-->

المسجد الأقصى جامع الفلسطينيين وحامي هويتهم وجمرة نضالهم ضد الاحتلال

 


رغم أنها تعرف نفسها بـ«التغيير» وتشارك فيها أحزاب يسارية-صهيونية ومدعومة من القائمة العربية الموحدة (الحركة الإسلامية-الشق الجنوبي) لكن حكومة الاحتلال الحالية اقترفت قدرا كبيرا من البطش بحق الفلسطينيين يكاد يكون غير مسبوق في الأسبوع الأخير. فمنذ عملية تل أبيب قتلت قوات الاحتلال 25 فلسطينيا بعضهم نساء وبعضهم لم يكن جزءا من أي فعل مقاوم. وفي يوم الجمعة الأخير تجلى هذا البطش باعتداءات على المصلين في الأقصى وصفتها جهات فلسطينية كثيرة بالوحشية والهمجية. اعتقلت سلطات الاحتلال في يوم واحد نحو 500 شاب داخل الحرم القدسي وأصابت حوالي 150 آخرين، عشرات منهم ما زالوا يرقدون في المستشفى معظمهم من القدس وفلسطينيي الداخل بعد إغلاق الضفة الغربية وحرمان أهلها من بلوغ القدس ضمن إغلاق الفصح والإجراءات الأمنية الوقائية والعقاب الجماعي التأديبي. ويبدو أن جملة عوامل خلف هذا التصعيد الإسرائيلي المتعمد منذ نحو عشرة أيام أولها الرغبة بالانتقام لأن عملية تل أبيب جاءت موجعة بمكانها وتوقيتها وملابساتها، فقد حدثت رغم الإجراءات الأمنية الصارمة عقب عمليات سابقة وفي قلب تل أبيب. وما زاد من حالة الغضب والرغبة بالانتقام نجاح منفذ العملية من البقاء في تل أبيب ويافا تسع ساعات رغم حشد آلاف الجنود من كافة الوحدات نقلت قنوات التلفزيون حالة فوضى عارمة لهم وهم يهيمون على أنفسهم دون حيلة في محاولة للحاق بمنفذ العملية الشاب رعد فتحي من مخيم جنين، ابن عائلة مهجرة من مدينة شفاعمرو داخل أراضي 48. بعد هذه العمليات الفلسطينية المتتالية سادت حالة هلع وخوف لدى أوساط إسرائيلية دفعت حكومة الاحتلال للتصعيد و«الانتقال من الدفاع للهجوم» كما جاء في بيانها والهدف ليس أمنيا وقائيا فحسب فالمداهمات والاعتقالات وجرائم القتل وتدنيس الأقصى جاءت مدفوعة بالرغبة لقتل روح الفلسطينيين واحتلال وعيهم وترهيبهم ظانة أنها بذلك تخضعهم وتحسم الصراع معهم.
طيلة عقود اعتمدت إسرائيل عقيدة القوة المفرطة مع الفلسطينيين والقائمة على مبدأ ما لا يأتي بالقوة يأتي بالمزيد منها. وقد أشاد بهذه العقيدة وزير الأمن الإسرائيلي الأسبق موشيه ياعلون في كتاب مذكراته «طريق طويل طريق قصير» وطبقها رئيس حكومة الاحتلال الراحل أرئيل شارون بشكل فظ خاصة في مطلع الانتفاضة الثانية. اللافت أن شارون نفسه عاد واستنتج بأن هذه العقيدة لا تكفي، وأقر لاحقا في لقاءات صحافية بأن هناك حدودا للقوة وهذا يفسر إقدامه على فك الارتباط مع غزة. غير أن حكومة الاحتلال الحالية عادت لهذه العقيدة وتبتغي كسر روح الفلسطينيين بكل وسيلة ضمن المعركة الدائرة على الوعي وهذا لكونها حكومة ضعيفة باتت بطة عرجاء بسبب فقدانها الأغلبية في الكنيست بعد انسحاب أحد أعضاء الائتلاف الحاكم قبل أسبوعين. كما أن مزاودات المعارضة عليها واتهامها بالعجز والضعف وتشجيع «الإرهاب» يدفعها للتصعيد ولارتكاب مثل هذه الحماقات داخل الحرم القدسي الشريف في محاولة لإيصال رسالة سياسية داخلية للإسرائيليين.




هبة نيسان
في المقابل لا مفر أمام الفلسطينيين سوى محاصرة حصارهم، فهم يواجهون حالة ضيق تدفع بالضرورة للتصدي لاحتلال يقتلهم كل يوم. عبّر عما يدور في خلد الفلسطينيين الصحافي محمد دراغمة ابن مدينة طوباس المقيم في رام الله بقوله «نيسان هو شهر التمرد والانقلاب والتغيير عند الأرض وعند الإنسان في بلادنا، فيه تطوي الأرض فصل الشتاء القاسي وتكتسي حلتها الخضراء الجديدة والجميلة، وربما توافق توقيت التغيير عند الأرض مع توقيت الحاجة والسعي إلى التغيير عند الإنسان الفلسطيني. واضح أننا أمام موجة احتجاجات شعبية واسعة متصاعدة يمكن أن نسميها هبة شعبية أو هبة نيسان أو احتجاجات نيسان. هذه الاحتجاجات جاءت ردا صارخا على جملة من السياسات والإجراءات الإسرائيلية والدولية». كما يوضح دراغمة إنه من ناحية إسرائيل دخل الاحتلال مرحلة جديدة هي التهديد الوجودي للفلسطينيين ويدلل على ذلك بالقول: الاستيطان وصل إلى مرحلة خنق الفلسطينيين، فالمستوطنات توسعت وأصبحت تهدد الوجود الفلسطيني من حيث السيطرة على مصادر الحياة وفضاءات الحركة والوجود. الاستيطان اليوم يعني انه لم يعد للفلسطينيين ماء للشرب ولا أي أرض للزراعة والبناء وبعض المناطق تصلها المياه مرة في الشهر، ولم يعد الفلسطيني قادرا على الحصول على قطعة أرض لبناء بيت لأسرته، لم يعد الفلسطيني قادرا على الحركة بين المدن بسبب أزمات المرور الحادة الناجمة عن التوسع الاستيطاني وعدم وجود أرض لشق طرق». ويتفق دراغمة مع الكثير من المراقبين ممن يشيرون أيضا لدور فقدان الأمل وانسداد الأفق أمام الفلسطينيين ويقول إن إسرائيل أغلقت الطريق أمام أي أمل بحل سياسي وذهبت إلى حلول اقتصادية وحياتية. ويؤكد أيضا أن العالم ساهم في فقدان الأمل وسيادة الإحباط عندما هب للوقوف مع الشعب الأوكراني وقدم له كل أشكال العون والدعم العسكري والسياسي والإنساني لمواجهة الغزو الروسي وفرض على روسيا عقوبات خانقة فيما تجاهل كل الإجراءات الإسرائيلية التي وصلت حد التهديد الوجودي للفلسطينيين. ويخلص للقول «الإجراءات الإسرائيلية والموقف الدولي أديا إلى إصابة الفلسطيني بإحباط شديد وعندما يصاب الإنسان بالإحباط وفقدان الأمل وتتساوى عنده الحياة مع الموت يذهب إلى خيارات متطرفة مثل العمليات الفردية ذات الطابع الانتقامي».
هبة أم انتفاضة شعبية؟
وردا على سؤال يرى دراغمة أنه يمكن لهذه الاحتجاجات أن تتحول إلى انتفاضة شعبية في حال واحدة هي وجود قوى سياسية متفقة على قيادتها وتنظيم فعاليتها ومدها بالحياة والاستمرارية. ويتابع «هذا لا يبدو متوفرا لأن السلطة ابتلعت حركة فتح التي تمثل العمود الفقري لمنظمة التحرير ومشروعها التحرري، وبسبب الانقسام الذي فتت الحركة الوطنية الفلسطينية وشتت قواها وأهدافها ودمر المؤسسة التمثيلية وهي المجلس التشريعي». لذلك يرجح ان تستمر هذه الموجة من الاحتجاجات من خلال عمليات فردية وهبات شعبية في مواجهة كل أشكال الوجود العسكري الإسرائيلي مثل الاقتحامات اليومية التي يقوم بها جيش الاحتلال بهدف الاعتقال أو إغلاق المؤسسات وغيرها.




مركزية الأقصى
ولا شك أن الحرم القدسي الشريف عامل مهم في تأجيج هذا الصراع، وانتهاكات حرماته تصب الزيت على نار الصراع، فهو صرح تاريخي حضاري وديني ووطني يجمع الفلسطينيين على طرفي الخط الأخضر ما يفسر مشاركة فلسطينيي الداخل بقوة في هبة الكرامة خلال أيار/مايو 2021 رغم تدهور أحوال الأحزاب وحالة الردة السياسية داخل أراضي 48. وهذا يفسر اندفاع المئات من فلسطينيي الداخل أمس الأول أيضا للأقصى والرباط فيه طيلة ليلة الجمعة وما زال العشرات منهم معتقلون أو جرحى في المستشفيات المقدسية، فهو بالنسبة لهم مس بالقلب وبالوجدان وخط أحمر. وما زاد من حالة الهيجان والغضب لدى الفلسطينيين على طرفي الخط الأخضر التقارير الصحافية حول استعدادات جماعات الهيكل لاقتحام الأقصى في عيد الفصح مع تقديمها قرابين داخل الأقصى علاوة على ممارسة شعائر تلمودية في الحرم ومحيطه في الأيام الأخيرة بموافقة سلطات الاحتلال ومعرفتها.
الاعتداء على الصحافيّ رامي خطيب
أبرق مركز «إعلام» الحقوقي من مقره في مدينة الناصرة داخل أراضي 48 رسالة إلى وزير الأمن الداخلي، عومر بار ليف، مطالبًا بالتحقيق في حادثة الاعتداء على الصحافي والمصور المقدسيّ رامي خطيب صباح الجمعة في باحات المسجد الأقصى. وكان الصحافي خطيب تعرّض إلى ضرب مُبرح من قبل فرقة من الجنود ما أدى إلى تلقيه المساعدة الطبية حيث اتضح لاحقًا ان يده كُسِرت. ووثقت الكاميرات هرولة فرقة من الجنود تجاه خطيب أثناء تأدية مهامه الصحافيّة والتصوير، وقامت لاحقًا بركله وضربه في جميع أنحاء جسده بالعصي ما أدى إلى سقوطه أرضًا مغشيًا عليه. وأوضح مركز «إعلام» في رسالته أنّ الاعتداء على الصحافيين العاملين على تغطية الأحداث ينافي القوانين الدوليّة والمحلية خاصةً أنّ العمل الصحافيّ محمي لضمان حق التعبير وحق المعرفة للجمهور. كما أوضح أنّ الاعتداء الجسدي على الصحافي خطيب لا يقتصر فقط على اعتداء على الحقوق المذكورة أعلاه، إنما على حقه في العمل حيث سيمنع الحادث وكسر يده عمله في المجال لعدة أيام قد تمتد إلى أشهر.
وطالب المركز وزير الأمن في حكومة الاحتلال بالتحقيق في الحادث وإصدار أوامر للشرطيين والجنود بضرورة حماية الصحافيين وتهيئة ظروف عمل تضمن لهم العمل بأمان وحرية. وذكر أنّ هذا الحادث ليس الأول، حيث وثق المركز عشرات الاعتداءات على صحافيين منذ عامين.
وديع عواودة ـ القدس العربي

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *