-->

مكانة معركة السيادة ضمن حرب التحرير

 


عندما تم إعلان الجمهوربة الصحراوية يوم 27 فبراير 1976 من طرف الجبهة الشعبية بقيادة زعيمها التاريخي الشهيد الولي مصطفي السيد بالتزامن مع الإنسحاب الأحادى الجانب للقوة الإستعماربة المديرة للإقليم شاع بين الصفوف أن القرار يهدف بالأساس إلى سد الفراغ القانوني الذي خلفه إنسحاب إسبانيا و تخليها عن إلتزامتها القانونية تجاه الأمم المتحدة و خيانتها لتعاقدها مع الشعب الصحراوي بينما كان ذلك القرار التاريخي أبعد بكثير ، في معانيه و مزاياه المختلفة،  من ذلك الفهم و اعمق من ذلك الحكم، لأنه قفل الباب أمام اشباه الحلول و كل أنواع المناورات و المؤامرات الرامية إلى مصادرة حق الشعب الصحراوي فى تقرير المصير و الإستقلال و حسم بذلك أي نقاش مستقبلي او تفاوض او جدال حول مسألة السيادة.
إعلان الجمهورية الصحراوية، إذن، سحب البساط قانونيا و سياسيا من تحت اقدام الموقعين علي إتفاقية مدريد.
فالرد علي الأمر الواقع و العدوان المسلح الذي مثلته إتفاقية مدريد الثلاثية الموقعة يوم 14 نوفمبر 1975 بإعلان قيام الدولة الصحراوية مثل أمرا واقعا شرعيا، لتطابقه، من جهة، مع مقتضيات القانون الدولي و قرارات الأمم المتحدة و رأي محكمة لاهاي و ملائما، من جهة اخري ، نتيجة لتملص إسبانيا من واجباتها.
إعلان قيام الجمهورية الصحراوية اظهر بطلان الإتفاقية الثلاثية العدوانية المشؤومة و بعثر أوراق ديبلوماسية الأعداء و رفع وتيرة المعركة ضد الغزاة في جميع الميادين.
و من النتائج و الإنعكاسات المباشرة لذلك الحدث العظيم على الصعيد الدولي كان ترسيخ تمثيل الجبهة الشعبية لكفاح الشعب الصحراوي و شرعية حرب التحرير و فتح ملف الاعترافات بالجمهورية.
تزامن يوم الإعلان عن قيام الجمهورية الصحراوية مع اجتماع وزراء خارجية منظمة الوحدة الأفريقية بأديس ابابا و مناقشته لتقرير لجنة التحرير التابعة للمنظمة القارية التي كانت قد اعترفت شهر نوفمبر 1975 بجبهة البوليساريو باعتبارها حركة تحرير في إجتماعها في مابوتو ، العاصمة الموزمبيقية،( لورينسو ماركيس سابقا).
بعد نقاشات طويلة و ساخنة كلف المجلس رئيسه الدوري وقتها، وزير خارجية ليبيريا، السيد سيسيل دينيس بتقديم مقترح يتضمن حلا وسطا اعتمده المجلس بالإجماع و فيه :
1- يهنئ المجلس الشعب الصحراوي علي إعلان دولته: الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية و بذلك يكون قد مارس حقه في تقرير المصير.
2-يؤكد المجلس أن الإعتراف بالدول ليست من صلاحياته لأن ذلك يعنى عاصمة كل بلد عضو على حدة و هذا في اشارة إلى الميكانيزم او الآلية المحددة في ميثاق المنظمة حول موضوع سيادي يعني الإعتراف بالدول و مسألة العضوية.
ما بين شهر فبراير 1976 و يونيو 1980 اعترفت 26 دولة عضو بالجمهورية الصحراوية ( اولها حمهورية مدغشقر 28 فبراير 1976 و أخرها زيمبابوي 3 يوليوز 1980) و هي الاغلبية المطلوبة التي يشترطها ميثاق المنظمة  للحصول على العضوية حسب الاجراءات المسطرة في المادة 28 منه.
قرار الجمهورية الاسلامية الموريتانية طي صفحة العدوان على الشعب الصحراوي و حقن الدماء بين الأشقاء من ابناء البلدين و تفاديا للمزيد من الخراب و التدمير بتوقيع إتفاقية السلام مع الجبهة الشعبية (  الجزائر 5 اوت 1979) سجلته الجمعية العامة للأمم المتحدة بترحيب خاص في لائحتها 3437 بتاريخ 21 نوفمبر 1979 معترفة في نفس الوقت بحبهة البوليساريو ممثلا للشعب الصحراوي و مصنفة طبيعة تواجد المغرب في الصحراء الغربية بأنه " إحتلال" لتشجب  في نفس اللائحة لجوء المغرب إلى توسيع ذلك الإحتلال إلى الجزء الذى انسحبت منه موريتانيا طبقا لإتفاق الجزائر.
مركزية المعركة في الدفاع عن السيادة جعلت من إعلان الجمهورية و الإعتراف بها الذى حاز على 84 إعترافا و ولوجها إلي المنظمات الدولية و مشاركتها في المؤتمرات ديناميكية قوية فرضت على العدو الدخول، كل مرة، في معارك  ديبلوماسية كبيرة خاسرة.
محاولة المغرب عرقلة إنضمام الجمهورية إلى منظمة الوحدة الأفريقية في القمة السابعة عشرة بفريتاون عاصمة جمهورية سيراليون  ( يوليوز 1980) فرض علي الحسن الثاني، الذي كان يعيش احلك أيام قواته الغازية في الميدان، أن يناور بقبول الإستفتاء في القمة الثامنة عشرة بنيروبي، عاصمة جمهورية كينيا،( يونيو 1981)، إلا أن خطته التكتيكية لم تمنع الدولة الصحراوية من الحصول على رسالة قبول عضويتها بتاريخ 31 اوت من نفس السنة.
أخذ الدولة الصحراوية لمقعدها الطبيعي و الشرعي أثناء مؤتمر وزراء خارجية منظمة الوحدة الأفريقية يوم 22 فبراير 1982 عصف بالمملكة المغربية خارج الإجتماع و رافقتها، تحت ضغط مباشر من فرنسا خاصة،  اقلية من الدول الأعضاء لم تلبث أن تخلت عن المغرب و تركته لوحده، في عزلة تامة، ادت به إلي مغادرة المنظمة بعد ان امتنع من تطبيق القرار 104 للقمة التاسعة عشر ( يونيو 1983) الذي تم اعتماده بإجماع الزعماء الأفارقة بهدف الحفاظ علي وحدة المنظمة من جهة و بإعتباره الموقف الأفريقي الموحد حول قاعدة الحل العادل و السلمي للنزاع الصحراوي- المغربي، و الذي تبنته ايضا بالإجماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في لائحتها 3840 بتاريخ 7 ديسمبر 1983، بعد تقديمه من طرف جمهورية السنيغال بإسم المجموعة الأفريقية.
مبادئ و اسس القرار 104 للقمة الأفريقية السالفة الذكر و التي صادقت عليها الجمعية العامة للأمم المتحدة بالإجماع سنة 1983 تم إعادة التأكيد عليها خلال السنتين المواليتين و كلفت الجمعية العامة بموجب لائحتها 4050 المصادق عليها بتاريخ 2 دجنبر 1985 الرئيس الدوري لمنظمة الوحدة الأفريقية بمعية الأمين العام للأمم القيام بمجهودات مشتركة لبدء المفاوضات المباشرة بين الطرفين ، جبهة البوليساريو و المملكة المغربية من أجل التوصل إلى إتفاق حول شروط لوقف لإطلاق النار و تنظيم إستفتاء لتقرير المصير.
 المحاور الرئيسية للإجماع الأفريقي التي تم تبنيها بالإجماع من قبل الأمم المتحدة تحولت هكذا إلي مقترحات مشتركة للمنظمتين العالمية و القارية و اعتمدت نهائيا تحت إسم مخطط التسوية و ذلك سنة 1991.
الجمهورية الصحراوية باعتبارها الرمز الذي يجسد سيادة الشعب الصحراوي و يمثل شرعية وجوده يعتبرها المحتل المغربي عدوه اللذوذ الأول و يحاول بكل قواه القضاء عليها بقوة السلاح و التنكر لحقيقتها و نعتها بكل الأوصاف للمس من سمعتها و مكانتها بين الأمم.
 فالإعلان أصلا عن قيامها، كما اسلفنا، يلقي بظلاله على طبيعة النزاع و يسد الباب أمام كل الحلول الرامية إلى القفز علي وجودها و شرعية حقوق شعبها.
و عدم اعتراف المجتمع الدولى للمغرب بالسيادة على الصحراء الغربية يعزز مكانة الدولة الصحراوية و يفسر حملات العدو الرامية لربط احتلاله بالمصالح الإقتصادية الاجنبية   و يفضح دعايته حول ما يسميه بالقنصليات التي تجسد لجوئه إلي شراء الذمم.
  و ما يسميه المحتل المغربي بسحب الإعتراف تزوير لمقتضيات و احكام القانون الدولى المنوه عنها في المادة ال6 من معاهدة مونتي فيذيو حول حقوق و واجبات الدول المؤرخة بتاريخ 26 دجنبر 1933 و التي تقر بان الإعتراف " غير مشروط و لا يقبل النقض".
الإعتراف، اذن، لا يزول إلا بزوال الدولة التي اعترفت او الدولة التي تم الإعتراف بها.
فتغيير مواقف حكومات الدول المتعاقبة في إطار السياسة الخارجية  و ميدان العلاقات الدولية تحت أي مبرر لا يسري بأثر رجعي فيما يتعلق  بمسألة الإعتراف.
يمكن للدول أن تدخل في الحرب فيما بينها و أن تلحأ إلى قطع علاقاتها الديبلوماسية و لا يمكن لها أن تقرر سحب قرار الإعتراف إذا كان قد صدر عنها سابقا.
إن تخلى المغرب عما يسميه فريق محمد السادس بسياسة الكرسي الشاغر، التي دامت 33 سنة، و جلوسه إلي جانب الجمهورية الصحراوية، ليس فقط في اديس  ابابا و لكن في عديد المحافل الدولية، يثبت وجاهة و صواب القرار التاريخي بإعلان الجمهورية لما له من أهمية قصوى بالنسبة لحسم معركة السيادة.
لا شك أن المحاولات التي تهدف إلي مصادرة حق الشعب الصحراوي غير القابل للتصرف او التقادم فى تقرير المصير و الإستقلال لن يكتب لها النجاح أبدا ما دام الشعب الصحراوي متحدا و متشبثا بالدفاع عن قراره التاريخي المتمثل في إعلانه عن دولته التي تجسد سيادته الابدية علي ارضه.
امحمد / البخارى 17 يوليوز 2023

Contact Form

Name

Email *

Message *