع قيادة منظمة التحرير بلعب الورقة الفلسطينية منفردة، وسهل تنظيم لقاءات أمريكية-فلسطينية، و فلسطينية –صهيونية، بحيث استخدمت قيادة عرفات ” السنترال ” المغربي في اتصالاتها بالقيادات” الإسرائيلية” .
كذلك كان ملك المغرب “عرَّاب” الاتصالات التي سبقت زيارة الرئيس انور السادات، وكان في صلب اتفاقيتي كمب ديفيد مُهَنِئًا و مُتَصِلًا و مُؤَيِدًا, وحفل تاريخ الملك الحسن الثاني باللقاءات مع زعماء الصهيونية العالمية و الكيان الصهيوني، ألم يستقبل رئيس الوزراء الصهيوني اسحق رابين في المغرب (1986 )، ووزير الخارجية السابق موشي دايان (1968)و زعيم حزب العمل شمعون بيريز في 1979 و 1981 ؟ ألم يستضف المؤتمر اليهودي الذي حضره الكثير من الصهاينة ” الاسرائيليين ” عام 1984 ؟.
واستفاد حزب العمل “الاسرائيلي” من علاقاته الوطيدة بالملك الحسن الثاني, لاستخدام الورقة المغربية للتخفيف من تأثير الناخبين اليهود من أصل مغربي الذين يصوتون لمصلحة تكتل “ليكود”.
وقد أعلن في الأول من سبتمبر 1994 عن فتح مكتب اتصال في تل أبيب وغزة (سلطة الحكم الذاتي الفلسطينية ) وفي الرباط, في محاولة مدروسة و متفق عليها بين الحسن الثاني وسلطة عرفات لجرِّ المزيد من الأنظمة العربية الى انتهاج سياسة ” التطبيع “مع الكيان الصهيوني.
وكان الملك محمد السادس تبنى يهوديًا من معسكر آخر، أبرزهم المعارض السابق أبراهام سرفاتي الذي اختاره مستشارًا له بعدما أمضى سنوات طويلة في سجون والده.
هذه الرسائل الموجهة إلى الكيان الصهيوني تدعمها رسائل خطية نقلها في مناسبات عدة وزير الخارجية المغربي السابق محمد بن عيسى في لقاءاته المتكررة مع نظرائه الصهاينة, وأثمرت تلك الاتصالات الدائمة تكثيفا ً للعلاقات الرسمية على جميع الصعد، التجارية والسياحية والأكاديمية، وصولا ً إلى مجالات صغيرة ودقيقة مثل الزيارات المنتظمة التي يقوم بها عناصر من اليهود السلفيين المتشددين المنتمين إلى حركة “لوبافيتش” إلى الميناء الصغير في مدينة “أسفي” على المحيط الأطلسي جنوب الدار البيضاء، للتأكد من مدى مطابقة المنشآت المعدة لحفظ السمك “الكاشير” للتعاليم التلمودية، قبل تصديره للجاليات اليهودية في أمريكا.
وعلى الرغم من أنَّ المغرب أغلق مكتب الاتصال الإسرائيلي في الرباط في 23 أكتوبر عام 2000، والمكتب المغربي في تل أبيب عقب إندلاع الإنتفاضة الفلسطينية الثانية، تطبيقا لأحد قرارات القمة العربية التي عقدت في القاهرة، فإنَّ الطرفين حافظا على اتصالاتٍ دبلوماسيةٍ غير معلَنة، حيث يزور المغرب كل عام ما بين 30 ألف إلى 50 ألف سائح إسرائيلي, كما أنّ التجارة البينية بينهما لم تتوقف، وقد بلغ حجم التبادل التجاري الثنائي في الفترة 2014 – 2017 قرابة 149 مليون دولار, والمعروف أنّ اليهود المنحدرين من أصول مغربية يمثلون نحو 12% من سكان إسرائيل (700,000)، في حين بقي نحو 3000 يهودي في المغرب، بعد أن هاجرت غالبيتهم إلى فلسطين المحتلة بعد قيام دولة إسرائيل عام 1948.
وشهدت العاصمة المغربية، الرباط، في 22 ديسمبر 2020، مراسم توقيع “إعلان مشترك” بين كل من المغرب والولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني، ليكون المغرب بذلك رابع دولة عربية تعلن تطبيع العلاقات مع إسرائيل، خلال أربعة أشهر، بعد كل من الإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان, فقد فضل الملك محمد السادس عملية مقايضة الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء الغربية مقابل التطبيع مع الكيان الصهيوني، الذي جاء بعد عام من المفاوضات السرِّية الحثيثة التي شارك فيها على نحو خاص بدور بارز كلّ من صهر الرئيس الأمريكي السابق جاريد كوشنر, والمستشار الخاص للعاهل المغربي من أصل يهودي أندريه أزولاي، واللذين كانا، بحسب مصادر مغربية وإسرائيلية تحدثت لصحيفة “يديعوت أحرونوت”، الصادرة يوم الجمعة 11ديسمبر2020، “ضالعين بشكل عميق وبسرية تامة في تخطيط العلاقات، وساعدا في بلورة الاتفاق”.
في فلسفة نظام العرش المغربي منذ حكم الملك الراحل الحسن الثاني ،واستمرارٍ مع ابنه الحالي الملك محمد السادس، تُعَدُّ قضية الصحراء الغربية القضية الوطنية الأولى في المغرب، وهي أكبر من قضية القدس و فلسطين، حتى وإن ادَّعَتْ العائلة المالكة في المغرب أنَّها”حارسةُ الأماكن المقدسة في القدس”،وكون العاهل المغربي يرأس لجنة القدس.
تداعيات التطبيع على الصعيد الإقليمي
يمثل تمادي المغرب في التطبيع مع الكيان الصهيوني تحولاً استراتيجيا في سياسة المملكة المغربية الخارجية، التي تستهدف من سياسة الهرولة من التطبيع، تطوير العلاقات مع إسرائيل في المجالات كافة: الاقتصادية و التكنولوجية و العسكرية، والاستثمارات.
مقايضة الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء الغربية، وتطبيع المغرب مع الكيان الصهيوني، جاءت بعد موافقة أمريكا على عقد صفقات تصدير أسلحة إلى المغرب، وذلك بقيمة مليار دولار، تشمل أربع طائرات مسيرة من طراز (إم كيو- 9 بي سكاي غارديان)،وتنتجها شركة (جنرال أتوميكس)،و أيضا صواريخ “هيل فايل” و”بيفواي” وذخائر الهجوم المباشر المشترك (JDAM) من إنتاج شركات (لوكهيد مارتن( و(رايثيون) و”(بوينغ).
ويشير اتفاق التطبيع بين المغرب و الكيان الصهيوني إلى أنّ الطرفين يعتزمان:
1. “الترخيص للرحلات الجوية المباشرة بين المغرب وإسرائيل، بما فيها رحلات شركات الطيران الإسرائيلية والمغربية، مع تخويل حقوق استعمال المجال الجوي.
2. الاستئناف الفوري للاتصالات الرسمية الكاملة.
3. تشجيع تعاون ثنائي اقتصادي ديناميكي وخلاق.
4. مواصلة التعاون في مجالات التجارة، والمالية والاستثمار، والابتكار والتكنولوجيا، والطيران المدني، والتأشيرات والخدمات القنصلية، والسياحة، والمياه والفلاحة والأمن الغذائي، والتنمية، والطاقة والمواصلات السلكية واللاسلكية، وغيرها من القطاعات وفقًا لما سيتم الاتفاق بشأنه.
5. إعادة فتح مكتبَي الاتصال في الرباط وتل أبيب”.
لا يكتفي المغرب بمجرّد تطبيعٍ سياسيّ مع الكيان الصهيوني مقابل اعتراف أمريكا بالسيادة للمغرب على الصحراء الغربية، بل يريد تطوير العلاقات بين الطرفين في مجال التكنولوجيا العسكرية، وهذا ما كشفته قناة “كان” العِبرية بشأن وصول طائرة عسكرية مغربية إلى قاعدة “حتسور” الصهيونية جنوب فلسطين المحتلة، بالتزامن مع استعداد عددٍ من الدول لإجراء تدريبات عسكرية هذا الأسبوع بالكيان الصهيوني، يؤكد أنّ المغرب قد قرّر إخراج تعاونه العسكري إلى العلن بعد نحو ستّة عقودٍ من التعاون السِّري.
وفي هذا الإطار كشفت وسائلُ إعلام مغربية استنادا إلى أوساط عسكرية للمخزن، أنّ المملكة المغربية تنوي البدء بإقامة صناعات مشتركة لبعض الأسلحة والذخائر مع الكيان الصهيوني، ومنها صناعة الصواريخ متوسطة وبعيدة المدى والطائرات المسيَّرة، والاستفادة من التكنولوجيا العسكرية الصهيونية التي بلغت الجيل الخامس, والوصول إلى براءات الاختراع الصهيونية في بعض المجالات الحيوية ومنها علوم الفضاء والاتصالات والأمن السيبراني…
المغرب اختار طريق الاستقواء بأمريكا، والتطبيع مع الكيان الصهيوني،لفرض الطرح المغربي المتمثل بالحكم الذاتي في الصحراء الغربية في إطار المحافظة على مغربيتها من حيث السيادة الوطنية، لكنَّه يريد أيضًا أن يتحول إلى القوة العسكرية و الاقتصادية الأولى في منطقة المغرب العربي، مستفيدًا من الرساميل الإسرائيلية التي تتدفق عليه عبر تحويل المغرب إلى سانترال للشركات الإسرائيلية العاملة في إفريقيا تحت مسميات شركات مغربية، ومن التكنولوجيا العسكرية الإسرائيلية والأمريكية لتطوير الصناعات العسكرية المغربية، وتحديث ترسانة الجيش المغربي لكي يصبح القوة العسكرية الأولى في الإقليم، وكسر التفوق العسكري الجزائري عليه، لممارسة استراتيجية التطويق و المحاصرة للجزائر، وتهديد الاستقرار السياسي للدولة الوطنية الجزائرية بهدف تقسيمها، وإلا ماذا يفعل المغرب بالصواريخ الصهيونية متوسطة وبعيدة المدى؟
في إقليم المغرب العربي، يتحدث الخبراء و المحللون العسكريون عن قرب إقامة مصانع صهيونية عسكرية في المغرب، وقواعد عسكرية يتواجد فيها خبراء عسكريون ومخابرات صهاينة على الحدود مع الجزائر، ومزوَّدة بأحدث التكنولوجيات العسكرية الإسرائيلية بهدف مراقبة الأراضي الجزائرية عن قرب، ورفع درجة التجسُّس على منشآتها العسكرية والاقتصادية.
خاتمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة:
يعزّز التطبيع بين المغرب و الكيان الصهيوني، استراتيجية اليمين الصهيوني الفاشي القائمة على شعار “السلام مقابل السلام، من منطلق القوة”، وعلى تهويد مدينة القدس، وضمِّ الضفة الغربية، وبالتالي تصفية القضية الفلسطينية, ويخطئ من يعتقد أنَّ التطبيع مع الكيان الصهيوني كفيلٌ بتحسين أوضاع المملكة المغربية الاقتصادية و التكنولوجية و العسكرية داخليا ًوخارجيا ً.
لذلك لا يمكن أن يكون التطبيع مع الكيان الصهيوني بديلاً عن الإصلاح السياسي والديمقراطي الحقيقي في المغرب .
والحال هذه، فإنَّ الهرولة المغربية باتجاه الكيان الصهيوني تصبح غير مبررة، ولن تجني منها المملكة المغربية شيئاً, لأنَّ الصهاينة لا يقدّمون هدايا لأحدٍ, وهاهي إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن أعلنت النقاب عن تجميد عمل “صندوق أبراهام”، الذي أعلنت إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب عن تدشينه في سبتمبر 2020 لدعم مشاريع التعاون الاقتصادي بين إسرائيل والدول العربية, وكان يفترض أن يعتمد هذا الصندوق على استثمارات توفرها الولايات المتحدة، وإسرائيل، والإمارات، ودول عربية أخرى، والذي كان يفترض أن يصل رأس ماله إلى 3 مليارات دولار.
واستطراداً فالنظام المغربي الذي أراد أن يستفيد من الاستثمارات الإسرائيلية والأمريكية، سقطت أحلامه في الماء، على الرغم من أنَّه لم يعد يرى أنَّ أيًا من درجات الخلاف يفصل بينه و بين الكيان الصهيوني، ماداما يعملان كليهما لمصلحة أمريكا، ومادامت أهدافهما موحدة على صعيد تحقيق أهداف السياسة الأمريكية- الصهيونية الشرق أوسطية، التي تنُّصُ على تفتيت الدول العربية القائمة إلى دويلات طائفية وعرقية و إثنية الخ…و استهلاك قواها في حروب داخلية و تدمير قواها المنتجة، و إنهاكها في صراعات أليمة تحول دون الدفاع عن حقوقها ووجودها، وتجعلها تنشد الأمان في أحضان السياسة الأمريكية – الصهيونية.
و في مثل هذا التطبيع يصبح الكيان الصهيوني حَكَمًا في النزاعات المغاربية، وبذلك لا يكون طرفًا مقبولًا من العرب فحسب، بل يصبح أيضًا طرفًا مرغوبًا بالصداقة معه والتحالف بحيث يتم الاستقواء به ضدَّ أي طرفٍ عربيٍّ آخر من خلال إدماجه الضمني أو المعلني في صلب الخلافات العربية، وضمن ميزان القوى الداخلي في المنظومة العربية .