-->

النظام المغربي استعمل الأسلحة الكيماوية لوأد انتفاضة الريف

 


خلفت وفاة أستاذين يشتغلان في مديرية التربية بالدريوش، مؤخرا، جراء إصابتهما بمرض السرطان، استياءً عارماً في صفوف الأسرة التربوية، معيدةً مرة أخرى، موضوع مسؤولية الاحتلال الإسباني والفرنسي والمغربي، عن انتشار “الورم الخبيث” بشكل كبير في الريف بالشمال الغربي لإفريقيا، بعد استعمالهم لمواد كيماوية في حربهم ضد الدولة الريفية.
على الرغم من أن الرباط ومدريد وباريس لم يسبق لهما أن أقروا باستعمال هذا النوع من الأسلحة، في حربهما ضد الدولة الريفية، إلا أن الشهادات الحية التي تناقلتها ألسنة السكان، بالإضافات إلى كتابات عدد من المؤرخين؛ منهم البريطاني سيباستيان بلفور، والإسباني أنخيل فينياس، والإسبانية روسا دامادرياغادا تؤكد أن الإحتلال، لجأ إلى “الكيماويات” لوأد الدولة الفتية.
تعود تفاصيل هذه الوقائع، إلى سنة 1923، حين قرر الاحتلال الإسباني بمساعدة من فرنسا والمغرب؛ وهما القوتان الاستعماريتان اللتان كانتا تسيطران على الريف وقتها، إلى استعمال عدد من الأسلحة الكيماوية، منها غاز الخردل، المستورد من ألمانيا، من أجل إنهاء الدولة الريفية التي كان يقودها محمد بن عبد الكريم الخطابي، وذلك خوفا من التهديدات المحتملة على الطموحات التوسعية لهما.
كما استعمل النظام المغربي الأسلحة الكيماوية لوأد انتفاضة الريفيين سنوات 1958-59، وخاصة غاز النابلم الذي أمطرته الطائرات المغربية وقتها.
آثار مستمرة لاستعمال الأسلحة الكيماوية
بالموازاة مع تهرب الرباط ومدريد وباريس من الاعتراف بمسؤوليتهما في استعمال الغازات السامة بالريف، فإن السكان المحليين، يؤكدون بأن هذا الأمر حدث بالفعل، والناجون من القصف، وأبناءهم، يروون تفاصيل مروعة عن وقائع تلك الفترة، وعن سقوط الناس بمجرد استنشاقه، جراء التأثيرات الخطيرة التي يتسبب فيها على الرأتين والأعين.
من ضمن الآثار الوخيمة لهذا الغاز، الذي سبق وأن استخدمته ألمانيا في الحرب العالمية الأولى، مرض السرطان، بالإضافة إلى التغيرات الوراثية، وهو ما جعل العديد من الباحثين، يربطون بين الانتشار الواسع لـ”الورم الخبيث” في المنطقة، وبين الأسلحة الكيماوية التي استعملها الاحتلال، في حربه ضد الدولة الريفية.
السرطان في كلّ بيت بالريف
لا تكاد تخلو أي عائلة في المنطقة من مرض السرطان، وفق ما أكده محمد (24 سنة)، ابن الحسيمة الريفية، الذي قال إن “الورم الخبيث، منتشر بشكل كبير جدا، وأكاد أجزم أنه لم تم إجراء دراسة، يقوم فيها الباحثون بطرق كل أبواب المدينة، وسؤال الأسر هل هناك أي شخص من العائلة يعاني أو مات بسبب المرض، فإن الإجابة ستكون نعم بنسبة تزيد عن الـ 90 في المائة”.
مواطن آخر من الحسيمة، يدعى سفيان (26 سنة)، أوضح أن “الاحتلال زرع الموت في أراضي الريف ثم رحل”، موضحاً: “نحن نأكل السمّ في كلّ ما ينبت على تراب هذه الأرض، والجميع معرض للإصابة بالسرطان، وقائمة ضحايا هذا المرض ترتفع يومياً، ولا يكاد يمرّ يوم واحد دون أن نسمع عن إصابة جديدة، أو وفاة أخرى”.
رسالة إلى ماكرون.. ومقترح رسمي في إسبانيا
في سنة 2020، وجه محموعة من النشطاء الريفيين، رسالة إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بخصوص استعمال بلاده للغازات السامة في الريف، مطالبا بتعويض الساكنة عن الأضرار الناجمة عن هذه الحرب، غير أن باريس، لا تزال لغاية الآن، تتهرب من مسؤوليتها فيما حصل بالشمال الغربي لإفريقيا، قبل ما يناهز القرن من الزمن
هذا، وسبق لجوان تاردا، المتحدث الرسمي السابق باسم “إسكيرا ريبابليكانا دي كاتالونيا”، أن طالب بالاعتراف بالمسؤولية الإسبانية في حرب الريف، بعد استعمال جيش الجنرال فرانكو، للأسلحة كيماوية، ضد السكان المدنيين، داعيا حكومة مدريد، إلى ضرورة تعويض حكومة مدريد للأشخاص المتضررين من العمل”.
وطالب الرئيس الحالي للحزب قبل أسابيع، أن على إسبانيا الاعتذار عن تلك الحرب، وإضافة بند لقانون الذاكرة الديمقراطية، ينص على “الاعتراف بمسؤوليات الدولة الإسبانية والتعويض عن الأضرار الناجمة عن استخدام الأسلحة الكيماوية في الريف”، مشدداً على أن هناك حاجة لـ”المصالحة والأخوة والتضامن مع الضحايا وأحفادهم وجميع الريفيين”، مع تعويضهم ماليا.
جدير بالذكر، أن لجوء المغرب واسبانيا، بمساعدة من فرنسا، إلى استعمال الأسلحة الكيماوية ضد سكان الريف، جاء من أجل اختلال الدولة الريفية التي كانت قد تمكنت من الانتصار على قوات الاحتلال في عدة معارك، بين سنتين 1921 و1927، الأمر الذي أدى لكارثة حقيقية، ما تزال آثارها مستمرة إلى غاية الآن، على البيئة والإنسان.

Contact Form

Name

Email *

Message *