-->

اذا تزاحمت العقول خرج الصواب

عندما نتصفح تاريخ شعبنا النضالي وما حققه من مفاخر وامجاد عبر كفاحه المرير
وبالخصوص المعاصر منه ، و ما يعترض سبيله احيانا من عثرات يتماثل جلها في القبلية ، يتضح لنا ان تصالح القديم مع الجديد يكون دائما على حساب الاخير و يتبادر لنا طرح الاسئلة التالية : ما هي القبلية ؟ و لماذا ترافقنا ؟ ، لماذا لا تختفي نهائيا ؟ . لماذا تطفو على السطح من حين لآخر ؟، ماذا يشدنا اليها او يشدها الينا ؟ و لماذا تعرقل مسيرتنا دائما و تعترض خطانا ؟...اقترح على القراء الكرام التفكير في هذه الاسئلة قصد البحث عن اجوبة ، تتزاحم فيها الافكار وتتماها فيها عقول وطنية تتوج بجواب متكامل نير يفيد مسيرتنا التحريرية المظفرة نستطيع من خلاله التغلب على نقائصنا وأسباب ضعفنا و نحولها الى عوامل قوة.
اما انا من جهتي وبعد تحياتي للقارئ الكريم ، فأرى ان معرفة هذه الآفة الاجتماعية الخطيرة التي ترافقنا و كأنها شبح لا يفارقنا ، فهي رأس الخيط :
فالقبلية هي موروث اجتماعي قديم متخلف نشأ في المراحل البدائية من الحياة البشرية ، مبني على علاقة الدم ، نتج عن انصهار العشائر المهددة بالزوال ابان الحروب التي نشأت في المجتمعات البدائية بين مكوناتها العشائرية التي تقاتلت على قوتها اليومي ، و لحماية نفسها من الزوال شكلت تجمعات اكبر لزيادة قدرتها القتالية في ظروف يحتاج فيها الانسان الى قوة الحمية لضمان البقاء ، فتحولت بذلك العشائر الى قبائل ، في زمن ما قبل بداية استخدام الانسان للمنطق الذي تراكمت بموجبه تجارب انسانية تولدت عنها معارف بشرية ادت فيما بعد الى ظهور الدولة والتجمعات البشرية المنظمة ، اذ انه برز للوجود في زمن العدمية السياسية ، و هو ثاني تجمع بشري بعد تكوين العشائر ، و تشكل العشيرة بنيته الاساسية ، مما يجعله قابل الانقسام و العودة الى الوراء و التدمير الذاتي لأنه تطور غير طبيعي نتج في ظروف غير طبيعية ، بتحالف كيانات بدائية بدافع الخوف على الوجود الذاتي و حافظت بذلك على نفسها داخله مما يحول دون تسليم بعضها للبعض و عندما يزول التهديد تضعف رابطة الحلف بزوال مبرر وجودها الاصلي و تختفي العلاقة الفوقية لحساب العلاقات الأخرى و عند اول خلاف داخلي ، تبدأ بالتناحر فيما بينها بدافع العاطفة و المصلحة الضيقة التي تخفي المصلحة العامة عن الكل ، مما يجعله غير قادر على التطور ، فهو بالتالي عاجز عن تحقيق التقدم و مواكبة تطلعات الشعوب و آمالها و الوصول بها الى القفزات النوعية الضرورية الكفيلة بذلك فكل افراده لا ينقادون إلا لمصلحة ذاتية ضيقة او لخوف ما ، و عليه فهو مناف لمنطق الدولة و قد قامت اصلا على انقاضه و كانت بديلا عنه ، و نستنتج من كل ذلك ان الدولة القوية لا تقام إلا بزاله من المجتمع .
و في غمرة عجزه عن تلبية حاجيات مجتمعنا تاريخيا و محاولة من شعبنا التخلص من قيوده و التغلب على آثاره المدمرة في ظل التهديدات المستمرة التي كانت تواجهه باستمرار ، انبثق عنه تنظيم ايت اربعين الذي كان يعقد موسميا في ظروف محددة لمعالجة بعض شؤون المجتمع الملحة آنذاك و التي كانت تتطلب تدبيرا خارج الاطار القبلي ، ذلك التنظيم الذي شكل متنفسا للمجتمع ، كان له الفضل الدائم في الحيلولة دون التدمير الذاتي غير انه كانت تنقصه الشمولية و الديمومة ، و لو انه كانت تحصل في ظله بعض المكاسب غير انها تتلاشى بغيابه ، و نظرا لطبيعته غير الدائمة بالإضافة الى تخلفه ، عجز عن تحقيق آمال شعبنا الذي التمس العون من بعض جيرانه ابان المد التحرري الثوري العالمي في النصف الاخير من القرن الماضي و لم يجد فيهم ما يشفي غليله فكانت النتيجة مخيبة لآماله . مما دفع طلائعه الوطنية الى البحث عن بديل له ، منذ نهاية الخمسينات ، حين حصل على سيل من المكاسب الكبيرة التي حققها بكفاحه المرير و تضحياته الجبارة التي تلاشت هي الاخرى . و بعد مخاض عسير عبر سنوات عديدة من الجهد الجهيد استطاع تكوين تنظيمه بدءا بحركة تحرير الصحراء مرورا بالحركة الجنينية و وصولا الى الجبهة الشعبية و الوحدة الوطنية ، حيث انتقل بشعبنا من شعب مغيب ، مشتت ، ممزق ، مجهل و معزول عن العالم الى نقيض ما كان عليه ، فانخرط كل الشعب فيه واحتضنه و استكمل بذلك بقية مقوماته كشعب قادر على فرض وجوده على وطنه و انصبت بذلك كل جهوده في اتجاه تحقيق الاستقلال في مواجهة بطولية نادرة ضد الاستعمار و الغزاة و لازال يخوض غمارها حتى الان ، حيث فرض وجوده على اعدائه فاعترفوا له بحقه في تقرير المصير بعد ان كانوا ينكرونه ساعين الى ابادته ، و لو ان هذا الاعتراف كان كلمة حق يراد بها باطل يحاولون عبثا ان ينطلي عليه و هو بالمرصاد لهم ابدا. الا ان مخلفات الماضي و شوائبه من قبيل القبلية و غيرها لا تزال ترافقه و كلما غفل عنها و تراخى الا واجتاحته و حاولت حلول محل تنظيمه الوطني ، باعتبارها مألوف اجتماعي ، لان تركيبة المجتمع الاقتصادية و الاجتماعية لم تنمو وتنضج بعد بما فيه الكفاية ، مما يجعل المجتمع ارضية خصبة لذاك ، و هو الامر الذي لا شك ان اعداء شعبنا يعولون عليه للتحكم في رقابنا ، الشيئ الذي يتطلب منا دوام العناية بهذا التنظيم و صقله مما يلحق به من شوائب الماضي المألوف ، علما بأن هذه المخلفات ما هي الا فيروسات تلوث جسمنا فيصاب بالحمى ، و هو داء ما له من دواء سوى الرفع من مستوى هذا تنظيم الذي يستطيع سد السبل امام كل من يركب هذه الآفة الاجتماعية مطية لأغراضه الساسوية الضيقة . و من هنا تبرز معادلة مستديمة لا مناص منها الا بعد قطع اشواط في البناء بعد الاستقلال و هي انه كل ما زاد تحكم تنظيم الجبهة الشعبية انخفض خطر القبلية و كلما انخفض تحكم تنظيم الجبهة زاد خطر القبلية.
وعليه فان العناية بخط الجبهة سلوكا و فكرا و التمسك بتنظيمها كإطار جامع بصورة مستمرة امر ضروري لضمان عافية مسيرتنا المظفرة نحو تحقيق الاستقلال و خلق الارضية الملائمة لبناء الدولة. فأين نحن الان من كل ذلك ؟ نطرح هذا السؤال قصد تأمل وضعنا الحالي و استنتاج سبل التغلب الدائم على هذه الاَفة التي تظل ترافقنا و لمدة طويلة من الزمن. انه لمن المعلوم ان القبلية لا تفيد المصلحة العامة في شيء و ان الجبهة الشعبية هي الاطار الجامع الذي تعلق عليه كل آمال شعبنا و تكاد تكون غناية المساء و الصباح لدى الكل و ليس من خلاف في ذلك ، و معلوم ايضا ان القبلية لا تمارس في العلن و انما تمارس في تستر و تخفي مثلها مثل اية كبيرة من الكبائر تبعا لمآرب البعض ، الا ان القبلية عندما تتفشى تصبح مستنقعا يلطخ الجميع ، ويصبح كل شخص ينعت به سواه و هو ملطخ به و يختلط الحابل بالنابل و كأن الجميع كان في الطابق الاول و نزل للأسفل و كأننا نصعد و لا نغلق الباب امام الهبوط و تصبح الخيارات مفتوحة : من شاء طلب العلى و من شاء عاد الى الوراء و يتشابه التخاذل و العلى. و المصيبة هي ان تقع بعض طلائعنا في المستنقع و تغوص فيه و تشيع تلك الفاحشة في محيطها و تنتشر العدوى فتصبح لا تقود و لا تقاد. و منه فإن افترضنا البحث عن حل من اين نبدأ ؟ . يظن البعض انه باستبدال الطلائعي الغائص بطلائعي آخر تحل المشكلة ، و لكن لسان الحال يقول : مادام المستنقع على حاله فالمشكلة هي نفسها كائن من كان ، فأين المفر اذن ؟ الصعود الى العلى هو المفر والمنجى ، الرحيل عن المستنقع و سد باب الهبوط ليتزاحم اصحاب العلى على باب الطابق الاعلى. فاين توجد مفاتيح ذلك يا ترى ؟... ادبيات الجبهة و مؤسساتها ، القائم منها و الغائب يتستحدث . و لكن كيف يا ترى ؟....
اترك الاجابة لعزيزي القارئ الكريم الذي يعنيه الامر مثلي ليمعن التفكير في ذلك و يأتي بجواب شافي ، و "اذا تزاحمت العقول خرج الصواب ". و مادام الهدف هو بناء الدولة العصرية على كامل اراضي الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية ، قد نستنتج مما سبق انه لن يتأتى بناؤها الا بوجود تنظيم عصري قوي و متماسك يطمئن له الكل بعيدا عن التخلف و اسباب التشرذم ، و من جد وجد و من زرع حصد ، و من طلب العلى سهر الليالي ، فالنكون اذن في مستوى مسؤولياتنا التاريخية و النعظم بعظمة قضيتنا الوطنية المقدسة.
بقلم:محمد فاضل محمد اسماعيل obrero

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *