-->

المقال السياسي : العشيقة المنبوذة

 


لم تفهم النخبة المروكية أن بلادها المغرب ليست إلا تلك “العشيقة التي نُجامعها كل ليلة، والتي لا نحبها بالضرورة ، لكننا ملزمون بالدفاع عنها”، صاحب هذا الوصف الدقيق الذي أطلقه في فبراير من عام 2014 على المملكة المغربية، هو السفير الفرنسي لدى الأمم المتحدة الذي فجر يوم أمس الأحد قنبلة في وجه سفسطة وتضليل المغاربة حيث إتهم السيد جيرار أرو، المندوب السابق لفرنسا لدى الأمم المتحدة و ممثلها لدى واشنطن بين سنة 2014 – 2019 ،إتهم المملكة المغربية ب” الابتزاز المعتاد” في قضية الصحراء الغربية و في تغريدة له على حسابه في التويتر كشف الدبلوماسي الفرنسي صاحب الوزن الثقيل بأن المغرب حاول الضغط على الرئيس ماكرون من أجل الاعتراف له بسيادته المزعومة على الصحراء الغربية واعترف الدبلوماسي الفرنسي ذاته، وللمرة الثانية ان” فرنسا كانت تدافع عن المصالح المغربية في مجلس الأمن الدولي”.
هل أدركت النخبة المروكية التي تغالط نفسها وتكذب على المغاربة بأن اسلوبها الإستفزازي الوقح إزاء دول المعمورة حتى لا نقول دول العالم المرفق بالإبتزاز واللصوصية والرشوة وشراء الذمم لا تبنى عليه علاقات الدول التي تحترم نفسها خاصة في هذا الوقت الحساس حيث كل مهندسي السياسية الدولية يتحركون بحذر وبحسابات لا تسمح بالخطأ أمام مخاض نظام دولي جديد كأنه حقل الغام لم تتحدد مساحته ولا معالمه بعد.
فإدارة الرئيس بايدن تُفرغ مقايضة ترامب بخصوص الصحراء الغربية من محتواها وتعلن الخارجية الأمريكية نهاية الشهر الماضي بعد المهاتفة بين بلينكن و البوريطة، “أن اقتراح الحكم الذاتي ما هو الا مقترح من بين المقترحات الأخرى لحل قضية شعب الصحراء الغربية”.
اسبانيا التي حاول أن يجعل منها المغرب مثالا في الخضوع و الولاء للمخزن بمجاراة بيدرو سانتشيز – لوحده – الأطروحة المغربية، هاهي ترمي المنشفة في وجه المخزن وتدفع بالإتحاد الأوروبي في عملية استباقية الى حماية حدوده الجنوبية التي تقف عند مدينتي سبتة و مليليه قبل أن يفكر المخزن مرة أخرى بابتزاز مدريد بموجات المهاجرين و أطنان المخدرات . لقد تبخرت رسالة سانتشيز بالسرعة التي إختفى بها تويتر ترامب.
دولة المانيا التي كثيرا ما طبل البوريطيون بأنها خضعت “للعقوبة الملكية” واستسلمت هي الأخرى للأطروحة المغربية حول الصحراء الغربية رفع عدد من برلماناتها المحلية شهر فبراير الماضي علم الجمهورية العربية الصحراوية بمناسبة تأسيسها وتواصل كما في الماضي علاقاتها مع جبهة البوليساريو التي تحتل تمثيليتها قلب برلين.
أما فرنسا فقد تجاوز المروك الخطوط الحمراء بتجاوزه المتفق عليه في معاهدة إكس ليبان التي تضع المغرب تحت المظلة الفرنسية الى نهاية سنة 2055 بتوقيعه حماية جديدة معلنة وغير مشروطة مع الكيان الإسرائيلي ما أغضب فعليا الفرنسيين وأثار حساسية الأوروبيين.
إن الأزمة الحالية بين المغرب وفرنسا ليس كما يروج المخزن ونخبته الانتهازية، أن سببها عدم اعتراف باريس بما يسميه المغرب بالحكم الذاتي وهو المقترح الذي في الأصل هندسته الخارجية الفرنسية ودافعت عنه في مجلس الأمن الدولي كما اعتراف بذلك السفير “جيرار أرو” في تغريدته يوم الأحد الماضي، بل السبب أعمق بكثير من أهمه في إعتقادنا:
1- نسف المغرب للترتيبات الجيوسياسية التي كانت فرنسا والإتحاد الأوروبي تسعى الى إقامتها في الشمال والغرب الأفريقي والساحل، بإدخاله عنصر لم يكن في الحسبان، الكيان الصهيوني، الى المنطقة كمنافس شرس يحرس البوابة الإفريقية من واجهة الغرب.
2- صحيفة لوموند المعروفة نقلت عن مصادر لم تكشف عنها أن دولة عظمى حصلت على اسرار عن السلاح النووي الفرنسي هذا تزامنا مع تطور التحقيقات حول تجسس المغرب من خلال بيغاسوس على الرئيس الفرنسي وعدد كبير من كبار الساسة والقادة العسكريين ورجال الإعلام وغيرهم من النخب الفرنسية.
3- كشف الأجهزة الأمنية الفرنسية لحجم اختراق المخابرات المغربية لمفاصل الدولة الفرنسية وتقديم خدماتها لدول كبرى مقابل الإعتراف للمغرب بالسيادة على الصحراء الغربية وما الصحفي المخابر رشيد لمباركي المفصول من أكبر قناة تلفزيونية فرنسية الا دليل على مستوى التغلغل المخابراتي المغربي في فرنسا دون ذكر دور المساجد والوداديات والقنصليات وغير ذلك.
أما أن الأزمة التي تشهدها العلاقات الفرنسية المغربية منذ حوالي سنة سببها رغبة مملكة المخزن فرض على فرنسا إعلان تأييدها لأطروحة الحكم الذاتي فهذا ضحك على الذقون فلا المغرب يمكن أن يفرض شيئا على فرنسا ولا هذه الأخيرة ستخضع للإبتزاز المغربي وهي التي تمتلك كل شيء في المغرب وإذا رفعت غطائها تنهار مملكة العلويين نهائيا.
أما أن تدعي النخبة المروكية بأن السبب في كل هذه الأزمة التي لا يرجى حلها على المدى القريب هو الجزائر وخوف فرنسا من عقاب الجزائر فإن المندوب الفرنسي لدى الأمم المتحدة وسفيرها لدى الولايات المتحدة السيد جيرار أريو قد أجاب هذه النخب المتزلفة بسخرية جارحة ” إن 150 دولة عبر العالم تخاف جميعها من الجزائر التي تؤيد حق تقرير مصير الصحراء الغربية ؟؟”
إنه من باب الاستخفاف بالعقول أن تنسب الأزمة العميقة الفرنسية المغربية الى ما قاله كبير الروائيين المغاربة الطاهر بن جلون الذي فضل قناة إسرائيلية ليدعي أن الرئيس ماكرون تعامل “بقلة أدب مع محمد السادس” وكأن ماكرون رعية لجلالته وأن الجزائر وراء الأزمة لكن لا نلوم السيد بنجلون ربما اختلطت عليه الرواية الخيالية بالحقيقة المرة المتجسدة في صمود وكفاح الشعب الصحراوي البطل الذي لن يترك للعشيقة المنبوذة أي خليل.
بقلم: محمد فاضل الهيط

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *