تفعيل التحالف: الخطوة الرادعة
فلاش باك (من مقال سابق بعنوان: أوراق الضغط المعطلة، نشر في 28/08/2020)..
المغرب في مقدمة الجبهة المعادية يحضر على كل الصعد لمجابهة مسلحة مع الجارة الشرقية ..
إننا على مقربة من الشرارة الأولى للحرب المؤجلة منذ أكثر من أربعة عقود...
لقد اجتمع -منذ مدة- ما يكفي من العلامات للتدليل على هذه الحقيقة المرة...
لقد حدث انعطاف حاد في مسار الأحداث في المنطقة..منذ الإعلان عن تشكيل مجموعة دول الساحل الـ 5.. كإنقلاب مستفز لتحالف دول الساحل و الصحراء...كان واضحا إلى أي مدى أفرج عن المجاهرة باستهداف الدولة الجزائرية ...لتأت الأحداث المتوالية متعاونة على جمع الأجزاء المشتتة للمشهد المخطط له منذ إيعاز 1975 الموجه لإسبانيا بمغادرة المستعمرة للبدء في إجراءات كبح جماح المارد الجزائري...
لا تزال أطراف المعادلة هي نفسها..رغم محاولات التمويه الحثيثة..
لم يمكن زخم الأحداث -و تداخلها و الغموض الذي يلف الكثير منها- من التشويش على حقيقة الصراع الذي نخوضه و حقيقة كوننا طرف مباشر فيه..و لكن أيضا كساحة له.. وضحية لزحام وتدافع المتصارعين...
هل نعي أهمية المفاتيح التي في أيدينا...كوننا طرف و ساحة و ضحية..لصراع جلية جذوره و أطرافه..صريحة خلفياته وواضح اتجاهه..
الوعي بأهمية الدور الذي يجب لعبه ..له ما قبله..إنه الوعي بطبيعة الصراع..
أصبح لزاما علينا..إدراك أن حلحلة القضية الصحراوية ليست أبدا انشغالا للفاعلين الدوليين..إنها بالنسبة لهم خطوة لاحقة لخطوات تسبقها .. هم منخرطون بجدية في رسمها منذ ما قبل اتفاقية مدريد 1975.
إن البيان التأسيسي للجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب في 10 ماي 1973 كان يعي و يعني مايقول ، حين صرح بضرورة التحالف الاستراتيجي بين الثورتين الصحراوية و الجزائرية لمجابهة المؤامرات التي تستهدف المنطقة.
المنطقة حبلى بالأحداث ..و الجبهة المعادية جدية في عدائها أكثر من أي وقت.. و التأسيس لاستراتيجية جديدة أصبح أكثر من ضرورة..
المخطط الاسرائيلي في إفريقيا: هل من تحرك لقطع الطريق؟..
لقد كان إبداء الرغبة الرسمية الاسرائيلية في التمتع بعضوية مراقب في الاتحاد الافريقي ..الخطوة التي كشفت كل مستور...لكن مامن مهتم رغب في تجشم عناء الخوض في تحليل الخطوة...
لقد استأنس الجميع بالحديث المسهب عن المواقف الإفريقية التي أحبطت التحرك ..
لقد بدا وكأنه أريد للكل أن ينشغل بالانبهار بالتحصينات الإفريقية العصية على الاختراق، وكيل المدائح وصنوف الاعجاب لحراس الحصن الافريقي.. وهو أمر جدير بالتثمين والإشادة، لكنها كانت إشاحة نظر ذكية وخبيثة عما لا يجب الخوض فيه..ولو إلى حين.
كانت الخطوة الإسرائيلية (المؤجلة) في صميم منطق اتجاه الأحداث...ولقد مثلت تتويجا لجهود سنوات وسنوات ممتدة منذ العشريات الأخيرة من القرن الماضي...ولعب رجوع الكيان المغربي الاسرائيلي لحضن (ماما ٱفريكا) دور تثبيت الأركان و تجذير الإنجازات .. وتم تحصيل أكثر من النتائج المخطط لها..
إن التواجد المادي الإسرائيلي في المنطقة الشمالية الغربية من إفريقيا معطى جديد أضفى مستجدات غاية في الخطورة والتعقيد ترمي بظلال قاتمة على مستقبل وأمن المنطقة...
هذا أكيد....لكن الأكيد أيضا أن المغرب ليس هو من يحدد ملامح ودرجة جدية التواجد الإسرائيلي..لأنه ببساطة لم يعد هناك ما يسمى بالمملكة المغربية..إننا نتحدث منذ 2020 على الأقل، عن "إسرائيل الغربية"...إنه أمر واقع...وليس تحرك تكتيكي..
لم تتضح بعد -للجميع- الأسباب وراء إماطة اللثام عن الوجه الحقيقي للمملكة المغربية والإعلان بكل سفور عن الهوية الإسرائلية لهذه البقعة من الجغرافيا...
تطورات الصراع الدولي -الذي دخل مرحلة الجدية بتوغل القوات الروسية في أوكرانيا- كفيلة وحدها بإتاحة فرص ولو ضئيلة لفك بعض الشيفرات..
يقابل هذا المعطى المستجد معطى ٱخر مثير للإهتمام...إنه الإعلان عن قيام الجمهورية الثانية في الجزائر التي ستبدأ فورا في تبوأ مكانة دولية لم تتح لغيرها (منتزعة بجدارة وربما أيضا لحيازة حصرية لمزايا مطلوبة في معايير الفاعلين الدوليين )...
المعطى الجزائري هكذا.. هو الذي سيحدد منذئذ، إلى أي درجة (من الجدية) ستكون عليها الأدوار الإسرائيلية...
وفي الحقيقة هناك أكثر من سيناريو...
من بين السيناريوهات المتساوقة مع الأحداث الدولية والإقليمية المتسارعة منذ بداية 2019.. أن إسرائيل موكول لها صياغة الطبعة الجديدة للكيان المغربي بما يضمن مزاحمة مستمرة -لكنها ستكون وازنة هذه المرة- للجارة الشرقية التي ستدخل دون مقدمات مضمار سباق الكبار..
و نحن نتساءل بإنكار..كيف سيتسنى ذلك للكيان المسخ المغربي وهو على ماهو عليه من الهشاشة والعزلة..؟! فإننا ننظر دون تعاطي(!) مع حقيقة نقاط الارتكاز -التي ستظل جاهزة لأي نهوض مرتقب- العالقة في ثنايا الجسد المغربي المترهل...قد يكون أبسطها رصيد (الإنضباط حد الخنوع) للمواطن المغربي و (الحمولة الفكرية حمالة الأوجه) للمثقفين المغاربة..
تتكفل (الخبرة الإسرائيلية) و (الثروة الصحراوية) بردم الثغرات الباقية...
التحرك الرادع:
العالم مقبل على تغييرات جيوسياسية غير مسبوقة و بوتيرة فرط صوتية لا تتيح فرص التفكير المتأني أو المتردد للتموضع وتحديد الإحداثيات....
في خضم هذا الحراك العالمي، تبرز الجزائر مركزا للأحداث الدولية ومؤشرا لفهم اتجاه هذه الأحداث...يقابل ذلك إصرار إسرائيلي- مغربي، في استمرار لعب الدور الممانع للبناءات الثورية في منطقتنا وأفريقيا عموما...
نحن إذن، أمام مجاهرة إسرائيلية بتقمص أدوار الأبارتايد الإمبريالية الاستعمارية (على الأقل في منطقتنا و على ترابنا الوطني) .. فهل من خطوات واعية جريئة لتفويت الفرص على أعداء المشروع الوطني ...؟!
إن الإسراع في إبداء الرغبة الشعبية والرسمية للصحراويين في تفعيل وتجسيد التحالف (بكل الصيغ المتاحة) بين الدولتين الصحراوية والجزائرية .. سيكون الخطوة الجريئة المنشودة التي تنم عن الفهم السليم لطبيعة الصراع وصبرحقيقة اتجاهه، و التحرك الاستباقي الذي يترجم النظرة الاستراتيجية المهتدية التي ستغير من قواعد لعبة الصراع.. وتضيق من الهامش المتاح للجبهة المعادية وتقلل من فرصها للمناورة... ـــــــــــــــ
السالك البمبي 29 جويلية 2023..