-->

تصفح في فكر الانسان الصحراوي

هل يمكن الكلام عن الوقت كقيمة مادية ؟ او بكلمة أخرى هل للوقت ثمن ؟ لا شك ان
الجواب البديهي هو بلى.
لكن اليس كل جواب يزرع او ينبت اكثر من سؤال ...
ان الوقت هو مكسب نحاسب عليه اليوم و غدا و حتى الامس سنحصد ثماره اليوم و غدا إيجابا او سلبا , و تقول العرب : "الوقت كالسيف ...ان لم تقطعه قطعك ".
و معنى ذلك ان الوقت لك او عليك , و مفاده انه ثروة نستغلها او نهدرها , نستفيد منها او نبذرها ,,,
و كل منا يعرف ان الوقت مرتبط بالإنسان , و عمل الانسان الصحراوي في اطار بناء فلسفته على اعتماد احترام الوقت كعامل رئيسي و ظل من المبادئ الأساسية للثورة , التي كنا صغارا نحفظها عن ظهر قلب , غير ان قيمته العظمى لم نكن نفهمها , وان كنا نرى مفعولها ملموسا على الأرض ... و تجلياتها بينة و ظاهرة في ثقافتنا ثقافة المسلم كأوقات العبادات كالصلاة والزكاة والصوم والحج التي ترتبط جذريا به كمكون أساسي وقاعدي وجذري في عقل وفكر الانسان الصحراوي , وميراثا متأصلا في تكوينه و عقيدته التي امتدت عبر أجيال كثيرة الى ان رست الينا.
و كان استغلال الوقت في سنوات الثورة الأولى استغلالا قد يصل الى المثالية , حيث اضحت المخيمات عند دق الجرس , خاوية كل الى عمله, و لم يكن هناك وقت أصلا لهدره او تبذيره كانت النساء مقسمة الى لجان و كل لجنة لها عملها و انشغالاتها و كان الرجال في جبهات القتال كل له دوره ومهمته ومعركته , و حتى كبار السن ظلوا يقومون بعمل الحراسات في نقاط الدخول و الخروج الى الولايات و المؤسسات زد "ذوي الاحتياجات الخاصة " عقليا لهم ايضا عملهم و لم يكن هناك انسان يملك وقت الا و استغل الى اقصى الحدود.
فلسفة ورؤية وان لم يعمق النقاش فيها وتسليط الضوء عليها كفكر , ليس خيالا و لا تنظيرا على الورق , بل انه عِيش و مُورس على ارض الواقع . و اعطى تلك النقلة العملاقة للشعب الصحراوي , من العدمية السياسية كتعبير للولي مصطفى السيد "عن القبلية" , الى انسان دولة له من الوعي السياسي و المدني و الحضاري الكثير والذي لا زلنا نعيش في ظلال امتداداته.
و كان جواب المثقف و البرلماني الموريتاني الأستاذ "مصطفى و لد بدر الدين" في احد البرامج التلفزيونية عن إمكانية إقامة فدرالية في المستقبل بين الجمهورية الإسلامية الموريتانية و الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية
كان جوابه انه لا يتوقع ذلك حيث ان "بناء الانسان الصحراوي فكريا متقدم على كل دول الجوار , و انها ستجره الى الوراء سنوات , واردف ان نصف المجتمع يعني المرأة الصحراوية متقدم كثيرا" و عبر عنها بكلمة "متروشة", في سياق انها حاضرة بفعالية .
و نحن الآن لا نكتب جزافا و لكن نكتب كي تبقى الذاكرة نشطة و شعب بلا ذاكرة لا يمكن ان يفهم الحاضر و لا يستحق المستقبل .
لا شك ان تلك الفلسفة او الفكر لم يكن منحة او حبا او قدرة فائقة وتفوقا لنا على غيرنا , بل كانت نتاج حالة حرب و حرب إبادة تهدف الى افناء شعبنا , وقد ابيدت شعوبا عن بكرة ابيها لا الحصر شعب الابلاش "الهنود الحمر" و ما بقي منها صاروا هم الغرباء في الولايات المتحدة الامريكية و غيرهم شعوبا كثيرة ....
و أعطيت لابادتنا الإشارة الخضراء لملك المغرب في تنفيذ تلك المهمة القذرة و استلم السكين كي يجهز علينا دون رحمة و لا شفقة و هيئت له الأرضية و استلمت القوات المغربية الثكنات الاسبانية واحدة واحدة بالتحية العسكرية المعروفة عند انتهاء المهمة و الشروع في مهمة جديدة , و أدخلت موريتانيا في العملية لاعطاء التبرير الواهي و اصطفت الدول الغربية ظهيرا للمغرب و دعم بالسلاح و المال الخليجي في حرب على شعب اعزل , كان الرهان على سرعة العملية التي كانت الاوساط الاستعمارية تتوقع انهاءها في أسبوع غير انها امتدت الى ستة عشر سنة و انتهت بركوع المغرب وقبول الاستفتاء الذي رفضته اسبانيا وتهربت منه سابقا.
و لا يمكن الاسهاب في تحليل المراحل التي كانت نتيجتها فشل مشروع الإبادة , بل كانت دافعا لقيام الدولة الصحراوية العصرية و تميز و عبقرية الانسان الصحراوي
في شخصيته و فكره و كان من وراء ذلك إضافة الى عوامل متعددة قيمة الاستغلال الأمثل للزمن.
ان فلسفة الوقت هي جزء من فلسفة تكوين الانسان الصحراوي المثالي ,الذي كان لا بد له من ان يكون متشكلا في قالب جديد ليواجه تحدي التفوق العددي للعدو بالتفوق النوعي .
ان حركة المجتمع كانت تبدأ من القاعدة من الانسان المواطن البسيط الذي كان في الخلية كأصغر مكون سياسي تنظيمي يقدم الفكرة و الملاحظة التي تنقل بتنظيم محكم الى العريف او العريفة ثم الى امين الفرع الثوري في الدائرة ثم الى الفرع الولائي ثم الى امانة الفروع ...ثم الى القيادات كي تتخذ القرارات السليمة و ترد على التساؤلات و الانشغالات المطلوبة ...
و كان الجيش منظم بطريقة مشابهة عبر المحافظة السياسية لجيش التحرير الشعبي الصحراوي...
و المؤسسات كلها تعليم ًصحة ...الخ , تعمل بنفس الوتيرة .
تلك التجربة و المعلومات اليومية صارت تقارير ثرية بالمعلومات و الأفكار من اجل التقييم و التقويم والإصلاح والتحليل و بالتالي مشاركة مجتمع بالكامل في صنع الفكرة و العقل بشكل يومي و هو ما يعطي للقائد الخيارات الواسعة و الغير محدودة 
في اتخاذ القرار السليم...
كان لزاما ان يفهم المواطن ان مساهمته بوقته في النقاش و رأيه و فكرته مهمة في تحقيق النصر , ثم ان ذلك كان جزءا من الوقت و تجمع العراف جزءا آخر....وهكذا كلما علا السلم التنظيمي زاد وقت المسؤولية والحمل ونقص الوقت الذي يمتلك الانسان لنفسه و بالتالي كلما علت المسؤوليات كان طبيعيا ان تكون راحة المناضل اقل.
وسنكتشف حجم الوقت الذي يقتضيه امين عام للجبهة الشعبية كالشهيد الولي مصطفي السيد , 
لان تلك التقارير تحتاج كلها الى الردود الحقيقة و الآنية و المستمرة ...
كان النظام يكبر و تتسع مساحة الأفكار و أضيفت الكثير من المهام التي أصبحت تحدى مع الثنائية المتلازمة : الدولة و الجبهة...
و الحال هذه و في ظروف الحال المعاش اليوم الذي يتطلب من المسؤول بدل الاعتماد على التقارير , الاعتماد على مجلس المستشارين او الإداريين , و لنتصور حجم الفكر و الطاقة و العمل الذي يجب بذله من اجل جمع معلومات كالتي كانت تأتي من ذلك النسيج العجيب و كيف نتصور كم يحتاج من الوقت و كم من تجمع ليحصل عليها...
و ما هو حكمنا اليوم على مسؤول يتجول هنا و هناك و في البادية وبعيد عن محل عمله وكم يهدر من الوقت الثمين ؟ وكم هو مقصر وبعيد كل البعد عن المسؤوليات الجسام الملقاة على كاهله في عالم اليوم الذي يلهث و يسير بسرعة الانترنت ...
ان المسؤوليات جسام , والعبرة في الوقت ,
"قل لي اين انت اقل لك من انت"...
نتمنى ان نعقل كلنا هذه القيمة التي ميزت شعبنا و ان نعمل جميعا في جمع تلك الثروة الوقت كي ننتصر بها دائما و ان نصدر هذا العقل الصحراوي و تجربتنا الفريدة الى العالم و انه في امس الحاجة الينا في المشاركة في حل مشاكله الكثيرة. 
و نذكر هنا لا الحصر فلسفة او حكمة الشعب الصحراوي في القضاء على "ظاهرة التسول" التي تقض مضاجع العالم و نتمنى ان يغنينا استغلال الوقت في ان لا نبقى نعتمد على التسول على أفكار الآخرين و نترك ثروة من الأفكار نمتلكها في انتظار إعادة تفعيلها من جديد و منها لب المقال "استغلال الزمن" عند الانسان الصحراوي.
بقلم: حمدي حمادي

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *