-->

القضية الصحراوية في الإعلام الدولي بين المعالجة المتزنة وازدواجيه المعايير

 


"إن من يمتلك المعلومة يمتلك سلاحا نافذاً، ومن يمتلك الإعلام يمتلك قوة التأثير" فبالإعلام تدار الحروب ويتم توجيهها بما يناسب مع الأسف القوى العظمى ولم تخطيء وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة مادلين أولبرايت حين صرحت أيام احتلال العراق بأن CNNالأمريكية هي العضو السادس دائم العضوية في مجلس الأمن.
أردت بهذه الدباجة استفزاز العقول وإثارة الاهتمام بدور الاعلام كسلاح تضاعفت خطورته في عصرنا هذا مع تطور اساليبه ووسائطه التكنولوجية.
نحاول الآن معرفة كيف تناولت الصحافة الدولية قضية الصحراء الغربية وأخص بالحديث الصحافة الغربية لهيمنة هذه الأخيرة على حوالي 80 في المئة من المادة الإعلامية بكل تجلياتها وكيفية تأطيرها شكلا ومضمونا من طرف هذه الصحافة أو بمعنى آخر طرق معالجتها مع الإشارة مسبقا الى دور الإعلام الأوروبي وضعف تغطيته للنزاع في الصحراء الغربية بين حرية الصحافة والإرادة السياسية لبلدان الإتحاد الأوروبي التي تحكمها المصالح بالدرجة الأولى، بحيث يتأثر خط التحرير لمختلف الوسائل الإعلامية بما تمليه المصالح السياسية والاقتصادية والاجتماعية لدول أوروبا بالرغم من وجود بعض الوسائل التي تسلط الضوء على القضية الصحراوية بين الفينة والأخرى، لكنها تبقى غير كافية.

اخترت في هذا المدخل المختصر انتهاج أسلوب المسح الوصفي والتحليلي، كأسلوب أراه مفضلا في البحث الأكاديمي حول الإعلام، خاصة بالنسبة للموضوع الذي نريد التطرق اليه في عجالة، إذ الوقت المخصص من 10 الى 15 دقيقة تقريبا وذلك لا يسمح بالنبش كثيرا، ولذا اسقطنا من هذا العرض أجزاء كبيرة من ركن هام في هذا الأسلوب الوصفي التحليلي المعتمد لدى الباحثين وربما يكون هو القاعدة التي يُبنى عليها التقييم الحقيقي ويقاس عليها نتائج البحث: ركن العينات أو الإحصائيات. مثلا (ما هي النسب المئوي التي تم تناول بها القضية الصحراوية في نشرات الإخبار، في المقالات في التحقيقات، النسبة المئوية من الربورتاج من الحوارات، عدد الصور عدد الكاريكاتور...ماهي نوعية المتلقي: شباب كهول المستوى الثقافي، نخب، طلبة، عامة الناس، ماهي مدة البث بالنسبة للسمعي البصري أو مساحة المقال بالنسبة للمقرئ......الخ)
ولكي   لا أطيل عليكم
اخترت في هذا العرض طرح الأسئلة الثلاثة التالية:
ما مدى اهتمام الإعلام الغربي بقضية الصحراء الغربية؟ كيف كانت معالجته شكلا ومضمونا لهذه القضية؟ وماهي الجوانب التي تم التطرق اليها؟ 
للإجابة على هذه الأسئلة المتداخلة فيما بينها 
حصرنا موضوعنا هذا زمنيا في السنوات الأربع الأخيرة وحتى نكون دقيقنا أي بعد عودة الحرب سنة 2020 حتى الآن، لنحدد بذلك المواضيع التي أثارت اهتمام الإعلام الغربي في التطرق والمعالجة للنزاع الصحراوي المغربي، فيما يلي:
1) قرار العودة الى الحرب بعد خرق المغرب لوقف إطلاق النار 
2) فضيحة التجسس المغربي عن طريق تطبيق بيغاسوس الإسرائيلي وعلاقة ذلك بالنزاع الصحراوي المغربي.
3)  فضيحة الفساد والرشوة مجلس النواب الأوروبي أو ما عرف بمروك غيت والتي كشفت حجم الابتزاز المغربي للنواب الأوروبيين بشأن قضية الصحراء الغربية.

إن اخترت فقط هذه النقاط الثلاثة في هذا العرض فذلك لا يعني ألا يوجد هناك مواضيع أخرى حظيت هي أيضا بالاهتمام من طرف الصحافة الأوروبية كموضوع حقوق الإنسان وقرارات المحكمة الأوروبية بخصوص الثروات وغيرها، لكن أرى ان النقاط الثلاثة السالفة الذكر تحوي ذلك وهي التي في الحقيقة قفزت بالقضية الصحراوية الى الواجهة الإعلامية في أوقات معينة خلال السنوات الأربع الأخيرة. 
 عودة 

إن المتبع للصحافة الغربية في المدة التي حصرناها زمنيا يجد ان قرار إطلاق النار التي اتخذته البوليساريو قد قفز بالقضية الصحراوية من جديد الى الواجهة الدولية والى الاهتمام الإعلامي بها في وقت كانت حالة الجمود والتكلس وربما النسيان والإهمال التام هي المسيطرة على هذه القضية بعد 29 عاما من وضعية برزخية لا سلم فيها ولا حرب.
 كما أن فضيحة التجسس، فضيحة الرشوة التي هزت البرلمان الأوربي، بل زلزلت الديمقراطية الغربية بحيث أن المواطنين الأوروبيين وضعوا ثقتهم في هؤلاء النواب، مع كبرالفضيحتين نجد معالجة القضيتين على مستوى وسائل الإعلام الأوروبية بصفة عامة، لم تتجاوز مكانة “الخبر” وفي أقصى الحالات التطرق لها بصورة سطحية مع محاولة توجيه الرأي العام حول دولة قطر، التي كانت تمارس الضغط لتحسين صورة علامتها التجارية، وهي عملية قانونية تماما.
وبالتالي، ليس غريبا أن نلاحظ الصمت المطبق، للنخب السياسية والأمنية والإعلامية، والذي لا يمكن أن نجد له تفسيرا، سوى أنها تريد إنقاذ المخزن أو التستر عليه.
سعى المغرب منذ عقود إلى الحصول على تأييد المجتمع الدولي في حرب الصحراء الغربية، نتيجة لافتقاده للحق في مطالبه الترابية على الإقليم الذي يوجد على طاولة الأمم المتحدة وجميع المنظمات الإقليمية منذ 1963، باعتباره مسألة تصفية استعمار، لم يبق امام المغرب إلا شراء الاصوات والأقلام، بكل الطرق والوسائل، وبكل ما اوتي من قوة وهذا على مدار ما يقارب الآن خمسة عقود.

تطرق الإعلام الغربي خلال السنوات الأربع الأخيرة الى المواضيع التي ذكرنا على شكل أخبار وتقارير وهي قوالب صحفية تهدف الى تقديم المعلومات والمعارف حول الوقائع دون التعمق في حقيقتها في حين يلاحظ غياب أنواع الصحفية الأخرى التحليلية والاستقصائية إذا ما ستثنينا التحقيق الشامل الذي قدمته التلفزة البلجيكية حول اختراق المغرب للبرلمان والدور الذي لعبته سفارته في بروكسيل 
بالنسبة للمصادر التي تم الاعتماد عليها من طرف المؤسسات الإعلامية الغربية هي وكالات الأنباء مع غياب المراسلين والحوارات مع المعنيين ليس هناك مراسلين في المنطق المحتلة ولا في مخيمات اللاجئين بالتالي يبقى الاعتماد على ما ينقله المراسلون من عواصم دول الجوار أي من خارج دائرة الحدث،
الاتجاه العام لما تنشره وتبثه هذه الوسائل غلب عليه طابع التستر والمعالجة المحتشمة ومحاولة فصل نزاع الصحراء الغربية عما ورط فيه المغرب الاتحاد الأوروبي حكومات ومؤسسات تشريعية وغيرها من فساد واختراق مخابراتي.

ربما نطرح السؤال على أنفسنا لماذا هذا الانحياز في التغطية الإعلامية وكيف يمكننا تصويبه أو على الأقل الحد منه؟ 
الانحياز في التغطية الإعلامية أسبابه كثيرة وأهمها في نظرنا السيطرة على الصورة:
السيطرة على الصورة في الإعلام تعني القدرة على التحكم في الطريقة التي يُعرض بها موضوع معين أو حدث في وسائل الإعلام. قد تكون هذه السيطرة من جانب الحكومات، الشركات، أو الأفراد، وتهدف غالبًا الى تشكيل الرأي العام بتوجيه الرسائل الإعلامية بطريقة تخدم مصالح معينة. تسويق الصورة نجح فيها الاحتلال المغربي وربما هو العمل الذي يحسد عليه.
المصالح الاقتصادية: مصالح متشابكة بين بعض الشركات الأوروبية والمغرب.
التأثير الثقافي: الأوروبيون يعرفون المغرب أكثر من بلدانهم يعرفون عن الطجين المغربي و البسطيلة أكثر من ما الإسبانية أوعن البيتزا الإيطالية. Paella يعرفونه عن 
ولا يتعلق انحياز الوسائط الإعلامية الغربية الى ما يروجه الاحتلال المغربي فقط بالتحليلات ووجهات النظر وهي من حق الجميع بكل شفافية وحرية، ولكن بالتحديد، في طريقة تناول الأخبار، وزاوية عرض الأحداث، والتي يستند فيها الإعلام الغربي بشكل أساسي إلى وسائل الإعلام المغربية، ويتبنى في غالبيته الرواية المغربية في النظر إلى معظم الأحداث التي تجري في الصحراء الغربية.
من هنا يمكن أن نطرح على ندوتنا هذه أي على أنفسنا كرجالات إعلام وعلى مؤسسات البوليساريو المعنية، كيف يمكن أن نبحث عن بدائل تساعد في التعريف بالنزاع في الصحراء الغربية وتغطية تطوراته بصورة أقرب الى الموضوعية والمصداقية؟
في رائينا المتواضع:
أولا: يجب تحسين صورة البوليساريو في الإعلام الغربي التي أعتقد انها في حاجة الى ذلك، الشيء الذي يتطلب استراتيجيات متعددة منها:
- التواصل الفعال يعني التفاعل مع وسائل الإعلام الغربية بشكل مباشر بتوفير المعلومات الصحيحة وبالسرعة المطلوبة حول أي حدث يتعلق بالقضية الصحراوية.
- التسويق الإيجابي للقضية الوطنية.....
- التعليم والتثقيف ما يعني تقديم المعلومات الدقيقة حول الثقافة والتقاليد والقيم للتعريف بالشعب الصحراوي
- التسويق الإيجابي للمؤسسات الوطنية والمجهود الاستثنائي التي تقوم به في اللجوء.
- تعزيز العلاقة مع الإعلام الصديق وجعله في الصورة دائما.
ثانيا: تنشيط الدبلوماسية العامة:
- الثقافة والفنون: تنظيم معارض فنية حفلات موسيقية (فرق الجاليات)
- الرياضة: تشجيع الرياضيين والفرق الرياضة في أي بلد تتواجد فيه الجالية الصحراوية
- العمل الإنساني والتطوعي أي المشاركة في الأنشطة الإنسانية والتطوعية محلية جهوية وطنية ودولية لتعزيز صورة البوليساريو وبناء علاقات إيجابية مع الجمهور الأجنبي.
ثالثا: استغلال وسائل التواصل الاجتماعي لتقديم من خلالها المعلومات والقصص الإيجابية واستخدامها للتفاعل مع الجمهور الدولي.
تعتبر الدبلوماسية العامة أداة قوية ليس لتحسين الصورة فقط، بل لتمرير الرسائل الإعلامية والعلاقات بين الشعوب والدول من خلال العناصر غير الرسمية والإنسانية.
في الختام وبهذا انهي هذه المداخلة، يجب الانتباه الى أن هناك "تغيير جيلي" إن صح التعبير الجيل الجديد يتلقى معلوماته ليس من الوسائط الإعلامية التقليدية التلفاز أو الراديو أو الجرائد، بل من وسائل التواصل الاجتماعي الفيسبوك انستغرام منصة إكس وكل ما توفره الشبكة العنكبوتية من سرعة في نقل الحدث بالصوت والصورة والتفاعل معه في وقت قياسي.
لذا تبقى وسائل التواصل إضافة الى الصحافة الرقمية أهم الوسائط الإعلامية في الوقت الراهن بحكم مدى التأثير والتخاطب مع الآخر. 
عمليا، راهن الإعلام الصحراوي المستقل على الجرائد الرقمية وبلغات مختلفة استهدفت مخاطبة الرأي الوطني الصحراوي وكذلك الرأي العام الدولي، وإن كانت قاصرة في بعض الأحيان ولا ترقى الى مستوى الاحترافية إلا أنها حققت اختراقا إعلاميا لا يمكن الاستهانة به. فجزء من تواجدنا على المستوى الدولي يعود الى هذه المنابر باللغات المختلفة والى الكفاءات الصحراوية الموجودة في الخارج.
لكم مني كامل الشكر
محمد فاضل محمد سالم الهيط

Contact Form

Name

Email *

Message *