ماذا وراء الأكمة ؟
يتابع المهتمون بشأن القضية الصحراوية جملة من التحركات الدبلوماسية واللقاءات السياسية تشهدها المنطقة من خلال الأسبوعين الماضيين، بل منذ الدعوة الرسمية التي وجهتها دولة جنوب افريقيا الى المبعوث الخاص المكلف بترتيب المفاوضات المباشرة بين المغرب وجبهة البوليساريو.
ولابأس إن وضعنا كرونولوجيا لهذه الأحداث المتسارعة التي نعتبرها - مهما قيل عنها – بأنها قطعا متعلقة في جوهرها بالنزاع الصحراوي - المغربي:
في 31 يناير، السيد ستيفان ديميستورا يصل الى بريتوريا بدعوة من وزيرة خارجية جنوب افريقيا ويجري محادثات مع كبار المسؤولين في هذا البلد طبعت بالمفيدة: "النقاش كان مفيدا وتميز بدراسة بعض المقاربات المتعلقة بالصحراء الغربية" تقول وزيرة خارجية بريتوريا.
6 فبراير، الرئيس الصحراوي الأخ ابراهيم غالي يزور الجزائر.
7 فبراير، وزير الخارجية الجزائري السيد أحمد عطاف يتلقى مكالمة هاتفية من رئيس الدبلوماسية الأمريكي السيد أنطوني بليكن بطلب من هذا الأخير، ولو أنه رسميا كان الهدف من المكالمة هو التطرق الى أزمة غزة، الى أن الشخصيتين ألحتا على مواصلة الإتصالات واستمراريتها داخل وخارج مجلس الأمن حسب البيان الصحفي.
7 فبراير أيضا، وفد صحراوي يقوده عضو الأمانة الوطنية ممثل جبهة البوليساريو لدى الأمم المتحدة يحل بموسكو ويتباحث بمقر وزارة الخارجية الروسية مع السيد ألكسندر كينشاك مدير قسم الشرق الوسط وشمال افريقيا الذي كان مرفقا بكار معاونيه، حول التطورات الأخيرة للنزاع الصحراوي المغربي ودور الأمم المتحدة في إنهاء الاحتلال.
في نفس اليوم وبالجزائر العاصمة وزير خارجية الجمهورية الصحراوية الأخ محمد سيداتي يستقبل من طرف نظيره الجزائري ويجريان محادثات سياسية جددا فيها دعمهما للمبعوث الأممي السيد دميستورا.
8 فبراير، في زيارة غير معلن عنها مسبقا وزير خارجية الجزائر كمبعوث خاص، يحل بنواكشط ويستقبل من طرف نظيره الموريتاني ويسلم رسالة خطية من الرئيس عبد المجيد تبون الى الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني. وصفت الزيارة بأنها تدخل في إطار تعزيز العلاقات بين البلدين الجزائر وموريتانيا وضمان استدامتها والنجاح في العمل المشترك من أجل السلام والاستقرار في المنطقة.
8 فبراير أيضا، سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية بالجزائر تصرح لكل من جريدتي "الوطن والخبر" الجزائريتين بأن واشنطن تدعم الحل السياسي لنزاع الصحراء الغربية مشيرة الى أن بلادها " تتفق على ضرورة منح دي ميستورا المجال والفرصة للعمل من أجل التوصل الى حل سياسي للوضع في الصحراء الغربية"، مضيفة " هذا النزاع استمر لفترة طويلة بما يكفي "
12 فبرايرالقادم، ينتظر وصول وزير خارجية اسبانيا السيد خوسي مانويل الباريس الى الجزائر بدعوة رسمية من نظيره الجزائري أحمد عطاف بعد خلاف دام عامين بين كل من الجمهورية الجزائرية والمملكة الإسبانية على إثر الأزمة السياسية التي خلقها رئيس الوزراء الإسباني سانشيز بتأييده للأطروحة المخزنية المسماة الحكم الذاتي.
قبل هذه الإحداث المتواترة والمترابطة وعلى إثر تحرك المبعوث الخاص ستيفا دي ميستور نحو جنوب افريقيا استنفر الاحتلال المغربي كل قواه مجندا ترسانة دعائية ضخمة دفعت الفاعلين الرسميين وغير الرسميين في المروك، إلى إصدار بيانات وتصريحات متشنجة ومرتبكة، كان أبرزها تلك التي عبر عنها سي بوريطة، الذي حاول التقليل من وقع الزيارة، عندما قال " ولو يذهب دي ميستورا حتى الى المريخ فجنوب افريقيا لا يمكن أن تؤثر في الملف".
إن ردود فعل المخزن المغربي بهذه الطريقة الهجومية التي تجاوزت اللباقة الدبلوماسية توصف بغير البريئة لاعتبارات مُرتبطة بتوقيتها وبالأجندة السياسية وما يخطط له في الكواليس فيما يخص قضية الصحراء الغربية، لا شك ان الساسة المغاربة على اطلاع بما يدور خلف الستار ويسعون الى كسب نقاط إضافية ترجح الكفة الى صالحهم قبل أي ترتيبات محتملة، لهذا طرحنا في المقال الفائت المؤرخ بالسابع فبراير الجاري المنشور في هذا الموقع المحترم، السؤال التالي: هل الصحراويون على استعداد للتعامل مع المقاربات المطروحة و ترويضها لصالح القضية الوطنية؟
لا يمكن ان نسمح لأنفسنا أن نكون مُغيّبين عن المعادلات التي يُعمل عليها في محيطنا للتحكم في التوازنات السياسية ورسم خريطة النفود الجيو سياسي للمنطقة معززا بالمصلحة الأمنية على حساب أي اعتبار آخر. علينا أن ندرك بأن دول منطقة الشمال الغربي الأفريقي والساحل تدخل في إعادة ترتيب الأولويات في مسعى لإحداث اختراق في المعادلات القائمة والتي أصبحت متجاوزة بفعل المتغيرات المتسارعة وما افرزته من احتمالات ضاغطة إضافة الى نزول القوى العظمى بكلكلها مقتفية أثر ورائحة الغاز والبترول والمعادن الثمينة التي تزخر بها المنطقة.
إن الأيام القليلة القادمة لا شك ستكشف عما هو وراء الأكمة، نتمنى ان لا نفاجأ.
بقلم: محمد فاضل محمد سالم الهيط