-->
طغى موضوع لكويرة الصحراوية هذه الأيام على الواجهة الإعلامية السياسية، بسبب رفع العلم الموريتاني فيها مخلَّفاً وراءه عدة تساؤلات عن الوضع القانوني و السياسي للمدينة المهجورة. و رغم اعتراف الجانب الموريتاني بأنها مدينة صحراوية في الاتفاق الذي وقع عليه مع البوليساريو في الجزائر 5 أغسطس 1979، فإن واقع المدينة جعل من وضعها مبهماً سياسيا، فالمغرب يعتبرها منطقة تابعة له رغم خروجها عن جدار الاحتلال، والبوليساريو تعتبرها منطقة محررة، و موريتانيا تطبق فيها سياسة الأمر الواقع من خلال التواجد فيها. ومع بروزها كمعطاة جديدة وميدان تجاذب إقليمي بين أطراف النزاع تبرز الحاجة الى دراسة التعاطي السياسي الموريتاني وانعكاساته على مدينة لكويرة بصفة خاصة والقضية الصحراوية بصفة عامة. يحاول النظام الجديد في موريتانيا عدم الظهور بموقف المتفرج والخروج من توصيف الحلقة الأضعف إقليميا في الصراع الدائر في المنطقة المغاربية، فهو يسعى جاهداً إلى الاستغلال والاستفادة سياسياً و اقتصاديا من أزمة الصحراء الغربية من جهة، و الصراع الجزائري المغربي من جهة أخرى، متبنينا سياسة الحياد التي عنونت أدبيات النظام في موريتانيا وتعاطيه مع تطورات القضية الصحراوية . وتميزت السياسة الموريتانية في السنوات الأخيرة بتحول سياسي ملحوظ من خلال محاولة لعب دور محوري و قاري "رئاسة الاتحاد الأفريقي"، و إقليميا من خلال منطقة الساحل و الصحراء، وتبني التغيير كأسلوب تعامل مع جيرانها الشماليين، اتسم بالجرأة و الحزم و التهور ، بعد أن كانت مسرحًا لصراعهم. تحاول نواكشوط من خلال هذه الإستراتيجية فرض أسلوب جديد على كل طرف، ترجم من خلال عدة مواقف سياسية وعملية ،فطرد الدبلوماسي الجزائري بلقاسم شرواتي بتهمة بالوقوف وراء مقال صحفي زعمت أنه “يزعزع” علاقاتها مع المغرب، ورفض نواكشوط تعين سفيرا لها بالمغرب منذ 5 سنوات، ثم طرد مراسل "وكالة أنباء المغرب العربي للأنباء" المغربية. وكذا التضييق على السكان البدو الصحراويين، عبر المناطق الحدودية الصحراوية الموريتانية، ثم التعامل بصرامة وحتى الإجحاف أْحـيـانـاً كعملية "بئر أم اكرين" هي ابرز عناوين العلاقات الموريتانية إقليميا وهو ما يفسر التحولات في التعاطي الرسمي الموريتاني مع معطيات الأحداث في المنطقة. وبدل أن نتابع أحداث الحلقة بصمت وخشوع مثل غيرنا، نحاول قراءة خلفيات هذا الخطوة الغريبة و المبهمة في آن واحد . لماذا رفع العلم الموريتاني في هذا الوقت بالذات؟. هل هي صفقة سياسية مع احد الأطراف المتنازعة على منطقة الصحراء الغربية، يراد من خلالها توريط موريتانيا والرجوع إلى ما قبل 1979، والزج بها في صراع مع الطرف الأخر ؟. أم أن الخطوة تدخل في إطار لعبة دولية بخلفيات أمنية، دافعها اتساع نفوذ ورقعة الحركات الإسلامية في منطقة الحدود الشرقية "مالي و ليبيا"، وتوكيل موريتانيا حماية المنطقة المتاخمة لحدودها الجغرافية "مدينة انواذيبو 15 كلم"، ثم تكليفها بحماية جزء مهم من الشريط الأطلسي، ساهمت في تسريعه وطرح إشكاله، "سقوط المروحية" الاسبانية على الحدود المجاورة للكويرة، و الطريقة العشوائية التي تعامل بها الطرف المغربي مع الحادثة. أم أن الحادثة مجرد عمل فردي من الجانب الموريتاني، يدخل في إطار التوجه السياسي العام لنظام ولد عبد العزيز، الذي يتسم بالجرأة في اتخاذ المواقف السياسية ذات الخلفية البرغماتية. ؟ إن الاستعراض العسكري الأول من نوعه خارج مدينة نواكشوط في عيد الاستقلال الخامس و الخمسين، الذي أقيم في مدينة نواذيبو المحاذية للحدود الصحراوية ليس حدثا داخليا فحسب ، بل ان مشاركة فرقة من المشاة في القوات المسلحة الملكية في عيد استقلال موريتانيا، ترك أكثر من علامة استفهام حول جدوائية وخلفية المشاركة المغربية ، والرسائل الموجهة من خلال التواجد العسكري المغربي في الاستعراض بمدينة "نواذيبو" الحدودية ! ! . ثم أن توقيت الحملة المغرضة و الغير بريئة، من بعض وسائل الأعلام الموريتانية المستقلة، التي وصل بها الأمر إلى وصف المناطق الصحراوية "بالأقاليم الجنوبية"، وحنين بعضها إلى سنوات الحرب، ومحاولة تزييف الحقائق التاريخية والتغطية على فشل نظام ولد داداه، من خلال إرباك الشارع الموريتاني، و الترويج بأن حرب الصحراء قضية وطنية وليست شخصية، ولا تمثل نظاما بعينه مؤشرات على تحولات إعلامية وسياسية داخلية تؤثر بشكل كبير على العلاقات البينية مع الشعب الصحراوي. وفي ظل كل هذه التطورات يقف النظام الصحراوي موقف المتفرج، ويلف موقفه الكثير من الضبابية والغموض، رغم أن المدينة صحراوية، وتبني الصمت واللامبالاة يكلفنا التفريط في احد أهم المدن المحررة استراتيجيا والتي يشكل موقعها ساحة للتجاذب الإقليمي والدولي . إن التطورات المتسارعة والتحديات الإقليمية في المنطقة تدفعنا إلى التعاطي بشجاعة وحنكة وصرامة، لمراجعة كل سياساتنا ومواقفنا ومفردات خطابنا، وشجاعة أخرى لتجاوز الجراح التي أثخنت قلوبنا ، فالجرح مهما كان قاسياً يبقى خطرا حين يسيطر على العقل ويحدّد السياسات والمواقف. فهل يتبنى النظام الصحراوي الصمت ويلعب دور المتفرج وانتظار رد الفعل كمحدد للسياسة الخارجية والتعاطي مع دول الجوار في انتظار كارثة رسم خرائط وطننا بأيدي صناع المشهد في القارة.؟
محمد لمين عبد الرحمان