-->

المفاوضات وفق خطة كيري.. زواج بدون مهر مكتوب

غزة (وكالة المغرب العربي للانباء المستقلة) مرة أخرى تنطلق المفاوضات الفلسطينية
الإسرائيلية بعد توقف لمدة ثلاث سنوات وجولات وزير الخارجية الأمريكي جون كيري المكوكية الستة إلى الشرق الأوسط، والتي لاقت آخر جولة زخماً كبيراً في ضغط الإدارة الأمريكية على الفلسطينيين دون الإسرائيليين وإجبار الرئيس الفلسطيني محمود عباس على القبول بانطلاق المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي رغم رفضها في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.

المفاوض الفلسطيني يقامر مرة أخرى بالعملية السياسية ويراهن على الإدارة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية ويدير الظهر للإجماع الوطني الفلسطيني، والذي بدا واضحاً بتصريحات جون كيري الذي قال للرئيس محمود عباس لا تلعب معي بموقف منظمة التحرير أريد موقفك الشخصي من انطلاق المفاوضات، وبعد ذلك اللقاء أعلن عن نجاح جولة كيري في استئناف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية من جديد.
إن الرئيس عباس يراهن على حسابات خاسرة معلومة النتائج بعد 20 عاماً من مفاوضات وصلت جميعها إلى نفق مظلم وطريق مسدود لأسباب تتعلق بتعنت إسرائيل وعدم توفر راعي نزيه للمفاوضات، رغم ان رئيس دائرة المفاوضات في منظمة التحرير صائب عريقات كان قد أدلى بتصريح للصحافة الفرنسية في 11/11/2009 وأكد فيه "أن لحظة الحقيقة جاءت، وعلينا مصارحة الشعب الفلسطيني بأننا لم نستطع تحقيق حل الدولتين من خلال المفاوضات التي استمرت 18 عاماً" . فالعملية التفاوضية ستبدأ هذه المرة من الصفر وسيتم بحث كافة القضايا من جديد ووفق الشروط الإسرائيلية وليس الاتفاق الذي دار بين أولمرت وعباس قبل وصول حكومة نتنياهو إلى السلطة في عام 2009 وقبلها في خارطة الطريق.
المفاوض الفلسطيني يتخلى عن متطلباته لإطلاق عملية سياسية جادة وناجحة بعدما تمسك بزمامها لمدة 3 سنوات، وهي وقف شامل للاستيطان في الضفة الغربية بما فيها القدس المحتلة، والاعتراف بخطوط الرابع من حزيران أساساً لرسم حدود الدولة الفلسطينية، واعتماد قرارات الشرعية الدولية مرجعية للعملية التفاوضية وفي إطار سقف زمني تنتهي عنده العملية التفاوضية لبحث قضايا الحل الدائم كافة وإطلاق سراح الأسرى والمعتقلين القدامى خصوصاً الذين اعتقلتهم إسرائيل قبل اتفاق أوسلو.
الحكومة الاسرائيلية تؤكد ان أية مفاوضات سيتم التوصل إليها مع الفلسطينيين ستطرح على استفتاء شعبي في إسرائيل وستعرض على الكنيست الإسرائيلي للتصويت عليها قبل إقرارها، بينما المفاوض الفلسطيني يعود إلى المفاوضات التي أكدت التجربة عبثيتها ويقفز عن قواعد الإجماع الوطني الفلسطيني وموقف منظمة التحرير ويقدم رزمة تنازلات دون طرح أياً منها للاستفتاء الشعبي الفلسطيني في حال التوصل إلى اتفاق الحل الدائم.
نعود إلى خطة كيري لدفع عجلة المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية والتي ساهم عباس بنجاحها بعد الاخفاقات الأمريكية في المنطقة العربية وأبرزها في سوريا ومصر وليبيا والتغطية على مشروع برافر لمصادرة 100 ألف دونم في النقب.ـ فتلك الخطة المقدمة من كيري شفوياً لعباس أقرب بزواج من دون مهر مكتوب، والتي كشفت عن نقاطها مصادر فلسطينية مقربة من عباس في لقائه مع كيري في الأردن، ولم تؤكدها الإدارة الأمريكية، والتي تتضمن إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 مع تبادل أراضي متفق عليها ومتساوية في المساحة والنوعية وإجراء المفاوضات على الحدود والأمن لفترة تتراوح ما بين 6 و9 شهور دون إلزام إسرائيل بوقف الاستيطان على أن يضمن كيري قيام إسرائيل بتقليص البناء في المستوطنات خلال المفاوضات إلى أقصى حد ممكن وإطلاق سراح 104 أسرى ممن اعتقلوا قبل اتفاق أوسلو بعد شهر على استئناف محادثات السلام، وكذلك إطلاق خطة اقتصادية لانعاش الاقتصاد الفلسطيني. ولكن مسؤولين فلسطينيين قد صرحوا أن خطة كيري لا تحمل أية جداول زمنية ملزمة ولا إلتزاماً إسرائيلياً بالعودة إلى المفاوضات لإنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967.
الجانب الإسرائيلي يرفض التفاوض مع الفلسطينيين على أساس حدود عام 1967 ووقف الاستيطان في الضفة والقدس المحتلة بل وأعلن عن اتفاق مع كيري على بناء 1000 وحدة سكنية خلال المفاوضات مع الفلسطينيين.
مرة أخرى يقبل عباس الوعودات الأمريكية رغم ان الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش، كان قد وعد المفاوض الفلسطيني بدولة فلسطينية عام 2008 ومرة أخرى في عام 2009، ولكن تلك الوعودات طارت بالهواء مع فشل كل جولة من المفاوضات. فحلقة الوعودات الأمريكية لم تتغير، بدءاً من التي قطعها بوش الأبن في مؤتمر أنابوليس الدولي في 27/11/2007 والتي بموجبه تم استئناف المفاوضات المباشرة على أن تختتم في نهاية ولاية بوش في 20/1/2009 والتي فشلت في تحقيق اختراق جوهري بل انتهت في حملة الرصاص المصهور (28/12/2008-18/1/2009) على قطاع غزة، بل أن الاستيطان شهد تصعيداً محموماً بوتيرة متسارعة.
ولكن بعد فشل مفاوضات أنابوليس تجمدت العملية السياسية لمدة عام ونصف مع وصول الرئيس الامريكي الديمقراطي باراك أوباما للسلطة، والتي أعقبها مفاوضات التقريب (19/5/2010) كشكل من أشكال المفاوضات غير المباشرة التي اقترحتها واشنطن للالتفاف على العقبات التي أعاقت استئناف المفاوضات على قاعدة تعهدات أمريكية جديدة للفلسطينيين لتجميد مشروع البناء الاستيطاني في الضفة بما فيها القدس والأغوار، والتي شهدت تجميداً مؤقتاً للاستيطان لمدة 10 أشهر (26/11/2009- 26/9/2010) باستثناء القدس ودون أعمال البنية التحتية والمشاريع العامة. ومن ثم أعقبها مفاوضات مباشرة في 2/9/2010 والتي اصطدمت هي الأخرى بتعنت إسرائيلي.
الرئيس عباس يراهن هذه المرة على وعودات اوباما رغم تجربته في مفاوضات مباشرة وغير مباشرة، ويقبل أيضاً بما عرضه الوزراء العرب على الخارجية الامريكية بشأن تبادل الأراضي في حدود 1967 بنسبة تصل إلى 6.3% مثلما نقل مسؤولية اتخاذ القرار الفلسطيني إلى المستوى العربي الرسمي والذي يفوض المفاوض الفلسطيني لخوض مفاوضات عبثية معلومة النتائج مع الاحتلال الاسرائيلي. فالتجربة أصدق بأن واشنطن لا تقدم اقتراحاً للمفاوضات إلا بعد عرضه على إسرائيل ونيل موافقتها عليه وهذا ما اعترف به المفاوض الفلسطيني.
فالإدارة الأمريكية بعد فشلها في إلزام إسرائيل بوقف الاستيطان اختزلت خطوطها ضمن استراتيجية تقوم على مفاوضات بدون شروط مسبقة (أي إسقاط مطلب تجميد الاستيطان)، الاعتراف بيهودية دولة إسرائيل (دولة قومية للشعب اليهودي)، دولة فلسطينية على حدود 4 حزيران 1967 مع إقرار تبادل أراضي. هناك أسباب داخلية وخارجية أملت على أوباما وإدارته تعديل سياسته إزاء العملية التفاوضية ومن بينها عوامل هي غياب الموقف الفلسطيني الموحد، وتداعيات الانقسام، ورخاوة محصلة السياسة العربية الرسمية التي سهلت على واشنطن الضغط على العرب وتقديم تنازلات.
لقد أثبتت التجربة أن حدود الاستراتيجية الفلسطينية المعتمدة لمسار المفاوضات وفق الرهانات الأمريكية وبناء مؤسسات الدولة في ظل الاحتلال باعتبارها رافعة أساسية لإنهائه، عاجزة اليوم عن استنهاض عناصر القوة الفلسطينية المباشرة أي القوة الذاتية وعناصر القوة الاحتياطية وهي شبكة التحالفات والعلاقات الخارجية ومواصلة الهجوم الدبلوماسي في أروقة الأمم المتحدة.
المطلوب اليوم من القوى السياسية الفلسطينية كافة، الضغط على المفاوض الفلسطيني للحيلولة دون انخراطه في عملية تفاوضية لم تتوفر الأسس الضرورية والصالحة لانطلاقتها بل تحمل مخاطر جمة على المصالح الوطنية والحقوق الوطنية الفلسطينية. فالفرصة لم تفت على المفاوض الفلسطيني في حال تمسكه بموقف الاجماع الوطني بقلب الطاولة في واشنطن وأن يعود للالتزام بمتطلبات العملية التفاوضية التي اجمعت عليها الحالة الوطنية الفلسطينية بكافة تلاوينها حتى لو أدى ذلك إلى غضب واشنطن.
بقلم: وسام زغبر كاتب صحفي فلسطيني- قطاع غزة.

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *