-->

مصر وقضية الصحراء الغربية

الكثيرون ينفخون الهواء في البالون المصري ليصير أكبر من حجمه الحقيقي،
ويزوقونه ليصبح أجمل، وتصبح حبات عيونهم أكبر حين يقفون أمام أي شيء قادم من مصر مثلما يقفون مندهشين أمام الإهرامات أو أمام أبي الهول أو توت عنخ أمون. فذِكر مصر، بسبب الرهبة التي ترسبت على مدى الزمن من كل ما هو فرعوني، أصبح الكثير يربطها في ذهنه بالفراعين وحضارة الفراعين وبطش الفراعين، وبالتالي فهي، في المخيال الجمعي، صورة للحضارة والرهبة معا. الكثيرون، حتى من غير العرب، يريدون زيارة الاهرامات والوقوف أمامها، والكثيرون تولدت لديهم عقدة أن الإهرامات هي رمز للسياحة، وبسبب الخرافة وكثرة الحديث عن الإهرامات والفراعنة أصبحت مصر هي الإهرامات وهي أبي الهول وتوت عنخ امون. فحتى أم كلثوم، طمعا في أن تصبح أسطورة، كانت تشترط إن يستقبلها رئيس أي بلد عربي ستغني فيه، ووحده بومدين لم يستقبلها فعادت أدراجها من المطار. فحتى أم كلثوم كانت تريد أن تفرض السيطرة الفرعونية على العالم.
في العصر الحديث، ورغم أن مصر لم تقم بأي دور في أي مجال تحرري، أو تتزعم الدول العربية لمواجهة إسرائيل أو على الأقل تتزعم مظاهرة ض إسرائيل إلا انها اكتسبت شهرة كبيرة بفعل غزوها للعالم العربي بمسلسلاتها وبام كثلوم وبالعقاد وطه حسين، أما على الأرض فلم تقم بأي دور يتم ذكره. كانت حفلات هزائمها ورقصها أمام إسرائيل أكثر من حفلات انتصاراتها: أول من طبَّع ووقَّع وركع لأسرائيل وفتح لها سفارة، أول من تم تدمير طيرانه دون رد، أول من وقف ضد غزة ولائحة حفلات الهزائم كثيرة.  
الكلاش والمروحيات المصرية لقتل الصحراويين 
حين تزور المتحف الصحراوي في المخيمات الآن تقف على جناح مهم في المعرض يظهر ترسانة الأسلحة التي كانت مصر تمد بها النظام المغربي بسخاء وبدون مقابل كي يقتل الصحراويين. ترسانة الأسلحة هذه مختومة بالعلم المصري وبجانبها ترسانة أسلحة أمريكا وفرنسا وترسانة أسلحة الشيطان وترسانة أسلحة الدول التي كانت تريد قتل الصحراويين. 
حين اندلعت حرب الصحراء الغربية، كانت مصر قد توصلت إلى اختراعين "مهمين": تقليد الكلاش السوفياتي وصنع الطائرة الحربية المروحية. لكن لمن سيتم بيع الكلاش المصري والمروحية المصرية "الصنع"؟ لن يشتريها أحد. في الصحراء الغربية، كان المغرب يشكو من الكلاش الذي يحارب به الصحراويون، وحين رفض الاتحاد السوفياتي بيعه له توجه إلى مصر السادات. تم تسليح الجيش المصري كله بكلاش مصري ومروحيات مصرية لمواجهة الثوار الصحراويين. الصحراء الغربية حقل تجارب والصحراويون كائنات تجارب لا غير لسلاح مصر "الكبيرة" جغرافيا وسُكانيا. 
على مستوى سياسي، كانت مصر تبسط ظلها الوارف على المغرب وتقف دائما، بعناد فرعوني، ضد كل ما هو صحراوي، وتدافع عن المغرب صراحة. حين تولى بطرس غالي أمانة الأمم المتحدة العامة، كانت سنواته هي أصعب سنوات عاشها الصحراويون إطلاقا في تاريخهم، وحشد ضدهم كل الدعم الذي يستطيع أحد حشده كي يوقع بهم، ولو أن بطرس غالي أكمل ثماني سنوات كأمين عام للأمم المتحدة لكان وضعنا سيكون أصعب مما سنتصور. كان ينظر إلى الصحراويين من تحت نظاراته ويتحدث معهم بعقلية الفرعون، ووصل به الأمر إلى حد التصريح انه لا توجد قضية صحراوية إطلاقا وكل ما يوجد هو خلاف جزائري مغربي "بسيط".  
ما الذي تغير ؟ 
لم يتغير أي شيء. بدأت القضية الصحراوية في عهد المنبطح والمهزوم السادات وخلَّفه مبارك وجاء الآن السيسي. الأمور دائما بخواتمها. بمعنى سياسي بسيط نحن الآن في عهد السادات الثالث إذا استثنينا السنة الوحيدة التي حكم فيها مرسي. 
إذن، بما أنه لم يتغير أي شيء على رأس الهرم السياسي في مصر ولم يتغير التوجه السياسي، وبما أن السيسي هو أمتداد للسادات ولمبارك فلا يمكن إن نقول أننا نستطيع أن نطلب من ثمرة العلقم أن تصبح بطيخة ومن مصر أن تغير من موقفها. الموقف تغيره معطيات كبيرة، ويغيره توجه مغاير للموقف السابق، أما أن دار السادات لا زالت على حالها فمن المعقول تجنب السخرية المغلفة بصالصا الضحك ومجاملات المسلسلات. مثال معقول: دولة جنوب إفريقيا كانت تدعم المغرب حين كانت عنصرية، لكن بعد انتصار الثورة تغير التوجه والسياسة جذريا واعترفت بالجمهورية الصحراوية. هذا معقول، لكن إن تطلب من مصر السيسي الأنقلابي الذي أطلق سراح مبارك ومعجب بالسادات إن تغير من موقفها فهذا هو طلب المحال أو طلب السخاء من الغراب. لو كان مرسي بقى رئيسا كان يمكن أن نتوجه نحو مصر، لكن لم نفعل، وتوجهنا إليها فقط حين أصبح سجلها ملطخا بالدماء.  
السخرية المرة والمريرة والجري وراء البراغماتية 
سخرية كبيرة إن نقرأ في عناوين بارزة: شعب الصحراء الغربية يحب السيسي" وسخرية اكبر إن تقف وزيرتان صحراويتان أمام كاميرا مصرية وفي الأخير يقال: "عادات بدو صحراء الجزائر." وسخرية ثالثة إن يقول مصري في تعليق: هو فيه صحراء غربية تانية؟ يقصد انه لا توجد صحراء غربية ما عدا صحرائهم الغربية. 
قد يقول البعض إن الاتصال بالمصريين هو جري وراء البرغماتية. صحيح، كلنا برغماتيين، لكن يجب إن نعرف متى ومع منْ يجب أن نكون كذلك. في وجهة نطري التي من الممكن إن يراها البعض ضيقة ومنغلقة، البرغماتية يجب إن لا تتناقض مع المبادئ، ونحن كثورة، وكشعب معروف أننا أصحاب مبادئ، واحتراما لتلك المبادئ فبرغماتيتنا محدودة.. هل إذا طلبت منا إسرائيل أن نفتح لها سفارة في المستقبل في العيون بمقابل إن تفرض هي على المغرب إن يخرج من الصحراء نفعل.؟ في اعتقادي، لا نستطيع لإننا لا يمكن أن نتفق مع دولة تمارس الاحتلال على شعب مظلوم مثلنا مقابل مصالح نفعية. إذن، البرغماتية مع مصر جاءت في غير وقتها: مصر السيسي هي مصر السادات. ما لذي تغير.؟ لا شيء. 
وزير الخارجية المصري حين كان في الرباط محاطا بالبخور المغربي والنعناع والكسكسي، صرح إن مصر مع " الوحدة الترابية المغربية"؛ أي مع الاحتلال المغربي للصحراء. بعد عدة أيام فقط، بعد مكالمة تلفونية مع الوزير الجزائري للخارجية نجده يقول: مصر تدعم الأمم المتحدة في الصحراء". الصحافة التي جاءت مسافرة إلينا وقطعت آلاف الكيلومترات وصرفت ملايين الدولارات مقابل التذاكر، أصبحت الآن تطلب من السيسي زيارة المغرب لرأب الصدع مع المكل المغربي، وتقول أن الصحراء مستنقع.
إذن، يجب إن لا نخلط الانبهار بالرقص والغناء بالانبهار بالسياسة، ومن المعقول دائما التفكير والدراسة قبل التنفيذ.
السيد حمدي يحظيه 
كاتب صحراوي

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *