-->

تصفية الاستعمار من الصحراء الغربية , رهين وضع الأسس الحقيقية للحل

 


تناول المدونين على وسائل التواصل  الإجتماعي وبعض وسائل الإعلام الدولية تعيين دي مستورا ممثلا خاصا للامين العام للأمم المتحدة في قضية , تصفية الاستعمار من الصحراء، وتنظيم استفتاء تقرير مصير الشعب الصحراوي،المنتظر منذ سنة 1965، ولكن  أين يكمن نجاح عمل دي مستورا من عدمه؟؟.

 تعيين الممثل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة في قضية ،الصحراء الغربية، وهو قرار بدون أسس واضحة،أو على الأقل مازالت محفوظة في الكواليس، ولا شك أن الأمم المتحدة، تدرك جيدا أنها لم تفشل فقط في إيجاد طريقة  مثلى لتصفية الاستعمار من الصحراء الغربية وهي مسؤوليتها التي يحملها إياها الوضع القانوني للصحراء الغربية،وقرارت الجمعية، ولجنة تصفية الإستعمار،ولجنة تقصي الحقائق،والرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية، ومطلب الإتحاد الإفريقي،ولكنها فشلت في وضع الأسس الصحيحة لبناء السلم والأمن الدوليين على أساس القانون الدولي،ومضمون العلاقات الدولية على أساس مبادئ الأمم المتحدة، وليس على أساس توجيه بعض الدول الإمبريالية، كفرنسا التي تتخذ من النظام المغربي حكومة وظيفية، تمدد من خلالها هيمنتها السياسية،والاقتصادية والعسكرية التي تضمن بها وصولها إلى الثروات الطبيعية للمنطقة والأسواق،والمتمثلة في المعادن الإستراتيجية،ومصادر الطاقة والأسواق،وعملت بإستمرار على عرقلة أي تقدم يحصل في الملف منذ بداية الحل السلمي.

السؤال الآن ،هل تعيين دي ميستورا، هو من أجل الإستمرار،في الحل السلمي المعروف لسنة 1991 والتي اوصلته عرقلة هذه الدول إلى نفق مسدود،فيما يخص المفاوضات،والحل على أساس القانون،كما انتهك المغرب جانبه العسكري المتمثل في الإتفاقية العسكرية رقم 1 بل غير كثيرا من المعطيات على الأرض، وبذلك تصبح الاتفاقية العسكرية رقم 1 لاغية لأن الطرف المغربي لم يتوقف عند انتهاكها بل غير المعطيات التي بنيت عليها، مما يجعل العودة إلى مسلسل السلام في صيغته الأولى والتي عبرت عن فشلها خلال 30 سنة أمرا غير شرعي وغير مجدي، وتصبح الأمم المتحدة ملزمة بتحديد صيغة جديدة،يكون أساسها تطبيق القانون الدولي ، من خلال تمكين الشعب الصحراوي صاحب السيادة على أرضه ،من حقه في تقرير المصير والاستقلال.وليس فقط تمكين المغرب من الوقت الكافي لتحسين وضعه الداخلي المتأزم،وعزلته الدولية وأزماته التي امتدت هذه المرة إلى دول أوروبية من حجم اسبانية التي بدأت تبني علاقات استراتيجية مع دولة الجزائر , رغم حدودها الطويلة مع المغرب وكل مايعني ذلك لمملكة منعزلة مع العالم بوجود أزمات من الشمال والغرب مع إسبانية وحدود شرقية مغلقة من طرف الجزائر، وفي الأراضي المحتلة تندلع الحرب والرفض الشعبي المناهض للاحتلال،وكذلك أزمته مع دولة ألمانيا وهي أقوى الدول الأوروبية حاليا سياسيا واقتصاديا،بمعنى الجيوستراتيجية تلعب ، ضد المغرب،وينعت إليه بالبنان كمصدر اساسي للمخمدرات والإرهاب،  واستقراره بات مهددا بتحالف شروط ذاتية وموضوعية ملحة على التغيير وربما هذا هو ما دفع حلفاءه للضغط عليه للعودة إلى خدعة الحل السلمي،من اجل تكريس الوضع القائم كما حدث طيلة الثلاثين سنة الماضية،انتظار حل بدون أسس حل حقيقة.

في المقابل الجبهة الشعبية،لتحرير الساقية الحمراء وواد الذهب الطرف الثاني في هذه القضية


وانطلاقا من تجربة تسعة وعشرين سنة من التعاطي مع مسلسل فاشل اعاده المغرب الى المربع الاول من خلال انتهاكه للاتفاقية العسكرية رقم واحد،ومن خلال التنصل من التزاماته الموقعة مع الأمم المتحدة والاتحاد الافريقي والخاصة بتمكين الشعب الصحراوي من حقه الغير قابل للتصرف ،ولولا هذه الالتزامات ماحصلت اي اتفاقية عسكرية من الاساس.

أصبحت تدرك بشكل واضح ما معني التعاطي مع الأمم المتحدة أو ما يسمى الحل السلمي.

انه واهم كل من يعتقد أن أي مبعوث اممي او الامين العام للامم المتحدة نفسه قادر على أن يأتي بحل مهما كانت شخصيته ومهما كان حجم دولته إلا حينما  تطرح الأمم المتحدة  أسس حل تقضي على التناقض الحاصل بين الطرح السياسي التي تكبل به قوى الاستعمار الجديد, مجال تحرك الامم المتحدة (التدخل على الأمم المتحدة)،وبين الحل القانون الذي ينبع من مبادئ الأمم المتحدة ويوفره القانون الدولي،ومهما رحبت الجبهة بتعيين دي مستورا كمبعوث شخصي فهي تدرك جيدا انه بدون تغيير المنطلقات الاساسية وإعادة المسار كله إلى أصله أي , الى مسلسل  تصفية الاستعمار من الصحراء الغربية فإن نهاية عمله ستلقى نفس مصير عمل المبعوثين السابقين من جيمس بيكر الى هورست كوهلر.والذين قدموا كلهم نمادج للحل تختلف طبعا بعض منطلقاتها وتتفق كلها في ضمان حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير, الذي لا يمكن القفز عليه بأي حال من الأحوال، ولا تأويله إلى اي مفهوم من المفاهيم الأخرى, وتصطدم هذه الحلول أخيرا بعدم الإرادة السياسية لدى  بعض القوى المهيمنة على مجلس الأمن،وهذا ينتج عنه أمرين مختلفين:

الأول هو استقالة المبعوث المعنى، والثاني هو تحويل القانون الدولي من ناظم للعلاقات الدولية والشرعية إلى تعبير سياسي عن مصالح القوى الإمبريالية الجديدة المهيمنة على كل شئ منذ حسمها للحرب الباردة في صالحها.

.

تكمن المشكلة التي تكبل عمل الأمم ،في أشخاص المبعوثين ،من مفهوم التدخل على الأمم المتحدة نفسها والذي عالجناه في بعض الكتابات السابقة ،كمفهوم لا شرعي ولايتمتع بأي تعريف قانوني،ويتعارض مع مبادئ القانون الدولي, ومع جوهر النظام الديمقراطي،بحيث تعمد بعض الدول  مثلا, الى وقف التزاماتها المالية للأمم المتحدة لحثها على اتخاذ قرار معين،أو استعمال حق الفيتو  لإجهاض حل قانوني ،أو استعمال موقعها في مجلس الامن لفرض بعض الأسس اللا قانونية في مشاريع فض النزاعات كما فعلت فرنسا ،في مشروع الأمم المتحدة لتصفية الاستعمار من الصحراء الغربية والتي فرضت فيه جملة:

ــــ حل يقبله الطرفان.

هذه الجملة تنتهك القانون الدولي وتكبل تطبيقه،ليس فقط لأن الطرفان لن يتفقا على أي حل بل  لأنها في الحقيقة تغييب الطرف الأساسي في المعادلة الذي هو الشعب الصحراوي صاحب السيادة وصاحب حصة الأسد في الحل،حتى مع التسليم  بالحقيقة التي تعترف بها الأمم المتحدة ومجلس الأمن في مجموعة من القرارات وهي أن الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء وواد الذهب هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الصحراوي،إلا أن تغييب الشعب الصحراوي من المعادلة هو بداية تغييب الحل القانوني وتغليب الحل السياسي عليه ،في حين يكون العكس هو الصحيح في المبدأ ،وهي سابقة من نوعها لم تحدث في أي قضية تصفية استعمار سابقة، رغم خصوصية كل قضية وكل نموذج , والتي سنلقي نظرة سريعة وبإيجاز كبير على كل نماذجها.

انقسمت نماذج تصفية الاستعمار , من حيث النتائج إلى ثلاثة اقسام اساسية:

القسم الأول هو الإستقلال الشكلي ، أو الاستقلال الممنوح ،وهو ماعبر عنه المؤرخ البوركينابي: زيربو ياكوبا ،حينما عارضت مجموعة برازافيل إستقلال الجزائر، وكانت مجموعة برازافيل مستقلة شكليا عن فرنسا،أو في موقع آخر يقول زيربو ياكوبا، أن بومبيدو قال لرئيس الطوغو: سنمنحكم الإستقلال،ولكن بعد أن نحصل منكم على التزام توقيع كل المعاهدات التي كانت سائرة قبل الإستقلال .

وهذا يعني استمرار الإستعمار ولكن بواسطة حكومة وظيفية من أبناء البلد (على فكرة هذه المعاهدات تخصص المعادن الإستراتيجية، ومصادر الطاقة والأسواق لفرنسا:وهي ما يسمى معاهدات الاستعمار الجديد أو نيوكولونياليزم)،وهذا حال كل المستعمرات الفرنسية تقريبا إذا استثنينا طبعا الجزائر، و سنوات  حكم توماس سانكارا في بوركينا فاصو.

القسم الثاني هي الدول التي استقلت بشكل نسبي عن  المستعمر ولكن بقيت هناك علاقات اللغة والثقافة والعلاقة العضوية بين المستعمر السابق وأبناء المستعمرة وأفصح مثال على هذا النموذج هي علاقة السورينام بهولندا،أو كذلك بعض المستعمرات الإنجليزية سابقا .

والنموذج الثالث والأخير هي الدول التي استقلت بشكل كامل عن المستعمر،وهناك مؤشر واضح  على الإستقلال التام, وهو اختيارها للأيديولوجية النقيض للمستعمر،  بكسر الميم طبعا، وتوجهها الإشتراكي مباشرة بعد الإستقلال ومنها الجزائر،وسوريا ،والعراق ،وليبيا واليمن الجنوبية سابقا وكوريا الشمالية وايرلندا الشمالية ومجموعة من دول أمريكا اللاتينية التي كانت مستعمرات إسبانية ،وتحولت الى دول اشتراكية على النهج البوليفاري، ويبدو أن العامل المشترك بين كل هذه الدول هو محاربتها , من جديد في مرحلة ما بعد الحرب الباردة, من طرف الدول الإمبريالية أصلا وإخضاعها للتدخل الأجنبي،من خلال الحصار الإقتصادي والمالي،والتدخل العسكري بذريعة مفهوم التدخل الإنساني كما حدث في العراق وبعدها ما يسمى بالربيع العربي،بحيث أصبح ما يسمى بمفهوم التدخل الإنساني ذريعة للهيمنة،يشبه إلى حد بعيد مفهوم الحماية في العهد الإمبريالي الأول،أقول العهد الإمبريالي الأول لاعتقادي اننا في العهد الإمبريالي الثاني, وهذا يفسر وقوف فرنسا في وجه قرار مراقبة حقوق الإنسان في الصحراء الغربية،أليست فرنسا هي صاحبة اول وثيقة حقوق الإنسان؟ .

طبعا مفهوم حقوق الإنسان،من منظور القوى الإستعمارية هو مفاهيم لقولبة النضال في الصيغ الإصلاحية والتحريفية مع الحفاظ على ديمومة الهيمنة،وجوهر الظلم في هذه الهيمنة الذي يستنهض النضال المسقف والمحدود دون حدود التغيير الجدري وهو عبارة عن مسكنات;

ومفهوم حقوق الإنسان في الفكر التحرري هو : من وجهة نظر،نقدية،تحررية،علمية،تقدمية وبديلة لمفاهيم الهيمنة.

هنا يجب أن نفهم بوضوح أن النظام الحاكم في المغرب، كحكومة وظيفية للاستعمار الفرنسي،رغم انها تحاول ان تنتقل مؤخر من الذراع الفرنسي إلى الكتف الأمريكي الإسرائيلي،لا تملك  قرارها السيادي وبالتالي لا تملك الإرادة السياسية للحل،وهذا يفسر إلى حد كبير شدودها السياسي مؤخرا وتفريطها في مصلحة الشعب المغربي،لأنه على سبيل المثال لا الحصر التفريط في العلاقة الجزائرية وفقدان هبة الغاز الطبيعي الجزائري سيكلف غاليا جيوب أبناء الشعب المغربي الفقير.


إلى حد كتابة هذا التصور لم تعلن الأمانة العامة للأمم المتحدة ،عن تعيين دي مستورا، وأتمنى ان لا تفعل قبل أن تجد أسس حقيقية للحل, موقعة مع الطرفين، وبمشاركة الإتحاد الإفريقي ،لأن أي تحييد دور الإتحاد الإفريقي ستكون له عواقب وخيمة على السلم والأمن الدوليين في القارة لأن إعادة التجربة بنفس شروطها السابقة ستعطي لا محالة نفس النتائج.

أما بالنسبة للطرف الصحراوي فقد عمق تجربة, كانت إلى حد ما تنقصه خلال مسلسل السلام الأول، وأصبح يدرك جيدا أن ورقة ضغطه الوحيدة، هي المقاومة سواء منها الرفض الشعبي المناهض للاحتلال في المناطق المحتلة أو المقاومة المسلحة الباسلة التي يقوم بها الجيش الشعبي، وعليه ان لا يخضع هذه الورقة للمفاوضات ولا يفرط فيها إلا بعد إنتهاء الأمم المتحدة من تنظيم الحل القانوني المتمثل في تقرير مصير الشعب الصحراوي،خصوصا وانه  الآن صاحب المبادرة و متحرر من كل الالتزامات، وأن فرنسا هي من أجهض مراقبة حقوق الإنسان من طرف المينورسو، والمغرب هو من انتهك مسلسل السلام وغيَّر الأرضية, وجعله غير قابل للتنفيذ على الأسس السابقة، ويبقى حسن استغلال كل هذه الشروط الذاتية والموضوعية ،هو الذي يحدد المكاسب والانتصارات المستقبلية.

إلى أرواح الشهداء البررة الذين اناروا بدمائهم الزكية مستقبل هذا الشعب.

 بقلم : حسان ميليد علي (بوليساريو)

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *