-->

العلاقات الجزائرية الإيطالية استثنائية وإسبانيا أصبحت شريكا ثانويا للجزائر وروسيا حليفا تقليديا


خلفت الزيارة التي قادت رئيس الوزراء الإيطالي، ماريو دراغي، توجسا لدى بعض الدول الأوروبية وعلى رأسها إسبانيا، غير أن العلاقات بين الجزائر وروما ليست وليدة اليوم، وهي تعود في تاريخها إلى عمق كفاح الشعب الجزائري من أجل التحرر عن فرنسا، والفضل في ذلك مرده إلى العلاقات الوثيقة التي ربطها مؤسس المخابرات الجزائرية، الراحل عبد الحفيظ بوالصوف، مع رجل الطاقة الإيطالي، الراحل أنريكو ماتيي.
إسبانيا أصبحت شريكا ثانويا وروسيا حليفا تقليديا
هذه المقاربة كشفها في اتصال مع “الشروق” المجاهد والدبلوماسي، أحمد لقرع، الذي غاص في عمق العلاقات التاريخية بين الجزائر وإيطاليا، مسربا بعضا مما دار خلف الأبواب المغلقة، خلال زيارة المسؤول الإيطالي إلى الجزائر.
يقول الدبلوماسي: “بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وانهزام ألمانيا النازية وحليفتها “إيطاليا موسوليني”، ومسارعة القوى المنتصرة الولايات المتحدة الأمريكية وإنجلترا والاتحاد السوفياتي، لاقتسام مزايا هذا الانتصار، كانت إيطاليا باعتبارها منهزمة، ضحية النظام العالمي الجديد، وقد تم وضعها في الزاوية، فيما احتار مسؤولوها في كيفية الوصول إلى مصادر الطاقة في العالم، ولا سيما في ليبيا التي كانت مستعمرة إيطالية سابقة.
كان أنريكو ماتيي وهو سياسيي ورجل أعمال وإداري بارز نشط في مجال إنشاء شركات صناعة النفط والمؤسس التاريخي لشركة “إيني”، يقول الدبلوماسي لقرع، يبحث عن الوصول إلى مصادر النفط، غير أن وضع بلاده بعد الحرب العالمية الثانية لم يسمح له بتحقيق ذلك، بسبب الحصار الذي سلط عليها من قبل القوى المنتصرة في الحرب العالمية الثانية.

بوادر العلاقة بين أنريكو ماتيي والثورة التحريرية بدأت من جمهورية الصين الشعبية، يقول المتحدث: “بينما كان الزعيم الإيطالي على متن الطائرة مغادرا بكين، لاحظ وفدا يحظى باحترام كبير في البروتوكول من قبل الصينيين، ولما سأل عن هوية هذا الوفد المميز، قيل له بأن هذا وفد الحكومة الجزائرية المؤقتة”.

ويضيف: “من غرائب الصدف، أن هذه الطائرة ولأسباب جوية توقفت في سيبيريا بالاتحاد السوفياتي حينها وبقيت هناك، فتم إيواء الوفد الجزائري الذي كان وزير خارجية الحكومة المؤقتة، سعد دحلب، والوفد الإيطالي الذي كان يقوده أنريكو ماتيي في فندق واحد، وحتى الغرف كانت قريبة من بعضها البعض، ولما ينادي النادل عليهم من أجل تناول الوجبات، كان سعد دحلب يلتقي مع ماتيي في أروقة الفندق فتوطدت العلاقة بينهما”.
ولما عاد وفد الحكومة المؤقتة إلى الجزائر، أبلغ سعد دحلب، الراحل عبد الحفيظ بوالصوف، وكان يومها وزيرا للتسليح والاتصالات العامة (MALG) في الحكومة المؤقتة، بعلاقته بصديقه الإيطالي، فحرص الراحل بوالصوف على ربط الاتصال به مباشرة للاستفادة من خبرته في مجال النفط، وبفضله حصلت الحكومة المؤقتة على ملفات لا تقدر بثمن، اعتمدت عليها في إدارة المفاوضات مع فرنسا في قضية الصحراء والنفط، في مفاوضات إيفيان.
كان الراحل بوالصوف على قدر خارق من الذكاء، يقول الدبلوماسي لقرع، ولذلك قرر الاستفادة منه أقصى ما يمكن من أجل القضية الجزائرية، وحصر الاتصال بينه وبين ماتيي فقط، الأمر الذي ساعد الحكومة المؤقتة على مواجهة فرنسا بالحجة والدليل، من أجل الحصول على الحقوق الجزائرية كاملة في النفط الجزائري بالصحراء.
وبالمقابل، يقول لقرع، طلب ماتيي من بوالصوف مساعدة الشركات الإيطالية الناشطة في قطاع الطاقة، على الخروج من الحصار المفروض عليها من قبل الشركات الأمريكية والإنجليزية والفرنسية، فوافق بوالصوف على هذا الطلب وسأله عن الدولة التي يريد الاستثمار فيها، فرد الصديق الإيطالي بأنه يفضل ليبيا باعتبارها كانت مستعمرة إيطالية سابقة. حينها، يقول الدبلوماسي، اتصل بوالصوف مباشرة بالملك الليبي، إدريس السنوسي (من أصول جزائرية).
ورغم الضغوط الكبيرة التي سلطتها الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وإنجلترا على الملك الليبي لحثه على عدم التعاون مع أنريكو ماتي باعتباره إيطاليا، يقول المتحدث، إلا أن بوالصوف تمكن من إقناع الملك الليبي بعدم الخضوع لتلك الضغوط، والموافقة على منح “مربع” للشركة الإيطالية “إيني” للبحث عن النفط، وهو ما حصل، وبفضل بالصوف وصل الإيطاليون إلى مصادر النفط في ليبيا.

وللأسف، يقول الدبلوماسي، في النهاية دفع صديق الثورة الجزائرية، أنريكو ماتيي، حياته في سنة 1962، بسبب دعمه للثورة الجزائرية، حيث اغتيل هو ورئيس بلدية إيفيان، التي احتضنت المفاوضات بين وفد الحكومة الجزائرية المؤقتة والحكومة الفرنسية، والتي توجت بالتوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار ومن ثم استقلال الجزائر. ولذلك تبقى العلاقات الجزائرية الإيطالية تاريخية لأنها ترعرعت في أحضان معاناة الجزائريين وصديقهم ماتيي من أجل خدمة بلاده.

وبالنسبة للاتفاق الموقع بين الجزائر وروما خلال زيارة رئيس الوزراء الإيطالي، ماريو دراغي، هذا الأسبوع إلى الجزائر، يقول المتحدث، فهو يستهدف تحقيق ثلاث نقاط رئيسية، النقطة الأولى هي جعل إيطاليا الشريك الرئيسي من دون منازع في مجال الطاقة، وتحجيم دور إسبانيا إلى مجرد شريك ثانوي كغيره من الدول الأخرى التي تشتري الغاز الجزائري، في حين أن العلاقة بينهما تبقى محكومة بالاتفاقيات المبرمة سلفا، مع خسارتها الميزة التفضيلية في الأسعار، التي كانت تتمتع بها قبل انحراف موقفها من القضية الصحراوية.
أما النقطة الثانية، يقول الدبلوماسي، فتتمثل في تعزيز العلاقات مع إيطاليا بشكل غير مسبوق، ليس فقط في مجال الغاز بل البترول أيضا، حيث منحت السلطات الجزائرية، مربعا لشركة “إيني”، بجنوب الجزائر من أجل استكشاف المزيد من النفط، انطلاقا أيضا من قناعة مفادها أن تعزيز العلاقات مع إيطاليا، هو تعزيز للعلاقات مع الاتحاد الأوروبي، الذي يربطنا به اتفاق شراكة منذ 2005، يقول الدبلوماسي لقرع، لكن من دون الإضرار بالعلاقات مع الحليف الطبيعي والتقليدي للجزائر، ممثلا في روسيا، وهي النقطة الثالثة.
المصدر: الشروق الجزائرية

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *