-->

الحل يكمن في تحويل المخيمات إلى مدن أسمنتية

في واقع الحال ما حدث من كارثة مادية لمخيماتنا، والتي تحولت هكذا أو أغلبها - إذا
جانبنا لغة التشاؤم- من مخيمات ذات بنية تحية تقاوم الرياح والشمس إلى خليط من الرمل والطين والطمى في ظرف يومين، يجعلنا نفكر في الكيفية التي يجب بها إعادة بناء هذه المخيمات من جديد بطريقة تقيها السقوط عند سقوط أول عشرة قطرات من المطر.. لقد بنينا ثم جاء المطر وأسقط ما بنينا، فأعدنا البناء وصرفنا الأموال التي هي غير موجودة أصلا، ثم جاء المطر وأسقط ما بنينا مرة أخرى فبنيناه من جديد، لكنه سقط.. لا توجد عائلة في المخيمات إلا وأعادت بناء بيوتها مرة أو إثنتين بسبب الأمطار أو الرياح، وبالتالي فإعادة السيناريو كل مرة قد يجعل مؤشر المعنويات ومؤشر الصمود يهبط، وكنتيجة لكل ذلك لابد من التفكير في كيفية تجعل ما يبني الناس يصمد أمام الفيضانات، وتجعلهم هم يصمدون ..
من هنا يجب أن نبدأ التفكير كلنا، وكل منا يأتي بأفكاره لعلنا نصل إلى فكرة تجعلنا نصمد أكثر.. في تقديري الشخصي، وأتمنى أن يبقى محصورا عليَّ فقط، أتصور أننا، بفعل صعوبة الحل في القضية للاسباب التي نعرف كلنا، قد دخلنا بالفعل في مرحلة لجوء طويل على شاكلة اللجوء الفلسطيني، وعلى هذا اللجوء يتوقف صمودنا أمام العدو.. فإذا صمدنا وصمدنا فإننا سننتصر لا محالة.. المغرب سيغادر الصحراء في يوم من الأيام، لكن المشكلة متى؟
إن اللجوء الطويل الذي قد ينتظرنا- لا قدر الله- سيفرض علينا، شيئنا أم أبينا، أن نتكيف معه، والتكيف معه لن يكون بالكلمات فقط ولا بالخطابات الرنانة ولا بالندوات وتقوية التنظيم السياسي.. التكيف معه يعني خلق أسباب صمود ملموس في الميدان، على الأرض، وجعل الحياة تسير بطريقة عادية دون مشاكل.. من البديهي أن أول ركائز الصمود في اللجوء ستكون كالآتي: المسكن، الضوء، الطريق، خلق أقتصاد من نوع الأقتصاد الذي يناسب اللجوء، هذا دون إهمال، طبعا، التلعيم والصحة وكل المؤسسات الآخرى..
إذن، المسكن القوي، المريح هو دعامة أي صمود، وهو أول ما يجب التفكير فيه من الآن فصاعدا.. يمكن أن البعض قد يقول أننا إذا بنينا في أرض غير أرضنا قد ننسى وطننا.. هذه فكرة غبية، لا يوجد صحراوي واحد سينسى وطنه، وإذا جاء الاستقلال سيرحل الجميع ويترك تلك المساكن للريح أو لسكان أخر.. يمكن أيضا أن يقول البعض أننا لا نمتلك المال لبناء مساكن.. نبدأ نحلل هذه الفكرة. أولا الأرض التي سيتم البناء عليها موجودة وطبعا، الجزائر سوف لن تطردنا منها، بل أظن أن الجزائر تريد من يعمر هذه الأراضي..الذي قد ينقص فقط هو وسائل البناء.. صحيح الناس ليس لديها مال، لكن لننظر إلى الصورة التالية: شاب تزوج، أراد أن يبني بيتا من الطوب وصفائح الزنك، وحين ينتهي ويحسب ما صرف في الطوب والصفائح سيجده حوالي 50 مليون جزائري.. هذه الخمسين مليون جزائري لو صرفناها في بناء بالأسمنت المسلح ستبني لنا منزلا قويا متواضعا لن يتهاوى إذ اسقطت خمس قطرات من المطر..
إذن، وضع استراتيجية لتحويل مخيماتنا إلى قرى صغيرة بالأسمنت قد يكون هو الحل في المستقبل.. أتصور أنه في ظرف قصير لا يتجاوز الخمس سنوات ستصبح كل مخيماتنا مدنا اسمنتية فيها الضوء وتتوفر، على الأقل، على مناعة في وجه الفيضانات..
أكرر: لا بد من توفر شرط أن يحدث هذا في إطار استراتيجية وطنية تشرف عليها الدولة، وتتعاون على تنفيذها المنظمات الدولية، الدول الشقيقة الكثيرة والغنية، وطبعا، المواطنون.. مثلا لِمَا لا نضع في برنامجنا العمل الوطني للمؤتمر القادم هذه الفكرة فقط ونعمل على تنفيذها بطريقة منظمة....
لكن البناء يجب أن لايكون فوضويا.. بمعنى أن يجب أن يتم وفقط معايير معينة، وأن يتم الإشراف عليه من طرف الدولة، وتكون تلك القرى منظمة، بينها شوارع تمر منها السيارات، وأماكن واسعة.. نجاح هذه الفكرة يتطلب أن تكون هي الاستراتيجية المقبلة وهي الأولوية، وأن يتم التنسيق لإنجاحها بين الدولة الصحراوية، الدول الصديقة، والمنظمات الدولية التي تدعم اللاجئين.. التنسيق يجب أن يتم على مستوى تقديم الدعم بجلب شركات جزائرية للاسمنت، تسهيل المواد الأولية للبناء وحتى دعم الناس ماديا لتبني.. اليد العاملة لن يكون فيها مشكل وأكثرية الناس لها تجربة في هذا الميدان.. قطعا أن مئتي ألف مسكن لن تكون عبئا على العالم.
أعيد القول أن الدخول في مرحلة لجوء طويل تفرض علينا أن نبني بالأسمنت، ونحول مخيماتنا إلى قرى.. فحتى إذا تركناها، وعدنا لوطننا سنترك للجزائر قرى ومدنا صالحة للحياة، وأتصور الآن أن الجزائر تضع هذا في الحسبان.. أي، أننا إذا غادرنا أرضها ستبني الدولة الجزائرية مدنا وقرى في مكان مخيماتنا خاصة إذا أصبحت هناك بنى تحية مثل الضوء والطرق المعبدة.. إن الجزائر تنظر إلى المستقبل، وتعرف أنه في حالة حل قضية الصحراء الغربية سيتم فتح الحدود في كل الأتجاهات وتعبيد الطرق: طرق معبدة إلى موريتانيا، إلى المغرب، إلى الصحراء الغربية، وستعود مدينة تندوف إلى مدينة "مكار" وتجارة يأتيها تجار المدن النائية ممثل الزويرات طانطان، التفاريتي، المحبس إلخ..
من الأفضل أن نترك أثارا قائمة تشهد أننا مررنا من هناك ويقال: تلك آثارنا تدل علينا فأنظر بعدنا إلى الآثار.. أفضل بكثير من أن نترك ركام من الطوب والتكسير بشكل فوضوي..
بقلم : السيد حمدي يحظيه

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *