ربع قرن من الانتظار: الصمود الصحراوي بين خذلان الأمم المتحدة وزيف القانون الدولي
بعد مرور 33 عاماً على وقف إطلاق النار في الصحراء الغربية، يواجه الشعب الصحراوي واقعاً صعباً يتمثل في استمرار الاحتلال المغربي وفشل الأمم المتحدة في تحقيق حل عادل. هذا النزاع المستمر يعكس عجز المجتمع الدولي عن فرض القانون على أرض الواقع، وتبني مواقف مزدوجة تخدم مصالح القوى الكبرى على حساب حقوق الشعوب. لقد أظهرت الأمم المتحدة فشلها التام في حل القضية الصحراوية، حيث لم تستطع تنظيم الاستفتاء الذي وعدت به منذ عقود، رغم أن الشعب الصحراوي لم يتوقف عن المطالبة بحقه المشروع في تقرير المصير.
منذ وقف إطلاق النار، اتبعت جبهة البوليساريو سياسة تعتمد على الصدق والرغبة في السلام، والتزمت بجميع المبادرات الأممية والدبلوماسية. ولكن في المقابل، تعنت المغرب، واستمر في عرقلة أي حل سلمي، معتمداً على دعم قوى دولية، أبرزها فرنسا، التي وقفت في مجلس الأمن لمنع أي قرار يضغط على المغرب للالتزام بالقانون الدولي.
الدور الفرنسي في هذا النزاع يُعد مثالاً صارخاً على ازدواجية المعايير. فرنسا، التي تدّعي حماية حقوق الإنسان عالمياً، دعمت المغرب في مواصلة احتلاله للصحراء الغربية، معطّلةً قرارات الأمم المتحدة ومبرزةً أن مصالحها الاقتصادية والجيوسياسية تتفوق على مبادئ العدالة الدولية. دعم فرنسا للمغرب، من خلال حق النقض، جعل الحل السلمي بعيد المنال وأدى إلى إطالة معاناة الشعب الصحراوي.
المغرب، من خلال رفضه المستمر لإجراء استفتاء تقرير المصير، أثبت أن هدفه هو فرض واقع الاحتلال كأمر واقع دون اعتبار لإرادة الشعب الصحراوي. وبدلاً من الانخراط في حل سلمي ودائم، واصل المغرب سياسة استغلال الموارد ونهب الأرض، معتمداً على دعم قوى كبرى لتعطيل أي جهود لحل النزاع بشكل عادل.
على مدى نصف قرن، قدّم الشعب الصحراوي تضحيات جسيمة في سبيل حريته واستقلاله، من المقاومة المسلحة التي استشهد فيها الآلاف دفاعاً عن الأرض، إلى القمع والاعتقالات التي واجهها المدنيون في المناطق المحتلة. وفي مخيمات اللاجئين، صمد الصحراويون لعقود رغم الظروف القاسية والحرمان، مؤكدين على أن الهوية الوطنية لا يمكن طمسها. تحملوا الفقر والظروف الاقتصادية الصعبة، وتمسكوا بتعليم أبنائهم وحماية ثقافتهم من محاولات الاحتلال المغربي لطمسها. على الصعيد السياسي، استمرت جبهة البوليساريو في قيادة النضال الدبلوماسي وتحقيق الاعتراف الدولي، لتبقى كل هذه التضحيات شهادة على إرادة لا تنكسر ونضال لا يتوقف حتى نيل الحرية الكاملة.
لم تقتصر التضحيات الصحراوية على المجال العسكري أو اللجوء، بل شملت أيضاً التضحيات على مستوى التعليم والثقافة والهوية. فقد تحمل الصحراويون صعوبات تعليم أبنائهم في ظروف قاسية، مؤمنين بأن المعرفة هي سلاح المستقبل. كما حافظوا على تراثهم الثقافي وهويتهم الوطنية رغم محاولات الاحتلال طمسها. هذه المقاومة الثقافية كانت جزءاً لا يتجزأ من نضالهم، فالأجيال الجديدة التي تربت في اللجوء أو تحت الاحتلال تمسكت أكثر بهويتها الصحراوية، وواصلت الكفاح الذي بدأه آباؤهم.
وفي ظل هذا الدعم الدولي للاحتلال، يجب على الصحراويين أن يدركوا أن الحقوق لا تُهدى، بل تُنتزع بالقوة والإرادة. إن التجربة الفلسطينية، وما يحدث اليوم في غزة، يُظهر بوضوح زيف الشعارات التي ترفعها القوى الدولية حول القانون الدولي وحقوق الإنسان. ما يعانيه الفلسطينيون من قمع واحتلال يكشف الوجه الحقيقي للنظام الدولي الذي يتغاضى عن الجرائم عندما تتعارض مع مصالحه. ولذلك، يجب على الشعب الصحراوي أن يستفيد من هذه التجارب، ويفهم أن طريق الحرية والاستقلال لا يأتي عبر انتظار دعم من قوى متواطئة، بل عبر استمرار النضال وتقديم التضحيات.
الشعب الصحراوي، رغم كل التحديات، لم يتراجع. نصف قرن من النضال والصمود أظهر أن إرادة الشعوب لا يمكن كسرها. الصمود الصحراوي هو رمز عالمي للتمسك بالحقوق، وسيستمر النضال حتى نيل الحرية والاستقلال الكامل. الأجيال الصحراوية الجديدة تدرك أن النضال يجب أن يتواصل، وأن الحل لا يكمن في انتظار تدخلات دولية، بل في إرادة الشعب نفسه واستعداده لانتزاع حقوقه مهما كانت التضحيات.
الأمم المتحدة، بنظامها الدولي الحالي، أثبتت أنها غير قادرة على فرض القانون عندما تتعارض مصالح الدول الكبرى. فشلها في حل قضية الصحراء الغربية هو جزء من فشل أوسع في حماية حقوق الشعوب المضطهدة، كما يظهر في فلسطين وغزة. إذا كان المجتمع الدولي عاجزاً عن فرض القانون، فعلى الشعب الصحراوي أن يعتمد على نفسه وعلى قوته في تحقيق العدالة.
بقلم:لحسن بولسان