-->

الامارات والصحراء الغربية، وهزيمة إخوان المغرب...

 


لا تبدو لي هزيمة مايسمون ب"الإسلاميين" بالمغرب بالأمر المفاجئ أبدا،  بحصول ما يعرف ب"حزب العدالة والتنمية" على 13 مقعدًا فقط من مجموع مقاعد البرلمان، وإذا كان التصويت العقابي جزء يسير من الصورة، نتيجة فشل الحزب في عديد الملفات والوعود وتخليه عن هويته المدعاة، فإن الأمر أبعد وأعقد من ذلك بكثير، خاصة مع هذه الهزيمة الكبرى، وإنتقال الحزب من المرتبة الأولى في الإنتخابات السابقة إلى تذيله الترتيب، ونزوله للمرتبة الثامنة دفعة واحدة، بشكل لم يتوقعه أكثر المتشائمين وخصومه السياسيين، فما هي الأسباب الحقيقة لهزيمة "إخوان المغرب"؟، وما علاقة ذلك بملف الصحراء الغربية؟.


- لقد كانت كل المقدمات ومنها، قانون القاسم الانتخابي، وتراجع الحزب في إنتخابات القطاعات المهنية، وتحول سلطة الديكور (حزب العدالة والتنمية) لمصد في وجه المطالب الإجتماعية، يتلقى الإنتقاد بدلا عن الحاكم الفعلي (الملك محمد السادس)، فقد كانت كل تلك المعطيات توحي ببرمجة الهزيمة وهندستها بشكل ممنهج من طرف دوائر الدولة العميقة في المغرب (القصر، أجهزة المخابرات والجيش، الإدارة، القضاء، رجال الأعمال...)، بعد إنتهاء دور "إخوان المغرب" المفصل بدقة لغرض تجاوز مرحلة ما يسمى ب"الربيع العربي"، حيث عرف أنذاك المخزن المغربي وهو المعروف بمكره الشديد، عرف أنه لا مناص من إشراك "الإخوان المسلمين" في السلطة ولو شكليا لتخطئ موجة الإنتفاضات الشعبية التي عرفها العالم العربي منذ2011، وقد نسق الحكام الفعليين الأمر على مدى سنوات مع بعض دول البترودولار الخليجية، حيث تفهمت تلك الأنظمة الثرية في الخليج( الإمارات والسعودية) هذه الحيلة المخزنية الماكرة وصمتت على غير عادتها عن ما تعتبره "خطيئة" إشراك ما تسميه تلك الدول ب"الاسلام السياسي" في الحكم الصوري لمملكة الحشيش، ولم تشن حملات إعلامية مكثفة كما هو معهود منها، بل أكتفت بمراقبة إنتهاء التمثيلية مع قليل من الإنتقاد الهامشي، وكختام أمن ومرتب لهذا التفهم لمسرحية إشراك الإخوان المسلمين في الحكم بالمغرب، قايضة الإمارات العربية المتحدة وبدرجة أقل المملكة العربية السعودية القصر الملكي بدعمهما للإحتلال المغربي في الصحراء الغربية وفي مختلف الصعد مقابل التخلص من حزب العدالة والتنمية، وقد طبخ الأمر على نار هادئة، وساهم في تسهيل المهمة السقوط الحر ل"إخوان المغرب" بكل سذاجة وغباء قل نظيره، في كل الفخوخ المنصوبة من قبل أجهزة الدولة العميقة المغربية، وهي المتحالفة مع الإمارات، حيث تمتلك هذه الأخيرة (الإمارات) الرغبة الجامحة وبشدة في إنهاء أي دور سياسي للإخوان المسلمين في العالم العربي والإسلامي، ومستعدة في هذا الصدد لكل الخيارات وأن تدفع المليارات.


وبغض النظر عن شفافية الإنتخابات المفقودة أصلا، وتحكم الإدارة فيها (الداخلية)، ورسمها لقواعد اللعبة، بما يتوافق مع ماتمليه مصلحة المخزن، والتساؤلات المثارة حول إنتقال نسبة المشاركة إلى حوالي 50% نهاية اليوم،  بعد أن كانت أكثر من 10% بقليل في منتصف اليوم، بغض النظر عن كل ذلك، فقد تراجعت شعبية الحزب "المهزوم" بشكل ملحوظ، وظهر جليا بثوب المتشبث بالسلطة أكثر من المبادئ والثوابت التي كان يدعيها قادة "إخوان المغرب"، ويفاخرون بالتميز بها عن غيرهم من "أحزاب البلاط الملكي" ويعلنون التمسك بمنطلقاتها، وأنجلى الغبار عن تناقضات الحزب وتعرى من عباءة الدين وجلباب "القدسية" المصطنعة التي صعد بها إلى السلطة، وأتضحت صورته كحزب باحث عن منافع وإمتيازات الدنيا لا غير، إسوأة بغيره من الأحزاب الوظيفية التابعة للقصر، العلمانية والليبرالية منها والشيوعية و"الوطنية"...، وذلك عقب الدفع بالحزب ذو التوجه الإخواني من قبل القصر وبتوجيهات إماراتية واضحة إلى إرتكاب أخطاء فادحة منافية لتوجهاته السابقة وإيديولوجيته الدينية المعلنة، أكلت من رصيده الشعبي، وهزت صورته، ومنها مشاركة وموافقة البرلمان والحكومة على توجهات القصر الملكي في التطبيع مع الكيان الصهيوني الغاصب، ورفع العلاقات الإسرائيلية المغربية من خانة السرية إلى العلنية، بعد عقود ستة من التعاون السري بين الجانبين، رغم أن الجميع يعلم أن قرار التطبيع هو حصرا قرارا من السلطة الفعلية(القصر) لا السلطة الصورية(حكومة العثماني)، بل جود حزب العدالة والتنمية وزاد وفاجئ أنصاره كما خصومه السياسيين بتوقيع إتفاق التطبيع من قبل رئيس الحكومة الأمين العام للحزب المدعو سعد الدين العثماني، في مخالفة برتوكولية واضحة، تحمل رسائل عدة، نزولا عند أوامر القصر المستوحات من مطلب إماراتي شخصي، ثأرا من العثماني الذي أنتقد تطبيع الإمارات من الكيان العبري في تصريحات رسمية، وقد كانت أدبيات البرتوكول تقتضي أن يجلس عراب الإتفاق وزير الخارجية المغربي المدعو ناصر بوريطة أو مستشار الملك المغربي اليهودي "أزولاي" مع نظيره الصهيوني "مائير بن شابات" والأمريكي اليهودي "جارييد كوشنير"، وهو ما أظهر العثماني في موقف محرج وبئيس، حيث كان الرجل الضعيف الشخصية والمتلون يعتبر "التطبيع مع الكيان العبري غدرا بالفلسطينين، وتشجيعا للصهاينة على إرتكاب مزيد من الجرائم في الأراضي المقدسة"، ضف الى ذلك تشريع القنب الهندي (الكيف)، إستنادا لمقترح مقدم من وزارة الداخلية المغربية في الحكومة التي يترأسها "الإخوان"، كما تراجعت حكومة العثماني على عديد المزايا الإجتماعية التي كانت مقدمة للفئات الهشة، فيما حابت وعملت لصالح أغنياء المغرب، وقمعت بالقوة إحتجاجات الأساتذة، وفرضت فرنسة التعليم. 


وتأتي هزيمة حزب العدالة والتنمية ذو الميول الإخواتية في إطار إقليمي ودولي أوسع، يشهد تراجعا واضحا لتيارات ما يسمى ب"الإسلام السياسي" المدعومة من قطر وتركيا لصالح نمو وتزايد نفوذ دولة الإمارات والتيارات العلمانية المقربة من أبوظبي، بعدما حدث في تونس وقبلها مصر واليمن وليبيا...، كما تأتي هزيمة الحزب كتنفيذ متوقع لأحد أبرز بنود الإتفاق السري الذي مرر دون علم الإمعة المتملق للقصر المدعو سعدالدين العثماني، وهو الإتفاق الضمني بين دواليب سلطة المخزن المغربي ودولة الإمارات، والمتضمن إضافة لإستثمارات بالموانئ الصحراوية وكذا المغربية، ورفع التطبيع المغربي الصهيوني من السرية إلى العلنية، والشامل لمقايضة الإمارات لدعمها للمجهود الحربي والدبلوماسي والإعلامي للإحتلال المغربي في بلادنا مقابل طرد إخوان المغرب من السلطة، وقد يصل الأمر ببعضهم حد التصفية الجسدية أو السجن أو النفي لاحقا...، بعد أن أكتملت مهمة الحزب ذو الوجهين في مشاركة القصر في تجاوز مراحل سياسية وإجتماعية وإقتصادية...صعبة عرفتها مملكة التطبيع، حيث تحمل في هذا الإطار "إخوان المغرب" الأعباء الثقيلة في مواجهة الشعب حماية لصورة الملك المتحكم الفعلي في مقاليد السلطة، رغم أن الحزب مجرد ديكور ليس إلا، وقد علم المراقبون للمشهد السياسي المغربي أن تيار الإخوان المسلمين بالمغرب كان مجرد حواجز صد أستعمل لعقد من الزمن وأنتهت صلاحيته وحان وقت أن يرمى في مكب النفايات، بعد أن أصابته الميوعة وتخلى عن كل خصوصياته وإيديولوجياته المميزة له، وأضحى كغيره من الأحزاب الوظيفية للدولة بيدقا لتجميل السلطة الفعلية (القصر).

عالي محمدلمين

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *