واشنطن بوست: تطبيع الإمارات علاقتها مع دمشق أدى لتدفق الشبان السوريين إلى دبي
لندن -“القدس العربي”: نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريرا للصحافية سارة دعدوش أشارت فيه إلى زيادة أعداد الشبان الوافدين إلى الإمارات من سوريا بعد حالة الانفتاح بين البلدين. ويجد الشبان الذين قدر لهم الخروج من سوريا عالما مختلفا عن عالم عاشوه، بدون كهرباء ونقص المواد الأساسية.
وقال الشاب جيمي الجيجي، 30 عاما إنه صدم عندما انتقل من سوريا إلى دبي “بصراحة، كانت هناك أوقات كانت فيها عيناي تؤلماني”. وفي أول ليلة له في دبي، لم يستطع النوم، ويقول: “ظللت أفكر.. يا إلهي، هل أنا هنا حقا؟”. وجاء تدفق الشبان السوريين بعدما خففت الدولة الخليجية قيود التأشيرات على السوريين، وذلك قبل 7 أشهر أو يزيد. وتضيف أن أوضح مثال على تحسن العلاقات هي استضافة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حاكم دبي، رئيس النظام السوري بشار الأسد في أول زيارة له إلى دولة عربية منذ اندلاع الحرب الأهلية السورية في عام 2011. وأثارت الزيارة غضب معارضي النظام السوري، وشكلت صدعا في حملتهم الدولية لضمان بقاء سوريا الأسد دولة منبوذة.
وبالنسبة لملايين الناس العاديين الذين يعيشون في المناطق التي يسيطر عليها الأسد، مثلت زيارة الأسد إلى الإمارات فتحا من نوع ما ورفع الآمال بإنهاء عزلتهم الطويلة وكذلك الهروب من سوريا، حيث يعاني الناس من نقص في التفاؤل والوظائف والضروريات، من الكهرباء إلى الماء.
تأرجح الإمارات، إلى جانب المواقف اللينة تجاه سوريا من قبل بعض حلفاء الدولة الخليجية، أثار الجدل حول فعالية وأخلاق تطبيع العلاقات مع حكومة ارتكبت انتهاكات فظيعة لحقوق الإنسان.
ويأتي التحول في الموقف الإماراتي بعدما دعمت أبو ظبي المعارضة السورية الهادفة للإطاحة بنظام دمشق. وأعادت فتح سفارتها في سوريا عام 2018. ووصف أنور قرقاش، الوزير في الخارجية الإماراتية آنذاك قرار إعادة فتح السفارة بأنها خطوة نحو إنهاء الحرب الأهلية وشدد على أهمية الحفاظ على “سوريا موحدة وقادرة وعربية”.
وتشير الصحيفة أن تأرجح الإمارات، إلى جانب المواقف اللينة تجاه سوريا من قبل بعض حلفاء الدولة الخليجية، أثار الجدل حول فعالية وأخلاق تطبيع العلاقات مع حكومة ارتكبت انتهاكات فظيعة لحقوق الإنسان. وتبرر الإمارات توجهها نحو فتح العلاقات مع النظام السوري بأنها خطوة نحو وقف الحرب الأهلية وإن كانت عزلة النظام التي أكدتها ولو جزئيا العقوبات الدولية عليه، مفيدة في وقف النزاع.
وقال عمار الرجال، 23 عاما، الذي وصل إلى الإمارات قبل بضعة أسابيع: “لا يمكننا أبدا اللحاق بالركب”، ويأمل أن يجد وظيفة في هندسة الطرق، المجال الذي اختاره – إنجازات كانت مستحيلة قبل انتقاله، مضيفا “أعتقد أننا خسرنا سوريا”.
وتقول الصحيفة إن جيجي، الذي كان يعمل في مطاعم في سوريا وجد بعد وصوله إلى دبي، عملا كنادل في مطعم يديره طاه سوري شهير. وفي كل صباح، يتصل بأقرب أصدقائه في الوطن ويحاول إقناعه بالمغادرة. يقول: “إن تواجدك في سوريا مضيعة لك”. وفقدت مناشدات جيجي بعضا من إلحاحها مؤخرا: بعد رؤية صور الأسد وحاكم دبي ولم يعد قلقا من أن الإمارات ستتوقف عن منح تأشيرات دخول للسوريين. وقال إن الزيارة “تظهر أن هناك علاقات كانت تحت الطاولة، وهي الآن فوق الطاولة”. ووصف جيجي الحياة في سوريا بالمتجمدة والعمل المستمر لسد الرمق. وعانى كثيرا عندما رفض مغادرة مدينة حلب شمال البلاد، وبقي فيها أثناء المعركة الشرسة التي استمرت لسنوات بين الثوار والنظام وفرح عندما استعاد الأسد المدينة في عام 2016. ولم يكن ذلك نهاية المحن في بلاده، وجلبت السنوات القليلة الماضية موجات من الخراب الاقتصادي.
ففي جميع أنحاء سوريا، في المناطق التي يسيطر عليها الثوار أو التي تسيطر عليها قوات النظام، تعلم السكان العيش مع الحاجة، بما في ذلك نقص غاز الطهي والبنزين. تاريخيا، كانت البلاد سلة خبز، واليوم تعاني من انهيار إنتاج القمح بسبب مزيج من الجفاف وارتفاع الأسعار. تضاعفت تكاليف المواد الغذائية الأساسية في المطبخ مثل الطماطم والخيار والليمون تقريبا في الأسبوعين الماضيين.
وقال جيجي إن النجاة مما أسماها “حربا اقتصادية” – في إشارة إلى العقوبات الغربية – كان صعبا للغاية. ولهذا بدأ بتقييم حياته: لم يستطع، مقابل راتبه المتواضع، شراء سيارة أو هاتف جديد أو هدية عيد ميلاد لنفسه. حتى عندما كان لديه المال، بقي القلق بشأن المستقبل يمنعه من الإنفاق. قال: “لا يمكنك أن تنفق هكذا في سوريا، خوفا من أن يكون القادم أسوأ”.
أما حسن ديوب، 27 عاما، فظل في سوريا لإثبات أمر: هو أنه ما زالت هناك عقول مجتهدة وفضولية. وأنشأ ديوب، الذي درس هندسة أنظمة التحكم، ناد للذكاء الاصطناعي، وفي عام 2018 تمت دعوته إلى دورة تدريب في لبنان – وهي الرحلة التي أعطته لمحة أولى عن مدى تخلف سوريا عن الركب.
وصل متأخرا يوما عن بداية دورة التدريب، بعد أن كافح لجمع 2000 دولار نقدا والتي يطلب حرس الحدود من السوريين الحصول عليها قبل أن يتمكنوا من مغادرة البلاد. عندما وصل، يقول إنه شعر “كما لو أنني ذهبت إلى كوكب آخر، لكنه كوكب يعمل”.
عاد ديوب إلى الوطن مفعما بالنشاط. أطلق مشروع الواقع المعزز، بالشراكة مع جامعة سورية لمساعدة طلاب طب الأسنان على تعلم المهارات التطبيقية. إلا أن فرص أعمال التكنولوجيا الناشئة في سوريا محدودة. فلم يكن لدى ديوب، مثل كثير من السوريين حساب بنكي. وتشتهر الإنترنت في سوريا بضعفها. والمدفوعات عبر الإنترنت صعبة بسبب العقوبات. ويقول: “في سوريا، أنت تبيع التطبيقات بالطريقة نفسها التي تبيع بها زوجا من الأحذية: تأتي شخصيا لاستلامها وتسلم النقود”. وشكك في الحاجة إلى عقوبات تؤثر على المواطنين العاديين – على سبيل المثال، منع الوصول في سوريا إلى موقع كورسيرا، مزود الدورات التدريبية عبر الإنترنت ومقره الولايات المتحدة. ويسأل كيف يمكن لذلك أن يساعد أي شخص.
واليوم يعمل من 12 إلى 14 ساعة في شركته الجديدة في دبي. ويعتقد أن زيارة الأسد أعطت السوريين بصيص أمل لكنه لم يكن متأكدا مما إذا كان ينبغي أن نكون متفائلين. قال: “لا إجابة، لأنه عندما يتعلق الأمر بسوريا.. كل شيء هو تخمين”.
وقصة عمار الرجال لا تختلف عن البقية، فقد غادر سوريا بعد المدرسة الثانوية وانتقل إلى ماليزيا، وهي واحدة من الدول القليلة التي لا تطلب من السوريين الحصول على تأشيرة. عاد الشاب البالغ من العمر 23 عاما إلى دمشق في عام 2019 بسبب مشاكل الإقامة إلى مدينة لا يمكن التعرف عليها. وقال: “الكهرباء والمياه والبنزين والوقود والديزل، كل هذه الأشياء الأساسية، كلها لم تعد متوفرة”.
وفي الشهر الماضي سافر إلى دبي، المكان الذي شعر أنه المستقبل. وتتوفر خدمة واي فاي في معظم الأماكن. وتتوفر محطات الشحن بالطاقة الشمسية في الشواطئ العامة.
زار عمار معرض دبي إكسبو 2020، الذي أقيم في موقع مترامي الأطراف استضاف أجنحة من 192 دولة. كان جناح سوريا محاطا بمنحوتات ضخمة من القمح: ذات يوم كانت محصول البلاد المميز، والآن أصبح رمزا لمجدها السابق، بسبب الحرب. وعلق قائلا “مشكلتي مع سوريا هي أنك تشعر وكأننا ما زلنا نعيش في الماضي، حيث يقول الجميع ‘اعتدنا أن نكون’ و ‘كانت لدينا أشياء جيدة’ و ‘كانت لدينا حياة'”.