دراسة: المخابرات المغربية وحروبها السريّة على الجزائر، الحلقة الخامسة:حقوق الإنسان في مزادات المخزن
دراسة: المخابرات المغربية وحروبها السريّة على الجزائر
للكاتب الجزائري أنور مالك
الحلقة الخامسة:حقوق الإنسان في مزادات المخزن
يعتبر ملف حقوق الإنسان من أعقد الملفات التي تواجه المخزن وخاصة في الصحراء الغربية، فكل التقارير المختصة في هذا الشأن، تجمع على إدانة ما يقترفه المغرب من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان والقوانين والمواثيق الدولية التي وقع عليها، ويتجاوز ما تعهد به أمام المنظومة الدولية. أكدت أن المغرب يستهدف الصحراويين باعتقالات تعسفية وعشوائية وتهم ملفّقة تطال كل من يوالي جبهة البوليزاريو، كما أنها تستهدف النشطاء الحقوقيين بتهم مفبركة وتوقيفات متوالية.
المحاكمات غير عادلة، وهي سياسية بحتة وتخضع لإملاءات فوقية من طرف جهاز المخابرات، ويلجأ هذا الجهاز إلى ابتزاز الموقوفين من أجل توريطهم في مراجعة مواقفهم السياسية، سواء عن طريق الإغراء بالأموال والحرية والنفوذ والمناصب، أو التهديد بالتصفية الجسدية والوعيد بأحكام قاسية تجعل هذا الناشط يقضي عمره كاملا في السجون. أو تحت الإكراه بتوقيع محاضر مزورة عليها تصريحات ملفقة لا أساس لها.
ويتعرض الصحراويون في سجون المملكة إلى التعذيب والضرب والإهانة وحتى الاعتداءات الجنسية، كما أن مخافر الشرطة ترفض إجراء اختبارات طبية للكشف عن آثار ما اقترف في حق الموقوفين، هذا من دون أن نتجاهل ما يحدث في السجون من تعذيب وضرب واعتداءات وحرمان من أدنى الحقوق الآدمية التي تطال الصحراويين أو المساجين الإسلاميين، بل أن لدى حراس السجون تعليمات تقضي بالاحتراس من خطر الصحراويين الذي هو أكبر من أولئك المعتقلين في قضايا الإرهاب أو حتى التفجيرات
هذا فضلا عن السجون السرية الأمريكية التي كشفت عنها دراسة دولية أنجزها محققون ونقلت البعض منها صحيفة “فرانكفورتر روندشاو” الألمانية في عددها الصادر في 08/03/2010 . كما لا يمكن أن نتجاهل أشرطة لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية التي أظهرت المتهم في هجمات11سبتمبر2001، رمزي بن شيبة، وهو يخضع للاستنطاق في أحد السجون السرية بالمغرب عام 2002 .
من جهة أخرى تعمل المخابرات المغربية، كثيرا جدا، وفي حالات لا تحصى ولا تعد، على ملاحقة المعارضين بتهم لا أساس لها، وغالبا ما تتعلق بالحق العام كالسياقة في حالة سكر، إهانة هيئة نظامية، الاعتداء على رجال الأمن، التحرش الجنسي، السرقة، النصب والاحتيال.. الخ، وطبعا يختلق لهم ضحايا ويكونون دائما من المستوطنين المغاربة، أو ممن يعملون لحساب الجهاز في الصحراء الغربية، والذين يصفهم الصحراويون بالمرتزقة. وهذه التهم التي تتعلق بالحق العام هي مناورة مخابراتية من أجل أن لا يكون هؤلاء المعتقلين سجناء رأي، وهو الذي يسبب المتاعب للسلطات المغربية مع منظمات حقوق الإنسان والمجتمع الدولي.
يمارس المغرب أيضا الطرد والإبعاد للصحراويين من أراضيهم ومصادرتها بقرارات السلطات الأمنية، أو يجري الاحتيال عليهم في ممتلكاتهم بشهود زور ووثائق مفبركة وبتواريخ رجعية، وهذا من أجل تمكين المستوطنين المغاربة كما يطلق عليهم هناك، من امتلاك عقارات في الصحراء حتى يخلط ورق الأمم المتحدة مستقبلا إن أجبرت الرباط على استفتاء تقرير المصير. أما الإبعاد من التراب فتعتبر أميناتو حيدار من أشهر مناضلي حقوق الإنسان الذين تم طردهم، وقد تعرضت أميناتو إلى ذلك في نوفمبر 2009 وأثارت قضيتها زوبعة عالمية وضعت المخزن في موقف حرج، لم يجد من حل سوى الرضوخ وإقالة بعض المسؤولين لذرّ الرماد في العيون.
إلى جانب ما ذكرنا فالتقارير الحقوقية التي توصلت بها مؤخرا، أو من خلال معاينتي للواقع في منطقة الداخلة، فقد وقفت على إجراءات صارمة وقمعية يمارسها الأمن المغربي وهذا من أجل الحدّ من حرية التجمهر والتظاهر السلمي والإضرابات، وهذا الذي يناقض المادة21 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. كما تعرقل المخابرات تكوين جمعيات حقوقية في الصحراء الغربية، وهو ما يخالف المادة 22 من العهد الدولي وأيضا الفصل التاسع من الدستور المغربي، ونذكر في هذا السياق على سبيل المثال لا الحصر، منع “تجمع المدافعين الصحراويين عن حقوق الإنسان” في 07/10/2007، بل إن “الجمعية المغربية لحقوق الإنسان” والمعترف بها يتعرض فرعها في مدينة العيون لمضايقات مختلفة، من أجل إعاقة عملها في الوصول إلى الملفات السوداء التي تزخر بها المنطقة الجريحة.
حتى الصحفيون والمراقبون الدوليون الأجانب الذين يتابعون قضية الصحراء الغربية، يتعرضون إلى عراقيل كثيرة تعيق عملهم، كما أن المخابرات تعمل على تضليلهم حتى يتم توجيههم نحو ما يخدم أطروحة المغرب، وهذا الذي جعلهم ينتفضون ضدي لما نشرت تحقيقي عن منطقة الداخلة. ونذكر أن السلطات أقدمت على طرد وفد حقوقي فرنسي في 25/04/2008، منعت أيضا بعثة تقصّي الحقائق في البرلمان الأوروبي أواخر 2005 . أيضا اعتدت على مواطنين إسبان تضامنوا مع الصحراويين في العيون في أوت الماضي وإعتقلتهم ثم رحلتهم إلى بلادهم. ويندى الجبين لما يجري في حق حرية التعبير والعمل النقابي والصحافة… الخ.
للمغرب كتاب أسود فيما يتعلق بحقوق الإنسان سواء في الصحراء الغربية أو حتى في التراب المغربي، ولا يمكن حصره في مقال، لأن القضية تحتاج إلى مؤلفات مستقلة، ويوجد الكثيرون ممن كتبوا في هذا الأمر، والملفات التي تقدمها جبهة البوليزاريو إلى الأمم المتحدة تحتاج إلى وقفات لا تنتهي، لأنها ملفات موثقة وثابتة لا تحتاج إلى أدنى مراوغة.
وبسبب ذلك تعمل المخابرات المغربية في هذا الإطار على عدة أطر نحاول أن نتحدث عن بعضها في هذه المتابعة المختصرة.
1 – محاولات كسب ودّ المنظمات الدولية بالكذب والملفات المزورة:
تنشط المخابرات المغربية كثيرا من أجل كسب ودّ المنظمات الحقوقية الدولية وغير الحكومية، وخاصة تلك المهتمة بشؤون الصحراء الغربية، وقد كشفت لي شخصيات معروفة لا يمكن أن نبوح باسمها، من أن المغرب حاول استدراجهم مرارا وتكرارا سواء عن طريق الإغراءات المالية أو من خلال قضايا مشبوهة وملفات غامضة، أو من خلال محاولة دسّ عملاء بينهم يظهرون للناس أنهم معارضون للنظام المغربي وأنهم نشطاء حقوقيون يتعرضون للمضايقات في محلات إقامتهم، وفي الأصل هم يؤدون مهمات لصالح جهازهم.
وعندما أخفق الجهاز في الوصول لغايته، لجأ إلى التقارير الكاذبة والملفات المزوّرة التي ترسل بقنوات مختلفة إلى منظمات حقوقية بارزة من أجل توجيهها أو مغالطتها، وتوريطها في ما يشيد بالمغرب ويدين الجزائر وجبهة البوليزاريو في آن واحد، بل تدخّلوا أحيانا في شؤون الداخلية للجزائر.
2 – الرهان على حقوق الإنسان في المخيمات:
كما ذكرنا سابقا أن أخطر ما يواجه المخزن اليوم هو الملف الحقوقي في الصحراء الغربية، وخاصة أن الانتهاكات قائمة وبأساليب لا يمكن تخيلها، وهي ثابتة من خلال الاعتقالات التعسفية والتعذيب والقتل خارج أطر القانون والاغتيالات والقمع ومناهضة حرية التعبير.. الخ. ومن أجل تخفيف العبء المسلط على رقبة المخزن، تعمل منذ فترة على محاولة إبراز المخيمات كمنطقة سوداء تنتهك فيها حقوق الإنسان، أقول هذا من أجل رفع العبء في الداخل الصحراوي، وأيضا من أجل محاولة جعل المجتمع الدولي يضغط حتى تفكك هذه المخيمات التي بدورها من أعقد ما يواجه الأمم المتحدة والقانون الدولي، لأن وجود لاجئين ومنذ أكثر من 35 عاما ومن دون وضع حدّ لأسباب لجوئهم هو جريمة دولية بامتياز، ولا يمكن استمرارها إلا بحلّها وفق أطر إنسانية وقانونية ودولية، ومادام المغرب هو من يتحمل المسؤولية الجنائية في هذا الشأن سيلعب على أوتار حلول شكلية لأجل المطالبة بحلّ المخيمات أو إعادة توطين اللاجئين في الجزائر أو بلد أخرى، أو حتى ترحيلهم جماعيا إلى ما يصفه المخزن “الوطن الأم” وكأن واقع الصحراويين في الداخل هو في أحسن الظروف، بل بالعكس أن ما يواجهونه يندى له الجبين ويجعل أسباب اللجوء قائمة ومستمرة بالرغم من توقيف الحرب بين المملكة والبوليزاريو، وهذا الذي وقفت عليه بنفسي ولم ينقل لي كما يجري مع الآخرين.
نرى أن المغرب خاصة في السنوات الأخيرة يحاول التركيز على حقوق الإنسان في المخيمات، وهذا بإقامة ملتقيات وندوات وبرامج تلفزيونية وإذاعية وتقارير صحيفة وحقوقية، وكلها تدين البوليزاريو من أنها تنتهك حقوق الصحراويين، ويحمّل الجزائر كل المسؤولية. بل يلجأ المخزن أيضا لفتح ملفات الأسرى المغاربة السابقين لدى الجبهة وذلك بنشر شهاداتهم في الكتب ووسائل الإعلام. كما أن خبراء المخزن يروجون كثيرا لما يسمى بالسجون السرية في تندوف. لم يقتصر الأمر على ذلك بل انتشرت أنباء هنا وهناك على العبودية والمتاجرة بالأطفال ومتابعات أخرى تتعلق بالأعراض والشرف… الخ. وهذا كله سعي مخابراتي من أجل توجيه الأنظار الحقوقية وشغلها بشأن تندوف، حتى يخفف الأمر على ما يقترف في حق الصحراويين في الداخل، فضلا من أن اللاجئين هم القنبلة الموقوتة في عنق المملكة المغربية.
ومن اجل إعطاء بعض المصداقية لهذه الأساطير المخزنية، تركز المخابرات على ما تطلق عليه “شهادات العائدين للوطن” في إطار ما يعرف بـ “الوطن غفور رحيم”! . هؤلاء ممن يصورهم المغرب على أنهم إنجاز وطني وهو في الحقيقة مجرد صفقات تقع بين محتاجين وأحيانا مع مواطنين من البدو الرحل في الصحراء القاحلة وأعماقها، ممن يتم تقديهم للرأي العام على أنهم فرّوا من “جحيم” تندوف. والمتتبع لندوات بعضهم يجدها موجهة نحو تصوير المغرب من أنه جنة وفردوس وأنهم أيضا يرددون ما لقّن لهم على مدار أسابيع يخضعون فيها لغسيل المخ، هذا من أجل الإجماع على إضفاء المصداقية على الملف الحقوقي الذي يروجه المغرب عن مخيمات تندوف، وقد سبق وأن وجهت بنفسي نقدا لجبهة البوليزاريو، فيما يخص حقوق الإنسان في المخيمات وحتى المناطق المحررة، وانتقادي طبعا لا يعني المساس بالقضية المقدسة للصحراويين ولا أنا مناهض لإرادتهم ولا لتقرير مصيرهم، والذي أدركته عن قرب لما وقفت على مآسيهم في وطنهم
الحلقة السادسة:
وجها لوجه مع محمد ياسين المنصوري رئيس جهاز الاستخبارات المخزنية
يواصل الكاتب في هذا الجزء من دراسته تفكيك محاولات المخزن لاستعمال ملفي التعذيب وحقوق الإنسان والنفخ في مؤامرة “من يقتل من؟” ضد الجزائر، فالمغرب، حسب الكاتب، لا يجد ردّا على ما ثبت في الصحراء الغربية من انتهاكات جسيمة إلا بتوجيه أصابع الاتهام للجزائر، واللعب على أوتار مختلفة لا قبلها المنطق في أغلب الأحيان.
في حين المغرب يهدف من وراء ذلك النقد الحقوقي المسرب عبر قنوات ووسائل مختلفة هو الوصول إلى ضرب مصداقية القضية وأيضا جعل اللاجئين مجرد محتجزين فقط، ولا علاقة لهم بالمواثيق الدولية المتعلقة بالنزوح أو اللجوء الجماعي أو الهجرة القسرية. وطبعا تستغلّ المواثيق والقوانين من أجل تحميل الدولة الجزائرية المسؤولية بسبب تواجد هؤلاء على التراب الجزائري وتحت السيادة الوطنية، وهذا حتى يتحقق الضغط ومنه يصلون إلى غاية تخلّي الجزائر عن القضية الصحراوية، وهو حلم بعيد المنال حسب ما نعرفه من خلال متابعتنا للموقف والقضية وأسباب الدعم والمساندة وجذور التأييد.
فالمعركة الحقوقية التي تنشب ما بين جبهة البوليزاريو والمغرب، جعلت هذا الأخير يرابط من أجل نقل ميدانها من شباكه في الأراضي الصحراوية إلى شباك الجبهة في المخيمات بتندوف.
3 – محاولات لتنشيط ندوات في الخارج يرعاها جزائريون ومناهضة للبوليزاريو:
لقد أقيمت نشاطات مختلفة مؤيدة للأطروحة المغربية، وتتمثل في ندوات أو حتى مسيرات مناهضة للبوليزاريو، ويقوم بذلك المهاجرون المغاربة في أوروبا وبتموين من السفارات المغربية، ولكن الشيء الذي لا يزال يسعى إليه المخزن هو أن تأتي مثل هذه النشاطات من طرف جزائريين أو صحراويين، ولكن الأمر لا يزال يقابل بالإخفاق الشديد، بسبب رفض المهاجرين الجزائريين والصحراويين لمثل هذه الأعمال المشبوهة. ونذكر في هذا السياق أنه في نوفمبر 2008 ومن خلال مغاربة يعيشون ما بين كندا والولايات المتحدة الأمريكية، قد دعيت للمشاركة في ندوة حول جبهة البوليزاريو وحقوق الإنسان، وقد تواصل معي بخصوص ذلك، أحد المنظمين وهو أستاذ جامعي يعيش في واشنطن، غير أنه طلب مني لاحقا أن أكون أنا منظم اللقاء في باريس وأدعوا له الحقوقيين من العرب والأوروبيين وبعض البرلمانيين الفرنسيين ونشطاء إسبان ممن يدعمون الأطروحة المغربية، كما طلب مني التركيز على الجزائريين. وعندما تساءلت عن سبب هذا التغيير، أكّد لي أنه يريد الطابع الجزائري للملتقى حتى ينجح في تحقيق الأهداف المرسومة له. وهذا الذي رفضته لأنه لا يمكنني أن أنظم مثل هذه الملتقيات أو الندوات التي أجهل الأيادي السرية التي تقف خلفها بالدعم والتموين، كما قطعت علاقتي بذلك الشخص منذ ذلك الحين، بعدما سمع منّي ما لا يرضيه.
ولا تزال المخابرات المغربية تعمل من أجل محاولة خلق أي نشاط يكون مصدره جزائري، لإقناع العالم بأطروحته التي يكفر بها الصحراويون إلى منتهى لا يقبل أدنى نقاش أو تردد.
4 – حقوق الإنسان في الجزائر:
بسبب الملفات الخطيرة التي عرفها العالم عن واقع حقوق الإنسان في المغرب والصحراء الغربية، ولذلك كما ذكرنا يلعب المخزن على وتر حقوق الإنسان في المخيمات، وأيضا إثارة هذه الملفات المتعلقة بالجزائر، وهذا من أجل تأليب المنظمات الحقوقية على الجزائر، وإرضاخها بالضغط للتغاضي عن مأساة حقوق الإنسان في الصحراء الغربية.
ومن خلال تقصي الأمر في فرنسا على سبيل المثال، فقد عثرت على بصمات مغربية في اتهامات مختلفة لاحقت الجزائر، وأذكر في هذا السياق أن أول من نشر خبر الشكوى التي رفعتها من قبل في الأمم المتحدة حول قضية التعذيب، هي الصحافة المغربية، حيث كانت البداية مع موقع هسبريس الذي نشر تقريرا بتاريخ 27/07/2009 عن قبول لجنة مناهضة التعذيب النظر في ملفي، وبعدها في 29/07/2009 نشرت يومية “أخبار اليوم” خبرا عن ذلك تحت عنوان مثير “قبول شكاية ضد جنرالات الجزائر بالأمم المتحدة”. وتوالت الأخبار في صحف ومواقع أخرى مختلفة. والأمر لم يقتصر عليّ أنا فقط، فالصحف المغربية تحفل بأخبار كثيرة عما يتعلق بحقوق الإنسان في الجزائر، وعرف الأمر ترويجا في محافل دولية كما يجري مع السيد عمر هلّال السفير المغربي الدائم لدى مكتب الأمم المتحدة بجنيف، حيث أنه في الدورة 12 لمجلس حقوق الإنسان التي عقدت بتاريخ 17/09/2009 الذي اتهم الجزائر صراحة وعلانية بالانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان، ورد على السفير الجزائري الذي كشف عن جرائم المغرب في الصحراء الغربية، قائلا: “وإن لم يرق الأمر للسفير الجزائري فإن وضعية حقوق الإنسان تبقى أفضل ألف مرة منها في الجزائر حيث انتهاكات حقوق الإنسان ما زالت تسجل بشكل يومي”.
وهو الذي تكرّر أيضا في 17/09/2010 عندما أثار إدريس الجزائري قضية حقوق الإنسان في الصحراء الغربية، وذلك خلال الدورة 15 لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
كما سبق وأن حدثت ملاسنات في جنيف، لما تطرق المجلس الإقتصادي والإجتماعي لمنظمة الأمم المتحدة في 23/07/2007 عندما تدخل السفير إدريس الجزائري أثناء مناقشات موضوع تأثيرات الاحتلال الإسرائيلي والحق في محو الاستعمار، وقوله بأن “أراضي الشعوب التي تقع تحت الاستعمار من الصحراء الغربية حتى مرتفعات الجولان تحولت إلى سجون بالنسبة لها”، ما دفع السفير المغربي حينها محمد لوليشكي بأن يتهم الجزائر كالعادة من أنها “مسؤولة عن منع أعداد من الصحراويين منذ 30 سنة من الحرية في تندوف”.
وهو الأمر الذي يحدث دائما بين الجزائر والمغرب بخصوص حقوق الإنسان، كما تناقلت وسائل الإعلام المغربية تصريحات لمسؤولين في الحكومة يرددون الأسطوانة نفسها. وظل المغرب لا يجد ردّا على ما ثبت في الصحراء الغربية من انتهاكات جسيمة إلا بتوجيه أصابع الاتهام للجزائر، واللعب على أوتار مختلفة لا يقبلها المنطق في أغلب الأحيان.
1- ملف المفقودين والتعذيب والمجازر:
من بين ما عملت المخابرات المغربية من أجل بعثه للواجهة وعلى أعلى المستويات، هو الملف الشائك المتعلق بالمفقودين، حيث أن بعض العائلات وخاصة تلك التي تأكدت من التحاق ذويهم بمعاقل الجماعات المسلحة، ترفض الاعتراف بذلك حفاظا على وجه الأسرة وتاريخها، حتى لا تتلطخ بالإرهاب الذي يعتبر من الأمور المشينة التي يلفظها المجتمع الجزائري، كما توجد عائلات أخرى تنضوي تحت جمعيات يرعاها لوبي الأممية الاشتراكية في فرنسا وغيرها، وهذا لا ينفي أنه يوجد ضحايا أبرياء من حق الدولة عليهم أن تكشف لهم مصير ذويهم.
فقد أفادت بعض المصادر، أن مغاربة ينشطون تحت عناوين مختلفة يلعبون دورا فعالا في إثارة هذا الملف، بل إنهم يخترقون بعض الجمعيات التي تنشط في مجال حقوق الإنسان، وهذا من أجل التركيز على المفقودين والتعذيب والمجازر الجماعية التي استهدفت المدنيين خلال العشرية السوداء. وقد علمت من خلال علاقاتي الواسعة مع بعض المنظمات والنشيطين في مجال حقوق الإنسان، أن تقارير دورية كثيرة أصدرتها حتى الخارجية الأمركية حول واقع حقوق الإنسان في العالم العربي، قد جرى الاعتماد على مغاربة لديهم علاقاتهم الواسعة مع دوائر غير حكومية.
حتى ما يعرف بالمرحّلين المغاربة من الجزائر وبغض النظر عن طبيعتها، فقد شاب الأمر ما يثير الكثير من الشبهات ونقاط الظل، وخاصة أنني تواصلت مع بعضهم في أوروبا وتأكد لي أن القضية لا تتعلق أساسا بأزمة هؤلاء التي لا تزال مستمرة في المغرب، بل أنه يراد توجيهها نحو ما يخدم أجندة القصر التي تعمل على إحراج الجزائر حقوقيا وفق منظور استخباراتي يروم نحو تفادي الضربات الموجعة التي يتلقاه بسبب الكتاب الحقوقي الأسود في الصحراء الغربية.
ألاعيب سياسية على مقاس الشيطان
بغض النظر على كل ما تقدم، وهو في حد ذاته مثير ويفتح أفق مشبوه على ما تقوم به المخابرات المغربية من أجل الضغط على الجزائر أو إرضاخها لمنطق الإحراج أمام المجتمع الدولي، حتى تتخلّى مجبرة عن دعم الصحراويين في تقرير مصيرهم. إلا أنه بحكم تجربتي اكتشفت ألاعيب سياسية قذرة يقوم بها الجهاز المغربي من أجل الوصول إلى غايته، ويمكن أن ندرج في هذا الإطار بعض الأمور.
1 – تجنيد المعارضين وتأليبهم والترويج لإشاعات مغرضة:
يراهن المخزن كثيرا على ما تسمى “المعارضة الجزائرية في الخارج”، وذلك من أجل تنشيط جبهة الرفض للموقف الجزائري تجاه قضية الصحراء الغربية، لأنه يعلم أن هؤلاء الذين يعارضون كل شيء لا يمكنهم أن يساندوا النظام في دعمه للصحراويين، وطبعا من يفكّر بهذه الطريقة فهو أحمق.
وإضافة إلى ما تمّ الحديث عنه فيما يخص استدراج الأصوات المنتقدة للوضع في الجزائر، من أجل توريطها في مناهضة الموقف الثابت من قضية الصحراء الغربية، فإننا نؤكد على أن المخابرات المغربية تسعى من أجل جلب الأسماء ذات المصداقية أو الوزن الثقيل، حتى وإن لم تصرح بموقف مناهض حفاظا على مصداقيتها إن وجدت، إلا أنها تضعها تحت تصرفها في إطار النقد الحقوقي أو اللعب على أوتار أخرى كمسألة الحدود المغلقة وإتحاد المغرب العربي والعلاقات بين الشعبين.
وفي هذا السياق أذكر أن آخر تواصل حدث معي هو اللقاء الذي جمعني بطريقة مشوبة بالمغالطة، مع مسؤولين في المخابرات المغربية لما زرت مدينة آسا في أفريل الفارط، في إطار فعاليات ندوة حول حقوق الإنسان في مخيمات تندوف، وقد وصلت إلى أكادير على الساعة الثالثة من صباح 22 أفريل، وبعدما أخذت قسطي من الراحة اتصل بي المدعو رضا طوجني، رئيس ما يسمى “جمعية الصحراء المغربية” ومدير نشر صحيفة “الصحراء الأسبوعية”، وقد دار الحديث في أشياء عمومية في أغلبها تتعلّق بجمال مدينة أكادير والسياحة في المغرب وأشياء أخرى، وبعد حوالي ساعة افترقنا على موعد أن يرسل لي سائقه الشخصي من أجل قضاء أغراض شخصية من سوق المدينة، بعدما تأخر وصول حقيبتي من الدار البيضاء، حيث شهد مجال الطيران حينها اضطرابات بسبب بركان إيسلندا.
عدت إلى غرفتي، وفي حدود الساعة 11 صباحا اتصل بي هاتفيا موظف الاستقبال، ليخبرني من أنه يوجد ضيوف يودون رؤيتي، وعندما أردت معرفة أسمائهم أخبرني أنهم من طرف رضا طوجني. نزلت إليهم فوجدت 4 أشخاص في انتظاري، وكانوا يلبسون بدلات وربطات عنق وملامحهم توحي أنهم من المسؤولين في الدولة المغربية. سلمت عليهم وقدموا لي أنفسهم على أنهم إطارات في الولاية، طلبت منهم أن يتفضلوا في صالون الفندق، وهو ما لبّوه دون تردد. وقد قدم لي أحدهم على أنه اسمه أحمد وهو عقيد في الأمن، وأنه أرسل خصيصا من طرف والي المنطقة، ولما استفسرت في بداية الحديث عن الموضوع أخبروني أنه يودّ إستقبالي والتعرّف عليّ فقط والترحيب بي، حتى أن العقيد أحمد قال: “لابدّ أن نرحب بكاتب كبير يزور أوّل مرة وطنه المغرب”.
كنت على يقين أن الأمر ليس كذلك فقط، لأنه من عادتي أن أنأى بنفسي عن مثل هذه المواقف التي قد تحسب لجهات ما، وهو الموضوع الذي لم يتمّ الاتفاق عليه من قبل، أوضحت لهم أن مهمتي محددة وأتفادى مثل هذه المواقف التي قد تحرجني وتسيء لي، بعد تردّد وإلحاح منهم وافقت على اللقاء، وكان الحس الصحفي لمعرفة الخفايا يسيطر عليّ، فأخرج أحدهم هاتفه الشخصي وأجرى اتصالا لم يتكلم خلاله إلا بجمل قصير وعابرة، وهي: “الأستاذ أنور مالك وافق على اللقاء”. ليخبرني على أن الموعد سيكون على الساعة الثالثة من مساء ذلك اليوم، وأنه سيأتيني سائق خاص ليأخذني إلى المكان المقصود، فداعبت العقيد قائلا: “يبدو أنكم جهزتم السيارة التي ستنقلني عبر الحدود البرية لبلدي الجزائر”، فضحك وقال: “أنت لديك مكانة مرموقة ولا يمكن أن يؤذيك أحد هنا في بلدك المغرب”، فعلقت قائلا: “حتى بلدي لن تؤذيني أبدا”.
عدت إلى غرفتي ورحت أفكّر في الموضوع، وقد جالت في خاطري احتمالات الإيذاء أو التوريط في أشياء خطيرة، ولكن استبعدت الأمر، لأنه لا يمكن أن يحدث ذلك وأنا على التراب المغربي، كما أنني في نهاية المطاف صحفي والبحث في أغوار مثل هذه الأمور من أوجب واجباتي، وقد يقتضي الأمر المغامرة في أمور كثيرة، فضلا من كل ذلك أن الذي يريد رؤيتي هو الوالي وليس عيبا أن ألتقيه بحكم مهنتي.
لقد طافت بي الوساوس في كل حدب وصوب، وفكرت أن أخبر رئيس الجمعية التي دعتني، إلا أنني فضلت أن أرضخ لطلبهم بأن لا أخبر أيا كان بالأمر سواء في المغرب أو أي جهة أخرى، وصممت على المضي قدما معهم للوصول إلى أسرار وخفايا ظللت أراها تحوم على شأن العلاقات الجزائرية المغربية وملف الصحراء الغربية، ولأنني شككت أن اللقاء ليس مع والي المدينة فقط، لأنه لو كان الأمر كذلك لاتصلوا برئيس جمعية الصحراويين الوحدويين، والذي افتتح له قافلته الوزير اليازغي
الحلقة السابعة:رئيس استخبارات المخزن: جريدة ” الشروق ” تزعجنا
قبل خمس دقائق من الموعد اتصل بي عون الاستقبال بالفندق، وأخبرني أنه يوجد من ينتظرني، فنزلت ووجدت سائق السيارة، وكان في الخمسينيات من عمره على ما يبدو لي، حملني في سيارة من نوع “تويوتا” إلى حيث الموعد، ولم يكن سوى فيلا فاخرة لا تبتعد كثيرا عن الفندق الذي أقمت به، فتح لنا الباب الخارجي الضخم وكان في مركز المراقبة ثلاثة رجال في زيّ مدني، وبعد أمتار في طريق على جوانبه ورود وأشجار،
توقفت السيارة قبالة بوابة ووجدنا العقيد أحمد وبرفقته شخصان آخران لم تسبق لي رؤيتهما، سلمت عليهم وأدخلوني بعدما مررت على جهاز سكانير مثبت حيث يقف بالقرب منه شاب طلب مني أن أضع كل ما في جيبي من أغراض “المحفظة، دراهم، هاتف، ساعة اليد.. الخ”، إلا أن العقيد تدخّل معبرا له من أنني صديق حميم ولا داعي لإحراجي، غير أنه طلب مني غلق هاتفي المحمول وتركه معه، مبررا أنها إجراءات معمول بها، فعلت ذلك، بعدها مررت في الجهاز ومن دون أن ينبه على شيء، وهذا الذي أكّد لي أن المكان هو عبارة عن مقرّ رسمي للدولة وليس إقامة شخصية عادية .
عبر رواق في حدود ثلاثة أمتار دخلت إلى بهو الفيلا وكانت مؤثثة بطابع راق إلى درجة كبيرة، ثم أدخلني إلى صالون ثان، وطلب مني الجلوس والإنتظار لثوان فقط، فجلست على أريكة مذهبة وتحت ضوء خافت ينبعث من وراء ستائر توحي برهبة المكان. غادرني العقيد بخطوات مسرعة، أما أحدهم، فسألني عن المشروب الذي أرغبفيه، فاعتذرت عن ذلك، وعندما ألحّ فضلت كأس عصير تفاديا للإحراج .
بعد فترة لم تتجاوز الخمس دقائق، عاد العقيد ومعه خمسة أشخاص، بدت لي ملامح الرجل المعني بلقائي من خلال تقدمه لهم وحتى نظراته المنصبّة عليّ، والمفاجأة غير المتوقعة أصلا بأنه لم يكن الوالي أو شخصا آخر، بل هو محمد ياسين المنصوري رئيس جهاز المخابرات المغربية، كما أن ملامحه غير غريبة عنّي فقد سبق ورأيته عبر بعض وسائل الإعلام، كان يسير أولهم وهم يتبعونه، سلم عليّ مرحبا بي في ما سماه بلدي الثاني المغرب، أما العقيد فراح يقدمه لي، وكان بالفعل كما تبادر لذهني، من أنه السيد ياسين المنصوري رئيس جهاز المخابرات المغربية، وأحدالمقربين من الملك محمد السادس بحكم الزمالة في الدراسة التي جمعتهما من قبل .
وإن كنت قد امتعضت من هذه الطريقة التي أتوا بها، وقد قلتها صراحة أنه من حقي أن أعرف مسبقا، إلا أن المنصوري أكّد لي أنه لأسباب أمنية فضلا من أنهم احتملوا رفضي للقاء، المهم أنني تناسيت ما حدث فقد صرت أمام الأمر الواقع، ورحنا نتبادل النقاش عن كثير من الأمور العامة، كما دار الحديث عن أحوالي وظروف الحياة في فرنسا، وأخبرني أنه يحترم قلمي وسبق له وأن شاهدني في بعض البرامج بالقنوات الفضائية، ليضيف بأنه طلب اللقاء من أجل التعارف بيننا بعدما أخفق اللقاء الأول في لشبونة، وأنه يحترم المعارضة الجزائرية في الخارج. كما حاولاستدراجي للحديث عن تجربتي العسكرية، إلا أنني رحت أتحدث عن تلك المرحلة كماضٍ قد ذهب لحاله، وأن الأمورتغيرت على ما كانت عليه عندما كنت في المؤسسة العسكرية .
حدثني أيضا عن الدعوى التي رفعتها ضد الوزير الأسبق وزعيم حركة “حمس” أبوجرة سلطاني بسويسرا، وأنه تابع فصول القضية وما أثارته من جدل، وعبّر عن تضامنه المطلق معي حتى استرجع حقوقي كاملة. ثم راح يشيد بكتابي “طوفان الفساد وزحف بن لادن في الجزائر” الذي أحدث ضجة وصادرته مصر، ووصفه بأنه جريء ومتميز،فأدركت لحظتها أن النسخة المطبوعة التي أرسلتها لمكّاوي وبرّادة كما سيأتي لاحقا، قد ذهبت إليه وليس للتوزيع كما زعموا .
ليصل الحوار بيننا عن الشكوى المرفوعة لدى لجنة مناهضة التعذيب التابعة للأمم المتحدة بجنيف، وراح يحدثني عن أسماء المسؤولين الذين تمّ ذكرهم في الشكوى. وقد أبدى اهتماما بالغا بالأمر، وأشار بطريقة مبطّنة إلى أن تلك الشكوى لم تحدث من قبل، وإدانة الجزائر في جنيف هي تعني الكثير بالنسبة لحقوق الإنسان في العالم، وإن كان يؤكد بلسان حاله مدى أهميتها لدى المغرب، فجالت بخاطري ما رويناه من قبل عن السجالات التي تحدث من حين لآخر في جنيف بين سفير الجزائر ونظيره المغربي حول حقوق الإنسان في الجزائر والمغرب والصحراء الغربية.
ومما يمكن تسجيله هنا أن المنصوري نصحني بأن أساعد الأشخاص الذين أعرف من أجل تقديم شكاوى ضد الجزائر في الأمم المتحدة، وخاصة تلك التي تتعلق بالتعذيب والاعتقال التعسفي والمفقودين.. إلخ. وقد حاولت أن اسأله في بعض الأمور وخاصة تلك التي تتعلق بالعلاقات بين البلدين، وقد كشف لي من أن الملك محمد السادس ممتعض كثيرامن غلق الحدود البرية، ومن جهة أخرى أشار إلى أنه يجب دعم الحكم الذاتي لوضع حد نهائي للنزاع، وبداية صفحةجديدة من العلاقات الثنائية .
وأذكر أنني سألته بصراحة عن ما تروجه الصحف المغربية عما تسميها “الصحراء الشرقية”، فقد قال لي بالحرف الواحد: “هذه حقيقة لا يمكن تجاهلها، هي أمر تاريخي ولدينا الأدلة على مغربية الصحراء الشرقية، ولكن نحن مستعدون لطي الصفحة بشرط أن توقف الجزائر دعمها للانفصاليين”، فقلت له: “وإن لم يحدث ذلك فماذا بوسعكم كدولة القيام به؟”، فأجاب قائلا: “نعمل الكثير وسنحرج الجنرالات بما نملك من ملفات عن قضيتنا وأيضا عن الإرهاب الدولي الذي ينطلق من الجزائر”. ثم أردف قائلا: “نحن نحب الجزائر وشعبها ولكن نحب وطننا أكثر، وأقاليمنا الجنوبية مقدسة ” .
لقد كان يتحدث من دون احتراس وإن كان ظل يفضل العموميات على التفاصيل، ومن الأشياء التي يجب أن نشير إليها وهي التي تتعلق بالمفاوضات مع جبهة البوليزاريو التي يشارك فيها كممثل للمغرب، أكّد الرجل لي من أنها مناورة فرضتها عليهم الأمم المتحدة، وأنهم كدولة لا ينتظرون منها شيئا ولا يمكن أن يتنازلوا لصالح البوليزاريو ولو بقشة من الصحراء. وأذكر أنني سألته قائلا: “ماذا لو تفرض الأمم المتحدة استفتاء تقرير المصير عليكم؟”، أجاب قائلا: “لن تتجرّأ على ذلك، وإن فعلتها فلن تصل لشيء، لأن الصحراويين ذابوا في المغرب والمغاربة ذابوا في الصحراء”. بل علّق على الأمم المتحدة بما لم أتصوره حيث قال: “الأمم المتحدة مجرّد هيكل شكلي لا روح فيه، تسيطر عليه القوى العظمى وعلى رأسها أمريكا، ونحن والحمد لله أمريكا معنا إلى النهاية، ومبعوثها الأممي إن لم يستقل في نهاية المطاف سيجد نفسه مجبرا على تنفيذ الحكم الذاتي الذي لا بديل عنه ” .
أما عن الإعلام ودوره في المنطقة المغاربية، فقد أشار المنصوري وبحكم تجربته على رأس وكالة أنباء المغرب العربي الرسمية، من أن الصحف الجزائرية تثير فتنة، وما يأتي في الصحف المغربية هو مجرّد ردّ فعل فقط، أما الوكالة الرسمية فهي تنأى بنفسها حتى لا تتورّط في مثل هذه الأمور، وقد فاجأني عندما تحدث قائلا: “ألا تذكر ما حدث بين الجزائر ومصر، ألم يتورط الإعلام في ذلك..”، قاطعته قائلا: “لكن الإعلام المصري هو الذي تطاول على تاريخنا وثورتنا وقيمنا”، فردّ: “صحيح أن ما فعله الإعلام المصري هو مرفوض وندينه كمغاربة يربطنا تاريخ ثوري مشترك ولدينا شهداء سقطوا في أرض الشرف بالجزائر، ولكن أيضا الشروق تجاوزت الخطوط الحمراء”، قلت له: “الشروق كانت في موضع الدفاع مثلما قلت عن الصحف المغربية، وقد واجهت ترسانة فضائية رهيبة”. ليعقب: “صراحة الشروق جريدة فتنة وهي تزعجنا إلى ما لا يمكن تصوره بمتابعاتها لقضيتنا الوطنية ولدعمها للانفصاليين ” .
ثم أضاف: “يجب على السلطات في الجزائر أن توقف صدور الصحيفة أو تمنعها من التحدث في شأن العلاقات بين البلدين، حتى ننتهي من تصفيات كأس إفريقيا لأنها قد تثير فتنة بيننا”. فقلت له: “أنا أكتب في الشروق منذ زمان، وأعرف طاقمها جيدا وهي ليست بهذا السوء الذي تتحدث عنه”. ضحك وهو يقول: “أعرف أنها تنشر لك بعض مقالاتك، لكنها لا تنشر لك ما تكتب عن الانفصاليين وتريد أن تظهر من أنها جريدة الرأي والرأي الآخر فقط”، ثم أضاف: “الأمر في غاية الخطورة إن لم نتداركه قبل فوات الأوان”.
يبدو انه فهم الرسالة، إلا أنه أوصاني بأن يظل على اتصال بي عبر قنوات مختلفة ومن بينها حسب الإيحاء الذي فهمته، هو المدعو رضا طوجني الذي سبق وأن أشرنا إليه وهو الذي سيتبيّن لاحقا من خلال اللقاءات التي جمعتنا سويا في فرنسا والمغرب، واستعماله للكاميرا السرية على حد ما اعترف به لاحقا، فضلا من كل ذلك أن المنصوريوصفه بالصديق الحميم .
علّق رئيس المخابرات المغربية على الأمم المتحدة بما لم أتصوره حيث قال: “الأمم المتحدة مجرّد هيكل شكلي لا روح فيه، تسيطر عليه القوى العظمى وعلى رأسها أمريكا، ونحن والحمد لله أمريكا معنا إلى النهاية”.
إظهار الحقيقة ولو تكون في صالح الشيطان
شاركت في الندوة التي انعقدت بتاريخ 24/04/2010 حيث انتقدت جميع الأطراف، وشهدت ترويجا إعلاميا مكثفا عبر كل القنوات والصحف المغربية، وتسابق الصحفيون المشاركون في أخذ تصريحاتي، ولكن المعيب والمشين، هو عدم نشر أدنى نقد قد وجهته للمغرب، وحتى من أشار إليه فعلى سبيل الحديث العابر والمبطن لإبراز الديمقراطيةوالاستقلالية فقط .
افتتحت محاضرتي بالقول: “سأنطلق في حديثي من خلال مصطلحات أقرتها الأمم المتحدة حتى لا نحمّل ما لا طاقة لنا به، سنسمي الصحراء بالصحراء الغربية، ونذكر المخيمات على أنها مخيمات اللاجئين. وهذه المصطلحات يجب أن تبقى في إطارها الأممي”، وأضفت مؤكدا: “أنا هنا كاتب وصحافي فقط ولست معارضا للنظام الجزائري كما تتناقل وسائل الإعلام، فعندما تكون إساءة هذه النظام فسأكشفها للعلن وإن أحسن فلا أتردد أبدا في الإشادة به. أقول ذلك لتوضيح أمر في غاية الأهمية، ويتعلق أساسا بالصورة النمطية التي صارت منتشرة، وهي أن المعارض لا يبحث إلا عن المساوئ ولا يترصد إلا للعيوب ولا يتصيد إلا للمفرقعات، وهو الذي أفقده مصداقيته كثيرا في الأوساط الشعبية، وجعل جماهيرية المعارضات في العالم العربي والإسلامي مجرد ديكور إما يصنع أعراس السلطة والأنظمة، أو أنها مهمشة لا تقدر على جمع سكان حي على اتفاق مطالبة رؤساء البلديات بتحسين قنوات تصريف المياه القذرة… المعارضة لم أكن منها يوما ولا انتميت لحزب ولا لجمعية ولا ترشحت ولا تطلعت لمنصب ولا ناصرت مرشحا مهما كان انتماؤه، فلو أحسب عليها سيفقد كلامي مصداقيته في ظل هذه المعارضات الهشّة التي صارت تبحث عن الأضواء ولو على حساب الحقيقة . كما قلت أنا كاتب وصحافي وحقوقي همّي إظهار الحقيقة ولو تكون في صالحالشيطان .
بعض ما كتبته الصحف المغربية عن ندوة آسا
1- الترويج للأصوات المجهولة وإختلاق أخرى نكرة:
لقد ظهرت على المسرح الإعلامي بعض الأصوات المجهولة والتي تأتي من طرف أشخاص لا يعرفهم أحد، ولا كان لهم أدنى حضور سواء في الساحة الإعلامية أو السياسية أو حتى العسكرية. والغريب أن هؤلاء النكرات يتم الترويج لأكاذيبهم وشهاداتهم المزيفة والمزورة والكاذبة على أهم الصحف والقنوات المغربية، ويشاد بهم على صدر الصفحاتالأولى وبالبنط العريض .
وكما لاحظنا أن الترويج يجري بداية في شؤون تتعلق بالجزائر، وبعدها يسقط هؤلاء من أجل الحفاظ على حضورهم الإعلامي في شباك الترويج للأطروحة المخزنية وخاصة المتعلقة بالصحراء الغربية والحدود والإرهاب وأمن المنطقة المغاربية. وطبعا من خلال هذه الوجوه النكرة والمجهولة يظل التسويق للمواقف المخزنية قائمة، كما يتواصل زرع الفتنة والبهتان وفق أجندة مدروسة تحدثنا عن بعض جوانبها فيما سبق. وحتى لا أشرف هؤلاء بذكر أسمائهم، أبقي على ما قلته فقط عن القضية بصفة عامة.
2- صناعة شهرة مشروطة:
كما أشرنا، فإن الترويج لهؤلاء المجهولين الذين لا يفقهون شيئا في شؤون السياسة، ولا سبق لهم أدنى حضور إعلامي في الجزائر، ولا على مشهد المعارضة سواء في الأحزاب أو الجمعيات أو النقابات. وقد صار بعضهم ممن يريد التسويق لبضاعته المفلسة أساسا، يستغلّ الشأن المغربي بما يخدم أجندتهم حتى يتم الترويج له، وهكذا فإن الشهرةالتي يمنحها المخزن تظل مشروطة دوما بالدفاع عن أطروحاته والمتمثلة أساسا في :
- سيادة المغرب على الصحراء الغربية وفق منظور الحكم الذاتي المطروح .
- اتهام الجزائر بافتعال الصراع وتحميلها مسؤولية كل ما يحدث وجعلها الطرف الرئيسي في ذلك .
- الترويج لفرضية أن اللاجئين الصحراويين هم في وضع الاحتجاز ولذلك فالمغرب لا يتحمل أدنى مسؤولية على هذهالمأساة الدولية .
- تبييض الملف الحقوقي للمغرب وتسويد الجانب الجزائري ومعه جبهة البوليزاريو .
- الحفاظ على هذا الأمر سيضمن لهؤلاء التواجد المستمر على الصحف والمواقع المغربية، وغالبا مثل هذه الأمور تنسب لهؤلاء المجاهيل الذين صنعهم الإعلام المغربي ويحافظ دوما على استمرار نعيقهم في الساحة، وفق منظور حددت مسبقا معالمه
الحلقة الثامنة:استخبارات المخزن تروج لمسرحية “اغتيال” الانفصالي فرحات مهني
في ظل الحرب العالمية التي تشنّها الولايات المتحدة وحلفاؤها من العجم والعرب، على الإرهاب الدولي العابر للقارات، وطبعا وفق مقاربة صنعها المحافظون الجدد في البيت الأبيض، يستغل هذا الأمر من بعض الأطراف لتصفية الخصوم أو توريطها في ما يخدم أجندتها، ونجد المخابرات المغربية تعمل على عدة أصعدة من أجل التأكيد على أن الجزائر بلد غير آمن، وأنه مصدر للإرهاب الدولي، وأن جبهة البوليزاريو متورطة في خضم هذا المستنقع غير الآمن.
الأمن الإقليمي والإرهاب الدولي
ويروم هذا الجهاز من أجل أن يجعل من المغرب هو الطرف الفاعل في محاربة الإرهاب، وهذا عبر مخطط تشويه الأطراف الأخرى وعلى رأسها الجزائر، وأيضا بالتشكيك في فاعلية الأجهزة الأمنية الجزائرية واتهامها بالعجز في محاربة الإرهاب واجتثاثه من جذوره.
ومن أجل أن يصنع المخزن مقاربته الأمنية لأجل فرض أطروحته الخاصة بالصحراء الغربية، يعمل على أصعدة مختلفة لا يمكن حصرها في هذا المقام، ولكن نودّ أن نشير إلى أمور مهمة للغاية من خلال بعض المحاور.
1 – الشبكات النائمة والابتزاز الملوّث:
من حين لآخر نقرأ ترويجا إعلاميا من أن الأجهزة الأمنية المغربية قد فككت شبكات نائمة كانت تحضر لأعمال إرهابية في المغرب، وغالبا ما يزعمون أنها كانت تستهدف المصالح الأجنبية في البلاد، وقد تمت إدانة أكثر من 2000 شخص من هؤلاء الموقوفين الذين يصفهم المغرب بالمتشددين السلفيين، وذلك منذ هجمات 16 / 05 / 2003 في الدار البيضاء.
ونذكر في سياق هذه الشبكات النائمة، التي يفاجئ المغرب من حين لآخر العالم بتفكيكها وتوقيف عناصرها، آخرها تلك الخلية المتكونة من 18 عنصرا التي أعلن تفكيكها في أوت الماضي. والمثير للانتباه أنه في 21 جوان الفارط قد أعلنت السلطات المغربية تفكيك شبكة وصفت بالإرهابية تتكون من 11 عنصرا ويقودها فلسطيني ينحدر من غزّة، يدعى يحيى الهندي، وهي المرة الأولى التي يعلن فيها عن عنصر أجنبي ضمن هذه الخلايا النائمة التي صارت عادة مثيرة يتميز بها المغرب، وقد أكّدت والدة الموقوف أنه سافر للمغرب من أجل إتمام إجراءات زواجه من مواطنة مغربية.
وفي فيفري 2008 أعلن أيضا تفكيك شبكة عرفت بمجموعة عبدالقادر بلعيرج، الذي اعترف بدوره الصريح والواضح في تهريب السلاح للجزائر ودعم الجماعات الإرهابية، وتشتبه بعض المصادر المطلعة أن بلعيرج راح ضحية صراع بين جهاز المخابرات المغربي ونظيره البلجيكي الذي يعتقد أنه قد جنده لصالحه، في حين أطراف أخرى تراه عميلا مزدوجا، يؤدي دورا أوكل له لخدمة الجماعات الإرهابية النشيطة في الجزائر ودعمها.
في 2006 أعلن تفكيك ما صار يعرف بـ “أنصار المهدي” وحكم على زعيمها حسن الخطاب بثلاثين عاما، والذي قضى من قبل عقوبة سنتين في سجن سلا على خلفية تفجيرات الدار البيضاء في 16 / 05 / 2003. كما أعلن أيضا تفكيك لخلية وصفت بالإرهابية لها صلة بتنظيم “القاعدة” في 26 أفريل الماضي، وتتكون الخلية من 24 عنصرا. وفي مارس من العام الجاري أيضا، أعلنت وزارة الداخلية عن تفكيك خلية تتكون من 6 أشخاص، وجرى اعتقالهم في تازة ووجدة والقنيطرة.
هذا العمل المسوق له يتزامن دائما مع بعض العمليات الإرهابية التي تحدث في الجزائر، ونعتقد أن المغرب يراهن على إبراز احترافية مصالح أمنه والتقليل من شأن المصالح الجزائرية، حتى يعطى دورا دوليا في مجال مكافحة الإرهاب، الذي سيستعمله بلا شك من أجل تصفية حساباته مع جبهة البوليزاريو، وقد عجز المغرب بالرغم من مخططاته السرية التي لا تحصى ولا تعد على تقديم أدنى دليل يمكن من خلاله أن يضع جبهة تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، تحت طائلة أدنى الشبهات. فالمغرب من خلال هذه الشبكات النائمة والمزيفة في أغلبها، ما هي إلا عملية يراد منها ابتزاز المجتمع الدولي من أجل تحقيق الغاية التي أشرنا إليها سابقا، ويكفي دلالة على ذلك أن إبعاد المغرب من المشاورات التي حدثت بخصوص أمن منطقة الساحل والصحراء، قد دفعه إلى الاستنكار واللعب على أوتار أخرى سيحين الحديث عنها فيها في وقت آخر.
2 – الترويج لدعاية الاغتيال:
من أخطر ما يقوم به جهاز المخابرات المغربي، هو الترويج لأطروحة الاغتيال التي ستقترفها المخابرات الجزائرية في حق “معارضين” في الخارج، أو حتى تلك الأسماء التي صنعتها وسائل إعلامه. والمتابع لشأن الأسماء التي برزت إعلاميا سواء كانت لا تزال في الواجهة أو اختفت بحكم الظروف أو تقلبات في المواقف أو بنهاية الصلاحية، سيجدها كلها قد راج عن أمرها ما سمي بالتربص لتصفيتها واغتيالها من طرف المخابرات الجزائرية.
نذكر على سبيل المثال الترويج لمخطط “اغتيال” المطرب فرحات مهني، ومن أجل الاستدلال نذكر ما نشره موقع هسبريس بتاريخ 05 أوت المنصرم، تحت عنوان “هل حياة المغني القبائلي فرحات مهني في خطر”، والموضوع هو حوار أجراه الموقع مع من وصفه بالباحث ويدعى ديميتري دومبري، ومن خلاله أراد الموقع الترويج لفرضية تعرض حياة هذا المغنّي المغمور للخطر، مشيرين في السياق نفسه إلى ما وقع لنجله من قبل أو ما تعرض له معطوب الوناس. كما أفادتني بعض المصادر على أن الجهاز المغربي يبحث عن أدنى دليل لو يكون كاذبا وملفّقا فيما يخص إغتيال الوناس، من أجل إثارة القبائل وذلك بإتهام المؤسسة العسكرية ووضعها على محك آخر.
لقد تعرضت إلى الأمر نفسه ككل من يبرز اسمه على المشهد الإعلامي، وبغض النظر عن التهديدات التي تصلني هاتفيا أو عبر البريد الإلكتروني منذ سنوات، فإن أمر التخطيط لإغتيالي المزعوم لم أسمع به إلا على المنابر الإعلامية المغربية.
بدأت بالأمر جريدة “الصحراء الأسبوعية” في عددها 32 الصادر في 25-31 / 05 / 2009. وبعدها نشرت صحيفة “أخبار اليوم” في سبتمبر 2009 مقالا تحت عنوان “الحرب الباردة بين المغرب والجزائر” نسبت تصريحات لي ومن دون أن يتواصل معي صحفيها، وذهب في مقاله إلى أن المخابرات الجزائرية تخطط لاغتيالي من أجل توريط المخابرات المغربية، على أساس أنني سأكون ضحية صراع الأجهزة. وفي 18 / 08 / 2009 نشر موقع “ماروك بوست” خبرا مفاده أنني مهدد بالتصفية الجسدية.
وأروي في هذا السياق ما جرى معي خلال مشاركتي في ندوة أسا وملتقى الداخلة، فقبل كل ذهاب أتواصل بإيميلات تهددني بالقتل، والغريب في أمرها أن أصحابها يلوحون دائما بانتمائهم لجبهة البوليزاريو أو أنهم من أنصارها.
في ملتقى الداخلة راسلتني من تسمي نفسها “أبناء جبهة التحرير” بتاريخ 20 جويلية، الرسالة التي وصلتني، استعملت فيها مصطلحات يرمي أصحابها إلى إبراز انتمائهم للبوليزاريو مثل الاحتلال المغربي. كما حذروني من المشاركة في التهريج المخزني، ليختم الإيميل بالقول: “ونحذرك إن شاركت وزرت هذه المدينة فلن يحصل لك طيب، ولن تظلم إلا نفسك، وقد أُعذر من أنذر”.
وعندما حوّلت الأمر للمشرفين استصغروا شأنها حتى لا أرفض المشاركة، ولكن أخبروني أنهم بلغوها للمسؤولين وقرروا أخذ الاحتياطات اللازمة وخاصة أنهم لا يستبعدون استهدافي من طرف الجزائر أو البوليزاريو حسب مزاعمهم، وأكدوا لي أنهم نالوا تعهدا بحمايتي والسهر على أمني الشخصي. الغريب في الأمر أن أحمد بومهرود رئيس “جمعية الصحراويين الوحدويين” في حديثه معي أكّد لي أن الإيميلات قد تورّط فيها رئيس “جمعية الصحراء ” المدعو رضا طوجني، وعندما سألته عن دليله في ذلك، راح يرجع ذلك إلى أن طوجني استبعد من قبل أن أشارك معهم في نشاطاتهم، بل طلب منهم أن لا يدعونني لأن أمري موكول للمخابرات المغربية، وأنه قد أتعرّض لتوقيف بسبب الاتهامات التي وجهتها لها بخصوص “الجزائر تايمز”، وإن كان محدثي يبدو قد تهرّب من الجواب المباشر، إلا أن نظراته أوحت لي بأشياء يخفيها ولا يودّ البوح بها حينها.
لقد أدركت أن هذه التهديدات يراد منها تخويفي وتبرير الحماية الشخصية التي ترافقني، حتى لا أتنقّل أو أتواصل مع السكان والأهالي، وهو الذي تحدثت فيه للمشرفين على تلك الأنشطة.
في ندوة آسا تنقلنا يوم 24 أفريل الماضي من أكادير إلى كلميم، كنت على متن سيارة خاصة سائقها المدعو أحمد بومهرود وهو مسؤول الجمعية المنظّمة للندوة، وبرفقتنا السيدة نجية أديب وهي رئيسة الفرع المغربي لاتحاد سفراء الطفولة العرب التابع لجامعة الدول العربية، وتترأس أيضا جمعية مغربية تعتني بشأن الأطفال. وبعد ساعات من السفر حيث كان الضيوف الآخرون على متن حافلة، ورافقنا الدرك الملكي للحماية وتسهيل المرور في الطرقات، وصلنا إلى كلميم مساء وتمّ توزيعنا على غرف بإحدى الفنادق
في حدود الساعة الثانية من تلك الليلة، أحسست ببعض العطش، فطلبت من الاستقبال أن يحضروا لي الماء، وقد تمّ ذلك بمجرد أن اتصلت بهم، بعدما شربت كمية قليلة من القارورة التي لم أنتبه بأنها كانت مفتوحة من قبل، والسبب هو التعب الذي ألمّ بي من السفر، والاستيقاظ من النوم قد يفقد الإنسان التركيز أحيانا. شربت الماء وبعد حوالي ربع ساعة سقطت على الأرض وأنا أتقيأ حتى سال الدم من فمي، فاستنجدت صارخا فبلغ صوتي أحد المشاركين في الغرفة المجاورة الذي اتصل بالمشرفين وبلّغهم بما يحدث، ليتم نقلي إلى قسم الاستعجالات بالمستشفى العسكري الخامس بكلميم
وقد سمعت بنفسي، الطبيب ويدعى الملازم الأول جاد إسواني، يؤكد للمنظمين الذين رافقوني أنني تعرضت لشرب مادة غير طبيعية، والغريب أن القارورة اختفت فجأة، زاعمين أن أحدهم قد شربها كاملة ليؤكد فرضية سلامتها، ولم يتعرض لأي مكروه حسبهم. وقد حدثت في تلك الليلة حالة طوارئ وبلغ الأمر إلى أعلى مستوى، حتى السلطات المحلية تحركت لمتابعة ما تعرضت له، وأمروا بالتكتّم الشديد على الحادثة.
بعدما قاموا بتطهير معدتي من طرف الطاقم الطبّي العسكري، وقد استغرق الأمر حوالي ساعتين، توقف القيء وأحسست أنني قد تعافيت وعادت لي قوتي، كما تلقيت حقنات في الذراع وأعطاني الطبيب المناوب المشار إليه، وصفة بها بعض الأدوية زاعما بما يتناقض وكلامه في الأول، حيث قال بأن معدتي لم تتقبّل ماء الحنفية الذي أرسل لي.
عدت إلى الفندق وقضيت بقية الليلة مفجوعا، تيقنت أن كمية المادة التي وضعت في قارورة الماء لم تكن كافية للقضاء عليّ، ربما هو مجرّد تحذير أو إنذار لي حتى لا أخرج على ما يراد للملتقى وخاصة أنني راسلت في 18 أفريل مسؤول الجمعية وحدثته عن أمر الندوة، من أنني “لاحظت أنها ليست ندوة حقوقية مستقلة بل هي تصبّ في إطار واحد وهو الأطروحة المغربية، أنا قلت لكم أن شرطي الوحيد هو الاستقلالية في تناول هذا الموضوع الحقوقي، ولا يمكنني أبدا أن أكيل بمكيالين لأجل جهة ما مهما كان أمرها”، وأضفت له قائلا: “وإن كان مجرد حضور لتسويق إعلامي على حساب تاريخي ونضالي، فأعتذر عن ذلك، فلا يمكن أن أناصر أي حاكم في شؤون حقوق الإنسان أو أتغاضى عن ظلم يقع في مكان وأركز على آخر”.
في اليوم الموالي اتصل بي هاتفيا المنصوري ومسؤولون آخرون، للاطمئنان على صحتي، وكلهم يؤكدون أن السبب هو الماء الذي شربته، لأن مياه الحنفيات في كلميم لا تصلح إلا لغسيل الأواني والثياب. أما المنظمون للندوة فراحوا يتحدثون عن أن مسؤول الاستقبال في الفندق لم يجد معه قارورة من المياه الطبيعية، فأرسل لي أخرى من حنفية تستعمل في تنظيف الفندق… يا للمفارقة !!
لقد مرت ندوة آسا وسوقوا لها بالرغم من النقد اللاذع الذي وجهته للمغرب وانتهاكاته لحقوق الإنسان في الصحراء الغربية، وحتى الصحف والفضائيات التي أخذت تصريحات منّي قد طالها مقصّ الرقيب وبثّتها وفق ما يخدم مصالحها وأطروحتها. فضلت الصمت من أجل اختيار الوقت المناسب للردّ وكشف المستور، خاصة وأنني كدت أن أفقد حياتي ولا زلت أعاني من آلام في معدتي إلى يومنا هذا.
كما تجدر الإشارة إلى أن المخابرات المغربية لم يقتصر أمر الاغتيال وإشاعاته المغرضة على المعارضين أو النشطين في الخارج، بل وصل حتى إلى المتوفين الذين رحلوا في ظروف عادية، مثل وفاة القيادي في جبهة البوليزاريو ورئيس المجلس الوطني الصحراوي، المحفوظ علي بيبا، الذي رحل إلى ربه بسكتة قلبية في 02 /07 / 2010، وقد افتتحت جوقة فرضية الاغتيال المزعومة على موقع المخابرات المغربية المسمّى “الجزائر تايمز”، وبعدها روّجت لها الصحف المغربية بمختلف أنواعها وأشكالها، وأكّد لي مصدر أن الخبر جرى تحريره في الرباط والدار البيضاء، ثم بدأ عبر الموقع المذكور حتى يتم التمويه، ويخادع الناس من أن صحيفة جزائرية معارضة هي التي نشرت المعلومة الكاذبة
المصدر: الشروق