جاهلية القرن الواحد والعشرين القبلية تكاد تَعْبُرُ بِقُبْحْ
غريب هو ذلك الصراع الأفقي بدافع غريزي يغوص في عمق متاهات جاهلية بين قبائل
اقتسمت الحلو والمر على ذلك المجال الترابي الذي يسع القاصي والداني، بل وحتى الغريب الذي لم تجد تلك القبائل مبررا أو قوة لطرده جراء أسباب تتباين من حيث النتيجة والهدف.
إن إشكالية الفهم والاستيعاب لدى بعض ممن هم انساقوا خلف هذا الاتجاه التخريبي، أدت إلى تأكيد مدى جهلهم بكيفية قابلية الامتثال للقانون العام المحتكم لمنطق العقل الذي ميز كل الجوانب القبيلة، الإيجابية منها والسلبية بعزلها عن بعضها البعض وأطرها في سياقها الذي لم ينفصل عبر التجارب التاريخية عن إطارها الاجتماعي الاستشاري الإصلاحي التصالحي، على أساس أن القبيلة هي كيان يحدد انتماء فئات معينة ضمنها تتعايش فيما بينها باسم العرق والدم وتتجانس مع كل ما يحيط بها من كائنات بشرية تضاهيها من حيث الإنسانية والعقل والعرق والدم، ارتكازا على قوله تعالى في سورة الحجرات “يا ايها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير”.
ولعل الفهم السيء للعرق والدم وجد سبيله لبعض العقول الغاطة في سبات زمن مضى، أبرز دليل على تخلف المجتمع بتجريف تيارات العنصرية بدعوى الدفاع عن شرف القبيلة المصطنع في بعض الحالات لتغليف شمس حقائق التاريخ بصفحات تجف قبل رفع القلم عن آخر نقط نهايتها القابلة للتمديد نتيجة الإحساس بالغبن والضعف إن لم يكن الهوان بفعل تشبع استئصالي سببا لشحن تلك المشاعر سلبا.
والأدهى من ذلك أن ما زاد من لذة تلك النزوات اللحظية هو التخلي شبه المطلق عن الالتزام الأدبي والأخلاقي لمؤسسة الشيخ من طرف المتعلمين الذين أطلقوا العنان لأفكار غالبيتهم والمتسمة بالصبيانية والارتجالية، دون وعي بما حققته تلك المؤسسة
من وحدة شعبية وتماسك اجتماعي تنظيميا، رغم عدم دراية مؤسسيها وخَلَفِهِم الأوائل لا في العلوم السياسية ولا في القانون الدستوري والمؤسسات السياسية ولا حتى في العلوم الاقتصادية بل وحتى مجال العلاقات الدولية لم يفقهوا فيه شيئا فاستطاعوا تطوير علاقاتهم البينية أفقيا وعموديا واجتهدوا لتنظيم المؤسسات القضائية المحلية ضمانا لتقوية تلك الوحدة أو ذلك التحالف إذا ما صح التعبير بين كل القبائل بعد زمن غابر لكيلا تمر عبره الأجيال اللاحقة بهم.
ليس المقصود هنا قبيلة بعينها أو فئه ببطنها، بقدر ما هو تعبير عن رغبة جامحة في التأكيد على الوعي بالمسؤوليات التاريخية التي نجمت وقد تنجم مستقبلا عن أي تهور باسم القبيلة (القبلية) لتحقيق مكاسب سياسية أو الحصول على مكتسبات مادية من قبيل مناصب عليا هنا وهناك في إطار ما وصفه الذين لا يملكون الجرأة عن إعلان مواقفهم السائرة في طور ترسيخ كفاءة الوحدة الوطنية، بالتوازن القبلي أو بالأحرى ضرورة فرض الذات لتحقيق لذة الانتشاء القبلي من موقع ريادي ضمن مراكز القرار الرسمية، سواء كان ذلك تحت شعار الاستقلال الوطني أو الوحدة.
هكذا يمكن القول بأن سياسة الإخضاع التي تنهجها فئات ضالة لا تعني بالضرورة الخضوع لنزواتها من أجل إرضائها واحتوائها تحت مسمى لم تسموا له طواعية، بل يجب معاقبتها وإخضاعها لمتطلبات المرحلة التي تقتضي التفكير الاستراتيجي في الصالح العام الذي لم ينساق إلا لفكر واحد عبر عنه مجمع ثلثي الشيوخ بعين بنتيلي 12 أكتوبر 1975
رحم الله معشر شهداء الوحدة الوطنية النبلاء.
**** مولاي احمد ***