بوادر صحوة موريتانية للجم الجرائم المغربية
شكلت الغارات والجرائم الإرهابية المغربية المتواصلة في حق المدنيين العزل من جنسية موريتانية منذ 2021، شكلت صدمة للضمير الجمعي للشعب الموريتاني، فهل يترتب عن ذلك موقفا حازما يمكن من إستعادة كبرياء الأمة الموريتانية المستباحة والمخترقة من الرباط واللوبي الموالي لها؟.
لقد شهدت المناطق الحدودية الصحراوية الموريتانية في العامين الأخيرين مجازر ومذابح متكررة وممنهجة عبر غارات همجية نفذها جيش الاحتلال المغربي أستهدفت مدنيين مسالمين، من جنسيات صحراوية وموريتانية وجزائرية، تجاوز عددهم 60 مدنيا، اكثر من نصفهم من جنسية موريتانية، جلهم منقبين عن الذهب السطحي، وما يقرب من ثلاثين مدنيا صحراويا، أغلبهم منمين ومنقبين ومسافرين، إضافة لثلاثة تجار جزائريين، قضوا في قصف قرب بلدة بئر لحلو الصحراوية المحررة في 01 نوفمبر 2021، فيما تعرض مدنيين موريتانيين لإستهدافات متكررة، كان أشدها دموية، إغتيال ثلاثة منقبين مساء الثلاثاء الفاتح نوفمبر المنصرم، وفي مذبحة مروعة أخرى، أرتكب الإحتلال المغربي يوم الجمعة 25 نوفمبر 2022 مجزرتين منفصلتين في يوم واحد، حيث أرتقى أربعة منقبين موريتانيين في منطقة "أغزومال" وصحراويين منميين في منطقة "أحفير"، كما شهد يوم أول أمس السبت 03 ديسمبر 2022 جريمة أخرى راح ضحيتها منقب عن الذهب من جنسية موريتانية.
وشكل الإستهداف المغربي المقصود للمدنيين العزل من جنسية موريتانية عبر الطائرات المسيرة والمدفعية وما نتج عنه من مذابح، شكل صدمة في الأوساط الشعبية والنخبوية على حد سواء، بدأت نتائجها في الظهور ولو بشكل محتشم، حيث بدأت أصوات تتزايد وترتفع مطالبة بإستنكار ورفض المذابح وجرائم الإبادة الجماعية ضد المدنيين الأبرياء، وعبرت أحزاب وكذا ساسة وصحفيين ونشطاء... عن شجبهم لعمليات الإغتيال التي تستهدف أبناء جلدتهم، من منقبين عن الذهب السطحي ومنمين ومسافرين وتجار...في المناطق الحدودية الصحراوية الموريتانية، رافضين الصمت المطبق الذي تنتهجه حكومة محمد ولد الغزواني، والتي تجاهلت ولاتزال جرائم الإبادة ضد المدنيين المسالمين التي تنفذها الطائرات المسيرة المغربية مستعينة بتكنولوجيا صهيونية.
ورغم الجرائم الإرهابية المغربية ضد المدنيين الأبرياء المسالمين، والتي ترقى لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ورغم الأطماع المغربية المعلنة والخفية تجاه ضم الأراضي الموريتانية، وإعتبارها "جزء من المغرب"!، كما يدعي البلاط المغربي وأتباعه، وتكرره وسائل الإعلام المقربة من القصر الملكي، وترسخه المناهج التعليمية المغربية الرسمية، وتفصح عنه علنا النخبة السياسية والفكرية والاعلامية الموالية للمخزن التوسعي بين الحين والأخر، وما تصريحات أحمد الريسوني المتطاولة على الشعب الموريتاني عنا ببعيد، ورغم عمليات التجسس المغربية على المواطنين والمسؤولين الموريتانيين في مختلف المناصب بما فيها السيادية، عبر تهريب بيانات شركات الإتصال المخترقة من المغرب، وكذا عبر إستخدام أنظمة تجسس ومراقبة إسرائيلية جد متطورة، ورغم إغراق البلاد بالعملة المزيفة والسلع المغشوشة لضرب الإقتصاد الموريتاني، وتهريب أطنان من المخدرات وما ينجر عن ذلك من تأثيرات سلبية على الأوضاع الإجتماعية والأمنية للبلاد، وتوريد ألاف الأطنان من المواد الغذائية مصحوبة بكميات كبيرة من الخضر الملوثة، وما يترتب عن الأمر من إحكام للتبعية الغذائية للخارج ونشر للأمراض، ورغم كل ذلك فإن المعادلة المختلة بين البلدين لا ينتظر أن تعدلها النخبة الموريتانية الحاكمة في الوقت المنظور على الأقل، لعدة إعتبارات، أهما نفوذ المخزن المغربي المتغلغل في بلاد شنقيط.
النفوذ المغربي في موريتانيا...
إذ يتمتع الطابور الخامس في بلاد شنقيط أو ما أصبح يعرف ب"لوبي تماتا" بنفوذ إقتصادي وسياسية وعسكري وإعلامي وثقافي واسع النطاق، ويكفي لمعرفة حجم نفوذه أن بعض عناصر ذلك التيار الموالي للرباط يقولون تصريحا أو تلميحا بأن "موريتانيا جزء من المغرب"!، على مايزعمون، دون الخشية من العقاب.
وعبر تاريخ الدولة الموريتانية الحديثة لم تنفك تتعمق تلك العلاقات المريبة والغير متوازنة التي ترسخها النخبة السياسية والإقتصادية الحاكمة بنواكشوط بولائها المفضوح لقوى خارجية لها أطماع معلنة في بلاد شنقيط، بيد أن الأمر أخذ في التقلص والتراجع، إبان حكم الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، الذي عمد إلى تحجيم النفوذ المغربي في بلاده، عبر تنويع التحالفات وتقليل الإعتماد على المملكة التوسعية في مجالات حيوية، كبناء الجيش والتنسيق الأمني والتعاون الإقتصادي والمالي، ما ترتب عنه عدة أزمات دبلوماسية بين الرباط ونواكشوط، وصلت حد سحب السفير الموريتاني من الرباط، مع تركيز محمد ولد عبد العزيز على إشهار موقفه الصارم الرافض قاطعيا للتبعية للمخزن المغربي، ورغبته في بناء علاقات متوازنة مع جميع الدول والأطراف، وقد ظهر ذلك جليا في موقف الدولة الموريتانية من تصريحات المدعو حميد شباط رئيس حزب الإستقلال المغربي أنذاك، والذي قال أن "موريتانيا جزء من المغرب"!، وهو ما نتج عنه أزمة دبلوماسية حادة، لم تنتهي إلا بمكالمة هاتفية من ملك دولة الإحتلال المغربي مع الرئيس الموريتاني، أبدى فيها أسفه، وكذا بيان واضح من الخارجية المغربية، قالت فيه أن "المغرب يعلن رسميا إحترامه التام لحدود الجمهورية الإسلامية الموريتانية، المعروفة والمعترف بها من طرف القانون الدولي ووحدتها الترابية"، كما أرسل المخزن المغربي لتجاوز الغضب الموريتاني وفدا رسميا يقوده رئيس الحكومة المغربي الأسبق عبد الإله بن كيران، حيث تعمد الرئيس الموريتاني السابق إستقبالهم في فيافي ولاية تيرس زمور، دون أي إجراءات بروتوكولية، أين قدم الوفد المغربي بكل إنكسار وذلة إعتذاره للحكومة والشعب الموريتانيين عن تصريحات حميد شباط المستفزة.
وتبعا لكل ما سبق فإن حجم النفوذ المغربي وتغلغله في بلاد شنقيط لا يبدو أنه ءائل للزوال، بفعل البنية السياسية والإجتماعية و"الروحية"! والمالية الداعمة له، لكن بالتأكيد أن ما تقوم به الرباط تجاه أمن وسلامة الشعب الموريتاني ومصالحه الوطنية من إرهاب وجرائم وإستفزازات وتدخلات سيشكل لا محالة بوادر صحوة موريتانية ستتعاظم مع الايام، وقد بدأت مقدماتها في الظهور، لتكون رافعة مستقبلية للتحرر من الهيمنة المغربية وحجر أساس لرسم علاقات مبنية على التعامل بندية مع المخزن الاستعماري وإجباره على لجم جرائمه وتربصه، تحقيقا لمقتضيات الإستقلال الكامل والسيادة الموريتانية الحقة.
بقلم: عالي محمدلمين
الإثنين 05 ديسمبر 2022