رسالة إلى أهالي الصحراء 2012
مراكش (وكالة المغرب العربي للانباء المستقلة) قبل مغادرتي قررت الكتابة إليكم لكنني تراجعت لأني أعلم مدى انشغالكم بتوديعي
كباقي أرجاء المعمور، في الحقيقة لا أدري أي شيطان رجيم وسوس لي بهذه الفكرة هل هو
الشيطان الذي نعرفه جميعا ونلعنه يوميا أم شيطانكم الذي تعرفت عليه في ثقافتكم وأعجبني
تجسيده جماليا في نسائكم. أعترف قبل الكتابة إليكم أن العملية صعبة والمغامرة محفوفة
بالعديد من التأويلات السياسية الماكرة خصوصا وأني أكتب لشعب يحترف السياسة لكنني الآن
أكتب بضمير الغائب المتحرر من القيود. وجه الصعوبة أنني أخاطب شعبا مقسما إلى شعبين
يعيش في ضفتين شتاتا مزمنا ويتأرجح مصيره بين خيارات لم يختر منها إلى الآن أي شيء
.. لكني أطمح في كرمكم الذي لمسته عند أول طلة لي على دياركم، في الحقيقة استفزني تعاملكم
العشوائي مع الزمن وأنا جئت مندوبة عنه وتساءلت وأنا أرى عاداتكم وتقاليدكم في الحياة
كيف لشعب بكل هذا التأني المستفز أن يفجر ثورتين؟ لقد حذروني وأنا قادمة إليكم أنكم
شعب غريب الأطوار "يأكل الغلة ويسب الملة" وأنكم "أعراب أشد كفرا ونفاقا"
تغيرون المواقف وتتقلبون في المواقف يمينا وشمالا تلعنون القبلية سرا وعلانية وتلبسونها
عند الأزمات .. جئتكم خائفة ورحلت عنكم واثقة أنكم تعيشون حالة شتات مزمن لا تدركون
معه أين يوجد المستقبل .. أخبروني أنكم شعب قاد ربيعا عربيا في المنطقة واكتشفت أنكم
لا تتحدثون عنه إلا همسا وتساءلت كيف لشعب قاد ثورة أسقطت أنظمة قوية في الاستبداد
لم يسقط إلى الآن أي شيء؟ ... وحدهم من قادوا الربيع يقبعون في السجن كعصابة إجرامية
مع أنكم كنتم تلتفون حولهم كأبطال يفاوضون نيابة عنكم، الآن يعيشون خريفهم الممتد في
الزمن وأنتم أيضا تعيشون نفس الخريف بصورة أخرى في الخارج، وحده الفساد من يعيش ربيعا
مستمرا في إقليمكم لا يخشى أية محاسبة لا من الدولة التي ترعاكم لأنها تريد الفساد
لتحكمكم به ولا منكم لأنكم حتى وإن نددتم به طالما تحنون إليه وتوصلونه إلى كل المجالس
حتى أصبحتم شعبا يدرس في علم السياسة في رفع نسب الانتخابات والدستور، لقد خلت في لحظة
أنكم لا تشتغلون وأن الصناديق وحدها من تحرككم لكنني أدركت أن في النسب مكر السياسة
وأنكم أقلية حتى في مجالكم الذي تطالبون بتقرير مصيره. أدركت من أول وهلة حبكم للسياسة
والتلاوين التي يلبسها بعضكم عن كل استحقاق، وأدركت أيضا أن الدولة المغربية أرخت للبعض
منكم ضرعها حتى صار أسمن من اللازم، وأغرقت مجالكم بالبقع والكارطيات إمعانا في إذلالكم
لأن الشغل يحقق الكرامة وهي تريدكم بلا كرامة وكأنها تنتقم من شعب المرحوم الوالي الذي
خرج بسبب الإهانة، هذا تخليص لدين قديم أفلحت الدولة في تحقيقه بمباركة منكم لذا حولت
البعض إلى مخبرين وشيوخ ومقدمين، ورهنت خريجيكم بوزارة الداخلية في الولايات والعمالات
لتحصي أنفاسكم وتحولكم لجزء من النظام العام الذي تتحكم فيه في الصحراء ومن يخرج عن
عباءتها تحرمه من كرمها الحاتمي الذي حول البعض منكم إلى أثرياء يتحكمون في مصائر العباد
والبلاد، وحدهم بسطائكم من يدفعون الثمن ويقتاتون على الفتات في صحراء اعترف أحد مجالس
المغرب مؤخرا بأنها تعد من أحسن المناطق تنمية وان مواطنيها يتلقون إعانات تقدر سنويا
ب 4600 درهم أي ما مجموعه 4،6 مليار درهم. الأرقام صادمة ومؤلمة وفحواها الظاهر للعيان
أنكم شعب غني يتمتع بكل الامتيازات والإعفاءات الضريبية وأن الدولة المغربية كانت سخية
معكم تنزع اللقمة من أفواه مواطنيها لترفلوا أنتم في النعيم إنها قمة التضحية هكذا
تقول الأرقام الصادرة بعد مغادرتي لكم من طرف المجلس الاقتصادي الذي أعد لكم بالمناسبة
برنامجا حافلا للتنمية سيطبق عليكم فالدولة دائما تضعكم في المقدمة فلا عزاء لكم، تنمية،
تشغيل، نموذج جهوي متقدم هذه هدايا رأس السنة من طرف الدولة المغربية حملتها لكم عام
2013، فيبدو أنني كنت سنة نحس عليكم لم أجلب لكم سوى المتاعب زيارات متتالية لوفود
دولية مختلفة وللوسيط الاممي لم تقدم ولم تؤخر، إعذروني كنت أريد تسويقكم دوليا وايصال
صوتكم لأبعد مدى خصوصا وأنني أدركت فور مجيئي أن الكل يسوقكم، الدولة، الأحزاب، الجمعيات
ويرتزق باسمكم في كل المحافل دون أن يستشيركم حتى صرتم ماركة مسجلة. حتى نوقكم لم تسلم
من التوظيف السياسي فقد اعترف زعيم حزب يساري مغربي بأنه أهداكم نوقا وطلب أصواتكم،
في الحقيقة لم تخذلوه فقد إكتسح تماما كسابقه الذي ألبستموه الدراعة وحصد هو الآخر
أصواتكم. لقد حز في نفسي كيف أن نوقكم رمز الشهامة والكرم لم تسلم من هذا المسخ السياسي
الذي يحترفه بعضكم بشكل مقزز. لقد أصابني الجنون وأنا أقرأ هذه الأرقام والميزانيات
وعدت بذاكرتي القريبة الى مجالكم وتجولت في شوارع العيون والسمارة والداخلة وبوجدور
وباقي المناطق ولم أعثر على انعكاس هذه الارقام على حياتكم لقد خرجتم في سنة 2010 في
مخيم كديم ازيك تطالبون بكل هذه الاشياء التي يتحدث عنها المجلس الآن، وها هو يجيبكم
بحجم الاموال الضائعة في صحرائكم لكنه حتما لن يستطيع أن يشير الى الجهات التي استفادت
على حسابكم، لقد بحثت عن مشروع مشابه لميناء طنجة المتوسطي أو لمشروع أبي رقراق، أو
لمخطط المغرب الأخضر .. أو لجامعة مثل التي تشيد حاليا في بن جرير، أو لمستشفى اختصاصي،
أو لمسرح كمسرح محمد الخامس أو لسينما كميكاراما، أو لكورنيش يشبه المضيق أو مارتيل
أو كابونيكرو .. فلم أجد سوى إسمنت يمتد شرقا وغربا في مدينة العيون، أو نواة جامعة
للشريعة في السمارة، أو مهرجان سينما في الداخلة حيث لا توجد قاعة سينمائية واحدة.
التنمية الحقيقية تقف عند حدود مدينة أكادير حيث الطرق السيارة والجامعات والمعاهد
الخاصة أما أنتم فجزء من أرض هي ما يهم المغرب لذا لم أستغرب إقصائكم من برنامج التنمية
نفسه الذي أعده المجلس نيابة عنكم ولا من البرامج التلفزية التي تخص إقليمكم والتي
يتحدث فيها عنكم أشخاص من جهات مختلفة لا أدري في الحقيقة لماذا هذا الإقصاء ربما الدولة
المغربية لا تريد إرهاقكم بالتفكير والإعداد وهي تدرك أنكم لا تحبون الشغل. هكذا تقول
أنكم شعب اتكالي تعود على عطايا المخزن، ولذا تصاب الدولة في المغرب بالجنون إذا لم
تراكم مرابطين أمام أبواب العمالات والولايات تطلبون بركات السلطة وعطاياها لأنها بذلك
تضمن بقاءكم تحت إمرتها أطول فترة ممكنة وهي دائما تراهن على الزمن وعلى انقراضكم من
الوجود خصوصا وأنكم أقلية لا تشكلون سوى 3٪ من سكانها حسب إحصائياتها الأخيرة. المشروع
المقدم لكم الآن هو جزء من لعبة الزمن التي يراهن عليها المغرب في حل نزاع الصحراء،
وهو أيضا جزء من سياسة "اعطيهم فاش التهاو" هكذا دائما عندما يكون الوضع
ستاتيكو يجب تحريكه وإشغال الناس بتسويق الوهم وإلا كيف تفسرون هذا التعاطي البسيط
مع الأرقام المعلنة لأنها تشير إلى أنكم أغنياء وهو تزييف للحقائق، وضحك على الذقون،
فإذا كنتم أغنياء لماذا خرجتم في 2010 مطالبين بالشغل والسكن والتوزيع العادل للثروات؟
إن تقرير المجلس وتصريح وزير الشؤون العامة المغربي يقدمان صورة وردية عن واقع غير
وردي إلا في مخيلة من يجلسون في الرباط لأن الإعانات المقدمة لكم طيلة هذه السنوات
كانت تجد طريقها سالكا إلى جيوب الأعيان والشيوخ والمنتخبين وأصحاب الولاءات والمضاربين
الذين تاجروا بها شمال مناطقكم تحت أعين سلطات الدولة المغربية في عملية مقايضة واضحة
لتبادل المصالح مستغلين ضعف السند القانوني لتواجد الدولة نفسها على الإقليم وغياب
الديمقراطية، لذا كان طبيعيا أن ينتشر الفساد وتتضرر مصالح الصحراويين البسطاء. إن
التقرير الأخير للمجلس الإقتصادي المغربي والذي ستباركونه كعادتكم لأنكم شعب مبارك
يمثل اعترافا صريحا من الدولة المغربية بفشلها في تدبير المجال الصحراوي لمدة 38 سنة
وهو صك إدانة لكل من ساهموا في نهب أموال الصحراويين والمنطقي قبل إعداد المشروع الجديد
هو محاسبة المسؤولين عن مآل كل هذه الأموال التي كشف عنها المجلس وإلا يعتبر الأمر
نوعا من التدليس السياسي المفضوح وورقة جديدة لربح الوقت وتسويق المجال للمنتظم الدولي
كمجال للرفاه الإجتماعي في محاولة أخرى للإلتفاف على المشكل الحقيقي المتمثل في حقكم
في تقرير المصير وفق ما تريدونه لا ما يريدونه لكم الآخر دائما .. وأرحل عنكم متمنية
أن تكون سنة 2013 سنة إنصاف وكرامة. وكل سنه انتم بألف خير أستاذ بكلية الحقوق مراكش.